مصطلح الأدب النسوي بين الرفض والقبول على طاولة اليوم السابع

م

القدس: 19 أيار 2022 من ديمة جمعة السمان

استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية الكاتبة والناقدة د. سهام أبو العمرين والتي قدمت مداخلة حمل مصطلح الادب النسوي بين القبول والرفض.

ابتدأت الحديث مديرة الندوة ديمة جمعة السمان التي رحبت بالحضور وقالت بعد تقديمها د. سهام أبو العمرين / عميدة كلية  التربية في جامعة غزة.

الأدب النسوي! مصطلح يحمل في طياته أكثر من معنى.. له عدة مفاهيم.. فهل هو الأدب الذي يتناول قضايا المرأة.. كان الكاتب رجلا أو امرأة؟ أم هو الأدب الذي تكتبه المرأة؟ مهما كان النص.. لمجرد أن النص كُتب بقلم امرأة؟

إذا كان كذلك فلماذا هذه الخصوصية للمرأة؟ لماذا لا نعطي هذه الخصوصية لما يكتب الرجل ونقول “أدب الرجل”؟ وهل هناك حقا أدب نسوي وأدب رجالي؟ أم أن الرجل يحتكر الأدب وقد أصبحت المرأة دخيلة عليه.. فرضت نفسها وهي غير مرحّب بها.. وبالتالي استدعى ذلك التخصيص؟

إن غياب التحديد الدقيق لمصطلح الأدب النسوي ساهم في شيوع مفاهيم مختلفة غير واضحة ودقيقة، أدت إلى تقسيم الأدب على أساس الهوية الجنسانية للنص الأدبي.

 وقالت د. سهام أبو العمرين

يشتبك موضوع الأدب النسوي مع قضايا فنية تخص الأدب وقضايا مجتمعية تخص المرأة المبدعة في المجتمع الذكوري المتحيز ضدها، وقد أفرز هذا الاشتباك، في الساحة النقدية، إشكاليتين جوهريتين طالما اختلف حولهما النقاد والباحثون؛ الأولى وتتمثل في إشكالية المصطلح، حيث الخلط بين عدة مصطلحات للإشارة للأدب الذي تنتجه المرأة كمصطلح النسوي والنسائي والأنثوي والأنوثي والنسواني  والنص المؤنث وغيرها من المصطلحات غير المتفق عليها والتي تستعمل بين النقاد والباحثين بلا فهم للفروقات الجوهرية بينها، أما الإشكالية الثانية فتتمثل في التلقي الذكوري لكتابات المرأة لأنها في الغالب نصوص تتصادم مع بنية الوعي الجمعي وتفجر بنية المسكوت عنه اجتماعيًّا ومعرفيّا، فضلا عن الربط بين وضع المرأة الفئوي داخل الثقافة الأبوية وقيمة أعمالها الإبداعية.

ليس من الدقة أن نعد كتابات المرأة ذات نسق معرفيّ واحد، أو نطلق الأحكام غير الموضوعية إما بالتقليل من شأن هذا الأدب، أو الدفاع عنه دون وعي بالمقصود بالنسوية في الأدب، فليس كل ما تكتبه المرأة يندرج تحت هذا المصطلح، فضلا على أن رؤية المرأة لذاتها عبر الكتابة قد تطور عبر الزمن، وبالتالي عندما ننعت الكتابة بأنها “نسوية” فهذا خاضع لمعايير خاصة، قد غابت عن كثير من النقاد والباحثين الذين استخدموا مصطلحات عدة للإشارة للكتابة التي تصدر عن المرأة بشكل مطلق، وموقفهم هذا يشي بقصور فهمهم للمصطلح كما انبثق في بيئته الغربية.

رفضت معظم الكاتبات لا سيما العربيات إدراجهن تحت ما يسمى بالكاتبات النسويات، إما لقناعاتهن بأن الأدب من المفترض ألا يصنف وفق الجنس فهو أدب إنساني، وإما رفضن لموقف الثقافة الذكورية المضاد للأنوثة وحيث الخشية من الربط بين النظرة الدونية للمرأة والأدب الذي يصدر عنها.

كذلك رفضت كثير من الكاتبات مصطلح “الأنثوية” لأن هذا المصطلح يستدعي الجانب البيولوجي عند المرأة، ومنهن سلوى بكر وفوزية مهران ونوال السعداوي وغيرهن من اللائي ربطن المصطلح بالضعف والاستكانة والسلبية كذلك الموقف النقدي كان مربكًا ويشي بعدم فهم جوهري لمصطلح Feminism  الذي يترجم دون ضوابط أو وعي بالمعنى كما انبثق في الغرب، فكل ناقد يستخدم مصطلحات مختلفة عن الآخرين ويكسبها المفهوم الذي يتفق مع وجهة نظره الخاصة.

الموقف النقدي العربي من مصطلح الأدب النسوي:

غالبًا ما يتم ربط النصوص الأدبية الذي تنتجها المرأة في البيئة العربية بالنوع والجنس، وهذا الربط المباشر السطحي يبتعد عن مفهوم “النسوية” كما تم طرحه في بيئته الغربية، الأمر الذي خلق حالة من الفوضى والارتباك البحثي بين جموع الباحثين العرب فتعددت مواقفهم بين الرفض والقبول لهذا المصطلح في ضوء هذا الربط الآلي بين الأدب وجنس منتجه.

ومن الذين رفضوا النظرة الفئوية للأدب الناقدة “خالدة سعيد” التي رفضت المصطلح في مؤلفها “المرأة، التحرر، الإبداع” فرأت أنه يبتعد عن الدقة والموضوعية، وتنفي عنه الخصوصية وهوية تميز صاحبته، فالقول بكتابة “نسائية تمتلك هويتها وملامحها الخاصة يفضي إلى واحد من الحكمين: إما كتابة ذكورية تمتلك مثل هذه الهوية، ومثل هذه الخصوصية، وهو ما يردها إلى الفئوية الجنسية فلا تعود صالحة كمقياس ومركز، وإما كتابة بلا خصوصية جنسية ذكورية، أي كتابة بالإطلاق، كتابة خارج الفئوية، ما يسقط الجنس كمعيار صالحٍ للتمييز إلى ذكوري ونسائي.”

وكذلك الناقدة “يمنى العيد” رفضت تصنيف الأدب إلى أدب كمفهوم عام، وأدب تكتبه المرأة كمفهومٍ خاص، ومع ذلك تقر بوجود خصوصية لكتابات المرأة، وهذه إشكالية يتردد صداها عند كثير من النقاد والناقدات الذين يرفضون المصطلح ولكنهم يؤكدون على مجموعة من السمات التي تميز إبداع النساء، فقد رأت الناقدة أن هذه الخصوصية ليست ثابتة؛ لأنها رهينة لظروفها الاجتماعية ووضعها الفئوي، ومتى زالت أشكال القهر والتمييز الممارس على المرأة  ستختفي تلك الخصوصية، لذلك ترى أن الأدب “نتاج ثوري يلغي مقولة التمييز بين الأدب النسائي، كما يلغي الخصوصية النسائية كطبيعة تعيق مساهمتها في ميادين الإنتاج الاجتماعي والتي منها الأدب.”

أما الناقدة “نازك الأعرجي” في كتابها ” صوت الأنثى- دراسات في الكتابة النسوية العربية” ترفض مصطلح الكتابة الأنثوية لما يحيل إليه من دلالات تربط المرأة بالجانب البيولوجي ووظيفتها الجنسية، وتقر بمصطلح النسوية؛ لأنه “قدم المرأة والإطار المحيط بها – المادي والبشري- والعرفي والاعتباري .. إلخ في حالة حركة وجدل” ولكن يلحظ أن الناقدة وإن كانت قد رفضت مصطلح الأنثوية فقد جعلته عنوانًا لكتابها “صوت الأنثى” وتجمع بينه وبين مصطلح النسوية، وهذا ما أثار لبسًا.

ولعل هذا اللبس نجده كذلك عن الناقد “سعيد يقطين” الذي يرفض تصنيفات الأدب وفق جنس صاحبه، ويرى أن مقاربة النصوص لابد أن تنطلق من بحث الأنساق النصية واستجلاء مكونات النص جماليًّا وفكريًّا، يقول: “كل تاريخنا الأدبي الحديث يركز بالدرجة الأولى والأخيرة على محتوى الإبداع وعلى منتجه، ومن هو. أما الجوهري في الإبداع الفني والأدبي، وهو طابعه الجمالي، فإننا لم نعره كبير اهتمام، لذلك لم ينضج النقاش الجمالي في فكرنا الأدبي ولم يتطور”، لكنه في الوقت ذاته يعترف بوجود أدب للمرأة له سماته، ويرى أنه على الرغم من كون مفهوم الأدب الرجولي غير مستعمل فإن هناك ما يوحي به، ولبحث خصائص كتابات المرأة لابد من الانطلاق من النص ذاته والتنصل من الآراء المسبقة التي تقرن أدب المرأة بالإغراق في كتابة الجسد وبروز النزعة العاطفية والعفوية.

ويرى الناقد “حسام الخطيب” أن المصطلح يكتسب خصوصيته من خلال طرحه لمشكلات المرأة، وأن أدبها مرتبط بالشرط الاجتماعي، وكلما ارتقى وعي المجتمع في نظرته للمرأة كلما تضاءلت الأهمية الذاتية لأدبها؛ لأن “مشكلات المرأة الخاصة عند ذلك تصب في بحر المشكلات العامة، وتستقي جذورها من مشاكل الطبقة أو الشريحة الاجتماعية التي تنتمي إليها المرأة وتجد حلها في الحل الاجتماعي العام.”

والناقد “محمود طرشونة” فرّق في مؤلفه “الرواية النسائية في تونس” بين مصطلحي النسوية والنسائية، ويرى أن الرواية النسوية ملتزمة “تحمل رسالة تتمثل في الدفاع عن حقوق المرأة وقد تتجاوز المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة إلى إثبات التفوق والامتياز، وفيها لهجة نضالية في أسلوب خطابي في أغلب الأحيان… ثم هناك “الرواية النسائية” وهي بكل بساطة الرواية التي تكتبها المرأة وهذا ليس مصطلحًا فنيًّا ولا يدل على اتجاه أو على مدرسة أو أيديولوجيا ما.

وبالتالي وضع الناقد “طرشونة” حدودًا بين مصطلحي النسوية والنسائية، الأول ربطه بأيديولوجيا منتجـ(ة) الخطاب النصي، في حين أن مصطلح النسائية يحيل إلى جنس الكاتبة بغض النظر عن نوع الموضوعات التي تتطرق إليها فهو لا يرتبط بتوجه أو أيديولوجيا الكاتبة. وعلى الرغم من هذا التحديد الذي يقترب إلى حدٍ كبير من المفهوم الغربي إلا أنه يناقش مصطلحًا ثالثًا أسماه بالحساسية الأنثوية لتتداخل المصطلحات مرة أخرى، إذ يرى أن المصطلح الأخير ليس هو “الرواية الأنثوية؛ لأنه يصعب تمييز اتجاه يتصف بالأنوثة، وهي ليست نظرة أو موقفًا بقدر ما هي نكهة خاصة نجدها في جميع روايات النساء تقريبًا، نحس منها أن ما نقرأه صادرًا عن معاناة امرأة عاشت حالة ما وعبرت عنها بطريقة فنية مثل عاطفة الأمومة أو العشق أو الخوف”، ويرى أن هذا لا يتوفر إلاَّ في “كتابات الأنثى” على حد تعبيره، الأمر الذي يزيد الارتباك الاصطلاحي وعدم حسمه، فضلا عن طرحه لمفهوم “الرواية الأنثوية” والذي لم يُعرفه، لتتدافع الاصطلاحات التي أوردها والتي لم تخرج من دائرة الخلط وعدم التحديد.

والناقد “شكري عزيز الماضي” ميز بين نمطين من الخطاب؛ النسائي والنسوي، ويرى أن الأول “يدل على الأعمال والكتابات التي يبدعها الرجال والنساء معًا وتقف مع المرأة وتعالج قضاياها وأحوالها وتاريخها وسبل تحررها. أما الخطاب النسوي فيدل على الأعمال الإبداعية التي تنجزها النساء فقط”؛ فالأدب النسوي من وجهة نظره هو الذي تنجزه المرأة سواء يطرح قضاياها الخاصة أو القضايا العامة، والأدب النسائي هو الذي يبدعه الرجال والنساء في تناولهم للقضايا التي تخص المرأة.

ويفضل “حسين المناصرة” مصطلح النسوية على النسائية لما فيه “من بُعدٍ لغوي يوازي مصطلح الكتابة الذكورية، ويجب ألاَّ تفهم كلمة النسوية على أنها دونية اجتماعية كما في التصور اللغوي الشائع”. فلا يوجد فرق بين المصطلحين في نظره.

وقد تطرق “محمد جلاء إدريس” إلى إشكالية المصطلح وضبابيته والتي أرجعها إلى كون المصطلح ومفهومه ودلالته صناعة غربية خالصة، الأمر الذي انعكس على المتلقي العربي فتباينت معه المفاهيم والدلالات. و قد رفض الناقد مصطلحي النسوي والنسائي وآثر استخدام مصطلح الأنثوي للتعبير عما تكتبه المرأة من أدب مقابل ما يكتبه الرجل دون أن يحوي أي نمط من قيم تحط أو تعلي أحدهما على الآخر.

وتقدم “زهرة الجلاصي” مصطلح “النص المؤنث” وترى أنه ليس هو” النص النسائي”، ففي المصطلح الأخير معنى التخصيص والحصر والانغلاق في دائرة جنس النساء في حين أن مصطلح “المؤنث” ينزع إلى الاشتغال في مجال أرحب؛ أي يمكن أن يكتبه رجل.

ويطرح “إدوارد سعيد” مصطلح ” الأنوثية” في النسبة إلى “أنثى”  ورفض مصطلحي الأنثوية  والنسوية، ووضح تعريفًا للأدب النسائي وميزه عن الأدب “الأنوثي”؛ فالأدب الذي تكتبه المرأة بالإطلاق يسميه نسائيًّا أو أدب المرأة، أما الأدب الذي يعبر عن موقف محدد عقائدي ينبع من التعلق بما يعتقد صاحبه أو تعتقد صاحبته بأن له سمات خاصة بالأنثى ورؤياها للعالم وموقعها فيه، فيسميه بالأدب الأنوثي. والأدب الأنوثي قد يكتبه رجل أو أنثى، في حين أن الأدب النسائي فهو من إنتاج أنثى تحديدًا، ويقر “إدوارد سعيد” بأنه قد استعمل مسبقًا، على سبيل السهو والغفلة، مصطلح “الأنثوية” ليشير به إلى ما يعني به “الأنوثية” لكنه ليس أفضل الممكنات من وجهة نظره.

وفرقت “شيرين أبو النجا” في كتابها “نسائي أم نسوي” بين المصطلحين، وترى أن الأول يتجه إلى الجنس البيولوجي، والثاني يتجه نحو الوعي الفكري والمعرفي، وتعرف النص النسوي بأنه “النص الذي يأخذ المرأة كفاعل في اعتباره، وهو النص القادر على تحويل الرؤية المعرفية والأنطولوجية للمرأة إلى علاقات نصية، وهو النص المهموم بالأنثوي المسكوت عنه، الأنثوي الذي يشكل وجوده خلخلة الثقافة المهيمنة، وهو الأنثوي الكامن في فجوات هذه الثقافة، وأخيرًا هو الأنثوي الذي يشغل الهامش.”

ولعل تعريف “أبو النجا” للنص النسوي يقترب إلى حدٍ كبير مما طرحته النسويات الغربيات ولا سيما “هيلين سيسكو” حيث الحديث عن الكتابة التخريبية للبنية الفكرية الأبوية وطرح خطاب نسوي مضاد، لكنها ساوت بين “النسوي” و”الأنثوي.”

يلاحظ أن كل ناقد  ينظر للأدب الذي تكتبه المرأة من زاوية رؤيته الخاصة، ويستخدم مصطلحاته وفق هذه الرؤية؛ فـ “شيرين أبو النجا” تنظر لمصطلح النسوية باعتباره مصطلحًا سياسيًّا استمد جذوره من الغرب، ولا يتلاءم مع خصوصية المرأة العربية، وهذا هو سر غموض وإبهام المصطلح، وتربط المصطلح بالوضع الاجتماعي للمرأة والظلم والتمييز العنصري بين الجنسين، وترى أن خصوصية كتابات المرأة “خصوصية متحولة وليست ثابتة”.وينظر “محمد نور الدين أفاية” إلى كتابات المرأة من زاوية علاقة المرأة بجسدها الذي تكتبه بما “لا يستطيع النظام الرمزي الذكوري تفكيكه أو فهمه”. وتتعدد الكتابات التي تدور حول أدب المرأة ورغم إقرار النقاد بخصوصية الكتابة فإن بعضهم  يرفض التسمية، مثل الناقدة “بثية شعبان” في كتابها “مائة عام من الرواية النسائية” فعلى الرغم من استخدامها مصطلح “الرواية النسائية” في عنوان دراستها  إلاّ إنها تقر بأن الأدب لا ينقسم، وترفض التسمية ومع ذلك تؤكد على وجود خصوصية تميز كتابات النساء عن الرجال، فالرجال والنساء يكتبون بشكل مختلف لأنهم مخلوقات تحمل تجارب تاريخية ونفسية وثقافية مختلفة، وهي خصائص ليست جسدية لكنها ترتبط بالدور الاجتماعي.

ويقدم “عبد الوهاب المسيري” مصطلحًا آخر غير النسوية وقد أسماه “حركة التمركز حول الأنثى”، فيرى أن مصطلح “النسوية”، و”النسوانية”، و”الأنثوية”  وغيرها مصطلحات غير دقيقة، وبعيدة عن المفهوم الكامن وراء المصطلح الغربي،  فهناك خلط للمفاهيم لأنها مقتطعة من سياقها الغربي المختلف. ويرى أن الجميع يرون أن مصطلح Feminism يعد امتدادًا لحركة تحرير المرأة، كما ورد سابقًا، لكنه يرى أن الأرضية الفكرية للحركتين مختلفتين لاختلاف الوعي المعرفي بالعالم وتطوره؛ فحركة تحرير المرأة تدور حول قضية تحقيق العدالة للمرأة داخل المجتمع، أما حركة النسوية، أو ما أسماه بـ “حركة التمركز حول المرأة” فتقف على النقيض؛ لأنها تصدر عن موقف صراعي للعالم حيث تتمركز الأنثى على ذاتها، ويتمركز الذكر هو الآخر حول ذاته، ويصبح تاريخ الحضارة البشرية هو تاريخ الصراع بين الرجل والمرأة، ومحاولة هيمنة كل منهما على الآخر.

النسوية مصطلح أيديولوجي:

مصطلح Feminism من المصطلحات الدخيلة على الثقافة العربية وقد سبب إرباكًا واسعًا، ومازال، بين النقاد والباحثين والمترجمين على حد ٍسواء، فضلا عن انقسامهم بين رفضه وقبوله، الأمر الذي يشي بعدم فهم  دقيق للمصطلح كما ظهر في بيئته الغربية؛ فقد ترجم إلى مصطلحات عربية متعددة منها، النسوية، والنسائية، والأنثوية، والنسوانية( )، والأنوثية( ) وحركة التمركز حول الأنثى( ) فهو من المصطلحات المائعة التي دفعت الناقدة “بيل هوكس”( )Bill Hawks  إلى القول أن هذا المصطلح ليس له معنى محدد( )، ولعل هذا المعنى غير المحدد يضيع تمامًا في الكتابات العربية التي طرحت المصطلح وفق وجهات نظر مختلفة للنقاد والباحثين والمترجمين لنصبح أمام إشكالية حقيقية تتجاوز عدم الاتفاق حول المصطلح إلى عدم فهم المصطلح وخلطه بمصطلحات أخرى.

لم يثر مصطلح جدلاً واسعا في المجالات المعرفية المختلفة مثل مصطلح النسوية؛ فهو مصطلح زئبقي مراوغ، ولذلك بدأت “سارة جامبل” كتابها “النسوية وما بعد النسوية”، الذي يعد دستور النقد النسوي، بقولها: “عندما نذكر كلمة النسوية يعتقد الكثيرون أنهم يدركون تمامًا ما تعنيه الكلمة.()

مصطلح النسوية كما عرَّفته “جامبل” يشير إلى “الاعتقاد بأن المرأة لا تعامل على قدم المساواة – لا لأي سبب سوى كونها امرأة- في المجتمع الذي ينظم شؤونه ويحدد أولوياته حسب رؤية الرجل واهتماماته. وفي ظل هذا النموذج الأبوي تصبح المرأة هي كل ما لا يميز الرجل أو كل مالا يرضاه لنفسه”( ) وهذا ما يفسر ارتكاز الخطاب الأبوي على الثنائيات الضدية التي روجت لها البنائية مثل رجل/ امرأة، القوة/ الضعف، العقلانية/ العاطفية،  الفاعلية/ المفعولية؛ فهي ليست تضادات محايدة إذ يبدو العلاقة الضدية بين رجل/ امرأة توازي العلاقة الضدية بين إيجابي/ سلبي، فإذا اكتسب أحد طرفي الثنائية معنى فإن الطرف الآخر يتم تدميره، ودومًا ينتصر العنصر الذكوري وينهزم الأنثوي في عرف الثقافة الذكورية المتمحورة حول الرجل والتي تضع المرأة في حيز الهامش، ولذلك اعتنقت معظم النسويات أفكار “جاك دريدا” التفكيكية للإطاحة بهذه الثنائيات العنصرية( ). هذا هو الأساس النظري الذي بنيت عليه النسوية فروضها فهي حركة تعمل على تغيير الأوضاع لصالح أن ينظر للمرأة على كونها إنسانًا لها من الحقوق والواجبات مثل الرجل على كافة المستويات وفي جميع المجالات.

النسوية كما جاء في معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع هي حركة تهدف إلى “نصرة حقوق النسوة”( ) وترد أصول النسوية الغربية الحديثة إلى حركة التنوير في القرنين السابع والثامن عشر، ويُذْكر في هذا الشأن كتاب “أولمب دوي غوج” Olympe de Gouges ( ) إعلان حقوق المرأة والمواطنة الأنثى 1971 The Declaration of the Rights of Woman and the Female Citizen حيث ازدياد الوعي بتغيير وضع المرأة كجزء من تغيير المجتمع بشكل عام على كافة المستويات. وقد ظهر المصطلح كخطاب منظم في ستينات القرن العشرين، ويعد امتدادًا فكريًّا لحركة تحرير المرأةwoman’s liberation movement   والتي تعد الموجة الأولى للنسوية والتي ترجع جذورها إلى أواخر القرن الثامن عشر في أوربا( )  إثر تحولات شهدها المجتمع الغربي بعد سلسلة من الامتيازات حصدتها المرأة عبر تاريخها النضالي الطويل، بمحاولاتها مجاوزة النظرة الدونية لها باعتبارها وجودًا ثانويًّا وكائنًا يضطلع بوظيفة بيولوجية فحسب داخل المؤسسة الاجتماعية، وكذلك هناك علاقة بين حركة النسوية وحركة تحرير العبيد Abolitionism ، فتحرير المرأة واستغلالها جزء من تحرير الإنسان في العصر الحديث.

وسنتوقف عند دراسة مهمة للناقدة توريل موي( ) Toril Moi  معنونة بـ “النسوية والأنثى والأنوثة”  Feminist, Female, Feminine للوقوف عند ثلاثة مفاهيم أساسية في معجم النقد النسوي، وقد استخدمت هذه الكلمات الثلاث بطرق مختلفة الأمر الذي يساعد في التعرف على مدلول مصطلح النسوية في بيئته الأصلية.

أشارت “موي” أن مصطلح النسوية Feminism والآخر الداعية إلى النسوية Feminist “مصطلحان سياسيان يدعمان أهداف الحركة المدافعة عن النساء التي بزغت أواخر ستينيات القرن العشرين، ليصبح النقد النسوي Feminist criticism نوعًا خاصًا من الخطاب السياسي، وهو تطبيق نقدي ونظري  يلتزم بالصراع ضد الأبوة Patriarchy وضد التمييز الجنسي Sexism وليس مجرد الاهتمام بالنوع.() Gender في الأدب”

إن النقد النسوي، كما رأت الناقدة، يدرس علاقات القوى الاجتماعية والقانونية والفردية بين الجنسين، أي ما دعته “كيت ميليت” Kate Millette بالسياسات الجنسيةSexual Politics  فهي ترى أن القوة هي جوهر السياسة، وأن مهمة الناقدات النسويات هي أن يكشفن الآلية التي يتم بها هيمنة الرجال على النساء، والتي ترجعها في تعريفها البسيط إلى النظام الأبوي، وأن يكشفن، أيضًا، الآلية التي تتشكل بها الأيديولوجية التي يمكن أن تكون أكثر الأيديولوجيات تغلغلاً في حضارتنا التي يعود مفهومها الأساسي للقوة.()

أما فيما يخص مصطلح الأنثىFemale  فهو مصطلح بيولوجي، وأنه ليس لكون الكاتبة أنثى أن تتفق كتاباتها بالضرورة مع ما تدعو إليه النسويات، فهناك بعض الكتابات التي كتبتها نساء تدعم المقولبات الأبوية وتتفق مع سلطة الثقافة الذكورية بخلاف ما تنادي به النسويات. وقد أوضحت “روزاليندا كارارد” Rosalind C oward في مقالتها المهمة المعنونة بـ “هل روايات النساء نسوية؟” Are women’s novels feminist novels? الخلط الذي ينشأ في الحركة النسائية وفي وسائل الإعلام بين الكتابة الأنثوية Female writing  والكتابة النسوية Feminist writing، وتؤكد كارارد أنه لا يجوز القول أن أي كتابة محورها المرأة هي كتابة نسوية فروايات “ميلس” و”بوون”  Mills and Boonالرومانسية تكتب عن المرأة وتقرأها المرأة وتسوق من أجلها، ومع ذلك فإن أهداف النسوية بعيدة كل البعد عن تلك الخيالات الجامحة التي تميز هذه الروايات والتي تقوم على الخضوع الجنسي والعرقي والطبقي.()

وعن المصطلح الثالث Feminine الأنوثة فهو مصطلحٌ ثقافي، وتذكر “موي” مقولة “سيمون دي بوفوار” الشهيرة: “لا تولد المرأةُ امرأةً بل تصبح كذلك”؛ فالثقافة المجتمعية تكسب المرأة بعض الصفات وتطوقها بها على أنها سمات لصيقة بها كالخجل والعذوبة والخنوع والعطاء وغيرها التي تشكل في علاقتها بالرجل مجموعة من الثنائيات الضدية Binary Oppositions التي تنتصر فيها الفاعلية الذكورية دوما وتنهزم السلبية الأنثوية( )، وبالتالي فالأنوثة تظهر كنقص وسلبية واختفاء المعنى واللاعقلانية والتشوش.()

تظهر أهمية دراسة “توريل موي” في أنها قد وضعت بعض المحددات الجوهرية في تعريفها للكتابة النسوية انطلاقًا من تمييزها بين المصطلحات الثلاثة؛ النسوية والأنثى والأنوثة، لنخرج من هذا برؤية تتمحور حول أنه ليس كل نص تكتبه المرأة هو نص نسوي، فالمرأة قد تكتب أفكارًا تتعارض مع ما تروج له الحركة النسوية، وبالتالي لا يمكن نعت هذه الكتابات بالنسوية. ومن جهة أخرى أثارت “موي” في معرض تفرقتها بين مصطلحي النسوية والأنثوية سؤالا حول أن يكون الرجل نسويًّا، تقول: “نتساءل عمًّا إذا كان بإمكان الرجال أن يقولوا بالنسوية أو أن يكونوا نقادًا نسويين. إن لم يكن ضروريًّا للداعين بالنسوية أن يركزوا أعمالهم على كاتبات، أليس من المحتم عليهم أن يكونوا إناثًا فقط؟

والجواب من حيث المبدأ على هذا التساؤل هو بلا شك نعم: يمكن أن يكونوا قائلين بالنسوية، لكن ليس بإمكانهم أن يكونوا إناثًا، تمامًا مثل وضع الأبيض الذي بإمكانه أن يكون ضد العنصرية، ولكنه ليس بأسود. إذ سيتكلم الرجال تحت هيمنة الأبوية، دائمًا من موضع مختلف عن النساء ويجب على استراتيجيتهم السياسية أن تضع ذلك بعين الاعتبار. ويتوجب عمليًّا على الناقد المستقبلي القائل بالنسوية، أن يسأل نفسه عمًّا إذا كان فعلا، كونه رجلا، يخدم النسوية باختراقه الحيز الثقافي والفكري الذي أوجدته النساء ضمن النظام الأبوي السائد.()”

بناء علي هذا الرأي يمكن اعتبار بعض النصوص الذي يكتبها الرجل نصوصًا نسوية، مادامت تعري السلطة الأبوية وتسعى لخلخلة أنظمته، ولكنها تظل قليلة، فقلما نجد كاتبًا/ رجلا يسعى لهدم النظام الذي يدعم ذكوريته، سواء على المستوى الكتابة الإبداعية أو النقدية. وبالتالي فمصطلح الأدب النسوي لا يرتبط مفهومه بنوع منتج النص بل بالأفكار التي يروجها النص لصالح الانتصار لقضية المرأة في مسعى لتقويض تراتبية الفكر الذكوري.

نخرج من ذلك بنتيجة تتمثل فيما يلي:

مصطلح الأدب النسوي مصطلح ذو خصوصية يشير إلى الأدب الذي تختمر فيه أفكار الحركة النسوية، ولا يرتبط بجنس كاتب النص، يدور حول المرأة ويهدف إلى إعادة صياغة المعارف الثابتة ومساءلتها وفق منهج معرفي مغاير لما عهدته المؤسسة الثقافية المهيمنة، هو اتجاه أخذ يتشكل مع الحراك الثقافي بضرورة تغيير الصورة النمطية في الأدب عن المرأة، ولذلك فكل نص يتصادم مع أفكار الحركة النسوية ويرسم صورة المرأة وفق العرف الذكوري المعهود حيث الضعف والاستكانة والخضوع وقبول موقع الهامشي ودوره، حتى وإن كانت كاتبته امرأة، لا يمكن أن نعتبره نصًا نسويًّا، فأدب المرأة ليس سواء، كما أن هناك بعض النصوص تتجاوز فيها المرأة الكاتبة قضاياها الخاصة بكتابتها عن الحياة العامة أو محاولتها أدبيًّا رصد التاريخ والتراث، لا نعدها كذلك نصوصًا نسويّة؛ إذ إنها لا تعبأ برصد وتفكيك موقع المرأة في الثقافة الذكورية.

كما تحدث الكاتب فراس حج محمد حول جذور مصطلح النسوية والظروف التي أنشأته والإشارة إلى اضطهاد الغرب بمفكريه وفلاسفته للمرأة واعتبارها أقل شأنا من الرجل، كما يظهر في كتاب فرجينيا وولف “غرفة تخص المرأة وحده”، وكما انعكس على حياة الشاعرة سليفيا بلاث التي ماتت منتحرة وقد عانت كثيرا من اضطهاد زوجها الشاعر تيد هيوز.

كما تم الإشارة إلى أن الأدب العربي القديم لم يكن ليقف عند جنس الكاتب، فمثلا شاركت الخنساء كبار الشعراء وأنشدت أشعارهم في قبة النابغة الذبياني الذي قال قولته المشهورة “لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت أنك أشعر من في السوق”، وامتداح الأصمعي للخنساء الذي قال فيها “هي المرأة التي فوق الرجال”.

كما تناول طبيعة الكتابة النقدية التي تحلل الأدب، فلا بد للناقد من تحليل البنية النصية وعناصرها الشكلية، والمضمون، ولا بد من الإشارة إلى ما يمس قضايا المرأة، وتوقف الناقد الحقيقي عندها المجهز بجهاز كامل من المصطلحات النقدية والمنهجية لا يعني انحيازه أو تمييزه، كما يحلل أدب الأطفال وأدب الزنوج وأدب جغرافيا معينة وهكذا.

وقال الكاتب ستار زكم:

يقع العديد من النقاد والدارسين في هذا الشأن باشكاليات عديدة عند تطبيق هذا المصطلح من ناحية الاجراء بسبب الانشقاقات والتفرعات التي خرجت من هذا المصطلح بعد ان تنوعت الكتابات واخذت حيزا واسعا في الكتابة التي تخص المرأة.

ويعود الخلط في مفهوم الادب النسوي الى اشكالية الترجمة للعديد من الآداب ( الفرنسية ، الانكليزية ) حيث وقع المترجم في نقل المصطلح بطريقة غير صحيحة واعتبر ان كل ماينتج من كتابات ابداعية تخص المراة هو يقع تحت عنوان ( الادب النسوي ) وهذا هو المطب الكبير الذي وقع به العديد من الادباء والمعنيين بهذا الشأن حيث اختلاط المفاهيم وعدم التمييز بين كتابة واخرى.

هناك ثلاثة مصطلحات تخص هذا الادب يتعامل معها النقاد في الوقت الراهن حددت بعد ترجمات دقيقة وفاحصة وهي ( مصطلح الادب النسوي ، مصطلح الادب النسائي ، مصطلح الادب الانثوي ) وتستخدم هذه المصطلحات من حيث التطبيق لا من حيث التسمية حسب وقع الجملة في الاستخدام . كما اشير هنا وبشكل مختصر الى حيثيات تطبيق هذا المصطلحات من حيث الاجراء.

1-ينطبق مصطلح الادب النسوي على كل ماتنتجه المراة من ادب على مستوى الشعر والرواية والقصة.

2-ينطبق مصطلح الادب النسائي على كل ماتنتجه المراة من ادب يتعامل مع المرأة والعديد من شؤونها.

وينطبق مصطلح الادب النسائي ايضا على كل ماينتجه الرجل من ابداع يخص هموم وتطلعات وقضايا المرأة.

3-ينطبق مصطلح الادب الانثوي على كل ماتنتجه المرأة وماينتجه الرجل ايضا من ابداع يحمل بين طياته مناهضة الذكورية والابوية واعتقد ان هذا المصطلح ينطبق على العديد من نتاجات نوال السعداوي.

كما شارك عدد من رواد الندوة في النقاش إذ  تراوحت آراؤهم بين رفض وتقبل مصطلح الادب النسوي.

كما تم اقتراح اطلاق هاشتاغ لرفض المصطلح المذكور .

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات