العبوا يا اولاد

ا

جولة المبعوث الامريكي جورج ميتشل الحالية للشرق الاوسط تزامنت مع تصريحات الرئيس باراك اوباما بان امريكا اخطأت عندما اعتقدت بان الفلسطينيين والاسرائيليين قادرون على تحقيق السلام بينهما.

وكان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نيتنياهو قد استبق زيارة ميتشل بمؤتمره الصحفي الذي اكد فيه على استمرارية الاستيطان،وعدم التفاوض على القدس،وعدم العودة الى حدود الرابع من حزيران 1967،وان اسرائيل ستحتفظ بغور الاردن حتى بعد تحقيق السلام،كما حاول استثارة عواطف الصحفيين عندما قال:(تصوروا دولة بحجم اسرائيل سقط على مواطنيها عشرة الاف صاروخ)ولم يقل بان هذه الصواريخ بدائية،ومع تأكيدنا على تحريم استهداف المدنين أيّا كانوا،الا ان نتينياهو لم يذكر ان جيشه قد القى قنابل الفسفور الابيض،وقنابل النابالم المحرم استعمالها دوليا على المدنيين الفلسطينين في غزة،وعلى المؤسسات المدنية بما فيها مقار ومدارس الأمم المتحدة والمستشفيات اضافة الى آلاف الصواريخ التدميرية المتقدمة الصنع،ومدافع الدبابات والطائرات وغيرها،وما لم يقله نتينياهو انه يحاصر مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة الى درجة التجويع،ويقطع اوصال الضفة الغربية باكثر من ستمائة حاجز عسكري،اضافة الى نهب الارض والاستيطان.

ومع ان اوباما ونتينياهو يطالبان بالعودة الى المفاوضات بدون شروط مسبقة على اعتبار ان اشتراطات نتينياهو حقوق لا تفاوض حولها، الا انهما لم يخفيا ان يصاحب ذلك ايضا تهديدات امريكية للسطلة الفلسطينية بقطع المساعدات المالية عنها،وتهديدات نتينياهو وبيرس للرئيس عباس بانه(صعد الى شجرة عالية وبحاجة الى النزول عنها)وكل هذا يؤكد من جديد ما قاله اسحق شامير رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق،عندما ضغط عليه جورج بوش الأب لحضور مؤتمر مدريد في اكتوبر 1991 بانه سيفاوض العرب عشر سنين ولن يعطيهم شيئا،فها هي تمر عشرون سنة،ولم تتنازل اسرائيل في شيء من اطماعها التوسعية .

غير ان اللافت ان الادارة الامريكية قد تراجعت عن(طموحاتها)التي اعلن عنها الرئيس اوباما سابقا، خصوصا في خطابه الشهير في جامعة القاهرة،فقد عادت الى سابق عهدها في الانحياز الكامل وغير العقلاني الى السياسات الاسرائيلية التوسعية العدوانية،والتي لن تجلب السلام للمنطقة.

وما رشح من انباء حول مبادرة امريكية جديدة لاحلال السلام في المنطقة،رفضها وزيرا خارجية مصر والاردن عندما عرضت عليهما،يتضح منها ان الادراة الامريكية تتبنى المطالب التوسعية الاسرائيلية، وذلك بمحاولة فصل القدس من عملية التفاوض،والتراجع عن الوقف الكامل للاستيطان،اي ان التفاوض سيتم في نفس الوقت الذي تفرض فيه اسرائيل حقائق جديدة على الارض التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية،وبمعنى اوضح فإن سياسة الامر الواقع التي تفرضها اسرائيل ستجعل اقامة الدولة الفلسطينية ضربا من ضروب الخيال،وان الحل الذي يريده نتينياهو هو حكم ذاتي على السكان، وليس على الارض،هو اقصى ما يمكن الوصول اليه،واسرائيل مستعدة لاعطاء ذلك بدون مفاوضات،لكنها تريد اقرارا وتوقيعا فلسطينيا وعربيا على ذلك من خلال المفاوضات العبثية التي يتم في كل مرة التراجع عمّا تم فيها الاتفاق عليه مسبقا.

وتكمن الخطورة في(المبادرات)الامريكية والاسرائيلية المطروحة انها تتجاهل قرارات مجلس الامن الدولي بخصوص القضية الفلسطينية،كما انها تتجاهل القانون الدولي،مما يعني ان شريعة الغاب المتمثلة بالهيمنة الامريكية والقوة العسكرية الاسرائيلية هي التي ستفرض حلولا مؤقتة،لا تلبث ان تعيد المنطقة الى دائرة الحروب العسكرية التي لن تكون في مصلحة احد.

واللافت ان المبادرات الهزيلة المطروحة،تصاحبها تهديدات اخرى اقلها(بان الفلسطينيين اذا لم يعودوا للتفاوض،فإنهم سيكونون الخاسر الوحيد)ولم ولن تتوقف الامور عند هذا بل تعدته وستتعداه الى اكثر من ذلك عندما ناقش الكونغرس الامريكي مشروع قرار باعتبار فضائيات عربية خارجة عن القانون،اي مثلما قسمت امريكا العالم الى دول خيّرة ودول شرّيرة،واعتبرت التنظيمات المقاومة تنظيمات ارهابية،فإنه من الممنوع ان تكون هناك وسائل اعلام تعارض(قوانين)شريعة الغاب التي تقهر الشعوب وتحتل الاوطان،وفي هذا استجابة غير مباشرة لدعوة وزيرة خارجية اسرائيل لبيرمان،في اعقاب نشر تقرير جولدستون عنمحرقة غزة قبل عام بضرورة تغيير القانون الدولي بما يتناسب مع مصالح اسرائيل.

وهذا التصعيد الخطير على القضية الفلسطينية بشكل خاص،وعلى السلم العالمي بشكل عام،ما كان ليصل الى هذه الدرجة من الصلف والوقاحة لو ان الانظمة العربية الرسمية رفعت صوتها قائلة:كفانا اذلال،ولا لكل هذه الاعتداءات،كي تحافظ على ماء الوجه امام شعوبها على الاقل،خصوصا وان هذه الدول على رأي ذلك الشاعر الجاهلي (ليست من الشرّ في شيء وان هانا)الا انها تملك مقومات من الخير يمكن ان تستعملها في تحقيق طموحات شعوبها،فالعرب يملكون اكبر احتياطي للنفط في العالم،وسوقهم رائجة للسلع الامريكية وغيرها من منتوجات الدول الداعمة للاحتلال الاسرائلي،والموقع الاستراتيجي للعالم العربي لا يمكن تجاهله،ومع ان المراهنة على الموقف العربي الرسمي في غالبيته كمراهنة الظمآن على السراب الا ان ما يجري من تصعيد للقضاء على حلم السلام العادل في المنطقة،والذي لن يتحقق ما لم يتمكن الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، ينطبق عليه المقولة الشعبية(العبوا يا اولاد،واللعبة على راس عمكم).

22-1-2010

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات