بدون مؤاخذة-الاسلام فوبيا والارهاب العالمي

ب

المذبحة التي ارتكبها ارهابيون واستهدفت المصلين الرّكع السّجود في مسجدين في نيزيلاندا ليست مفاجئة، وليست وليدة اللحظة، بل هي تراكمات سنوات من التّحريض شارك فيها مسؤولون غربيّون في مختلف المناصب، وسخّروا لها طاحونة إعلام هائلة، لتحقيق الأهداف الامبرياليّة المتمثّلة بالسّيطرة على الشّعوب ونهب خيرات بلدانهم.
وإذا كانت هذه المجزرة تذكّرنا بالمذبحة التي ارتكبها الطّبيب الصّهيوني سيّء الذّكر باروخ جولدشتاين، واستهدف فيها الصّائمين الرّكّع السّجود في الحرم الإبراهيمي في الخليل في شباط-فبراير- 1994، وحصد فيها أرواح العشرات. إلا أنّ هكذا مجزرة تعيدنا إلى بداية تسعينات القرن العشرين، وبعد انهيار الاتحاد السّوفييتي ومجموعة الدّول الإشتراكيّة، حيث بحثت الإمبرياليّة عن عدوّ جديد، وبدأت في شيطنة الإسلام والمسلمين، تمهيدا لحروبها في العالم، وجرى هذا بعد أن تحالفت دول عربيّة وإسلاميّة مع الإمبرياليّة الغربية في محاربة السّوفييت وما أسموه خطر الشّيوعيّة، وجنّدوا جماعات من جماعات الإسلام السّياسيّ للقيام بهذه المهمّة، وكانوا يطلقون عليهم “الجدار الواقي من خطر الشّيوعيّة”. ومن هنا انبثقت حركات ارهابيّة مثل عصابات القاعدة وطالبان وغيرهما، والتي انطلقت بعد أن انتهت مهمّتها في أفغانستان وغيرها على من أسّسوها وموّلوها ودعموها وسلّحوها ودرّبوها، وكانت نتائج ذلك وخيمة أيضا ومنها أحداث برجي التّجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر 2001. لكنّ القوى الإمبرياليّة لم تتوقّف في أطماعها عند ذلك، فمصالحها في العالمين العربيّ والإسلاميّ لم تتوقّف عند ذلك، خصوصا وأنّ احتياطيّ البترول العالمي موجودة في العالم العربيّ، ولا يمكن هنا تغييب اسرائيل عن الأحداث كونها الحارسة للمصالح الغربيّة في منطقة الشّرق الأوسط، وكونها تمثّل قاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة في المنطقة، وكان لا بدّ من مواصلة التّحالف مع جماعات الإسلام السّياسيّ خصوصا تلك الطامعة في الحكم، من أجل تمرير المشروع الأمريكيّ “الشّرق الأوسط الجديد”، وإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، من أجل ضمان الهيمنة الأمريكيّة، ولحفظ أمن اسرائيل وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ.
ومن هنا جاء احتلال أفغانستان وبعده العراق، وتقسيم السّودان، والحرب على لبنان عام 2006، وإسقاط نظام القذّافي في ليبيا وإدخاله في حروب داخلية متواصلة حتّى يومنا هذا، وكذلك اشعال نار الفتنة في سوريّا من أجل تدميرها وإسقاط نظام الحكم فيها والعمل على تقسيمها، ولاحقا الحرب المفتوحة على المستضعفين في اليمن. ومن هنا ولدت تنظيمات الإرهاب المتمثّلة في داعش وجبهة النّصرة وأخواتهما. ولتحقيق الأهداف الإمبرياليّة في المنطقة فإن جماعات الإسلام السّياسيّ التي حاربت شعوبها ودمّرت أوطانها، ارتكبت جرائم لا يمكن تفسيرها إلا بمواصلة شيطنة المسلمين والإسلام، ومن هذه الجرائم استهداف المسيحيّين والكنائس والأديرة في العراق وسوريّا وحتّى في مصر وكذلك الأيزيديين في العراق، ومع أنّ غالبية ضحايا إرهاب جماعات الإسلام السّياسي الإرهابيّة كانوا ولا يزالون من المسلمين، إلا أنّ استهداف المسيحيّين والأيزيديّين كان لها مغزى آخر وأكثر بعدا، ومع التّأكيد على أنّ الإرهاب لا دين له، إلا أنّ جريمة استهداف المصلين في مسجدي نيوزيلندا ليست منفصلة عن استهداف الكنائس والمصلين فيها في بعض الدّول العربيّة. وإذا كان مستهدفو الكنائس في مصر وسوريا والعراق هم من البسطاء الجهلة، وتمّ استغلال عواطفهم الدّينيّة لارتكاب جرائمهم، فإنّ مستهدفي المساجد في نيوزيلندا وغيرها هم من نفس الشّاكلة، أي أنّ كلا الطرفين المتناقضين هم ضحايا لجهلهم، ولمن يوجّهونهم، ومعروف أن لكلّ فعل ردّات فعل متشابهة أيضا وإن كانت في الإتّجاه المعاكس. وفي كلتا الحالتين فقد نجح مشعلو النّيران في مخططاتهم الرّاميّة إلى اشعال الفتن الطّائفيّة؛ لتحقيق أهدافهم السّياسيّة والإقتصاديّة، كما نجحوا في حماية المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، لكنّهم بالتّأكيد قد نشروا البغضاء وهدّدوا السّلم العالميّ، ومعروف أنّ التّستّر بالدّين ينجح بإشعال البغضاء وحروب لا تنتهي، والكلّ منهم يدّعي أنّه ينفّذ أوامر الله.
15-3-2019

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات