بدون مؤاخذة- اليهود العرب

ب
تتذاكى الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وتتفنن في فن ادارة الصراع الشرق أوسطي، فهي تحاول دائما التهرب من متطلبات السلام العادل والدائم الذي يحفظ حقوق دول وشعوب المنطقة، وذلك لتمرير المشروع الصهيوني القائم على التوسع وفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة العسكرية، وهذا ليس جديدا على سياساتهم، فقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 181 والمعروف بقرار التقسيم والصادر في 29 نوفمبر 1947، يعتبر شهادة ميلاد أممية لاسرائيل التي قبل قادة الحركة الصهيونية به قبل إقامة اسرائيل كدولة، لكنهم تخلوا عن نصف شهادة الميلاد الذي يتضمن اقامة دولة فلسطينية عربية أيضا بجانب اسرائيل، وهكذا….وتفتقت عقليتهم لاحقا وفي القرن الحادي والعشرين عما أسموه” يهودية دولة اسرائيل” واعتبروه شرطا مسبقا للوصول الى اتفاقات سلام-مع ما يحمل هذا الطرح من عنصرية تقضي بعدم السماح لغير اليهود في البقاء في هذه الدولة- واستمروا في الاستيطان الذي يجعل امكانية قيام دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في حرب حزيران 1967 ضربا من ضروب الخيال الذي لا ينطبق على ارض الواقع، وكثيرة هي شطحاتهم في التهرب من القانون الدولي ومن قرارات الشرعية الدولية، لكن آخر ما تفتقت عنه ذهنيتهم هو حقوق اللاجئين اليهود من الدول العربية، وذلك لوضعها معادلا لحقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم تحت ويلات حروب جائرة وغير متكافئة. ففي سبعينات القرن الماضي تشكلت”المنظمة العالمية ليهود الدول العربية” وفي العام 2000 طُرحت القضية مرة أخرى على المفاوض الفلسطيني في كامب ديفيد، وها هي حكومة نتنياهو تعيد طرحها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة  هذا الشهر.
وبما أنه من البدهيات أن اللاجئ هو من يترك وطنه، ويلجأ لدولة أخرى لسبب جائر ومنها الحروب والصراعات، إلا أن القانون الاسرائيلي يعتبر اليهود “اللاجئين” الى اسرائيل عائدين الى أرض الآباء والأجداد، ويعتبرهم”عوليم” أي صاعدين لتحقيق أهدافهم، أي أنهم ليسوا لاجئين حسب قوانين اسرائيل التي تثير قضيتهم كلاجئين. ولعل جميع العالم يذكر الحملات الاعلامية والدبلوماسية التي كانت تقوم بها اسرائيل وبدعم أمريكي وغربي ضد الدول التي كانت تضع قيودا على هجرة مواطنيها اليهود الى اسرائيل، ومنها دول عربية ودول مجموعة الدول الاشتراكية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، ولا يزال العالم وسيبقى يذكر كيف تم تهجير يهود الفلاشا من اثيوبيا عبر السودان في عهد جعفر النميري، في عملية قرصنة سرية، وأن الحكومة الاسرائيلية في حينه اعتبرت ذلك عملا بطوليا، والحديث يطول عن عمليات تهجير اليهود من الدول التي كانوا يعيشون فيها مواطنين كاملي الحقوق الى اسرائيل.
وعند الحديث عن اليهود العرب المهاجرين من دولهم العربية، فانه يجب الانتباه الى أنهم ينقسمون الى عدة اقسام منها:
أ) يهود هاجروا طواعية بعدما تشبعوا بالفكر الصهيوني من خلال مندوبي الوكالة اليهودية الذين كانوا ينتشرون في المنطقة حتى قبل قيام دولة اسرائيل.
ب) يهود هاجروا هربا بحياتهم نتيجة أعمال ارهابية قام بها ارهابيون يهود مبعوثون من الحركة الصهيونية، واستطاعوا تشغيل عملاء عرب لتنفيذ مهماتهم، وقد كتب عن ذلك مطولا المؤرخ الاسرائيلي “أطلس” خصوصا فيما يتعلق بهجرة يهود العراق، حيث تمت زراعة عبوات ناسفة في مدرسة يهودية قتلت وأصابت عددا من الأطفال اليهود، كما استأجروا عملاء عربا للاعتداء على وجاهات الطائفة اليهودية لاجبارهم على الهجرة الى اسرائيل هربا بحياتهم.
ج) يهود هُجّروا بالقوة في اتفاقات بين اسرائيل وبريطانيا من جهة وبين حكومات عربية من جهة أخرى، ارتبطت باسرائيل مباشرة أو عن طريق وسيط غربي.
أعرف يهوديا كرديا عراقيا -لا يزال حيّا يرزق- وهو شيوعي يعادي الصهيونية، يروي قصته بألم فيقول بأنه سجن في العام 1951 في سجن”نقرة السلمان”لأنه كان يحرض اليهود العراقيين على عدم ترك وطنهم العراق، وعدم الهجرة لاسرائيل، وتم تحميله من السجن مقيدا الى الطائرة في مطار بغداد ليستلم جواز سفره العراقي المكتوب على صفحته الأولى بحبر أحمر”مجرم شيوعي” وعليه ختم وزارة الداخلية العراقية، لتقله الطائرة وأفراد عائلته ويهودا آخرين الى مطار اللد في رحلة مباشرة.
ومن يختلط بيهود قادمين من دول عربية خصوصا من العراق ودول شمال افريقيا واليمن سيجد أنهم لا يزالون يبكون على النعيم الذي كانوا يعيشونه في تلك الدول، وهم لا يتركون فرصة تسنح لهم بزيارة الدول التي قدموا منها، ولا يزالون حتى أيامنا هذه يقومون بزيارات الى الدول التي هاجروا منها وتسمح لهم بذلك مثل المغرب وتونس وشمال العراق.
ومعروف أن حل مشكلة اللاجئين في مختلف دول العالم تتمثل بحقهم في العودة الى ديارهم، فهل ستوافق الحكومة الاسرائيلية التي تطرح مشكلة”اللاجئين اليهود من الدول العربية” إلى إعادة هؤلاء اللاجئين الى ديارهم؟ والجواب بالتأكيد هو “لا” كبيرة، لكنها تهدف الى تفريغ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من مضمونها، وتحميل هذه المشكلة للدول العربية، وبالتالي مطالبة الدول العربية بتوطين هؤلاء اللاجئين في هذه الدول، دون أن يكلف اسرائيل شيئا أو يحملها أية مسؤولية مالية أو أخلاقية تجاه اللاجئين.
واذا كنا نطالب بحقوق اللاجئين الفلسطينيين كاملة غير منقوصة بما فيها حق العودة، فاننا لا ننكر الحقوق الفردية لليهود القادمين من الدول العربية، والتي أجبروا على تركها.
25-9-2011

جميل السلحوت:بدون مؤاخذة- اليهود العربتتذاكى الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وتتفنن في فن ادارة الصراع الشرق أوسطي، فهي تحاول دائما التهرب من متطلبات السلام العادل والدائم الذي يحفظ حقوق دول وشعوب المنطقة، وذلك لتمرير المشروع الصهيوني القائم على التوسع وفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة العسكرية، وهذا ليس جديدا على سياساتهم، فقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 181 والمعروف بقرار التقسيم والصادر في 29 نوفمبر 1947، يعتبر شهادة ميلاد أممية لاسرائيل التي قبل قادة الحركة الصهيونية به قبل إقامة اسرائيل كدولة، لكنهم تخلوا عن نصف شهادة الميلاد الذي يتضمن اقامة دولة فلسطينية عربية أيضا بجانب اسرائيل، وهكذا….وتفتقت عقليتهم لاحقا وفي القرن الحادي والعشرين عما أسموه” يهودية دولة اسرائيل” واعتبروه شرطا مسبقا للوصول الى اتفاقات سلام-مع ما يحمل هذا الطرح من عنصرية تقضي بعدم السماح لغير اليهود في البقاء في هذه الدولة- واستمروا في الاستيطان الذي يجعل امكانية قيام دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في حرب حزيران 1967 ضربا من ضروب الخيال الذي لا ينطبق على ارض الواقع، وكثيرة هي شطحاتهم في التهرب من القانون الدولي ومن قرارات الشرعية الدولية، لكن آخر ما تفتقت عنه ذهنيتهم هو حقوق اللاجئين اليهود من الدول العربية، وذلك لوضعها معادلا لحقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم تحت ويلات حروب جائرة وغير متكافئة. ففي سبعينات القرن الماضي تشكلت”المنظمة العالمية ليهود الدول العربية” وفي العام 2000 طُرحت القضية مرة أخرى على المفاوض الفلسطيني في كامب ديفيد، وها هي حكومة نتنياهو تعيد طرحها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة  هذا الشهر.وبما أنه من البدهيات أن اللاجئ هو من يترك وطنه، ويلجأ لدولة أخرى لسبب جائر ومنها الحروب والصراعات، إلا أن القانون الاسرائيلي يعتبر اليهود “اللاجئين” الى اسرائيل عائدين الى أرض الآباء والأجداد، ويعتبرهم”عوليم” أي صاعدين لتحقيق أهدافهم، أي أنهم ليسوا لاجئين حسب قوانين اسرائيل التي تثير قضيتهم كلاجئين. ولعل جميع العالم يذكر الحملات الاعلامية والدبلوماسية التي كانت تقوم بها اسرائيل وبدعم أمريكي وغربي ضد الدول التي كانت تضع قيودا على هجرة مواطنيها اليهود الى اسرائيل، ومنها دول عربية ودول مجموعة الدول الاشتراكية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، ولا يزال العالم وسيبقى يذكر كيف تم تهجير يهود الفلاشا من اثيوبيا عبر السودان في عهد جعفر النميري، في عملية قرصنة سرية، وأن الحكومة الاسرائيلية في حينه اعتبرت ذلك عملا بطوليا، والحديث يطول عن عمليات تهجير اليهود من الدول التي كانوا يعيشون فيها مواطنين كاملي الحقوق الى اسرائيل. وعند الحديث عن اليهود العرب المهاجرين من دولهم العربية، فانه يجب الانتباه الى أنهم ينقسمون الى عدة اقسام منها:أ) يهود هاجروا طواعية بعدما تشبعوا بالفكر الصهيوني من خلال مندوبي الوكالة اليهودية الذين كانوا ينتشرون في المنطقة حتى قبل قيام دولة اسرائيل.ب) يهود هاجروا هربا بحياتهم نتيجة أعمال ارهابية قام بها ارهابيون يهود مبعوثون من الحركة الصهيونية، واستطاعوا تشغيل عملاء عرب لتنفيذ مهماتهم، وقد كتب عن ذلك مطولا المؤرخ الاسرائيلي “أطلس” خصوصا فيما يتعلق بهجرة يهود العراق، حيث تمت زراعة عبوات ناسفة في مدرسة يهودية قتلت وأصابت عددا من الأطفال اليهود، كما استأجروا عملاء عربا للاعتداء على وجاهات الطائفة اليهودية لاجبارهم على الهجرة الى اسرائيل هربا بحياتهم.ج) يهود هُجّروا بالقوة في اتفاقات بين اسرائيل وبريطانيا من جهة وبين حكومات عربية من جهة أخرى، ارتبطت باسرائيل مباشرة أو عن طريق وسيط غربي.أعرف يهوديا كرديا عراقيا -لا يزال حيّا يرزق- وهو شيوعي يعادي الصهيونية، يروي قصته بألم فيقول بأنه سجن في العام 1951 في سجن”نقرة السلمان”لأنه كان يحرض اليهود العراقيين على عدم ترك وطنهم العراق، وعدم الهجرة لاسرائيل، وتم تحميله من السجن مقيدا الى الطائرة في مطار بغداد ليستلم جواز سفره العراقي المكتوب على صفحته الأولى بحبر أحمر”مجرم شيوعي” وعليه ختم وزارة الداخلية العراقية، لتقله الطائرة وأفراد عائلته ويهودا آخرين الى مطار اللد في رحلة مباشرة.ومن يختلط بيهود قادمين من دول عربية خصوصا من العراق ودول شمال افريقيا واليمن سيجد أنهم لا يزالون يبكون على النعيم الذي كانوا يعيشونه في تلك الدول، وهم لا يتركون فرصة تسنح لهم بزيارة الدول التي قدموا منها، ولا يزالون حتى أيامنا هذه يقومون بزيارات الى الدول التي هاجروا منها وتسمح لهم بذلك مثل المغرب وتونس وشمال العراق.ومعروف أن حل مشكلة اللاجئين في مختلف دول العالم تتمثل بحقهم في العودة الى ديارهم، فهل ستوافق الحكومة الاسرائيلية التي تطرح مشكلة”اللاجئين اليهود من الدول العربية” إلى إعادة هؤلاء اللاجئين الى ديارهم؟ والجواب بالتأكيد هو “لا” كبيرة، لكنها تهدف الى تفريغ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من مضمونها، وتحميل هذه المشكلة للدول العربية، وبالتالي مطالبة الدول العربية بتوطين هؤلاء اللاجئين في هذه الدول، دون أن يكلف اسرائيل شيئا أو يحملها أية مسؤولية مالية أو أخلاقية تجاه اللاجئين.واذا كنا نطالب بحقوق اللاجئين الفلسطينيين كاملة غير منقوصة بما فيها حق العودة، فاننا لا ننكر الحقوق الفردية لليهود القادمين من الدول العربية، والتي أجبروا على تركها.25-9-2011

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات