بدون مؤاخذة-اسرائيل غير مؤهلة للسلام

ب

من يتابع عملية المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين منذ مؤتمر مدريد في اكتوبر 1991، ومرورا باتفاقات أوسلو الموقعة في أيلول-سبتمبر- 1993 لا يحتاج الى كثير من الذكاء كي يعرف بأن اسرائيل الرسمية غير مستعدة لتحقيق السلام في المنطقة، وأنّها تعمل على تحقيق المشروع الصهيوني طويل الأمد والذي يقوم على التوسع والاستيطان، واذا كان الصراع يتمحور على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واقامة دولته الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف، على الأراضي الفلسطينية التي احتلت في حرب حزيران 1967 العدوانية، فان المشروع الصهيوني تتعدى أطماعه حدود فلسطين التاريخية لتطل على الصحراء العربية-الجزيرة العربية-وهذا ليس اجتهادا ولا تحليلا لسياسات، وانما هو ما ذكره بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية في كتابه الذي ترجم الى العربية تحت عنوان”مكان تحت الشمس”وأن السلام الذي تريده اسرائيل هو احتفاظها بالأراضي الفلسطينية المحتلة مع هضبة الجولان السورية، مع ضمان التفوق العسكري الاسرائيلي، وأكثر ما يمكن اعطاؤه للفلسطينيين هو ادارة مدنية على السكان دون الأرض التي ستبقى نهبا للاستيطان اليهودي. وهذا “السلام”يرون فيه مصلحة عربية لأنه”اذا اجتمعت الانتلجنسيا اليهودية مع الأيدي العاملة العربية الرخيصة فسيصبح الشرق الأوسط جنة”أي أنهم يريدون العرب “حطابين وسقائين” في خدمة اليهود. وما كانت اسرائيل لتواصل تنفيذ مخططها الكولونيالي لولا الدعم الأمريكي غير المحدود لها، مصحوبا بسكوت “كنوز اسرائيل وأمريكا الاستراتيجية” من الحكام العرب.

وامعانا من اسرائيل في الهروب من متطلبات السلام العادل والدائم الذي تنشده شعوب المنطقة فان اسرائيل قامت باغتيال رئيس وزرائها اسحق رابين، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وهما اللذان كانا قادرين على تحقيق السلام أكثر من غيرهما، فرابين هو من قام باحتلال الأراضي العربية في حرب عام 1967 عندما كان رئيسا لأركان الجيش الاسرائيلي، وياسر عرفات هو مؤسس الثورة الفلسطينية المعاصرة، وكلاهما اقتنع بضرورة انهاء الصراع، وبناء سلام دائم تحافظ عليه الشعوب، فكان مصيرهما القتل.

وقد أثبتت التجارب أنه كلما اقترب الفلسطينيون والعرب مترا من السلام، كلما قابله الاسرائيليون بالابتعاد كيلو متر في الاتجاه المعاكس، فعندما انتخب الفلسطينيون الرئيس محمود عباس رئيسل لسلطتهم الوطنية، وهو الرجل المؤمن بالحل السلمي للصراع منذ بداياته ومشاركته في تأسيس حركة فتح، انتخب الاسرائيليون بنيامين نتنياهو المعروف بيمينيته وتطرفه، وحصلت احزاب اليمين المتطرف الاسرائيلية مثل الليكود و”اسرائيل بيتنا” وغيرها من الاحزاب الدينية، لتحظى بالأغلبية الساحقة في مقاعد البرلمان الاسرائيلي- الكنيست-. ولم يحترم نتنياهو ما تمّ التوصل اليه مع سابقيه من الحكومات الاسرائيلية، وواصل سياسة الاستيطان التي تجعل حلّ الدولتين أمرا مستحيلا. كما أنه لم يبد أي تنازلات في المفاوضات، وهو بذلك يسير على طريق سلفه اسحاق شامير عندما ضغطت عليه ادارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب للمشاركة في مؤتمر مدريد عام 1991 فقال”سأفاوض الفلسطينيين عشر سنوات دون أن أقدم لهم شيئا”.

وواضح أن الادارات الأمريكية بما فيها ادارة باراك أوباما الحالية، تفهم تحالفها مع اسرائيل بأنها اسرائيلية اكثر من اسرائيل نفسها، وهي ليست وسيطا ولا راعيا محايدا للمفاضات، فهي تقوم بالضغط على الفلسطينيين والعرب بدلا من الضغط على اسرائيل المحتلة للأراضي العربية. وهي بذلك تطيل أمد الصراع مع ما يصاحب ذلك من تهديد للسلم العالمي، بل وتهديد للمصالح الأمريكية ذاتها في المنطقة.

واعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن وصول المفاوضات الى طريق مسدود وفشلها لم يأت من فراغ، فالرجل من المؤمنين حقا بضرورة الحل السلمي للصراع، وهو لا يرى بديلا للمفاوضات الا المفاوضات، ومن هنا جاءت حملة التهديدات الاسرائيلية عليه، وهي حملة جديّة قد تحمل في طياتها تهديدا لحياته.

وتأزيم الوضع الحالي بفشل عملية التفاوض لن يكون نهاية المطاف، فقد يتبعه انفراج قريب بتنفيذ اسرائيل عملية اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين والتي كان من المقرر تنفيذها في 29 آذار-مارس- الماضي، يقابلها افراج امريكا عن الجاسوس الاسرائيلي بولارد، وستستعمل أمريكا “كنوزها الاستراتيجية” للضغط على السلطة الفلسطينية من أجل تمديد المفاوضات، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو وماذا بعد ذلك؟ خصوصا وأن اعلان المبادئ الذي أعدته أمريكا وكما نشرته وسائل الاعلام، لا يستجيب لأدنى الحقوق الفلسطينية، وستبقى المفاوضات تراوح مكانها دون أي تقدم، ما لم يتم الضغط على اسرائيل كي تستجيب لقرارات الشرعية الدولية، ولمتطلبات السلام العادل الذي يحفظ حقوق شعوب ودول المنطقة.

2-4-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات