استوقفتني الرواية ببدايتها المشوقة التي تحث القارئ على اللهاث يتعجل ان تنال مبروكة عقابها.
عمل روائي متسارع الوقع، فهو الموضوع المتكرر الذي يكتنفه الجهل، يغذيه الجبن ويغلفه التدخل في خصوصيات الآخر تحت شعار الأبوية، التي تمنح الاهل والأقارب حق هذا التدخل.
تعتبر هذه الرواية من الأعمال التي يرتكز المجال العام فيها على تكرار واضح لقضية اجتماعية حساسة ومصيرية .. فنرى الكاتب يشق بقلمه طريقا وعرا وسط زحام الجهل والأفكار المنزرعة عميقا في جذور الثقافة الشعبية السطحية المؤمنة بالخرافة، التي لا تربطها بنا سوى رابط خلقه المحتال الذكي، الذي وظف قدراته وحاسته القوية في استقراء الأفكار ولغة الجسد؛ لينصب شباكه حول الضحية ينهب مشاعرهم الى درجة الإحباط ويمتص طاقاتهم ويهدر أموالهم . ومبروكة “وأبو ربيع ” يشكلان هذا المحور الثابت في الصراع مع المثقف والواعي الرافض لهيمنة التجهيل والجهل، ويقف فراس قريب العريس موسى فيجاهد في الحوارات ومحاولات اقناع أهل موسى بأن الله قد خلق الداء والدواء، ويجادلهم بالتي هي أحسن بحوارات يسيطر عليها المنطق والعلم، وقد شاركت في هذا الرفض للدجل العروس ليلى، التي كانت أكثر جرأة من عريسها موسى، فأبت الاستسلام والرضوخ لجلسات مبروكة وشعوذتها.
ثم يتدخل عمر الشاب الجامعي وهو شقيق ليلى؛ ليؤدب مبروكة بالتهديد والضرب حين اكتشف فسادها وفسوقها، أمّا غادة فكانت مثال الشابة المتمردة على مقولة “ابن العم بنزل عن الفرس، وعملت بذكاء مستخدمة أسلوب أهلها مستغلة إيّاه؛ لتنجو من مكيدة الزواج بابن عم،ها فكانت فقرة محبوكة بعناية ودقة من المؤلف؛ ليوجه شخوص الرواية نحو الوعي وفتح البصيرة على ما يجري حولهم . مبروكة وأبو ربيع نموذجان للاستغلال يسرحان ويمرحان بسبب الأهل، الذين ضخموا صورة الخرافة، فآمنوا بالحجب والجن والمندل، فهم أيّ الأهل يخشون تحطيم القيد الأسري الاجتماعي المتداول كرؤية دم العذرية وانتظار فتوحات العريس ..العريس الذي يشعر بورطة المسؤولية بأن ينجز عمله في ليلة الدخلة بسرعة ودقة، وكأنه في امتحان مصيري.
الكاتب جميل السلحوت اتّخذ من مبروكة التي لا تحمل من اسمها سوى حروفه، ولا نصيب لها منه ..لأنها عكس معنى اسمها ..فهي العاهرة المحتالة والرجل الشاذ المتحرش أبو ربيع ..اتخذهما السلحوت عاملا لخلخلة نظام البنية الاجتماعية، وقد عمد الكاتب إلى إيجاد عنصر مؤثر يثير غضب القارئ المتلقي واحتجاجه ورغبته في تحطيم هذه الأصنام، التي يقدمون لها القرابين والأموال.
كان رفض ليلى وغادة وعمر تلبية لتخطيط الكاتب فضح دجل وكذب مبروكة وأبو ربيع، فتحولا من عائق وعنصر سلبي في الرواية إلى جمرة أشعلت نار الاحتجاج وفضح الاستغلال والاستهبال.
الكاتب كان شاهدا على أحداث عاصرها ورآها، وقد وظف روايته الليلة الأولى لتكون عملا أدبيا يحمل وظيفة أخلاقية اجتماعية توعوية، وقد أفلح في الانتماء إلى حركة تحرر اجتماعية بل ووطنية وبقوة.
استند السلحوت إلى الحديث النبوي ورفض الدين لهذا الدجل: من أتى عرّافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. وجميعنا يعرف الوازع الديني المؤثر بقوة على مجتمعنا. وكانت العبارة التي اختصرت الكثير حين قال الشيخ لوالد ليلى الذي اقتنع بضرب ليلى لإخراج الجن المزعوم منها، وهذا حسب توصية مبروكة قال الشيخ: لا تقع في الحرام يا حاجّ . ص ١٣١.
لاحظت تذييلا في نهاية الرواية بتنويه: نهاية الجزء الأول ويبدو أن كاتبنا يمتلك مخزونا كثيرا يحتاج توزيعه إلى جزء آخر ونحن بالانتظار.
6-7-2023