بدون مؤاخذة-أردوغان الناتو أم السّنّة؟

ب
تثار تسؤلات كثيرة حول الدور الذي يلعبه رئيس وزراء تركيا الطيب أردوغان، فهل الرجل متمسك بتلابيب الدين ويريد العودة للخلافة العثمانية التي طالما ذكرها وتغنى بها؟ وهل الرجل الذي طور اقتصاد تركيا في عهده معني بنقل تجربته الى الدول العربية والاسلامية الشقيقة؟ وهل الرجل معني بمساعدة الشعب السوري حقيقة؟ وهل الرجل يسعى لتجميع الدول الاسلامية لبناء قطب اسلامي يصارع القوى العظمى لترسيخ دور اسلامي عالمي؟ أم أن للرجل دورا مرسوما يقوم به في المنطقة من قبل القوى الامبريالية؟ وللوقوف على الحقيقة يجدر الانتباه الى أن “الديموقراطيات” الغربية -بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الدائرة في فلكه، في بدايات تسعينات القرن الماضي- اعتبرت الاسلام والمسلمين عدوها القادم، فجندت وسائل اعلامها وجيوشها لمحاربة ما اعتبرته الخطر الاسلامي القادم الذي يهدد “الديموقراطيات” الغربية، وخوفها ينبع من تخوفها من بروز قوة تهدد مصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها المصالح البترولية، ومن هنا كان تركيز الولايات المتحدة على ضرب أيّ قوة اقليمية محتملة، قد تهدد اسرائيل حليفة أمريكا وقاعدتها الاستراتيجيية في المنطقة، فكان تدمير العراق واحتلاله، وما تبعه من رفض نتائج الالنتخابات الديموقراطية التي أوصلت الاسلاميين في الجزائر الى الحكم في تسعينات القرن الماضي، وما تبع ذلك في أكثر من دولة عربية، لكن الولايات المتحدة التي تخاف على مصالحها في المنطقة، قد لجأت الى أسلحة أخرى لإثارة الفتن والقلاقل في المنطقة العربية، من أجل تدميرها ذاتيا من خلال إثارة حروب أهلية فيها، فلجأت الى تغذية الطائفية بين السّنّة والشيعة بعد أن استنفذت إثارة النزاعات الدينية-الاسلام والمسيحية- أهدافها في لبنان بعد الحرب الأهلية التي شهدها لبنان من منتصف سبعينلات وثمانينات القرن الماضي، وبعد فشلها في إثارة حرب أهلية دينية في مصر، ونجحت في تقسيم السودان وفصل جنوبه عن شماله، مع استمرار المخطط لفصل اقليم كردوفان وشرق السودان ايضا، لذا فقد تأججت الخلافات بين السنة والشيعية في لبنان من أجل تحجيم حزب الله كحزب مقاوم ومعاد لاسرائيل، ولا ضير ان ألقى سلاحة وتحول الى حزب اجتماعي سياسي، وكذلك نجحت في تقسيم العراق بعد احتلاله الى كانتونات طائفية وعرقية.
لكن ما بات يخيف أمريكا وحلفاءها هو تعاظم قوة ايران-خصوصا بعد تدمير العراق واحتلاله في العام 2003- فابتدعوا ما يسمى الخطر الشيعي أو الهلال الشيعي، ولترسيخ هذا التقسيم الطائفي جرى تغذية الطائفية في مملكة البحرين، وجرى تغذية الأكثرية الشيعية في هذا البلد كي تحترب مع الأقلية السنية الحاكمة، كما جرت تغذية أعمال الشغب الشيعية في شرق المملكة العربية السعودية- علما أن حكام ايران منذ انتصار ثورة الخميني وحتى أيامنا هذه وهم يسعون الى بناء امبراطورية فارسية-وهذا حقهم-، لتكون القوة الاقليمية الأولى في المنطقة، خصوصا بعد تحجيم العراق وتغييب دور مصر في عهد حسني مبارك، وليس في حسابهم قيام دولة اسلامية وإن ألصقوا هذا الاسم باسم بلدهم”جمهورية ايران الاسلامية”، وكل ممارساتهم تؤكد ذلك. فكان لا بدّ من ايجاد قوة اسلامية سنّية في المنطقة، “وإشعال نار الخلافات السنية الشيعية وتأجيجها في هذه المرحلة هو من ابتكار الامبريالية العالمية وليس من ثقافة شعوب المنطقة” وهنا دخلت تركيا على الخط، وتمّ تمكين أردوغان من تحجيم دور الجيش الذي يحافظ على علمانية الدولة حسب الدستور الذي وضع في عهد كمال أتاتورك في عشرينات القرن الماضي، بعد هدم دولة الخلافة العثمانية الاسلامية، وذلك لترويج الدور المرسوم لأردوغان وصبغة بالصبغة الاسلامية، مع التذكير بأن تركيا عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي”الناتو”، وقواعد هذا الحلف لا تزال موجودة على الأراضي التركية. ولتسويق أردوغان عند المسلمين السّنّة وخصوصا عند العربان، جرت تظاهرة محاولته رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، ولدغدغة عواطف الاسلاميين العرب استذكر أردوغان أن غزة كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية، لكن اسرائيل لها حساباتها المختلفة في المنطقة، لذلك قامت بهجومها البشع على سفينة مرمرة التركية، وقتلت وجرحت عددا من ركابها، فثارت ثائرة أردوغان، وملأ وسائل الاعلام ضجيجا متوعدا اسرائيل بعظائم الأمور، ثم ما لبث وأن هدأت ناره، لكنه لم يطلب اجتماعا طارئا لمندوبي دول حلف”الناتو” لتدارس الردّ على العدوان الاسرائيلي كون تركيا عضو في هذا الحلف، فهو يعلم أن اسرائيل خط أحمر بالنسبة للناتو، لكنه لاحقا أرغى وأزبد وهدد وتوعد سوريا، وطلب اجتماعا طارئا لمندوبي حلف الأطلسي للبحث في طبيعة وحجم الرد على الجيش السوري، بعد اسقاطه لطائرة عسكرية تركية اخترقت المجال الجوي لسوريا قبل بضعة أشهر، ولسقوط قذيفة مدفعية سورية على احدى القرى التركية.
فهل أردوغان خليفة حقيقي للعثمانيين؟ وهل هو معني حقا بمساعدة الشعب السوري بمساعداته للمعارضة السورية في مختلف المجالات؟ أم أنه يقوم بدور تنفيذا لأجندات أمريكية غربية لدول حلف الناتو واسرائيل، تتمثل في حماية اسرائيل والمصالح الغربية بتحجيم ايران والمساعدة في حصارها، والتخلص من حلفائها الأقربين المتمثلين بنظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان.
20-10-2012

جميل السلحوت:
بدون مؤاخذة-أردوغان الناتو أم السّنّة؟
تثار تسؤلات كثيرة حول الدور الذي يلعبه رئيس وزراء تركيا الطيب أردوغان، فهل الرجل متمسك بتلابيب الدين ويريد العودة للخلافة العثمانية التي طالما ذكرها وتغنى بها؟ وهل الرجل الذي طور اقتصاد تركيا في عهده معني بنقل تجربته الى الدول العربية والاسلامية الشقيقة؟ وهل الرجل معني بمساعدة الشعب السوري حقيقة؟ وهل الرجل يسعى لتجميع الدول الاسلامية لبناء قطب اسلامي يصارع القوى العظمى لترسيخ دور اسلامي عالمي؟ أم أن للرجل دورا مرسوما يقوم به في المنطقة من قبل القوى الامبريالية؟ وللوقوف على الحقيقة يجدر الانتباه الى أن “الديموقراطيات” الغربية -بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الدائرة في فلكه، في بدايات تسعينات القرن الماضي- اعتبرت الاسلام والمسلمين عدوها القادم، فجندت وسائل اعلامها وجيوشها لمحاربة ما اعتبرته الخطر الاسلامي القادم الذي يهدد “الديموقراطيات” الغربية، وخوفها ينبع من تخوفها من بروز قوة تهدد مصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها المصالح البترولية، ومن هنا كان تركيز الولايات المتحدة على ضرب أيّ قوة اقليمية محتملة، قد تهدد اسرائيل حليفة أمريكا وقاعدتها الاستراتيجيية في المنطقة، فكان تدمير العراق واحتلاله، وما تبعه من رفض نتائج الالنتخابات الديموقراطية التي أوصلت الاسلاميين في الجزائر الى الحكم في تسعينات القرن الماضي، وما تبع ذلك في أكثر من دولة عربية، لكن الولايات المتحدة التي تخاف على مصالحها في المنطقة، قد لجأت الى أسلحة أخرى لإثارة الفتن والقلاقل في المنطقة العربية، من أجل تدميرها ذاتيا من خلال إثارة حروب أهلية فيها، فلجأت الى تغذية الطائفية بين السّنّة والشيعة بعد أن استنفذت إثارة النزاعات الدينية-الاسلام والمسيحية- أهدافها في لبنان بعد الحرب الأهلية التي شهدها لبنان من منتصف سبعينلات وثمانينات القرن الماضي، وبعد فشلها في إثارة حرب أهلية دينية في مصر، ونجحت في تقسيم السودان وفصل جنوبه عن شماله، مع استمرار المخطط لفصل اقليم كردوفان وشرق السودان ايضا، لذا فقد تأججت الخلافات بين السنة والشيعية في لبنان من أجل تحجيم حزب الله كحزب مقاوم ومعاد لاسرائيل، ولا ضير ان ألقى سلاحة وتحول الى حزب اجتماعي سياسي، وكذلك نجحت في تقسيم العراق بعد احتلاله الى كانتونات طائفية وعرقية.
لكن ما بات يخيف أمريكا وحلفاءها هو تعاظم قوة ايران-خصوصا بعد تدمير العراق واحتلاله في العام 2003- فابتدعوا ما يسمى الخطر الشيعي أو الهلال الشيعي، ولترسيخ هذا التقسيم الطائفي جرى تغذية الطائفية في مملكة البحرين، وجرى تغذية الأكثرية الشيعية في هذا البلد كي تحترب مع الأقلية السنية الحاكمة، كما جرت تغذية أعمال الشغب الشيعية في شرق المملكة العربية السعودية- علما أن حكام ايران منذ انتصار ثورة الخميني وحتى أيامنا هذه وهم يسعون الى بناء امبراطورية فارسية-وهذا حقهم-، لتكون القوة الاقليمية الأولى في المنطقة، خصوصا بعد تحجيم العراق وتغييب دور مصر في عهد حسني مبارك، وليس في حسابهم قيام دولة اسلامية وإن ألصقوا هذا الاسم باسم بلدهم”جمهورية ايران الاسلامية”، وكل ممارساتهم تؤكد ذلك. فكان لا بدّ من ايجاد قوة اسلامية سنّية في المنطقة، “وإشعال نار الخلافات السنية الشيعية وتأجيجها في هذه المرحلة هو من ابتكار الامبريالية العالمية وليس من ثقافة شعوب المنطقة” وهنا دخلت تركيا على الخط، وتمّ تمكين أردوغان من تحجيم دور الجيش الذي يحافظ على علمانية الدولة حسب الدستور الذي وضع في عهد كمال أتاتورك في عشرينات القرن الماضي، بعد هدم دولة الخلافة العثمانية الاسلامية، وذلك لترويج الدور المرسوم لأردوغان وصبغة بالصبغة الاسلامية، مع التذكير بأن تركيا عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي”الناتو”، وقواعد هذا الحلف لا تزال موجودة على الأراضي التركية. ولتسويق أردوغان عند المسلمين السّنّة وخصوصا عند العربان، جرت تظاهرة محاولته رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، ولدغدغة عواطف الاسلاميين العرب استذكر أردوغان أن غزة كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية، لكن اسرائيل لها حساباتها المختلفة في المنطقة، لذلك قامت بهجومها البشع على سفينة مرمرة التركية، وقتلت وجرحت عددا من ركابها، فثارت ثائرة أردوغان، وملأ وسائل الاعلام ضجيجا متوعدا اسرائيل بعظائم الأمور، ثم ما لبث وأن هدأت ناره، لكنه لم يطلب اجتماعا طارئا لمندوبي دول حلف”الناتو” لتدارس الردّ على العدوان الاسرائيلي كون تركيا عضو في هذا الحلف، فهو يعلم أن اسرائيل خط أحمر بالنسبة للناتو، لكنه لاحقا أرغى وأزبد وهدد وتوعد سوريا، وطلب اجتماعا طارئا لمندوبي حلف الأطلسي للبحث في طبيعة وحجم الرد على الجيش السوري، بعد اسقاطه لطائرة عسكرية تركية اخترقت المجال الجوي لسوريا قبل بضعة أشهر، ولسقوط قذيفة مدفعية سورية على احدى القرى التركية.
فهل أردوغان خليفة حقيقي للعثمانيين؟ وهل هو معني حقا بمساعدة الشعب السوري بمساعداته للمعارضة السورية في مختلف المجالات؟ أم أنه يقوم بدور تنفيذا لأجندات أمريكية غربية لدول حلف الناتو واسرائيل، تتمثل في حماية اسرائيل والمصالح الغربية بتحجيم ايران والمساعدة في حصارها، والتخلص من حلفائها الأقربين المتمثلين بنظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان.
20-10-2012

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات