طار الحمام تدق الجدار الذي يسجن شعبا

ط

 

 

 

 

 


على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي في القدس شاهدنا مسرحية “طار الحمام” تأليف عزام أبو السعود وإخراج مكرم خوري.

المضمون :
تتعرض المسرحية إلى جانب من الجرائم الكثيرة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني عامة وبحق المقدسيين منه خاصة، نتيجة لبناء جدار التوسع ألاحتلالي الذي يبتلع مدينة القدس ويعزلها كليا عن امتدادها الفلسطيني والعربي، ويبقي أهلها سجناء “كانتون” لا ملاذ لهم إلا السماء.

وتتمحور المسرحية في بيت مدير مدرسة متقاعد يعيش في حارة السعدية في القدس القديم، يعيش هو وزوجته العجوز حياة دافئة، ويفاجأ عصر أحد الأيام بالمزارع الذي يعتني بأرضه في إحدى القرى المجاورة بأن جدار العزل العنصري قد ابتلع أرضه، وقبل أن يستفيق من هذه الصدمة يفاجأ بولديه الذي يسكن أحدهما العيزرية، والثاني الرام يتركان بيتيهما هناك ويعودان إلى بيت الوالدين بصحبة زوجتيهما وأبنائهما، ليصبح عدد ساكني المنزل سبعة عشر شخصًا، مع أن البيت مكون من غرفتين ومطبخ صغير وحمام وبيت درج، وساحة صغيرة أمامه، وهنا تبدأ المشاكل العائلية الناتجة عن ازدحام المنزل الصغير الذي يسكنه ثلاث أسر وأحد عشر طفلا.

وقبل استقرار الأسرة الممتدة في هذا الزحام ،يدخل مالك المنزل محتجًا على عدد سكان المنزل الكثيرين، ومحذرا إياهم بالإخلاء إذا ما تصرفوا في العقار من تعمير أو غيره، وفي هذه الأثناء يرن جرس الهاتف معلنا أن جرافات الاحتلال أعطت فرصة لشقيق صاحب البيت مدة ساعة لهدم بيته الواقع في شعفاط ، فيهرع الكبار لمساندة صاحب البيت، ويبقى الأطفال في المنزل يتشاورون فيما سيعملونه.

وهذه القضية تنكأ جراحا لا تندمل، فالإسرائيليون يمنعون البناء العربي بشكل شبه كامل داخل حدود البلدية في القدس الشرقية، وهذا البناء محصور في 14% من مساحة المدينة التي تبلغ حوالي سبعين كيلومتر يقطنها ما يزيد على ربع مليون فلسطيني. وموزعين في حوالي ثلاثين الف وحدة سكنية، في حين تترك بقية الأراضي منها للاستيطان حيث يتوزع البناء الاستيطاني على 35% من مساحة القدس الشرقية ويزداد يوميا، وتبلغ عدد الوحدات الاستيطانية اثنين وخمسين ألف وحدة سكنية، يقطنها ما يزيد على المائتي الف مستوطن، مع أن عدد البناء اليهودي وعدد المستوطنين في القدس الشرقية كان صفرا عند وقوع المدينة تحت الاحتلال في حرب حزيران 1967 العدوانية.

وكان الإسرائيليون يهاجمون المقدسيين الفلسطينيين ويتهمونهم بالتخلف الاجتماعي لاضطرار أكثر من زوجين للعيش في شقة صغيرة، مع أنهم أي الإسرائيليين المسئولون عن ذلك. ويأتي جدار العزل العنصري ليخلق مشاكل جديدة لها أول وليس لها آخر، ومنها اضطرار من يسكنون خلف الجدار إلى العودة داخله، مما رفع قيمة الإيجارات، ومما اجبر كثيرا من الأسر إلى العودة إلى بيت الأسرة الممتدة مع ما يخلق ذلك من متاعب ومشاكل اجتماعية.

الديكور :
يمثل الديكور بيتًا مقدسيا قديما داخل أسوار القدس القديمة، بشكل متقن، فأنت ترى القباب، والأبواب والنوافذ المقوسة و ” الطلاقات ” الفخارية، وترى بعض الأعشاب تتدلى من الجدران، تقف حقا كمشاهد أمام احد بيوت القدس القديمة ، لكن يؤخذ عليه انه لم يراع قدم الجدران، فلم تظهر فيها شقوق وتصدعات كما هو الواقع الآن، وكذلك كان للصوفا ” الدوشك ” المرفوعة في “الساحة” أمام الصالون دور مهم ،حيث يجلس عليها رب البيت ويستقبل ضيوفه، غير أنه لم يكن مبرر لوجود الكتب على الطاولة الصغيرة قربه، لأنها على الأقل لم تستعمل، وكذلك الحال بالنسبة للوحة الفنية، فهي لم تستعمل أيضا، ولولا سؤال رب البيت عنها لزوجته عندما نقلتها من مكانها لما عرف المشاهد من الذي يمارس الرسم.

الإخراج :

لمخرج هذا العمل مكرم خوري باع طويل في المسرح سواء من ناحية التمثيل أو من ناحية الإخراج، وواضح في هذه المسرحية قدرته العالية في التعامل مع النص تحديدا، وفي توجيه الممثلين لأداء أدوارهم، وتميز أيضا في التعامل مع أحد عشر طفلا على خشبة المسرح أدوا دورهم بطريقة لافتة مما يدل على الجهد الكبير الذي بذله المخرج.

الممثلون :
واضح أن طاقم الممثلين أدى أدواره التي أعطيت له بطريقة إبداعية، فالأبطال الرئيسون كامل الباشا وريم اللو كانا رائعين حقا، فمع أنهما في ريعان الشباب إلا أنهما وباستعمال المكياج وقدرتهما الفنية العالية ظهرا عجوزين هرمين كما يتطلب الدور، حتى أن من يعرفهما شخصيًا وعن قرب ولا يعرف من هم شخوص المسرحية يحتاج إلى وقت للتعرف عليهما، لانهما اندمجا بل وتلاشيا في الشخصيات التي مثلاها، وهذا راجع إلى خلفيتهما الثقافية والمعرفية في مجال التمثيل، ولقدرتهما في الاستفادة من تجاربهما الفنية السابقة، وقدرتهما على تطوير الذات ، وكان تجلي ريم في أداء الأغنيات الطربية القديمة واضحا أيضا لتثبت أنها فنانة متعددة المواهب، فهي تغني وتمثل وتجيد الاثنين معا، ولا يؤخذ عليها صوتها الشبابي العذب الذي ترافق مع دورها في تمثيل دور المرأة العجوز، فهذه قضية لا مخرج لها.

أما الممثلون الأخرون : عدنان أبو سنينة، رجائي صندوقة، عماد مزعرو، تمام الزبيدي، جميلة خويص، وفداء غنيم، فقد أجادوا الأدوار التي أعطيت لهم بطريقة لافتة، فقد رأيت عدنان ابو اسنينة يؤدي دور الفلاح البسيط الذي يلبس القمباز ويعتمر الكوفية، بحركات فيها كثير من الواقعية، لكن عليه ممارسة اللجهة العامية القروية بشكل اكبر، كما أن رجائي صندوقة أدى دور الابن الشاب الموظف بطريقة جيدة، اما عماد مزعرو فقد كان دوره هو دور الابن والشاب والزوج العاطل عن العمل والمتمرد أيضا وقدمه بطريقة جيدة أيضا.

وقد تجلت تمام الزبيدي في أداء دورها كزوجة شابة وكأم ومعلمة وموظفة تعمل مدرسة، وككنة تجيد التحايل والرياء مع حماتها وحماها، وتجيد فن العراك مع “سلفتها” أيضا وواضح أيضا أنها تستفيد من خبراتها السابقة في تطوير قدراتها الفنية.

أما جميلة خويص واعتقد أن هذه هي المرة الاولى التي تظهر فيها على خشبة المسرح فقد أجادت دورها في تقديم دور المرأة الحامل في أيامها الأخيرة من الحمل، كما أجادت دور الكنة المتمردة على حماتها وحماها، والقادرة على استثمار الغيرة من “سلفتها” العاملة لتخلق العراك معها، وان كانت بحاجة إلى العمل على صوتها ومخارج الحروف عندها.

اما الذي فرض حضورا متميزا على خشبة المسرح رغم قصر الدور المعطى له، فقد كان الفنان محمود عوض، لقد قدم دور المالك قوي البنية، ذا التاريخ الطويل في النضال وفي تأديب أبناء الحارة وفرض الهيبة عليهم، لقد كان شامخا على خشبة المسرح، ذا صوت جهوري وأداء رائع، يعرف متى يرفع صوته، ومتى يتشاجر، ومتى يتكلم بنعومة.

أما الأطفال : فقد أضفوا على المسرحية رونقا جميلا لم نعتد على مشاهدته في الكثير من المسرحيات الأخرى التي شاهدناها، وهذه قضية تسجل لصالح المخرج الذي بذل جهودا كبيرة حتى أدوا الحركات التي شاهدناها على المسرح.

الاضاءة :
مع أن رمزي الشيخ قاسم مشهود له بقدراته العالية في استعمال الإضاءة المسرحية، ومع جماليات الإضاءة التي شاهدناها في هذه المسرحية إلا ان هناك التباسا في بداية العرض المسرحي، لم أ ستطع تحديد مسؤولية من يتحمله، فهل يكون كاتب النص أم المخرج أم رمزي أم كلهم مجتمعون؟؟ في الواقع لا أعرف ذلك، فبداية العرض وظهور ريم اللو على خشبة المسرح مصحوبة بالإضاءة الصفراء التي انعكست على الجدران التي تميل إلى اللون الأصفر، ودقات الساعة التي أوحت لي بدقات أجراس الكنائس ، وهي معروفة في القدس، وآذان الصلاة الذي جاء بعد دقات الصلاة، ومناداة ريم على “زوجها” كامل الباشا أوحى لي وللمشاهدين أننا في أوقات صلاة الفجر، ثم جاءت جملة من كامل الباشا محتجا على زوجته لأنها قطعت عليه نومه في ساعة القيلولة، والقيلولة تكون عادة في ساعات ما بعد الظهر أي في ساعات العصر، ثم يدخل الفلاح المزارع يحمل سلتي عنب ليخبر انه قطفها بعد صلاة الفجر، ومشى بها طوال النهار ليصل بعد العصر إلى منزل بطل المسرحية في حارة السعدية في القدس القديمة، وهذه قضية تجانب الحقيقة خصوصا عندما قال “بأن الندى لايزال على العنب” فعن أي ندى تكلم؟ وهل يبقى الندىعلى ثمار العنب حتى ساعات ما بعد العصر؟ وعن أي قرية قرب القدس تحتاج الى هذا الوقت حتى يستطيع وصول المدينة المقدسة؟؟

الغناء :
قدمت ريم اللو أغنية طربية قديمة بدون مصاحبة الموسيقي فأبدعت ، كما قدمت بعض أغاني الأطفال ولاعبتهم وداعبتهم وأبدعت أيضا.
أما ريم تلحمي :- فإنها أسمعتنا التهليلة بصوت عذب ساحر فلها التحية مع أننا لم نشاهدها على خشبة المسرح.

سؤال للمخرج : لماذا جاء الآذان كاملا على خشبة المسرح فهل نحن في مسجد، وفي أذان حقيقي من أجل تأدية الصلاة؟؟؟ وألا تعتقد أن الآذان كان طويلا، لم يكسر حدته سوى ريم اللو وهي تدور على خشبة المسرح مهللة مكبرة؟؟

والنتيجة :
إننا أمام مسرحية جميلة نصا وإخراجا وتمثيلا، مسرحية تعالج جانبا من قصة حياة مريرة، إننا أمام مسرحية تستحق المشاهدة، وتستحق أن تدور في أماكن أخرى من هذا الوطن المعذب، وتستحق أن تعرض خارج الوطن لعلها تدق ناقوس الخطر عند أمة أصابها الصمم والبكم.

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات