البهاء باق فينا ومعنا في اليوم السابع

ا

البهاء باق فينا ومعنا في اليوم السابع
القدس: 22-10-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب “البهاء باق فينا ومعنا” الصّادر مؤخّرا عن دار الرّعاة للدّراسات والنّشر في رام الله، بالاشتراك مع دار جسور ثقافيّة للنّشر والتوزيع في عمّان. ويقع الكتاب الذي أعدّه المحامي محمد عليان، وقدّم له الأديب ابراهيم جوهر، وصمّمت غلافه سيرين الأجرب في 275 صفحة من الحجم المتوسّط.
بدأ النقاش ديمة جمعة السمان التي أشادت بثقافة الحياة الواردة في الكتاب.
وقال جميل السلحوت:
يحتوي هذا الكتاب على عشرات المقالات والقصائد والأقاصيص والومضات التي كتبت عن الشّهيد بهاء عليّان الذي ارتقى سلّم المجد في 13-10-2015، ودفن في مقبرة المجاهدين قرب سور القدس التّاريخي يوم الفاتح من سبتمبر 2016 . وهذه المقالات هي ما استطاع والد البهاء أن يجمعها عندما قرّر اصدار هذا الكتاب.
ومن يقرأ هذا الكتاب سيجد نفسه أمام فلسفة الحياة والموت كما جاءت في وصيّة الشّهيد بهاء، والتي تكرّس ثقافة الحياة التي ينشرها ويعمّمها محمد عليان والد الشّهيد، معتمدا على وصيّة البهاء، ففي الوصيّة رفض البهاء أن ينتسب لأيّ فصيل، لكنّه انتسب للوطن الذي ضحّى بحياته من أجله. ومّما جاء في وصيّته:(لا تجعلوا منّي رقما من الأرقام، “تعدّوه” اليوم و”تنسوه” غدا”.) وهذا بحدّ ذاته انتقاد لاذع لمن يتعاملون مع الشّهداء كأرقام تسجّل، ولا يلبث أن يطويها النّسيان.
وهذا ليس غريبا على شابّ مثل البهاء الذي كان ناشطا ثقافيّا، فهو أحد من أبدعوا وأسّسوا ورتّبوا للسّلسلة القارئة حول سور القدس عام 2013، والتي كانت سبقا عالميّا دخل موسوعة “غينيتس”.
وهنا لا بدّ من التّذكير بالدّور الذي لعبه ولا يزال يلعبه المحامي محمد عليان من أجل تحرير جثامين الشّهداء المحتجزة، والتي اعتبرها قضيّة رأي عام، وأنّ احتجاز الجثامين فيه انتهاك فاضح لحقوق الانسان واعتداء على حرّيّة المعتقدات الدّينيّة، فرغم أحزانه وآلامه كأب ثاكل والتي كان يكبتها أمام النّاس، إلا أنّه واصل النّضال ولا يزال يواصل من أجل تحرير الجثامين المحتجزة، ولم يتوقّف عن نضاله هذا بعد أن تمّ دفن جثمان فلذة كبده. وموقفه المبدئيّ هذا هو بمثابة رفض للعقوبات الجماعيّة، لأنّ احتجاز جثامين الشّهداء فيه عذاب لذويهم الأحياء.
والمحامي عليّان هذا الانسان الرّقيق صلب في مواقفه الدّاعية إلى ثقافة الحياة، وهو بهذا يعبّر عن إنسانيّته وإنسانيّة أبناء شعبه، وبهذا فهو يدعو إلى الحياة التي تحفظ كرامة كلّ إنسان بغضّ النّظر عن جنسه أو لونه أو معتقداته. ومواظبته الدّؤوبة لاسترجاع جثمان ولده البهاء بشكل خاصّ، وجثامين الآخرين المحتجزة تنبع من إيمانه القويّ بالحفاظ على كرامة الأموات والأحياء. وما اصدار هذا الكتاب إلا تنفيذ لوصيّة البهاء”لا تجعلوا مني رقما من الأرقام، تعدّونه اليوم وتنسونه غدا”. لكن الخلود لثقافة الحياة.
وممّا يلفت الانتباه في الكتاب هو ما كتبه والد البهاء تحت عنوان “اللحظات الأخيرة” والتي امتدّت على 42 صفحة”، والتي ظهرت فيها عاطفة الأبوّة بأبهى صورها، مقرونة بعاطفة الشّجاعة التي تجلّت في هذا الموقف، وهي لحظات استلام الجثمان ومشاعر الأبوّة والأمومة والانتظار المرهق لأكثر من 48 ساعة، تلك السّاعات التي عاش فيها والدا البهاء صراعا بين تصديق القرار بتسليم الجثمان، أو امكانيّة التّراجع عنه، وكذلك وصف السّاعات الأخيرة لخمسة عشر شخصا من أسرة الشّهيد وهم ينتظرون أمام محطّة البريد عند مدخل شارع صلاح الدين في القدس، تمهيدا لاستلام جثمان البهاء عند منتصف الليل لدفنه في مقبرة المجاهدين التّاريخيّة، بعد أن رفض المحتلّون دفن جثمان الشّهيد في مقبرة بلدته جبل المكبر.
وكانت هناك سياسة “عضّ الأصابع” لكن والد البهاء رغم جراحه كأب ثاكل قرّر أن ينتصر في هذه المعركة، فقد رفض محاولة منع والدة البهاء من حضور مراسم دفن جثمان ابنها؛ لأنّها لا تحمل بطاقة القدس، وكذلك رفض محاولة مصادرة المقصّ الذي أتوا به لقصّ أكياس النايلون عن الجثمان، ورفض الاذعان بالاسراع في تشخيصه لجثمان فلذة كبده، وهدّد بالانسحاب إذا لم تُنفّذ مطالبه وكان له ذلك.
إنّها لحظات موجعة لمن يقرأها، فما بالكم بمن اكتوى بلهيبها، وعايشها لحظة بلحظة وقلبه ينفطر حزنا؟ لكنّها لحظة الدّفاع عن الكرامة وعن ثقافة الحياة.
وكتب ابراهيم جوهر:
“الأدبيانية” في نصّ “اللحظات الأخيرة” لمحمد عليان:
والمصطلح “الأدبيانية” يعني الأدب: لغة ومضمونا وفنّا ورسالة أو رسائل. ومبرّر إيراده هنا يكمن في كون النّص لم يكتب ابتداء؛ ليكون نصّا أدبيا بقدر ما جاء ليوثّق لحظات “أخيرة” في مسيرة لم تنته بعد، هي مسيرة الكفاح لاسترداد الجثامين المعتقلة في ثلّاجات دون درجة الصّفر.
ولأن الكاتب أديب تفتّحت موهبته في المعتقلات، وأصدر مجموعة قصص قصيرة (هي “ساعات ما قبل الفجر”) جاء النّص ليقف في مفترق الطرق بين التوثيق والصّورة القلمية وأسلوب الرّواية والمقالة الصحفية، وكأنّه يمزج الأساليب المتباينة في نصّ خاصّ بأسلوب خاص، كما امتزجت الجهود والفعاليات واللقاءات في إطار خاصّ قاده الكاتب باقتدار وتميّز، ولغة خاصة جمعت بين عاطفة الأب الثّاكل ولغة القانوني الباردة، وسخونة الحالة الوطنية بعاطفتها تجاه أبنائها.
“الأدبيانية” التي أعنيها هنا هي هذا البحث والتّنقيب في “اللحظات الأخيرة” لغة ومضمونا وأسلوبا.
يبدأ الكاتب نصّه بمشهد وصفي لفجر يوم عادي بهدوئه وأحلامه وبزوغ شمسه، وهو نصّ وصفي بلغة تصويرية ذات إشارات ودلائل لم تتضح الغاية من إثباتها إلّا بالفقرة التالية لها مباشرة، التي تبدأ بالتّمهيد للتناقض بين موقفين وحالتين وجماعتين وحياتين حين يصف ذاك الفجر نفسه على العائلة.
خطّان لا يلتقيان وإن تقاطعا في كثير من المواقف خلال هذه “اللحظات الأخيرة”: الفجر ليس الفجر ذاته، ولا الدّفن والموت ولا الحياة والانتظار.
أرى أنّ النّص بكلّيّته يقوم على هذين المحورين المتواجهين المتقابلين؛ لينقل الحالة بكلّيتها، فتكتمل الصّورة الكليّة بتجمّع الصّور الجزئية المتجاورة.
والكاتب يستعين بالحوار الخارجي والحوار الدّاخلي والوصف الخارجي والدّاخلي وينقل الأحاسيس والمخاوف، ويصف بلغة قوية لحظات التّوتر والانتظار بتشويق كما هو في لقطات أسلوب القصة البوليسية، ولا يهمل اللغة التصويرية التي قدّمت الموقف بصورته المتحرّكة، وما يحيط بها من عاطفة وجغرافيا ومنتظرين يتابعون من بعد.
وفي النهاية تأتي جملة مكثّفة تحمل أفقها بين كلماتها. فبعد تلك المعركة لاسترداد جثمان الشهيد بهدف دفنه، يكون قرار الوالدين بعدم المشاركة في الدّفن؛ لأنهما لا يحبّان النّهايات.
“اللحظات الأخيرة” نصّ أدبي بني على سيرة حدث حقيقي، ووصل القارئ بلغة أدبية ذات ماء وافر، ينزّ من بين حروفها، والماء أسّ الحياة.
وكتبت نزهة الرملاوي:
في حضرة المدينة.. بكى عشاق المدينة.. كيف لا وقد تجرعوا الأحزان والفقد، ماذا أكتب عن البهاء؟ وقد كتبه الأحبة والأصدقاء، كتبه الوالد، وهل هناك أصدق من مشاعر الوالدين تجاه أولادهم؟ ولماذا اكتب عن البهاء؟ وأنا لا أتحمل ألم الكتابة في هذه الأيام.. لا أدري..ربما يكون هذا الخليط من العواطف التي كتبتني وأنا أقرأ البهاء باق فينا.. خليط من الحزن والأمل يسكب في أعماقي، أتجرعه بمرارة زائدة، في لحظات عناق أخيرة لجسد طال غيابه، فرفقا بنا يا والد البهاء.
في كل أيام الحزن والكتابة والتساؤل والانتظار، نقرأ كلمات الأب الفاقد لفلذة كبده، المنتزع لقلبه في لحظات الانتظار المتبقية لفتح أكياس جثمان أرهقه صقيع الثلاجات نتوجع ونتألم، لا بل تتفحص الكلمات إرادتنا بإكمال ما تبقى..فهل نحاول النهوض للقراءة أو للكتابة مرة أخرى؟
سأحاول، فقد أصبح البهاء كما الشهداء في بلادنا، قناديل نور تضيء لنا طريق الحرية، لا وجع في فحص التحديات.
بين دفتي الكتاب الأنيق..كأناقة البهاء حين يقبل في صباحات العمل والنشاط.. أحسسنا بالبهاء يتحرك، يترك أثرا جميلا في قلوب المحبين.. احترموا وصاياه الخيرة، وما فيها من إيمان وحب وقيم.. يتجلى فيها احترام الفرد والحياة والانتماء.
شعرنا بغصة تفتك بقلب الكاتب من الجفاء وعدم الاكتراث في قلوب المتخاذلين،لكنه يعمل على إبقاء الأمل أمامنا، فيشدنا إليه بفتور.
قرأت كاتبا موجوعا حتى النخاع، يقاوم بشدة.. تارة يحاور نفسه، وتارة يحاور الوجود، بقي البهاء ورسالاته وتوصياته في فكر والده الكاتب، عايش لحظات الألم والفقد بكل صبر واحتساب، فهل حقا تجرد الكاتب عن إنسانيته في لحظات الوداع الأخيرة كما أخبرنا؟
أم أخفى وجعه ليعلمنا الصبر والجلد، فلا يبكي ولا يحزن كما أوصاه ابنه الشهيد؟
رأينا الكاتب يمتطي صهوة البقاء والمطالبة والصمود، رأيناه جلدا صبورا.. صوّر لنا القهر والعذاب في قلب أمّ الشهيد، في دفء يديها وبرودهما، في لواعج قلبها المنكسر، النابض ثباتا وشموخا.
على أبواب المحاكم، انتظر الأحباب قرارا يخرج قلبهم من صقيع الثلاجات لدفء الأرض، فطال انتظارهم، تعبوا من سرد أوجاعهم، فأرغموا غصّة قلوبهم على التراجع أمام العساكر وجمال البهاء.
في كل الأحداث والإجراءات، والقرارات المتسلسلة كانت المصداقية والشفافية واضحة في الكتاب، ممّا ساعد على تصورنا وتعلقنا بالأحداث وتفاصيلها، لأنها كانت مؤلمة للشارع المقدسي كافة..وذات دقة وموضوعية عالية.
الرؤية والإصرار في تتابع الأحداث، وتحدي القرارات الجائرة، زادت من سقف توقعاتنا وآمالنا، فكان للكاتب ما أراد.
اتّسم الكتاب بالبساطة والوضوح في عرضه للأحداث وبتسلسل زمني وافق مجرياتها.
تميز الكتاب بصدقه.. فهو فيض من المشاعر والعواطف الجياشة، رافقت صفحات الكتاب، كيف لا.. والكاتب والد الشهيد.. بدا لنا نهرا متدفقا من الأحاسيس المرهفة، تلك الصور الحزينة المتتابعة في اللحظات الأخيرة، خرجت عن المألوف في نصوص أجبرت القارئ على البكاء.
حمل الكتاب وصايا البهاء، فكانت شاهدة على الرقي والحكمة في شخصيته وفكره.. ابن يوصي أهله ووطنه الخير والثبات وعدم الكره.. شاب في عمر الورد أبى إلا أن يكون زهرا في جنة القدس، شكل على خاصرة سورها طوقا من ياسمين.. فاح عطرا على الأدراج والساحات، شد من أزر المدينة.. أهداها ثقافة ووفاء، ورواها حبا وانتماء.
لا تعتذر والد البهاء.. لا ترتدي قناع القوة.. معطفك الشفاف أظهر بوح قلبك بوضوح.
ها هو الدفء قد جرى في أيديكما أثناء جنازة البهاء المليونية، دفء الأرض التي احتضنته، حين مدت إليكما شعاعا من الانتصار.
وكتب عزالدين السعد:
أطول صفحة أقرأهها، صفحة مهما تعمقت فيها نحو الإنهاء أجدها البداية.
فهي اللحظات الأخيرة والانتظار والانتقال في نفق الزمن خطوة فخطوة برؤوس شامخة، يحملون مع الهموم طعم انتصار متحفز في كل خطوة، من حاجز لحاجز في المسافة التي تعرفهم جيدا ويعرفونها، من تدقيق لتدقيق في صورهم الشخصية وخطواتهم وحركاتهم، وحولهم المدينة كلها تتنفس بثقل، تحضن الأنفاس ولا تخليها الا بعد حين، لا تريد النوم ولا تستطيع الخروج للبهاء .
يا أبا البهاء يا أبا الجميع، عندما يصل وصفك فتقول: افتح يا علي وتتسع الفتحة وتزداد البرودة، وتزيد يا أبي بالوصف مفردة أخرى لا تقل برودة ولا تقل صفعا، يتأوه الإحساس من لون الجلد، تصفه كيف كان برونزيا يميل الى السمار، وهو الآن أبيض، ما أطول الزمن الذي لا يمر! يتجمّد بين يديك وتناجي الله، تعبت تعبت يا إلهي لو أنني أصرخ، كانت صرختي ستدوّي في أنحاء القدس، البهاء أمامي .. بهيا جميلا كان، وأيّ جمال أبهى من جمال لبهاء!
لا يحتمل الصبر صبرا آخر، وتستجمع قواك فتراه هنا ينتظر دفء الأرض، بل ينتظر كلمتك الفصل … تقولها أوافق.
صفقت القدس وهتفت العائلة وابتسم البهاء، تناجي الشعب تناديه … ” أيها الشعب بهاء الآن في دفء القدس ”
كتبت لم نشارك في الدفن فنحن لا نحب النهايات. ” البهاء باق فينا ومعنا – محمد عليان ”
تزدان الصفحة بمنح الحياة وتجدد البدايات، ما زال الموقف يذهلني ما زالت الصورة ماثلة أمام عينيّ، ما زلت أرتجف كلما قرأتها وقد كررت قراءتها مرات عديدة؛ لأرتجف مجددا مع بداية الحياة. المجد والخلود للبهاء ولكل الشهداء.
وكتب علي أبو هلال:
استشهد الشهيد بهاء عليان في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني/ أكتوبر عام 2015 في القدس، وقد علمت بخبر استشهاده من وسائل الإعلام المختلفة في عمّان، أثناء سفري للمشاركة في أعمال القمّة الثامنة للمنتدى العالمي للهجرة والتنمية المقرر عقده في الفترة ما بين 14-16 تشرين الأول/أكتوبر 2015 في إسطنبول.
بعد انتهاء المؤتمر شاركت في ندوة سياسية أقامتها الجالية الفلسطينية في تركيا في السابع عشر من نفس الشهر/ أكتوبر عن الهبة الشعبية الفلسطينية ودور الجاليات الفلسطينية في دعمها.
فرض استشهاد البهاء نفسه على مداخلتي في هذه الندوة، وأخذت كل الوقت المخصص لي، ليس لأن بهاء ابن صديقي العزيز المناضل محمد عليان، وليس لأنه شهيد من الشهداء الأكرم منّا جميعا، بل لأن الشهيد بهاء والوصايا العشر التي نشرت له بعد استشهاده تضمنت قيما ومبادئ تجسد ثقافة جديدة للحياة وللمقاومة ضد الاحتلال، ومن أجل الاستقلال والحرية لشعبنا.
كانت الندوة فرصة هامّة لي لنقل الوصايا العشر للشهيد بهاء، والحديث عما تضمنته من قيم ومبادئ لأبناء الجالية الفلسطينية في تركيا، وللمشاركين في الندوة من الفلسطينيين والأصدقاء الأجانب المدعوين لهذه الندوة.
وهنا لن أعيد الحديث عن الوصايا العشر مرة أخرى والذي أسهب بالحديث عنها العديدون من الكتاب سواء في هذا الكتاب، أو في غيره ممّا نشر عن الشهيد بهاء، ولكنني أود الإشارة إلى عدد من الملاحظات حول الوصايا وحول استشهاد البهاء وهي:
– إن تلاوة هذه الوصايا ومناقشتها في الندوة عبّر عمّا يجري في الهبة الشعبية، وحدد سبل دعمها واستمرارها لتحقيق أهدافها التي انطلقت من أجلها، وكان وقعها مؤثرا جدا وايجابيا على كل من سمعها، لأنّها تحمل قيما ومبادئ جديدة في الحديث عن الشهادة وعن المقاومة.
– إن هذه الوصايا تؤسس لمرحلة جديدة في وعي الشباب الفلسطيني الذي بدأه البهاء في القدس، ابتداء من نشاطه الثقافي والتطوعي في المدينة، وكان من أبرز معالمه السلسلة القارئة التي امتدت حول سور القدس في شهر آذار سنة 2014، بمبادرة من الشهيد البهاء وعدد من رفاقه، والتي شارك فيها أعداد كبيرة من الكتاب والصحافيين والإعلاميين والمثقفين وغيرهم من أبناء المدينة المقدسة ومن خارجها.
– إن الوصايا العشر تدشن بداية مرحلة جديدة لنقد المفاهيم البالية التي سادت عقودا من الزمن في أوساط شعبنا وفي أوساط حركته الوطنية، عن الشهادة والمقاومة والتي أدّت إلى هذا التراجع المريع في مسار ودور الحركة الوطنية النضالي ضد الاحتلال، وأعاق الوصول لتحقيق الحرية والاستقلال لشعبنا.
– رحل الشهيد البهاء مبكرا بعد أن أطلق صرخته المدوية التي حملتها هذه الوصايا لتغيير الواقع المؤلم القائم، ورسمت الطريق الصحيح نحو الوصول إلى الحرية والكرامة والعزة والاستقلال، ولكن الإرث والثقافة البالية السائدة في صفوف الحركة الوطنية، تحتاج لأكثر من هذه الصرخة المدوّية، وهذا ما يدعونا جميعا لتعزيز ونشر القيم والمبادئ التي وردت في وصاياه العشر، والعمل من أجل مواصلة طريقه وكفاحه حتى ينال شعبنا حريته وكرامته واستقلاله.
– إن معاناة أهل الشهيد البهاء وذوي الشهداء الآخرين، لا تزال قائمة وتتفاقم يوما بعد يوم، وتحتاج لمزيد من الصرخات، وإلى مزيد من الطرق على جدران الخزان الذي يحتوينا جميعا، من أجل تقديم الحد الأدنى من الوفاء للشهداء ولذويهم، ومن أجل مواصلة النضال لتحقيق الأهداف التي ضحى الشهداء بحياتهم من أجلها.
وأختم كلمتي في آخر هذه الملاحظة بما جاء في الفقرة الأخيرة من مقالة الكاتب أسامة العيسة بعنوان (عن الشهيد ووالد الشهيد) التي نشرت في كتاب ( البهاء باق فينا ومعنا) صفحة 212.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات