التعليم اللامنهجي في مدارسنا

ا

للتعليم اللامنهجي أهميّة توازي التعليم المنهجي، بل هي من تعزز التعليم المنهجي، وتشحن الطلاب بدوافع تحبّبهم بالمدرسة وبالمعلم وبقدرات لاستيعاب المنهاج، والمقصود بالتعليم اللامنهجي طبعا هو أيّ نشاط مدرسي خارج المنهاج الدّراسيّ المقرّر، وقد يكون خارج المدرسة أيضا، ويلاحظ في مدارسنا نوع من السّباق بين المعلمين لمن  “يفوز”بانهاء المنهاج المقرّر أولا، ليحظى برضا المدير والمشرف التربوي وغيرهم. ولو أجرينا دراسة على “الفائزين” بالسّباق لوجدنا طلابهم أقلّ استيعابا وفهما للمادة التعليمية من غيرهم. وفي كثير من مدارسنا يحصرون التعليم اللامنهجي في رحلة مدرسية ليوم واحد، كانت في غالبيتها الى البحر الميت قبل انحسار مياهه لأكثر من سبب، ونظرا لتعطّش الطلاب الى اللهو في المياه بعد حرمانهم من الوصول الى مياه البحر المتوسط، لكن من حقنا أن نتساءل عن عدد المدارس التي تخصّص يوما في السّنة لكلّ صف مدرسي للتعرف على المكان الذي يعيش فيه سواء كان قرية أو مخيما أو مدينة؟ وهل يعرف المعلم نفسه المكان إن كان من خارجه؟ وهل يوجد عندنا نشاط مدرسي تحت باب اعرف وطنك؟ وهل يتم اصطحاب الطلبة للتعرف على الأمكنة المجاورة؟ وهل يتم اصطحاب الطلاب الى المدينة الأقرب للتعرف على معالمها الحضارية والأثرية والتاريخية والدينية؟ ولنتساءل كم مدرسة في القدس تصطحب طلابها للتعرف على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وغيرهما من دور العبادة في المدينة، وللتعرف على أسوا ق المدينة وحاراتها وأزقتها ومساطبها وزواياها وتكاياها، وكم منهم من تمتع بالنظر الى المدينة المقدسة من خلال جولة دائرية من على سورها التاريخي؟ وهل يتم تخصيص يوم دراسي لكل صفّ للقيام بعمل تطوعي كتنظيف المدرسة والشوارع العامة في الحيّ أو القرية أو المخيم، أو لتنظيف المقبرة؟ وكم مدرسة تنتبه الى ضرورة مرافقة مدرّس للصف الدّراسي لزيارة زميل مريض يرقد في المستشفى أو البيت؟ أو للتعزية بوفاة أحد والديه مثلا؟ وكم مدرسها فيها فرقة للدبكة الشعبية وفرق رياضية؟ وكم مدرسة تشرك طلابها ليوم واحد في قطف الزيتون في موسمه؟ وكم مدرسة تأخذ طلابها الى المسرح لحضور عرض مسرحي مثلا، وتتركهم يحاورون الممثلين؟ أو تأخذهم لنشاط ثقافي والتعرف على أديب أو شاعر ومحاورته؟ أو تدعو الشاعر أو الكاتب الى المدرسة للقاء الطلاب والحوار معهم؟ وهل وزارة التربية والتعليم توجه ادارات المدارس لذلك؟ ففي العمل التطوعي أهمية كبيرة لتعليم الطلاب العطاء ومساعدة الغير، وفي زيارة المدن عدا عن الترفيه معرفة للتاريخ والجغرافيا والحضارة، وفي حضور المسرحيات واللقاءات الثقافية تنمية للمواهب الثقافية، وتحريض غير مباشر للطلاب على المطالعة الخارجية، وفي زيارة المريض والتعزية بالمتوفي تقوية للعلاقات الاجتماعية بين الطلاب أنفسهم وهكذا، وهذا تعليم أيضا، لكنّ الأهم هو كسر الروتين الذي يعيشه الطالب في يومه الدراسي، فمعروف أن الطالب يترك بيته منذ طفولته المبكرة ليقضي يومه أو عددا من ساعاته في المدرسة، ويستمر في ذلك اثنتي عشرة سنة حتى ينهي المرحلة الثانوية، وفي هذه الفترة لا يعرف غير ذلك، وكثير من الطلاب يعتقد أن المدرسة عقاب له، وأن الدّوام فيها هذه السنوات كلها عملية شاقة، ولهذا عدّة أسباب منها النظام التعليمي، وأساليب التدريس والمنهاج، وغيرها، لكنّ الأهم هو أنّه لم يجرّب غيرها. فلماذا لا نكسر له هذا الروتين المملّ؟

28-9-2013

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات