السيد ابراهيم وزهور القرآن مسرحية ذات مضمون انساني من الظاهر ولكن سياقها يؤكد على بعدها السياسي التاريخي

ا

 

 

 

 
في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس عرضت هذه المسرحية التي يمثلها الفنان سهيل حداد ، وهي من تأليف الفرنسي اليهودي اريك عمانوئيل شميدت ، ترجمة عماد جبارين واخراج كلاوديا ديلاسيتا.
عند دخول الجمهور الى قاعة العرض يستقبلهم الممثل الذي يرتدي بنطالا وقميصا فوقهما مريول ، كما يرتدي أصحاب البقالات ، وفي يده طبق به سكاكر “ملبس على لوز” يستضيف بها كل فرد ، وفي القاعة ثلاث شوالات شوال عدس ، شوال فول ، شوال فستق وكرسي صغير وابريق ماء وكأس وسلم ، وبساط مطوي ، وكلها توحي للمشاهد انها بقالة شرقية.
ثم يبدأ الممثل يحكي قصته ، انه طفل يهودي في الحادية عشرة من عمره ، يعيش في حي باريسي فقير، بلا أم حيث أن والدته انفصلت عن أبيه ، ووالده محام قاس جدا في تعامله مع ابنه ، لنكتشف لاحقا أن الوالدين من ضحايا “الهولوكوست” وهي المذابح الجماعية التي تعرض لها اليهود على أيدي النازيين ، ويتردد “موريس” على بقالة مسلم اسمه ابراهيم ، يسرق منها أحيانا، ويستمع لنصائح صاحبها أحيانا أخرى ، وتتوطد العلاقة بينهما حتى تصل الى درجة التبني ، والسيد ابراهيم المسلم الصوفي يشرب الكحول أحيانا كما ورد في النص ليصل الى الصفاء الروحي . ويصطحب الطفل معه الى بلدان كثيرة من الغرب الى الشرق. بدءا من شاطيء نورماندي ، وهو الشاطيء الذي نزلت فيه قوات الحلفاء لتحرير فرنسا بداية وأوروبا لاحقا من النازيين ، ولسان الكاتب يقول هنا بأن (تحرير) اليهود لن يكون في الغرب بل في الشرق.
إن موضوع المسرحية جاء في أعقاب قصة حقيقية كما جاء في منشور الاعلان عنها. وهي تعطي بعدا انسانيا من خلال أحداثها ، فالأب المسلم يتبنى طفلا يهوديا ، ويعطف عليه ويساعده ويشد على يديه ، ويرافقه في جولاته حتى أنه في النهاية يصبح وريثا له بعد أن اكتسب العادات العربية والاسلامية، وقرأ القرآن حتى أن كثيرين اعتبروه مسلما ، بمن فيهم والدته التي تعرف عليها لاحقا دون أن تعرفه ، ويتوصل الطفل من خلال أحداث القصة الى أن المسلمين واليهود أبناء ابراهيم ، بل هم أبناء الله ، يجمعهم الجنس البشري وبعض المعتقدات المشتركه مثل ” الختان” وغيرها ، ويوحدهم في النهاية الموت والايمان بإله واحد.
هدف سياسي:
لا أجزم فيما اذا كان الصراع العربي الاسرائيلي يفرض فهما سياسيا لموضوع المسرحية ويخرجها عن موضوعها الانساني المجرد ، لان الحقيقة تقول أن المسرحية ترمي الى هدف سياسي ، فالمسرحية تجعل المشاهد يتعاطف مع الأب اليهودي الذي تنفصل عنه زوجته لغرابة تصرفاته، وقسوته في التعامل مع ابنه، وهو يهرب من البيت ليترك الطفل وحيدا ، ثم لينتحر لاحقا، وان كنت كمشاهد عربي فلسطيني يلح علي سؤال اخر وهو لماذا تحول اليهود ضحايا النازية الى جلادين وأصبحت أنا وشعبي ضحايا لهم؟
ان الكاتب ارتأى أن حل مشكلة الطفل اليهودي كانت من قبل مسلم أصر الطفل انه عربي مع أنه ليس كذلك. فهل يعطي بهذا أن حل المشكلة اليهودية بعد الحرب العالمية الثانية هو على حساب العرب والمسلمين ، الذين قبلوا بهم كدولة في الشرق الأوسط ؟ ربما… فان كان صحيحا فليت حكام اسرائيل يقبلون بما قبل به الطفل ” موريس” بطل المسرحية ، فقد قبل موريس أن يكون ابنا للمسلم، وعاش معه كما يعيش الأب والابن في أسرة واحدة، لكن حكام اسرائيل يرفضون ان تكون دولتهم جزءا من الشرق الأوسط ، ويرفضون أن يكون شعبهم جزءا من شعوب الشرق الأوسط ، وطالما لم يستوعبوا ذلك ويقبلوه سيبقى الصراع قائما بكل ما يحمله من دماء ومآسي وضحايا من الطرفين.
وأرى في المسرحية موقفا انسانيا عقلانيا ، وهي دعوة لطرفي الصراع وخصوصا لمن لم يقتنع منهما بعدم وجود الاخر ، أن التعايش والمحبة هي السبيل الوحيد للخروج من دائرة الصراع ونسيان الماضي.
القدرات الفنية:
لقد كانت الانفعالات واضحة على وجه الممثل وفي حركاته وهو يقدم اللوحات الانسانية لحياة الصبي، والذي كان واضحا انه بدأ يروي قصة عندما وصل الى سن البلوغ واكتشاف الذكورة فيه ، كما أنه قام بدور الراوي الحكواتي في مشاهد أخرى ، وكان المزج ما بين التمثيل والحكواتي سببا كافيا ليجعل المشاهد يضيع ما بين ايقاع التمثيل ونمطية دور الحكواتي، لكن الفنان بقي على فنه ولم يضع ما بين الدورين، وان بدا مترددا غير مقتنع بعرض المسرحية على جمهور فلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي.
الاضاءة:
يؤكد رمزي الشيخ قاسم يوما بعد يوم ومسرحية بعد أخرى قدرته الفائقة في التعامل مع الاضاءة ، فقد كان يسلط الضوء بشكل لافت للانتباه على الممثل في حركاته المختلفة ، كما كان يستعمل المؤثرات الضوئية خصوصا اللون الأخضر في مواقف التفاؤل مرات أخرى.
الديكور:
كانت البقالة المتواضعة على يمين المسرح، وفيها كان السيد ابراهيم وحواراته مع “موريس” ويمين المسرح على خريطة العالم يمثل الشرق ، وفي حين كانت “كنبة” الأب التي لم تستعمل على المسرح تقع على يسار المسرح، ويمثل الغرب في حين أن السلم كان ليصعد الممثل عليه في الرقصة الصوفية الشرقية الى السماء ، وخشبة المسرح كانت منقسمة الى قسمين اليمين “الشرق” مليء بالحركة واليسار “الغرب” خال تماما ، أي أنه لا يمثل شيئا لليهود.

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات