رواية(رولا) للأديب المقدسي جميل السلحوت التي صدرت قبل أيّام عن دار الجندي للنّشر والتوزيع في 189 صفحة من الحجم المتوسّط، هي الجزء السادس في سلسلة الكاتب الرّوائيّة “درب الآلام الفلسطيني”، وهي بالترتيب: (ظلام النّهار، جنّة الجحيم، هوان النّعيم، برد الصّيف والعسف) وجميعها صدرت عن دار الجندي للنّشر والتوزيع في القدس.
مضمون الرواية: تناولت الرّواية المجتمع الفلسطيني بكلّ شرائحة في فترة أواخر ستّينات القرن العشرين، أي بعد حرب حزيران عام 1967 ونتائجها الكارثيّة. وإن سلطت الضّوء على عائلة أبي كامل كونها إحدى فئات هذا المجتمع، التي عانت حيث اعتقل ابنها خليل، وليست هذه هي المرّة الأولى التي يتطرق بها الكاتب إلى موضوع السّجون والأسرى، فروايته السّابقة “العسف” جميعها عن حياة الأسْر.، فنحن محتلون، وهذا تسبّب بأسر شعبنا بأكمله، فكان حضوره أمرا طبيعيّا لدى الكتّاب الفلسطينيين، ومعظم المقاومين كان يزج بهم في سجون الاحتلال الغاشم، كخليل بطل هذه الرّواية، فقد كان ناشطا سياسيّا تعرض للسّجن رغم صغر سنّه، ممّا أثّر على بعض أمور أسرته، حيث تم تأجيل حفل زفاف شقيقه صالح، وعزوف شقيقته زينب عن الخطوبة حتى يتحرّر، فلا مكان للفرح في ظل أسر خليل.
نقلت لنا الرواية صورة صادقة عن هذا المجتمع في تلك الفترة، حيث تمّ نصب خيمة لاستقبال المهنّئين فور خروج خليل من السّجن، ضمّت جميع الأهل والأحبّة الذين توافدوا ليشاركوا عائلة أبي كامل فرحتها.
ومن القضايا المهمّة التي تطرّقت إليها الرّواية هي العلاقة الأخويّة بين المسلمين والمسيحيين الفلسطينيّين، فخليل كان يتردّد على عائلة صديقه جورج باستمرار فتفتح قلبها له، والعكس صحيح أيضا.
كان خليل على علاقة بفتاة انجليزيّة تدعى ستيفاني، وهي فتاة لعوب لا تصلح لأن تكون زوجة خليل المستقبلية، فهي فتاة مغايرة عن الفتاة العربيّة لها ثقافتها وعاداتها التي من خلالها بحثت عن متعتها بدون ضوابط، وهذا يتناقض مع عادات وتقاليد مجتمعنا العربي، ممّا جعل خليل يرفض أن تكون زوجة له. وهي أيضا لم يكن الزّواج وارد في حساباتها، وعندما فكّر خليل بالزّواج اختار الفتاة المقدسيّة رولا الطالبة في جامعة بير زيت. وهي بدورها من لفتت انتباهه إليها، وعرضت عليه أن تكون زوجته.
القدس في الرّواية:
تدور غالبيّة أحداث الرّواية في مدينة القدس التي جاء فيها وصف دقيق وتعريف لبعض ملامحها التّاريخيّة والحضاريّة، فقد وصف الكاتب مدينة القدس بمعالمها، وذكر أسماء أماكن مهمّة فيها مع نبذة تعريفيّة عنها، ممّا أعطى الرّواية رونقا وأهمية، ولا غرابة في ذلك، فالمدينة تسكن قلب أديبنا الذي يسكنها ويعيش فيها.
اللغة: مزج الكاتب بين اللغة الفصحى واللهجة المحكيّة، كما نطق بها أهلها، فأثّرت في القارىء، وزادت من عنصر التّشويق الحاضر أصلا. ووظف الكاتب بعض الأغاني والأمثال الشعبية والأشعار والآيات القرآنية التي خدمت النّصّ.
طرحت الرّواية بعض العادات والتقاليد السّلبية للتّنفير منها، فتطرقت لقضية الجهل والتّخلف في العلاج آنذاك، فقد خسر خليل يده نتيجة هذا الجهل على يد عبد الرؤوف المجبّر الشّعبيّ الجاهل والمعتدّ بجهله ظّنا منه أنّه هو الصّحيح.
الأسلوب:
اعتمد الكاتب لغة انسيابية تخللها حوار باللهجة المحكيّة، رغم أن الكاتب ضليع جدا في اللغة، وذلك لتناسب شخوص روايته الشّعبيّين، وربّما لأنّه يكتب لجميع فئات المجتمع، وليس للمثقفين فقط، فكانت روايته قريبة من القلوب حتى كادت تلامسها.
شخصيّات الرواية: تعدّدت شخوص الرّواية، لكنّ خليل كان بطلها الرّئيس، وقد تعرض لتجربة اعتقالية قاسية زادت من صلابته وقوة شكيمته. وستيفاني الفتاة اليؤسطانيّة السّهلة التي تثير الاشمئزاز. والفتاة المقدسّية رولا التي عانت في حياتها الكثير، وضحكت لها الدنيا في نهاية الرواية.
خاتمة الرواية: جاءت مقنعة ومرضية للقارىء حيث تزوّج خليل من رولا وأنجبا طفلين، وتزوّجت شقيقته زينب من سامح الذي فرش الورود في طريقها. الرّواية تخلو من الأخطاء باستثناء كتابة اسم رولا بالألف الممدودة على الغلاف، ويبدو أنّ الكاتب تعمّد ذلك للفت انتباه القارئ، وقد بالألف المقصورة داخل الرواية، وهذا هو الصّحيح.
بقي القول أنّ جهد الكاتب واضح في هذه الرواية، وهي تستحق القراءة شأنها شأن إبداعاته السّابقة.
6-11-2015