القدس: 15-5-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية “العسف” لجميل السلحوت الصادرة عام 2014 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس. وتقع الرواية التي صمّمت غلافها الفنانة التشكيلية رشا السرميطي في 130 صفحة من الحجم المتوسط. ومما يذكر أن هذه الرواية هي الجزء الخامس من سلسلة “درب الآلام الفلسطيني الروائي” للكاتب السلحوت. وتأتي بعد روايات”ظلام النهار” و”جنة الجحيم” و “هوان النعيم” و”برد الصيف”. وجميعها صدرت تباعا عن دار الجندي للنشر والتوزيع المقدسية..
بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر فقال:
يواصل الكاتب جميل السلحوت في هذه الرواية رصد مسيرة الظلم والجهل التي يعيشها الشعب الفلسطيني في مراحل تاريخه الحديث وهو يسعى للخلاص من المعوقات التي تحد من نيله حريته وتسلبه حقه بالعيش الكريم والاستقلال. وهي الجزء الخامس من (درب الآلام الفلسطيني) كما أطلق عليها.
البداية كانت بالإشارة إلى الجهل والخرافة والتخلف الاجتماعي والمعرفي مرورا بالانتداب الذي أجهز على أي إمكانية للتحرر، وصولا في هذا الجزء الخامس الذي حمل عنوان (العسف) إلى الظلم السياسي الذي يمارسه الاحتلال، وهو يخطط لقتل الروح المحتجة، ويعمل على قتل نقاء الشعب عن طريق إسقاط بعض ضعيفي النفوس من ذوي الأمراض الاجتماعية والمعرفية والتربوية ليساعده في إحكام السيطرة على الشعب الفلسطيني. ويبدأ الزمن الروائي هنا بعد الاحتلال بعام واحد لنقل تجربة لها دلالتها؛ تجربة الشعب مع محتليه، وتجربة المحتل مع الشعب التائق لحريته.
حلقة جديدة في درب الآلام الفلسطيني تنقلها (العسف) هنا لتشير إلى أن لا أحد يضمد جرحك سوى يديك، اليد الجماعية المتوجهة نحو هدفها بثقة وعزيمة.
تعمّد الكاتب في هذا الجزء نقل كيفية التحقيق وأساليب التعذيب الجسدية والنفسية مشيرا إلى أهمية التوعية لمثل هذه الأساليب التي عادة تخفى على ذوي التجربة والمعرفة المحدودتين، فيقعون في حبائل الممثلين الذي باتوا يعرفون باسم (العصافير).
الشخصيات هنا تتعامل بثقة وإنسانية ووعي. وهي شخصيات تمثل نماذج مختلفة من المعتقلين بثقافاتهم وانتماءاتهم المختلفة، وإن كان الكاتب أشار إلى ظاهرة التدين الجاهل التي انتشرت في المعتقلات وتصادمت مع أسرى الحركة الوطنية وهو يشير إلى علاج مثل هذه الظواهر بحكمة تحت سقف الانتماء وحرمة الاقتتال .
ويستعرض تجربة خوض الإضراب عن الطعام والإشارة إلى أن الوحدة والعمل الجماعي يحقق مطالب المجموعة. ولا يغيب عن بال الكاتب نقل أجواء المعتقل وكيفية قضاء وقت الفراغ المتطاول بالتعليم، وروي الحكايات، ويعرّج على نماذج تعشق الخيال الغريب فتكون مسلّية رغم ما تحمله هذه التسلية من آلام سببها هذا الحال البائس الذي أوجدته حياة الاعتقال فتكون أشبه ما تكون بالضحك من الجرح، ورغم الجراح.
يسجّل للكاتب هنا إصراره ودأبه على مواصلة التوثيق الفني لتجربة حياة الشعب الفلسطيني منذ بدايات القرن العشرين ونقل أحواله ضمن شخصيات حية تشكل نماذج لشرائح اجتماعية قائمة، إذ يمكن الاستفادة من مجموع أجزاء (درب الآلام الفلسطيني) في دراسة تطور المجتمع وبالأخص البيئة التي انطلق منها الكاتب وهي بيئة البداوة التي واصلت طريق التحضر والاستقرار.
للتذكير، كان صدر من هذه السلسلة :
ظلام النهار – الجزء الأول،
جنة الجحيم – الجزء الثاني،
هوان النعيم – الجزء الثالث،
برد الصيف – الجزء الرابع.
ويلاحظ الدارس في العناوين أعلاه التناقض القائم في العنوان الواحد، ولهذا دلالة لوصف الحالة القائمة. بينما حمل الجزء الخامس عنوانا مكوّنا من كلمة واحدة (العسف) لأنها تحمل معانيها وشخصياتها الفاعلة والمفعول بها في طياتها.
تنتهي الحلقة الخامسة (العسف) بفكرة التخلص من الدمامل وهي فكرة ذات دلالات.
وقالت نسب أديب حسين:
في مجموعته الروائية والتي تصل اليوم الى خمسة أجزاء تدور أحداثها في الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة القدس وتمتد نحو البلدة القديمة، يرصد الكاتب جميل السلحوت ما مرّ في المنطقة من أحداث تاريخية بواسطة شخصيته المركزية (خليل الأكتع) منذ عام 1949. وفي الجزء الخامس من المجموعة الذي يحمل عنوان “العسف” والصادر عام 2014 عن دار الجندي للنشر والتوزيع، يقدم الكاتب تجربته في السجن عبر شخصيته خليل، ليمكننا اعتبار هذا الجزء من المجموعة من أدب السجون.
تستمر أحداث الرواية من الجزء الرابع فتبدأ باقتياد خليل وصديقه الى المعتقل، وتنتهي أحداثها وخليل ما زال قابعًا خلف قضبان السجن، إذ يُتهم خليل بالتعاون بتوزيع منشور ضد الاحتلال ونرى طرق التعذيب التعسفية التي يلجأ اليها المحققون في سبيل نيل اعتراف منه، من عزل وضرب وشبح وصعقات كهربائية، وتعرية شقيقته أمامه وأساليب أخرى. ورغم العديد من المشاهد الصعبة على القارئ التي يُقدمها الكاتب في الرواية، إلا أنّها تؤرخ وتسلط الضوء على طرق التعذيب التي يمارسها الاحتلال ضد الأسرى، وتجعل القارئ أقرب الى الأسير.
يتركنا الكاتب نعيش الأحداث بوصفه الدقيق لها، ونقله لصورة المكان بأدق التفاصيل كوصفه للسجن ص 57 (في النهاية وصلوا ثلاث زنزانات، أمامها ممرّ بعرض متر، وفي نهايته فتحة مرحاض على مستوى البلاط، وتعلوها نافذة صغيرة 40*40 سم، عليها ثلاث شِباك حديدية وتفضي الى حاكورة ملأى بالأشواك، أبواب الزنازين ليست مصفحة، بل هي قضبان حديدية متقاطعة، طول الزنزانة 160 سم، وعرضها 120سم وارتفاعها 150 سم..)..ويستمر الكاتب ليصف المعتقلات المختلفة ووجبة الطعام المقدمة للسجين وصفًا دقيقًا ص 67.
بعد التحقيق والتعذيب، ينتقل الكاتب في الفصل السادس لوصف الحياة في السجن مقدمًا من خلال ثمانية فصول أخرى مواقف مختلفة تشير الى طابع الحياة الاجتماعية في السجن كأحاديث المعتقلين، برنامجهم اليومي، مشاكلهم كوجود البعوض في السجن، أحاديث ليلهم، وإضرابهم عن الطعام. لتنتهي الرواية نهاية مفتوحة بوجود البطل في السجن.
في هذا الجزء بالكاد نشهد نموًا لشخصية أبي سالم الجاسوس.. والتي في اعتقادي هي من أنجح الشخصيات بعد شخصية خليل في هذه المجموعة الروائية.. اذ ينجح الكاتب بقوة في جعل هذه الشخصية مكروهة عند القارئ وعدوة مقيتة في محيط بقية الشخصيات، كما أنّ بقية الأبطال الثانويين المهمين اللذين عرفناهم في الأجزاء السابقة قلما يظهرون في هذه الرواية، بل تظهر شخصيات جديدة خاصة بالأسر.. بعيدًا عن حياة القرية التي عايشها القارئ طيلة الأجزاء السابقة مما يجعله يتوقف ليتساءل ما الذي يحصل هناك؟
يُسلط الكاتب الضوء على القرية فقط في فترة اعتقال والدة خليل وشقيقته لبضع ساعات بهدف الضغط عليه، لنجد أهل القرية متكاتفين مجتمعين في بيت أبي كامل للاطمئنان على عائلته.
في الوقت ذاته يمكن للقارئ الذي لم يطالع الأجزاء الأولى أن يقرأ هذا الجزء بيسر كرواية منفردة، دون أن تظهر الشخصيات السابقة كشخصيات مجهولة وغير معلومة خلفياتها.
لغة الرواية الواقعية أثّرت كثيرًا على اللغة والعناصر الأدبية التي تتطلبها الرواية، لكن هذا الجزء برصده حياة الأسر هو جزء مهم من سلسلة روائية مهمة يكتبها الكاتب المقدسي جميل السلحوت، أولى أجزائها رواية ظلام النهار الصادرة عام 2010، فهي تؤرخ لحقبة زمنية في منطقة محاذية للقدس، وتقدم الكثير من المعلومات عن البدو في هذه المنطقة من فلسطين، وفي رأيي عند اكتمالها ستكون مجموعة أدبية مهمة في الأدب الفلسطيني.
وقال جمعة السّمّان:
العسف رواية اشترك فيها جميع شرائح الشعب الفلسطيني.. قديمها رحمه الله وحديثها أطال الله في عمره. كلٌ أدلي بدلوه.. وقال كلمته.. وعبّر عن رأيه.. مُجتهدا للوصول الى هدفه.. ونشر مبادئه.. مُتفانيا من أجل تحقيقها.. فاختلط الحابل بالنابل.. القديم والحديث.. العالم والجاهل.. السطحي البسيط.. والمُتجذّر
في أمور وطنه.. الواعي المُتابع لأحداثه.. والسلفي والعلماني.. والمسيحي والمسلم.. هذا بالإضافة الى كل ما أفرزه الإنتداب البريطاني.. والإحتلال الإسرائيلي من خونة وعملاء.. فكان العميل أبو سالم الجاهل أسير المال.. وعبد السلطة والمركز والجاه.. ولسان حال شريحة
مُعتنقي مبدأ “أنا وبعدي الطوفان وكان الأستاذ داود المناضل المُتفهم لخطورة وضع بلده.. والدارس لكيفيّة مقاومة الإحتلال بعقل واع مستنير.
وكان أبو فهمي العلماني الدارس المواكب لأحداث وطنه.. الحذر الواعي لألاعيب
المحتل وشرور فتنه.. المُتفاني من أجل لمّ الشمل..ورصّ الصف.. ووحدة الكلمة.. والسعيّ لظهور المُعتقلين كأنهم جسم واحد.. لا تُفتّته فتنة.. ولا يعبث به لئيم محتل.
وكان أبو موسى السلفي المنحاز دوما الى رأيه وفكره.. دون مُراعاة لمصلحة عامة .. أو وحدة صف. وكان محمد البدوي .. ومصطفى وطارق وأبو غسان.. وغيرهم من شخوص الرواية الذي كان يُمثّل كل واحد منهم شريحة من شرائح الشعب الفلسطيني.
أما الإبداع فكان في إختيار الكاتب لخليل الأكتع بطلا للرواية.. الذي ظهر فيها الإنسان الذي يصعُب حاله على أشد القلوب قسوة .. وأشدها تعسفا وظلما.. لينتهي قارئ هذه الرواية والحقد والكره موغر في عمق صدره على الإحتلال.. وفي نفس الوقت سلّط الكاتب الضوء على الجهل والتخلف الذي كان منتشرا في ذلك الزمن .. والذي كان سببا بقطع يده.
هنا أرجو المعذرة في كلمة تُجسّدُ الحقيقة.. ولا أجد بديلا عنها
لقد كان في دقة تفاصيل عذاب ومعاناة بطل الرواية خليل الأكتع “ستربتيز” حقيقي عرّى المحتل.. وكشف عن عوراته حيثما وجدت هذه الرواية.. وتصفحها قارئ.. وبذلك تكون قد أدّت الغرض.. وأظهرت واضحا اشمئزازه وحقده وكرهه للإحتلال أينما كان على سطح هذا الكوكب؛ لنستنتج من كل ما سبق أن ألسنة جميع شرائح الشعب الفلسطيني قد اشتركت.. وكان لها رأي وكلمة سجلتها على صفحات هذا الكتاب.. في فترة تنحصر تقريبا ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى.. وهزيمة الدولة الهثمانية ورحيلها عن أرض فلسطين.. حتى يومنا هذا.. وأبو سالم يتكرر منذ ذلك الزمن.. والأستاذ داوود يتكرر.. وكذلك خليل الأكتع.. وأبو فهمي.. وأبو موسى.. وكل من شارك في هذه الرواية من شخوص، لأقول في النهاية أنّ قلم الكاتب كان جريئا .. خاض غمار حرب مع جهل وعادات وتقاليد متوارثة منذ عشرات السنين .. والذين ما زال لهم أعوان كثيرين.. وسلطة فعّالة.. يُحسب لها حساب حتى عند كبار القادة والمسؤولين.. فالجهل والعادات والتقليد البالية ما زالت تعيش في مجتمعنا كألأفعى الأسطورية التي كلما قطعت لها رأسا.. نبت بدلا منه سبعة رؤوس.
كما أنني أظن أنه ما كان لهذا الكتاب من وجود .. لولا إنفجار ريشة قلم حر
فجّره معاناة شعب يجلس على كرسي قيادته رؤوس مليئة بالجهل والعصبية، وعادات وتقاليد ونواميس عفا عليها الزمن.. هذا بالإضافة الى ظلم مُحتل ما عاد يحتمله بشر.
بعض الملاحظات
– عنصر التشويق عالٍ .. يمتاز بجمالية اللغة.. سهل ممتنع.. لا ضياع.. ولا توهان بين سطورهذه الرواية.. أو أحداثها.
– الحلم.. صفحة 21 أشعر أن الحلم كان دخيلا.. هزيلا ذاب أمام قوة أحداث الرواية.. ومتانة بنائها.
– التهديد باغتصاب زينب: رسم الكاتب المشهد بشهامة وأخلاق الإنسان العربي الغيور على الشرف والعرض.. واختار الكلمات التي تُشعل غضب أيّ إنسان حتى ولو كان مجردا من الحسّ واشعور.
– تكاتف المعتقلين وتوحّدهم منبعث من روح النضال.. كان منعشا لروح القارئ الفلسطيني.. مليئا بالأمل والتفاؤل في يوم نصر قريب..كما أن تماسكهم كأسرة واحدة أمر مهم.. يدخل الطمأنينة الى قلوب ذويهم.. ويريح نفس كل من كان خارج السجن ويهمه أمرهم .. كأبطال ضحوا بأنفسهم من أجله.. وأجل وطنهم.. ولا ينسى الكاتب أن يدلي بنصيحة لأهل الأسرى والمعتقلين.. ” الزيارة مهمة جدا فالأسير يطل على العالم الخارجي من خلال زائريه.
– حدبث المساجين له طعم آخر.. فهو دائما يكون مختلطا بالأحلام.. باليأس.. بالدموع..بالتشاؤم.. بالأمل والتفاؤل.. ويمتاز عن أي حديث آخر بأن الصورة والكلمة.. لا تذهب من الذاكرة أبدا.. وكأن الكلمة حُفرت بإزميل.. وكأن حبر الصورة لامعا واضحا.. لا يزول .. ولا يبهُت أبدا.
– سيطر على الأسرى ضحك هستيري صفحة 87 حين تأكدوا أن المرأة التي وصفوها بملكة جمال.. كانت عجوزا في السبعين من عمرها.. تُرى هل الوحدة والإنعزال تصل بالإنسان حدّ الخلط بين الواقع.. وما يشتهيه في الخيال..؟
الفلعوص مستشار هتلر.. جعلني أتساءل إذا كانت الوحدة تصل بالإنسان حدّ الجنون أيضا..؟
– اللواط صفحة 95 لا بدّ أنها ساعة يأس .. وكفر بالقيم والأخلاق وعادات وتقاليد المجتمعات الفاضلة.. لسوء تعامل السجّان الإسرائيلي مع المساجين.
– صفحة 99 .. سيناريو التحقيق مع المعتقلين كان مُقنعا .. متمشيا مع أحداث الرواية.. وبشاعة المُحقق المحتل.
– كان الكاتب مُقنعا جدا في تحليله النفسي لردود فعل المحقق والمعتقل معا.
– صفحة 101 كانت صفحة المضحك المُبكي في الرواية.. يصف فيها الكاتب حرب الفئران مع سجين .. حذاؤه السلاح الوحيد للدفاع عن نفسه.
– صفحة 112 كانت الصفحة الواعية التي فيها نصيحة التشجيع على تعليم لغة المحتل .. الذي حثنا عليها رسولنا الكريم ” من عرف لغة قوم أمن شرهم.
وقالت نزهة أبو غوش:
هذه الرّواية هي الجزء الخامس من سلسة روايات: ظلام النّهار، جنّة الجحيم، هوان النّعيم، برد الصّيف.
في هذه الرّواية نجد أنّ الكاتب قد أخذ منحًى يتناغم مع باقي الرّوايات الّتي سبقتها، بينما طوّر هنا شخصيّة البطل خليل، الشّاب الفلسطيني القروي الّذي فقد يده في صغره نتيجة الجهل، والعلاج الشّعبي، الّذي افسدت يده مما سبّب قطعها.
من خلال هذه الشّخصيّة استطاع الكاتب، السّلحوت أن يوصل للقارئ أحداثًا قد بدأها في الجزء الاوّل” ظلام النّهار” تروي مأساة الشعب الفلسطيني الّتي حلت عليهم عام 1967، حيث الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينيّة التّابعة للمملكة الأُردنيّة، منذ عام 1948
عندما حاول خليل وزملاؤه مقاومة الاحتلال، كان مصيرهم السّجن بيد المحتلّ
تابع الكاتب مراحلة لتّحقيق، مرحلة مرحلة، بما فيها الوسائل البشعة المؤلمة نفسيّا وجسديّأ، وجدير بالذّكر هنا بأن الكاتب نفسه خاض تجربة السّجن، فهذا مقوّم يزيد النّص قناعة وصدقًا.
في رواية العسف، بين طيّات هذا الكتاب، يجد القارئ ما كان يبحث عنه. عن حياة شعب حمل أملًا وشغفًا لدحرعدوّ رابض على أرضه طيلة عشرين عامًا؛ لكنّه يُصدم بنكسة جديدة تعيده للوراء، دمّرت الأخضر واليابس، وأذلّت الأمل اليانع في قلوبهم أعوامًا طوال جعلتهم يعرفون أنفسهم وضعفهم أمام القوّة الاسرائيليّة المدعومة بالقوّة الأمريكيّة الجبّارة.
في رواية العسف يمكنك أن تعرف ما معنى القمع؟، ما معنى التّسلّط، ما معنى القهر، ما معنى الفقدان، ما معنى الأمل… وكيفيّة بناء الذّات المحطّمة من جديد. لوعة الأمّ على ولدها السّجين، مكسور الجناح. خوف الأب على أبنائه من ظلم المحتلّ.
في هذه الرّواية تلمس قوّة السّجين أمام ظلم السّجان. أمام الأمراض، نتيجة انتشار الحشرات القارصة، وأمام الأوساخ، وأمام الجوع والحرّ، والبرد. وأمام المضايقات النّفسيّة؛ لذا يمكننا أن نصنّف هذه الرّواية من روايات أدب السّجون؛ لأن أحداثها جرت داخل السّجن وراء القضبان المغلقة..
لغة الكاتب، لغة فصحى سهلة، سلسة للقارئ، اندمجت فيها اللغة العاميّة، عند كتابة الأمثلة الشّعبيّة.
من النّاحية الفنيّة للرواية، استخدم الكاتب الأُسلوب السّردي المباشر، تحدّث الرّاوي فيها بضمير الغائب” هو”، وهو يعرف كلّ شيء.
استخدم الكاتب أُسلوب الحوار. وخاصّة الحوار الّذي كان يجري ما بين اشّخصيّات المختلفة في السّجن، وبين رجال البلدة، الشّباب، والمخاتير.
ابتعد الكاتب عن أُسلوب الحوار الذّاتي، والوعي الذّاتي ( المونولوج) وهذا ما تتصّف به الرّواية الحديثة.
وقالت سوسن عابدين الحشيم:
اسم الرواية يوضح التعسف الشديد من قبل الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية منذ عام ١٩٤٩والذي طال ليخيب آمال النازحين وحلمهم بالعودة، ويصور الكاتب حياة المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائلية، ويعرض درب الآلام الفلسطيني من خلال تجسيد الصور الحية والواقعية في هذه السجون، وما يلحقها من إهانة للكرامة الانسانية من قبل وحشية وقسوة الاحتلال البربرية للمعتقلين، هذا الكتاب هو جزء من سلسلة كتب أدب السجون، وهو أدب النضالي الذي ولد في عتمة وظلام الزنازين وماخلف القضبان، تتحدث الرواية عن مرارة التعذيب وآلام التنكيل وهموم الأسير داخل سجنه، وتوقه لأسرته وأهله وأصحابه من خلال توظيف شخصية خليل الطالب الجامعي في جامعة بير زيت، مبتدئا روايته بأبي سالم العميل الذي وشى بأبناء منشورات لتوزيعها مناهضة للاحتلال، فكانت النتيجة مداهمة منازل شخصين هما داود الذي تم ابعاده وخليل الذي اعتقل والتي تدور عليه أحداث الرواية. ….
يتبين من خلال سرد الرواية أنّ المعتقلين لديهم قدرة كامنة كبيرة جدا على التحمل والصبر، فقد تحمل خليل صنوف التعذيب والتنكيل في كل مراحله أثناء اعتقاله دون أن يعترف عن اصحابه مما يجعله بطلا منتصرا على الاحتلال وطرق التعذيب المعروفة في المعتقلات، لينتهي به الى السجن مع المحكومين الآخرين.
عرض الكاتب ما يجري في السجون من نقاشات ومواقف بين الأسرى تجعلهم يتوحدون على اتخاذ القرار كاتفاقهم على الاضراب عن الطعام حتى نيل ابسط حقوقهم الانسانية، وهي الصحة الجيدة والنظافة والطعام الصحي، فقد لجأ المعتقلون الى عرض مطالبهم على الصليب الأحمر، ويظهر في الرواية أنّ المعتقل المثقف والمتعلم يختلف عن الآخرين الذين تنقصهم الثقافة، فالطالب خليل استطاع نقل معاناة الأسرى الى منظمة الصليب الاحمر بكل حذافيرها لمعرفته للغة الانجليزية هو والمعتقل جريس ومعتقل آخر يتقن اللغة العبرية، نشر الوعي والثقافة بين الأسرى وقراءة للكتب المتوفرة فيها يعطي الفرصة لمن لم يتسنّ له التعليم أن يمحو أمّيته من خلال تعليمه من قبل المعتقلين المثقفين، امثال محمد البدوي وما أنجزه من نجاح سريع في تعلمه للقراءة والكتابة، وفرحته بسبب هذا الانجاز ليكون قدوة وعبرة لغيره من أمثاله.
ويظهر في الرواية أهمية الثقافة داخل السجون، فالسجن أصبح من أهم روافد الإبداع والتطور الفكري والثقافي والأدبي، بالرغم من قمع الاحتلال الاسرائيلي للسجناء.
وكتب محمود شقير:
منذ أن نشر أسعد عبد الرحمن كتابه “أوراق سجين” عن تجربة اعتقاله في السجون الإسرائيلية بعد هزيمة حزيران، ظهرت كتب كثيرة تتناول تجربة الاعتقال والتعذيب في السجون الإسرائيلية. وقد تنوعت أشكال التعبير عن هذه التجربة، وتراوحت ما بين الشهادات الموثقة والمذكرات ونصوص السيرة الأدبية والروايات. وأعتقد أن الشكل الأكثر شيوعًا للتعبير عن التجربة كان الشهادات.
في هذا الجزء الخامس من سلسلته الروائية يستند جميل السلحوت إلى رواياته الأربع السابقة لتقديم شخصية بطله الرئيس خليل، ولإغنائه بمزيد من الكشف عن تفاصيل حياته، وعن مكابداته من التعذيب أثناء الاعتقال بسبب وشاية من الجاسوس أبو سالم، لها علاقة بقيام خليل بتوزيع منشورات سرية في الليل، فيها، كما يبدو من السياق، تحريض ضد الاحتلال.
ومنذ سطورها الأولى وحتى آخر كلمة فيها شكلت الرواية درسًا وطنيًّا وتربويًّا يمكن للأجيال الجديدة أن تتعلمه وتحتذي به في حالة وقوع أفراد منها في الاعتقال، ذلك أن هذا الصمود الذي أبداه خليل تحت التعذيب، يعتبر من أهمّ ركائز العمل الوطني ضد الاحتلال.
ولقد حرص الكاتب على توظيف كل خبراته في السرد الذي لا ينقصه التشويق، وفي الاستعانة باللغة القادرة على نقل المشاعر والأحاسيس من دون مبالغة أو انجرار إلى الميلودراما، وفي إدارة الحوار المعبر عن مدى وعي الشخصيات، وفي التنويع على السرد بالعودة إلى ماضي الشخصيات باستحضار ذكرياتها، وتوزيع الذكريات بطريقة فيها إمتاع من جهة، وفيها كشف عن طبيعة هذه الشخصيات من جهة أخرى، كما هو حال الحاج فلعوص الذي تغريه المبالغات الكاذبة حدّ ادعائه المشاركة مع هتلر في خوض الحرب العالمية الثانية. ناهيك عن التطرق إلى موضوعات لها علاقة بالقضية الفلسطينية وبحق الفلسطينيين في وطنهم، وكذلك بالدعاية الصهيونية المضللة وبالمنظمات الدولية التي تتابع الشأن الفلسطيني وحقوق الإنسان، وغير ذلك من الموضوعات التي يمكن أن تنشأ على هامس القضية أو في صلبها، ومثال ذلك الحديث عن الديمقراطية والحديث عن الدين أو على الأصح الفهم الخاطئ للدين.
وقد تمنيت لو أن الكاتب لم يتسرّع في إنهاء دور الأستاذ داود، وهو المسؤول عن خليل في سياق المقاومة الوطنية، وهو الذي سلمه المنشورات لتوزيعها في القرية. ففي حين انصبّ التعذيب على خليل للحصول على اعترافات منه، فإن الأستاذ داود لم يخضع للتعذيب، ولم تواصل سلطات الاحتلال اعتقاله، وإنما سارعت إلى إبعاده، قبل أن تنتهي من التحقيق مع خليل.
كما تمنيت لو أن الكاتب تعامل مع مادته الواقعية بطريقة مختلفة. فثمة طغيان لنزعة التسجيل على الرواية. والحديث المفصّل عن وقائع التعذيب وعن الحياة البائسة في السجن، وعن معاناة المعتقلين فيه، لا يترك مجالاً لعنصر الخيال الذي لا بد منه في أي عمل إبداعي. صحيح أن الكاتب حرص على توفير بعض لمسات يمكن للخيال أن يجد له دورًا فيها، ومثال ذلك شبح الشيخ الملتحي الذي يزور خليلاً في لحظاته الصعبة ويشجعه على الصمود. لكن هذا لا يكفي، وكان يمكن تقديم المادة الواقعية على شكل شهادة لا تبقي تفصيلاً من تفاصيل التعذيب إلا ذكرته ووثّقته، ليشكل دليل إدانة للمحتلين جرّاء ما ارتكبت أياديهم من عسف ضد الفلسطينيين.
وكان يمكن لهذه الوقائع أن تردَ ضمن منظور أشمل في هذه السلسلة الروائية، بحيث يجيء الجزء الخامس منها أكثر اشتباكًا مع الحياة وتجلياتها داخل السجن وخارجه. وللتدليل على ذلك أشير إلى شخصيات الرواية، فإذا استثنينا الشخصية الرئيسة، فإن بقية الشخصيات تمرّ مرورًا سريعًا، ولا يبقى منها إلا القليل في ذهن المتلقي، وهذا أمر لا ينسجم مع منطق الرواية.
مع ذلك، ثمة عناصر فنية لا يمكن إنكارها، وهي غير قليلة في هذا النص الأدبي.
وقال عبدالله دعيس:
العسف … عنوان يهز القارئ، ويحرك وجدانه، قبل أن تغادر عيناه غلاف الرواية الذي يظهر يدين موشحتين بالقيود، لكنه لا يصور الوجه الممتقع بالألم، ولا الفؤاد الذي يغمره الحنين، ولا القلب الشجاع، لنجد هذا كله داخل صفحات الرواية مرصوصا بإبداع ودراية.
ونستذكر قول أبي القاسم الشابي
لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ
إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ
كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ
ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ
وتوخَّوْا طرائقَ العَسف الإِرْ هَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ
هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ
غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ
والعسف هو الجور والظلم، والأخذ بالقوة والعنف، وهو كذلك السير على الطريق على غير هدى، وركوب الأمر بلا تدبير ولا رويّة. ومن أظلم ممن يسلب الحرية ويودع الإنسان غياهب السجون، لا لشيء إلا لأنه لم يرض الذلة، وقام من أجل وطن سليب. ومن أضل ممن يظن أن الظلم والعنف يجلب له الأمان، أو يمحو من القلوب حب الوطن. وكما تعسّف المرأة سقف بيتها من خيوط العنكبوت، فإن فلسطين ستعسف بأعدائها، وتنال حريتها، بثبات وتضحيات أبنائها. “وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت” صدق الله العظيم.
تبدأ الرواية بالعميل أبي سالم الذي يتحسس الأخبار لنقلها للعدو، وتنتهي بالمعتقلين يعالجون أنفسهم من الدمامل التي بدأت تفتك بأجسادهم، عن طريق عصرها والتخلص من أدرانها، مهما كان هذا الأمر مؤلما. والكاتب يشير هنا إلى ظاهرة العمالة، ويدعو إلى نبذها وتطهير المجتمع منها، برمزية رائعة. فأبو سالم لا نعلم مصيره ولا ينال عقابه، لكنه هو وشاكلته من العملاء يفتكون بالوطن كما تفتك تلك الدمامل بالجسد، فلا خلاص منهم إلا بنبذهم وتطهير الوطن منهم.
وتنقلنا الرواية لنعيش في فترة تاريخية مهمة، ألا وهي السنوات التي تلت احتلال القدس وباقي فلسطين في عام 1967. والكاتب لم يستحضر التاريخ فحسب، بل جعلنا نعيش تلك الفترة بأحداثها وأفكارها وآلامها وأحلامها وحتى بلغتها الدارجة وأمثالها وأقوالها.
فمن خلال قراءتنا لصفحات الكتاب، ينقلنا الكاتب إلى عالم السجون والاعتقال، وإلى داخل غرف التحقيق، لنعيش ألم المعتقل ومعاناته، ولنرى بأم أعيننا ما يدور خلف تلك الأبواب الموصدة وفي تلك الغرف المظلمة. يجعلنا نعيش ملحمة بطولة وفداء، ونشهد جريمة قل نظيرها، نشهد أحداثا يندى لها جبين البشرية، لو كان للبشرية شيء من إحساس أو مكان لنصرة مظلوم وإحقاق حق ودحر باطل.
والكاتب في روايته هذه، يبتدع شخصية خليل الأكتع، ذلك الطالب المعاق، الذي لا تمنعه إعاقته من الاستشراف للعمل من أجل الوطن، ولا تكون إعاقته شفيعة له أمام عدو غاشم لا يراعي أي حق لمعتقل. ونخطو مع خليل منذ أول لحظة من اعتقاله ليحكي لنا قصة مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين زج بهم في المعتقلات والسجون منذ أن حط الاحتلال على أرض فلسطين.
يبدأ مشوار التعذيب والإذلال من لحظة الاعتقال، ولا يكتفي العدو بتعذيب الجسد بل يتعدى ذلك إلى التعذيب النفسي بشتى الوسائل، دون مراعاة لأي وازع أخلاقي، حتى يصل الأمر بهم إلى اعتقال اخت خليل الأكتع وتعريتها للضغط عليه للاعتراف.
ويستخدم المحققون، بكل دهاء، أساليب الترغيب والترهيب لدفع المعتقل للاعتراف والوشاية بزملائه، ولا يكلّون ولا يملّون، ويعيدون المحاولة تلو الأخرى، فإذا لم ينجح أسلوب لجؤوا إلى آخر. فمن التعذيب بالضرب، إلى التعذيب النفسي بالحرمان من النوم عن طريق إسماع المعتقل أصواتا مسجّلة لرجال ونساء تحت التعذيب، إلى الصعق بالكهرباء ثمّ استخدام أسلوب العصافير، وهم العملاء الذين يتظاهرون بالعطف على المعتقل حتى يبوح لهم بما لم يقله للمحققين. لكن خليل الأكتع، مثله مثل الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين، لا تجدي معه كل هذه الأساليب نفعا، فالثبات والإصرار على الحق هو ديدنهم وسبيلهم. لكن المحقق لا ييأس، فيستغل أصول الأكتع البدوية ويرسله إلى محقق بدوي يستعمل معه أسلوب اللين ثم أسلوب التخويف والترهيب، ويظهر بمظهر المشفق عليه قبل أن يتحول إلى وحش كاسر هو الآخر. لكن كل هذه الطرق لا تجدي مع من تجذّر الإيمان بعدالة قضيته في قلبه، وبمن تاقت نفسه لحرية لا يمكن أن تدرك بغير التضحيات.
وبعد ذلك ينقلنا الكاتب إلى مشهد آخر، وهو الحياة داخل السجن. نعيش بين المساجين في زنازينهم وغرفهم، نتذوق معهم ذلك الطعام الرديء، ونرى المشاكل التي تنشب بينهم، ونراها وهي ترى طريقها إلى الحل. نرى عطف وإشفاق بعضهم على بعض، دون أن تغادرهم ريبة زرعها عدوهم في نفوسهم، فما يدريهم أن أحدهم لا يعمل لمصلحة العدو. ونعيش معهم حتى في فكاهتهم ومزاحهم. في ذلك المكان المؤلم، نعيش قصص (الحاج فلعوص) الخيالية ونضحك عليها، ضحكة من لا يرضى للعدو الذي سلبه حريته أن يسلبه ابتسامته، ونشهد حديثهم عن السياسة، ونسمع حكاياتهم التي يعاودون ترديدها في كل يوم، ونشاركهم حتى في حديثهم عن الجنس. ثم نرى نضال المعتقلين لنيل حقوقهم وإضرابهم عن الطعام وإرغام العدو على تحسين أوضاعهم المعيشية.
والكاتب يعرّج على الكثير من أصناف الإذلال والتعذيب للمساجين: فالغرف مكتظة غير صحية، والطعام رديء، والبعوض والقمل ينتشر بشكل كبير، والعزل الانفرادي هو مصير من يرفع عصا التمرد والعصيان. ولكنه يظهر جانبا مضيئا من بين هذا الركام، فالمساجين يستغلون وقتهم بتعلم القراءة والكتابة، وتعلم اللغات وقراءة الكتب. فالشعب الفلسطيني مهما اجتمعت عليه ظروف الحياة الصعبة لا ينبذ الأمل ويرنو دائما نحو مستقبل باهر.
وإلى جانب تجربة السجن، يذكر الكاتب أيضا تجربة الإبعاد عن الوطن، فالإبعاد ليس أقل تعذيبا من السجن، فأن تسجن في قلب وطنك خير من أن تقاسي مرارة الابتعاد عنه.
يستخدم الكاتب في هذه الرواية لغة بسيطة تقترب من اللغة المحكية، لكنها تحتفظ بتألق اللغة الفصيحة ورزانتها. فهو يطوّع اللغة، ويختار المفردات التي يستخدمها عامة الناس وتجد طريقها إلى عقولهم وقلوبهم دون أن ينحاز عن استعمال لغة سليمة جزلة. وهذا إبداع يحسب للكاتب. ويضمّن الكاتب روايته أيضا عددا كبيرا من الأمثال الشعبية والأقوال الشائعة والتي تأتي في مكانها، وضمن الحوار في الرواية، وتأتي في سياق يمكّن من فهمها. وهذا في رأيي أسلوب جميل لحفظ هذا التراث الثري، وهو أفضل بكثير من مجرد سرد هذه الأقوال في كتاب أو مقال وأّدْعى لحفظها.
هكذا نقلت لنا هذه الرواية الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، والثبات والتضحية التي يواجهون بها هذا العسف. لكن التمادي في هذا الظلم ما هو إلا إيذان ببزوغ الفجر وزوال الاحتلال.”وهم لا يعلمون أن تعذيب المعتقلين سيكون سببا في قصر عمر احتلالهم. فهذه البلاد لا يعمر فيها ظالم.” ص 76
وقال عماد الزغل:
تأتي رواية “العسف” للكاتب جميل السلحوت حلقة أخرى من مسلسل المعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال الصهيوني، وهي الحلقة الخامسة للكاتب في رصد الملحمة الفلسطينية التي قوامها الصمود والتصدي والمقاومة. والملاحظة أن الأجزاء أو الحلقات السابقة كانت تحمل عنوانا مزدوجا من كلمتين يحمل مفارقة بحد ذاته فمن “ظلام النهار” إلى “جنة النعيم” إلى “هوان النعيم” وصولا إلى “برد الصيف”، وصلنا أخيرا إلى “العسف” وهو اسم لا يحمل مفارقة كبقية العناوين.
و”العسف” هي رواية توثيقية لبذور تكوين الحركة الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال، فهي تتناول قصة الشاب “خليل الأكتع” الذي تعتقله سلطات الاحتلال بعد عام فقط على سقوط القدس بيد الاحتلال بعد حرب عام 1967، وما يلاقيه ذلك الشاب من تعذيب جسدي ونفسي على يد جلاديه من الصهاينة، وما سطره ذلك الشاب من ملحمة بطولية في أقبية التحقيق وزنازين الاحتلال بالتعاون مع رفاقه الذين خاضوا تجربة أول إضراب في تاريخ الحركة الأسيرة. وهي كذلك توثيقية لبذور تكون حركة العملاء داخل المحتمع الفلسطيني بعد احتلال عام 1967 والممثلة في شخصية أبي سالم والعملاء في غرف العار (العصافير)، ولا يغيب عن الكاتب أي مفردة من مفردات السجون كالزنازين والبوسطة والبق والأمراض الجلدية وحتى السطل الذي كان المعتقلون يقضون فيه حاجاتهم الإنسانية.
لكن السؤال الملحّ في هذه الرواية هو ماذا أضاف الكاتب لقاموس المعاناة الفلسطينية في السجون؟ وما الجديد في هذه الحلقة؟ والجواب: أن الكاتب قد أضاف رواية أخرى من أدب السجون وسفرا جديدا في ملحمة الصراع الفلسطينية التي لن تنتهي إلا بزوال الاحتلال.
إن الشيخ جميل لم يضف شيئا، لا موضوعيا، ولا فنيا، فالقصة تكرار لمشهد بات يتكرر يوما بعد يوم، واسطوانة مشروخة لمسناها حق القين في زنازين الاحتلال، وتجربة خاضها عشرات الألوف من شباب فلسطين، ولكنّ فيها بعض الإضاءات التي ربما لم يتناولها أحد من قبل ومنها:
أ- شخصية الإنسان البدوي: والتي تمثلت في شخصية خليل نفسه الذي ينحدر من وسط أصله بدوي، وشخصية محمد وعياد البدويين المعتقلين معه، والمحقق “البدوي” الذي أكرم خليل استدراجا لأخذ اعتراف منه. وهي نماذح ثلاثة تمثل شخصيثة البدوي الذي تسيطر عليه صفة الإخلاص أينما حلّ، فهو المناضل الوطني المخلص “خليل” والذي تمتاز شخصيته بالعناد والتصميم والإرادة، وهي صفة من صفات البدو، وشخصية المحقق “البدوي.” أو الذي مثّل دور البدوي.
ب- اصطدام الحركة الوطنية ببداية تشكل الحركة الإسلامية داخل السجون: ويتمثل ذلك في شخصية الإمام أبي موسى الذي صوره الكاتب معارضا ومتخذا للدين وسيلة للانعزال عن نضالات الحركة الأسيرة.
ج- المرأة الفلسطيينية المناضلة، وقد تمثل ذلك في شخصية “زينب” أخت خليل التي تعرضت للتعرية والتفتيش كورقة ضغط على خليل، وهو يضيء في زينب أيضا عقدة “الشرف” عند الفلسطينيين والتي هي خط أحمر لا يمكن الوقوف عندها أو حتى الاقتراب منها.
أما فنيا فقد راوح الكاتب بين السرد والحوار، وإن كان قد اتكأ على السرد أكثر من الحوار، وربما عانى الحوار أحيانا من ضعف الصدق الفني، حيث كان المحققون يتحدثون الفصحى في بداية القصة، ثم أخذ الكاتب يكتب ألفاظهم بالصوت العبري، وليت الكاتب قد لجأ إلى العربية الركيكة في حوارالمخبرين، إذن لكان الحوار أكثر صدقا من الناحية الفنية، كما أنه لجأ إلى اللغة العلمية فقال: أفرغ مثانتي، ولا أحد يعبر عن حاجته بهذه الطريقة.
لغة الكاتب بسيطة تقترب من العامية، ولكنها لغة سردية تقريرية، وليست لغة تصويرية تعكس المعاني عبر ستار شفيف، وقد بالغ الكاتب في السردية التقريرية حتى أنه لجأ إلى لغة الأرقام ليحدد لنا بعض أدوات السجان كطول العصا وأبعاد الزنازين، وهذه نقطة تحسب على الكاتب، فقد كان بالإمكان أن يلجأ إلى التصوير واللغة الموحية لتجنب هذه التقريرية الفجّة.
وقد حافظ الكاتب على التراث الفلسطيني الشعبي في روايته، فقد عددت له أكثر من عشرة أمثال عامية، أجملها: صار ينط على الحايل والمعشر والمخري والمقري في هالبلد واحد، كما أنه تأثر بالقرآن الكريم وتناص معث في أكثر من موضع.
وقد وقع الكاتب في عدد من الأخطاء النحوية، أحصيت منها: عيناه زرقاوتان وخضراوتان والصحيح زرقاوان وخضراوان. وقال: دخل شابان مفتولي العضلات والصواب مفتولا العضلات. وقال: سقط من على الكرسي / ولا يجوز أن نأتي بحرفي جر متعاقبين. وقال: كلما ازداد صراخه كلما ازداد الضرب. / ولا يجوز تكرار كلما. وقال: تأسران من تقعا نظراتهما عليه. / الصواب من تقع نظراته عليهما.
وختاما فإن رواية “العسف” هي سفر جديد في ملحمة البطولة والفداء الذي توثقه أدبيات المقاومة الفلسطينية داخل السجون وخارجها.
وقالت رشا السرميطي:
العسف عنوان موفق للرواية، والعسف مشتقة من الفعل عسف ومعناها الظلم. يقال عسف الدمع العيون أي فاض بغزارة فجرى بغير مجراه.
الكاتب تحدث عن قضية الظلم التي يعيشها الأسير الفلسطيني التي جسدت من خلال شخصية داوود وخليل الأكتع مرورًا بقصة الاعتقال غير القانوني ومهاترات الضغط على السجناء للإدلاء بأقوال لا تخصهم، انتهاء إلى قضية الإبعاد عن الوطن بتهمة: حب الوطن. الرواية متينة في أسلوبها السردي القصصي المشوق الذي جعلني أتابع صفحاتها واحدة تلو الأخرى، وهذا ليس غريبًا على قلم متمرس في الكتابة، اللغة ذات قامة أنيقة، ولا يخجلني أن أقول وردت بعض المعاني التي دعتني للرجوع للقاموس لمعرفة معانيها، بينما كانت الرواية في معظمها مكتوبة بلغة واضحة واقعية، كما أن الفترة الزمنية التي عالجت القصة أحداثها ما بعد حرب حزيران 1967 جعلتني استقرئ التاريخ كأنَّه واقع، ذاك أن طريقة الكاتب في التعبير سلسة ومتينة تصل بسهولة للقارئ وتحمله عبر سطورها متأرجحًا بين أحداث تلك الرواية.
من أجمل المعاني البينة التي صورها الكاتب على لسان محمد البدوي ما قاله مقترحًا: الدمل ينتهي إذا ما تم عصره وخرجت نواته”. وهنا أرى في ذلك حلًا واضحًا لقضايا الأسرى والانتهاكات والعسف الذي نتعرض له منذ ٦٦ عامًا، اذن علينا عصر دمامل العلل في قضيتنا الفلسطينية لنحقق حياة كريمة عنوانها: حريَّة.
أمّا ديمة السمان فقد قالت:
رواية (العسف) للكاتب جميل السلحوت هي الجزء الخامس من سلسلة روايات.. سبقتها أربعة أجزاء بعناوين مختلفة.. جميعها اشتركت بعنوان من كلمتين يحمل النقيضين معا: “ظلام النهار” و”جنة الجحيم” و “هوان النعيم” و”برد الصيف”.. ما عدا الجزء الخامس الذي قام عنوانه باختزال الأجزاء الخمس بكلمة واحدة لا خلاف عليها.. أحسن الكاتب اختيارها وهي “العسف”
العسف الاجتماعي والسياسي والاحتلالي كان العنوان الحقيقي للسلسلة.. أما البطل الرئيس فقد رافقنا في الأجزاء الخمسة.. وأتوقع أن الله سيمد في عمره في الجزئين المتبقيين السادس والسابع من سباعية السلحوت.. فمن هذا الذي يستطيع أن يقصف عمر بطل صاحب الأمة العربية قرونا وقرونا.. ؟ (الجهل) هو البطل الرئيس.. وهو الذي منعنا من أن نرفع العسف والظلم والجور عن شعبنا الفلسطيني.
أن تقرأ الجزء الخامس بعد فترة غير قصيرة من قراءة الأجزاء السابقة ولا تتوه.. بل تتابع قراءة الرواية بشوق .. ولا تضطر أن تعود للأجزاء السابقة للتذكر.. فهذ أمر يُحسب لصالح الكاتب الذي اتبع أسلوب ” الذكريات” عند شخوص الرواية.. وذلك بفنية عالية ودون اقحام.. بهدف إعادتنا إلى مفاصل هامة ذكرت سابقا.. وتعتمد عليها أحداث السباعية وعلى تطور أحداثها.. وبذلك تم جسر أية هوّة كان من الممكن أن تحدث بين القاريء وبين متابعة تفاصيل الرواية.
لقد أتقن الكاتب وصف المعتقلات الاسرائيلية والزنازين من الداخل.. كما أنه أتقن وصف أساليب تعذيب المعتقلين لإجبارهم على الاعتراف.
أمّا المعتقل.. بضعفه.. بقوته.. بإصراره.. بتصميمه.. بإرادته.. بتطورات تقبّله لوضعه في المعتقلات والزنازين لممارسة حياته.. بأحلامه.. بشوقه وعاطفته لأسرته.. بتناقضات مشاعره وأحاسيسه.. بشعوره بالعجز والقهر.. بشعوره بالانتصار.
جملة هذه المشاعر مجتمعة وصلت القاريء بسهولة.. دون تعقيد.. ودون فلسفة الأمور.. لم (يؤلَّه) المعتقل.. ولم يصفه بالبطل الأسطورة (سوبرمان).. بل عمل على “أنسنة” المعتقلين.. أي أعاد لهم إنسانيتهم.. فلم يحملهم فوق ما يحتملون.. كان منطقيا واقعيا بوصفه لواقع السجون.. والعلاقة بين المعتقلين أنفسهم ونوعياتهم ودرجة ثقافة وتعليم كل منهم. فالمعتقلون هم عبارة عن مجتمع مصغّر.. يحمل المتناقضات جميعها.. فيه الخير وفيه الشر. وفي مجتمعنا الفلسطيني أيضا المسلم الوطني والمسيحي الوطني .. وقد وُفق الكاتب بتسليطه الضوء على هذا الأمر.. وبذلك أعطى كل حق حقه.. ولم يستثن أحدا.
وعلى الرغم من (المبالغة) بوصف درجة الوعي عند خليل.. فقد صوّره الكاتب بأنه في منتهى الذكاء.. خبيرا بأساليب التحقيق.. لم يستطع المحققون إجباره على تسجيل أي اعتراف.. إلا أنني رأيت في الطرح توعية كبيرة لقاريء الرواية وبالأساليب المختلفة التي يتبعها الاحتلال مع المعتقلين.
كما أنني رأيت بعض المبالغة في استعداد “زينب” وعدم ممانعتها الحديث عن تعريتها في المعتقل. وقد كان ذلك بهدف ابتزاز أخيها وإجباره على الاعتراف.. كوسيلة قذرة يتبعها الاحتلال لإضعاف معنويات المعتقل.
لقد كان للقصص الشعبية والتراثية حصة كبيرة في هذا الجزء من السباعية.. فلم يستطع الكاتب أن يتخلص من عادته في رواية هذه القصص التي تتميز بها جلساته العادية في حياته اليومية.. وقد وظفها بشكل ذكي لخدمة الرواية وأهدافها.. وقد كان في معظمها طرفة جميلة أكسبت الرواية لونا جميلا أصيلا. كما أنه ذكر بعض عادات وتقاليد غير مألوفة لبدو جبل المكبر مثل التطيّب ببول الإبل في مراحل تاريخية سابقة.
وقد كان للعلم والثقافة نصيب جيد أيضا.. فهناك عدد كبير من المعتقلين يمضون سنين طويلة خلف القضبان.. هناك من يدخل المعتقل أميّا.. فيتعلم القراءة والكتابة على يد رفاقه. كما يتولى الأسير المثقف توعية رفاقه بالعديد من الأمور الهامة من خلال الجلسات والحلقات الثقافية التوعوية.. التي يحاول السجان منعها بهدف تجهيل المعتقل وتجميد ثقافته ومنعه من استغلال وقته والاستفادة منه.
الحديث عن الطعام ولذته واقعي أيضا أثناء إضراب المعتقلين عن الطعام احتجاجا على واقع السجون.. فقد وصفه الكاتب بإتقان.. تماما كما الصائم .. فهو يقضي معظم يومه يتحدث عن سفرة رمضان.. وهذا أمر طبيعي جدا.. (فالجوعان يحلم بسوق العيش).. وقد استشهد الكاتب بهذا المثل عندما رأى المعتقلون أثناء تواجدهم في الساحة نصفا طوليا لامرأة.. اعتقدوا أنها شابة جميلة.. وأخذوا يحلمون بها ويتغزلون بشبابها وجمالها ليكتشفوا بعد حين أنها امرأة عجوز.. ليس لها علاقة بالجمال.
في كل جزء من أجزاء السباعية يزداد عمق معرفتي بخليل منصور الذي هو بالواقع يجسد شخصية الكاتب الحقيقية مع بعض التمويه.. فمن يعرف الكاتب لا يحتاج الى ذكاء كبير ليعرف ان خليل هو جميل السلحوت. وبما أن الكاتب يلقّب بِ الشيخ.. على الرغم من أنه لم يكن يوما شيخا .. فقد اختار لخليل لقب أستاذ.. على الرغم من أنه لم يكن يوما أستاذا.
وقد عاش الكاتب الظلم الاجتماعي وعبر عنه بوضوح في ص.(100).. عندما لم يصدق الضابط أن خليل بعمره الصغير وقلة خبرته وإعاقته ممكن ان يقود عملية الاضراب عن الطعام في المعتقل، وأن يكون له تأثير على من هم أكبر منه سنا.. فأجاب خليل:لكنني أشعر بالظلم اللاحق بي أكثر من غيري ومن يعرف الكاتب عن قرب يعرف تماما ماذا يعني بكلمة ابن العم وكلمة (قرابة) – بلفظ القاف كالجيم المصرية-. فالكاتب دخل السجون الاسرائيلية وعانى الأمرين داخلها.. واستطاع أن يخرج منها منتصرا بقوة تصميمه وإرادته.
وفي الختام.. أستطيع أن أقول أن الكاتب وظّف جزءا كبيرا من معارفه وخبراته وأدواته الابداعية ليُخرج لنا هذا العمل الأدبي الشامل.. الذي تناول فيه فترة زمنية من عمر الشعب الفلسطيني في بلدته جبل المكبر.
على أمل أن نرى الجزئين المتبقيين من السباعية قريبا لتكتمل سلسلة العسف.
ومن كفر ياسيف كتب لنا الدكتور بطرس دلّة:
في دراسة سابقة لأدب الشيخ جميل السلحوت كنت قد تحدثت عن روايته “هوان النعيم” . واليوم وصلتني روايته الجديدة بعنوان ” العسف ” وهي الجزء الخامس من سلسلة روايات يكتبها تباعا وصدرت جميعها عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس. مهم أن نذكر أن الرواية الفلسطينية جاءت منذ نشأتها لتعالج الهزائم العربية التي مني بها العالم العربي منذ فشل ثورة 1936، ونكبة 1948 وحرب السويس 1956، ونكسة حزيران عام 1967، وبقية مسلسل الهزائم العربية … إلا أنّ الروايات الأولى لم تنجح في مقاومة الهزيمة في حينه كما نجح الشعر في ذلك المجال. غير أنّ الروائيين العرب حصل لديهم انعطاف كبير في لون الرواية وفي طابعها على وجه التحديد، حين تفجر الفلسطينيون بشكل خاص في انقلاب اجتماعي ترك آثارا واضحة المعالم على الحياة الأدبية في فلسطين، حيث صبغ مضمون الرواية في هذه المرحلة المعاصرة وطغى على المفهوم الرومانسي القديم، وتحوّل الى الطابع القوميّ الثوريّ المتمرد، والمثقف بفتح القاف وبكسرها، فبات الأديب الروائيّ قائدا ومعلما يرمي من وراء رواياته الى تعليم الشباب الثائر شيئا كثيرا من تجاربه الشخصية، وذلك كي يخلق البطل الذي نريده محرّرا لهذا الوطن المنكوب! هكذا تحوّل مضمون الرّواية الى معالجة الواقع الاجتماعيّ بعمق دون أن يكون ذلك بمعزل عن المنازع القومية في قضيتنا الفلسطينية. وهكذا أصبح الأسير والمثقف المتحضّر والبدويّ والبطل الشهيد، أصبح كلّ منهم البطل الذي يشغل الحيّز الأكبر في الرواية.
هذا ما لمسناه بشكل خاص لدى كتابنا الفلسطينيين اليساريين والمؤمنين بالاشتراكية -الديمقراطية أمثال اميل حبيبي، محمود شقير، جميل السلحوت، ابراهيم جوهر، توفيق فياض، ميسون الأسدي، حنا مينا، محمد الماغوط، سحر خليفة، جبرا ابراهيم جبرا، يحيى يخلف وغيرهم كثيرون. ومن ذلك كان على الروائي المميز ألا يسرف في اطلاق المواقف والتصورات بدلا من ادخال الحوار الذكيّ والعفويّ الذي ينعش القلوب دون إطالة أو فضفضة سطحية لا قيمة فنية لها . ثم إنّ كثافة المواضيع والتركيز على المهمّ والأهمّ يزيد الرّواية عمقا وحلاوة.
والحقيقة التي يجب ألا تغيب عن بالنا هي أن عالم الرواية بدأ يحتل مكانة مرموقة في ادبنا الفلسطينيّ، ويظل السؤال الذي يطرح نفسه يراوح في أفكارنا وهو: هل التطور الكميّ للروايات والذي يثيرعجبنا سيتبعه تطور كيفيّ كذلك أم بالعكس؟ نحن لا نريد أدبا ضحلا سخيفا، بل نريد رواية قويّة متكاملة تفي بكل متطلبات الكتابة الروائيّة من حيث اللغة الفنية والفكر الهادف الحضاريّ والراقي.
فماذا كان دور شيخنا جميل في هذه الرواية؟
انه يأخذنا معه من خلال السرد الى عالم فسيح يعرفنا على جوانبه في رحلة حزينة، ولكنّها مفعمة بالتفاؤل. فهو يعيش أحداث الرّحلة التي يأخذنا فيها، ويعطف على أبطاله الذين يحبّهم،ويقسو في آن واحد على أبطاله الذين لا يحبّهم بلغة فيها الكثير من الايرونيا. هكذا يدخلنا مع أبطاله الى غرف التفتيش والتحقيق، حيث يتفنن السّجانون في تعذيبهم كي يكسب عطفنا عليهم بلغة رشيقة، وببراعة خاصة في رسم المشاهد والأجواء والصور التي تمكن القارىء من الانتقال من مشهد الى آخر، دون أي ملل أو كلل. هذا التّنقل يجعل القارىء يضيع لأول وهلة من متابعته لمسيرة كل بطل على حدة، إلا أنّه كالفنان الماهر في حياكة السّجاد يعود ليجمع خيوط سجادته في كل مرّة من جديد؛ ليكمل المشهد إيّاه لنفس البطل. هكذا يبدو بطله ذا شخصية مدورة يزيدها السرد توضيحا وتعريفا.
في رواياته المذكورة يبدو الشيخ جميل مبدعا خلاقا ومفكرا صادقا؛ لأنه عندما يحزن لحادث ما تذوب ذاته لتصبح محلولا بلا طعم، ويصبح حزنه دمعة في بحر وهمه، وهمّا من همّ الجماعة؛ فتفوح من كلماته رائحة الانسانية التي يعيشها ويحلم بها دائما وأبدا.
ما لاحظناه لدى أديبنا الشيخ جميل هو أنّه من خلال السرد لا يشعرنا أنّه يريد أن يروي لنا قصة أو رواية، ولكنه يدخلنا بصورة مباشرة في حديث عاديّ عما يجري في الحياة اليومية حوله، وينتقل بنا من خبر الى آخر ليرسم أمامنا عالما متكاملا من الناس ومن الأحداث التي يعيشها هؤلاء الناس، فيأتي السرد عفويا مشوّقا بدون ترميز، فيكون أبطاله عاديين من لحم ودم! وما يزيد من تشوق القارىء لرواياته هو ذلك المزج بين الحكاية السرديّة العاديّة والطرفة التي تنتهي بها الحكاية. هكذا نجده يدخل على السجناء في زنازينهم، يحادثهم، أو يجعلهم يتحادثون فيما بينهم، كلّ يروي حكاية خاصة حصلت معه، كحكاية السجين جريس عن الأمنيات الثلاث اللواتي تمناهنّ رجل فقير مع زوجته وابنه… استجاب الله لدعائه. جاءت الزوجة وطلبت منه أن يمنحها إحدى الأمنيات، وأن يمنح ابنهما أمنية ثانية . وافق الأب فمنحهما أمنيتين . لكن لما غضبت الأم على ابنها دعت الله أن يمسخه قردا! لإجابها الابن وأن يمسخك أنت أيضا، واستجاب الله للأمنيتين ومسخهما قردين. أمّا الفلاح فتمنى أن تعود العائلة كما كانت فعادت العائلة طبيعية، وهكذا خسرت العائلة الامنيات الثلاث .
المهمّ في هذه القصّة هو العبرة التي قصدها جريس آنف الذكر، حيث قال أبو فهمي وهو أحد قادة السجناء والسجين معهم مستنتجا : ” اذن ارضوا بواقعكم واتركوا الأحلام والأماني بعيدة المنال موجها كلمته هذه الى زملائه السجناء” .
كذلك قصة السلطان الجائر الظالم التي تعلم السجناء عبرة في الحياة كما استنتجها أبو فهمي قائلا : ” لا خلاص لأيّ شعب الا بالخلاص من السلطان الظالم. ونحن – السجناء – لا خلاص لنا الا بالخلاص من الاحتلال” “ص107-108”
غلاف الرواية
منذ النظرة الاولى الى الغلاف الخارجيّ يستنتج القارىء أن ما سيقرأه في هذه الرواية هو أدب من نوع خاص هو أدب السجون . فصورة اليدين الاثنتين المكبلتين بالسلاسل، وأثر السلاسل التي أدمت اليدين هي لوحة قوية ومعبرة بشكل ممتاز عن الظلم- العسف- الذي يواجهه السجناء في زنازين الاحتلال .
ثم إنّ اللوحة الثانية التي تلي الغلاف الخارجي تشير الى اليد القوية مفتولة العضلات، والتي ترفع ميزان العدالة المائل لصالح المظلومين والمضطهدين؛ كي يستقيم ذلك الميزان لينصف أصحاب الحق السليب، ويعيد لهم حقوقهم، أي أن اتحاد السجناء هو تلك الذراع القوية والتي سوف يحققون بها مطالبهم بقوة اصرارهم على تحقيق تلك المطالب.
العمالة للمحتل
في هذه السلسلة الروائية كما ذكرنا كنا قد تعرفنا على أحد عملاء السلطة المحتلة، ألا وهو أبو سالم الذي أوقعه الكابتن نمرود في فخّ العمالة، فباتت الوشاية على الفلسطينيين الوطنيين إيمانا حقيقيا لديه، وبات يصدق نفسه أنه انما يخدم أمن الدولة التي يعيش فيها . هكذا تبدأ هذه الرواية – العسف- حيث نجد أبا سالم يجمع المعلومات عن الوطنيين والحركة الوطنية المقاومة للاحتلال، ويوصلها الى سيّده الكابتن نمرود، فيوقع بالبطلين خليل الأكتع والاستاذ داود، عندما يراهما من شرفة بيته يوزعان منشورا للجبهة الوطنيّة في الليل. هكذا يستيقظ الحيّ الذي يسكنه أبو سالم على سيارات الجيش تملأ الشوارع في صبيحة اليوم التالي، بحثا عن خليل الأكتع والاستاذ داود، وتبدأ رحلة العذاب من هنا وحتى نهاية الرواية في زنازين الاحتلال .
معاناة السجناء
يتفنّن الكاتب في وصف معاناة السجناء في زنازين الاحتلال بشكل يجعل القارىء يقتنع أن هذا الروائي كان قد عاش وعانى الكثير من التعذيب في سجون الاحتلال، وأن ما يكتبه ليس من صنع الخيال، بل من الواقع المرّ الذي يعيشه أبناء شعبنا في الاراضي المحتلة، وهنا في الضفة الغربية لنهر الاردن. وقد ذكرنا أن الكاتب كان قد أودع في السجن عندما كان ابن عشرين عاما، ولمدة تزيد عن العام حيث ذاق على جلده شيئا مما يعانيه السجناء الفلسطينيون .
هكذا تمتلىء صفحات هذه الرواية بتفاصيل كثيرة عن طرق وأساليب التحقيق، ومدى تعذيب السجناء بصورة لا انسانية، وبصورة يصعب على الانسان مهما كان قويا أن يصمد ازاء تعذيبه حتى النهاية. هنا تكمن قوّة السرد حيث تصل الحال مع البطل خليل درجة من اليأس والاحباط لا يستطيع تحملها، إلا أنّ ما لديه من الاخلاص للقضية والاصرار على حقه في الحياة الحرة الكريمة، يجعله يقف صامدا أمام صنوف التعذيب، فلا يضعف ولا يتراجع ولا يفشي بأية كلمة عما يقوم به هو وزملاؤه من شباب المقاومة الابطال .
ومن خلال السرد حول المعاناة تظهر المحامية الشيوعية والتقدمية والانسانة فيليتسيا لانغر لتدافع عن حق السجناء؛ وتخفف من آلامهم . ومع أنّها تعمل بشكل انساني الا أنّ السجانين يكرهونها تشفيا بالسجناء؛ ولأنها تنتمي الى الحزب الشيوعي الاسرائيلي! حتى أنهم يدّعون أنها لا تساعد السجناء، بل إنّ تدخّلها يزيد من معاناتهم على حد تعبير السّجانين والمحققين .
وزيادة بالتنكيل يلجأ المحققون الى المتعاونين من الشباب العرب العملاء، يدخلونهم غرف التحقيق لاقناع السجناء بافشاء أسرار شباب المقاومة. كما يسمعون السجناء في ساعات راحتهم بأصوات صراخ سجناء آخرين وهم يعانون في التحقيق؛ كي يوهموهم بأن التحقيق يؤدي الى معاناة لا تحتمل. هكذا يلجأ المؤلف الى مختلف الوسائل التي يستغلها المحققون للوصول الى غاياتهم من التحقيق والتعذيب وزيادة المعاناة.
الصراع مع المصلين
ذات يوم وبعد وجبة الغذاء جاء سجين ملتح، وطلب من جميع السجناء الخروج من غرفة الطعام؛ لأنه يريد تأدية فروض الصلاة مع زملاء له من المصلين السجناء. خرج الجميع من غرفة الطعام، وبدأوا يتمشون بين غرفة الطعام وغرف المبيت. لم يعجب الأمر الملتحي وزملاءه، لذلك خرجوا الى من كانوا يتمشون في الخارج، وطلبوا منهم الابتعاد عن غرفة الطعام لأن وجودهم هناك يزعج سير الصلاة.
احتج أحد السّجناء واسمه مصطفى ورد عليهم قائلا : طلبتم منا الخروج وخرجنا فماذا تريدون بعد؟ رد الملتحي : أتريدون منعنا من الصلاة؟ وعلت أصوات الفريقين وتماسكوا بالأيدي وعمّت الفوضى . اتصل الحارس بقوّة من الجنود لتهدئة الاوضاع، إلا أنّ أبا فهمي وهو شخصية بارزة بين السجناء وكلمته مسموعة، تدخّل لدى الحارس وأخذ على عاتقه مسئولية تهدئة الأوضاع.
كان الموقف حساسا للغاية : فالمصلون يدّعون أن مصطفى وغيره يريدون منعهم من أداء صلاة الظهر! وهذه فتنة خطيرة وادعاء ليس من السهل رفضه! إلا إنّ أبا فهمي أخذ على عاتقه فض الاشكال . وبالفعل ما هي إلا دقائق حتى كان قد سيطر على الوضع لما لديه من حجة اقناع، وأدى المصلون صلاتهم دون تدخل من حراس السجن.
لكل مجموعة سجناء قائد يدبر أمورهم
من خلال تجربته اكتشف الكاتب أن كل مجموعة سجناء يجب أن يكون لها قائد كلمته مسموعة، ومحترمة لدى الجميع. هكنا وجدنا أبا فهمي يلعب دور القائد والمفكر. فالصراع مع المصلين المؤمنين خطير، والادعاء بأن أحدهم يريد منعهم من تأدية صلاة الظهر أكثر خطرا، لذلك يجب أن يظهر القائد الرّاعي والمفكرّ؛ لأن حياة السجن صادمة، وليست كما يتصورها من لم يجربها. هكذا ينتحي البطل خليل الأكتع جانبا مع رواية الكاتبة الانجليزية أغاتا كريستي ” الجريمة النائمة ” ويضيف المؤلف في صفحة 74 :”السجن مدرسة لقهر الانسانية وليس مدرسة للتعلم.
العنصر النسائي لزيادة التعذيب
في مرحلة متقدمة من التحقيق يتم اعتقال والدة خليل وأخته زينب، حيث يجعل المحققون خليلا الاكتع يشاهد والدته في غرفة الاعتقال، وأخته زينب عارية كما خلقها الله، بدون أيّة ملابس تستر عورتها! إلا أنّ خليلا البطل كان قد خبر أساليب التعذيب، وعرف أنّهم باعتقالهم لأمّه وأخته إنّما يحاولون كسر صموده؛ ليفشي أسرار حركة المقاومة، لذلك ظلّ صامدا وأفرج عن الاثنتين. أمّا عدم النظافة وتفشي الحشرات كالقمل والبق والصراصير وغيرها في غرف نوم السجناء، فهي وسائل تعذيب أخرى لا تؤلم بمقدار ما تقزز النفوس، وتحطم المعنويات لدى جميع السجناء. وزيادة في وصف بطولة خليل الاكتع يجعل المؤلف هذا البطل انسانا متحضرا وراقيا، كثير المطالعة وله الكثير من الذكريات عن أيّام زمان، عندما كان منفتحا على الحياة يعبّ منها من خلال ذاكرته القوية، ويستعيد ثقته بنفسه؛ فلا يستسلم بل يزيده ذلك اصرارا على الاضراب عن الطعام، وتكون النهاية انتصار السجناء الأبطال على ارادة سجانيهم
المعلم
ما وجدناه في نهاية هذه الرواية هو أن كاتبنا قد تحوّل الى معلم كبير، يرسم معالم الطريق التي على كل سجين أن يسير فيها؛ من أجل تحقيق الاهداف التي كان يحلم بها. كذلك كان يجعل السجناء ونموذجهم خليل الاكتع، ينشغل كل منهم عن هموم السجن بالقراءة وتعلم اللغات أو محو الأميّة لدى الأمّيين، وغير ذلك من الأمور التي يستطيع السجناء استغلالها لتطوير ثقافتهم . ولكن فوق كل عمل يتعلم السجناء كيف يناضلون حتى بالصّيام وبمعدهم الفارغة من أجل تخفيف معاناتهم وعذاباتهم داخل السجن. فوحدة الصّف والاصرار على تحقيق الاهداف هي الوسيلة الأنجع التي تؤدي الى الانتصار.
هكذا يلخص أبو فهمي وهو الاستاذ والقائد، يلخص نضال السجناء بقوله:ص – 111
“كل يوم في هذا السجن هو نقصان من عمر نزلائه، وبالتالي علينا أن نشغل أنفسنا بأمور مفيدة. لذا أقترح أن نخصص ساعات لمحو الأمّية لمن لم تتح لهم فرصة التعلم، وساعات لتعلّم اللغة العبرية وساعات للغة الانجليزية “.
اذن فالمؤلف يعرف الآية في الحديث النبوي الشريف والتي تقول : ” من تعلم لغة قوم أمن مكرهم” ! كما يعي أن المصيبة التي تصيبنا ولا تميتنا تجعلنا أقوى وأجمل وأكثر تجربة في الحياة.”
هكذا اذن ينهي روايته هذه – رواية العسف – بدروس لجميع الشباب المعرضين للتوقيف وللسجن، معلما إيّاهم أهمية الصمود، وتحمل المعاناة لأنهم بالتالي سوف ينتصرون على سيوف جلاديهم مهما كانوا قساة القلوب! انها رواية التحدي للواقع المرّ من أجل حياة أكثر رخاء .
وقال رفعت زيتون:
تتحدث الرواية عن حقب معينة من تاريخ جزء من هذه المدينة المقدسة وتحديدا في جبل المكبر.
في هذا الجزء اختار الكاتب أن يتحدث عن تجربة السجن بكل من فيها من ذلّ وقهر من لحظة
الاعتقال إلى دخول السجن، أو الإفراج مرورا بالتحقيق والتعذيب الجسدي والنفسي وما يتعرض
له الأهل من رعب وأحيانا سجن وتحقيق وإهانات على يد محققي الاحتلال وجنودِهِ.
حاول الكاتب وأظنه نجح في التغلغل إلى مكامن النفس البشرية مثيرا كثيرا من المشاكل
التي تعترض حياة الأسير دون تزوير أو تلميع للحقيقة. أراد أن يقول أن السجن مثلما أنه
بيت الأبطال ولكنه كذلك بيت للعملاء والمجرمين والمتعاونين مع الاحتلال.
وأراد أن يقول بكل وضوح وصراحة أن هذا الأسير خلف القضبان هو إنسان بكل ما في الكلمة
من معنى، فهو يصمد وينهار ويكتم الغيظ ويبكي ويحب ويكره، ويشتهي كما كل الناس، وهذا حق
طبيعي ومتوافق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
يفضح الكاتب ممارسات الاحتلال في كل أبعادها سواء على الأسير أم أهل بيته، فهاهي زينب
قد جردت من ملابسها في موقف ربما كان الأصعب على أي أسير.
والاحتلال يعي هذه القضية تماما وكثيرا ما استخدمها كورقة ضغط ضد الأسرى ليسلب
منهم عنوة الاعترافات.
رأينا عبر هذه الصفحات السجنَ من الداخل كما هو بأبطاله وبطولاتهم وصمودهم، بإضراباتهم
واحتجاجاتهم، ورأينا السّجان بقبضته الحديدية وهمجيته وبعده عن الفكر والنهج الإنساني .
وشاهدنا مشاكله الاجتماعية وكم المصائب التي تختفي خلف هذه القضبان وخاصة عندما
يضعون السجناء الأحداث عند مساجين جنائيين شاذين وماذا سيفرز هذا للمجتمع لاحقا.
وهنا الكاتب يضعنا أمام معضلات اجتماعية كبيرة ولم يتحدث عن نتائجها في المستقبل
ربما ليترك المجال لخيال القارئ أن يضع النهايات لها كما يريد. أو لعل ذلك يأتي في
الأجزاء القادمة لهذه السلسلة. وإن لم يفكر بذلك فإنني أدعوه أن يجعل لهذا الجانب المهم
من حياة الأسير بعد الافراج بعض الحييز في أعماله القادمة.
باختصار الرواية كانت فاضحة لكثير من الأمور التي ربما شاء بعض الكتاب التعرض لها.
وهي كذلك تعتبر درسا لحديثي السن؛ ليتعرفوا على حياة السجن والتحقيق وما يمكن أن يمروا به
فلا يفاجأوا بعد ذلك.