يُحكى أن رجلاً كان له ولد وحيد، فلما أشرف على الموت أوصى ولده ثلاث وصايا هي:
1- أن يُزوج والدته فورَ وفاة الأب .
2- أن لا يسمح لزوجته بأن تذهب لحضور حفلات الأعراس بمفردها .
3- أن لا يُعير دابته لأحد .
وعندما توفي الأب وبعد أن أتموا دفنه ذهب الولد لوالدته وعرض عليها أن يُزوجها تنفيذاً لوصية أبيه، فانتهرته ووبخته وقالت له بأنها في مثل هذه السن المتقدمة لا تُريد الزواج .
وبعد مدة أراد أحد أفراد عائلة الزوجة أن يتزوج، فطلبت إذناً من زوجها كي تذهب لحضور حفلة زفاف قريبها، فقال لها : بأن والده قد أوصاه بألا يسمح لزوجته أن تُشارك في مثل هذه الأشياء، لكنها أصرت على الذهاب، فقال لها: على بركة الله، وبعد أن ذهبت أعطى عجوزاً عشرة دنانير وقال لها: بأن تذهب للتجسس على إمرأته فعادت اليه وقالت له: بأن زوجته لها عشيق وأسمته له، وفي الليلة الثانية أعطى نفس العجوز عشرة دنانير أيضاً وقال لها بأن تذهب الى زوجته، وأن تقول لها بأن عشيقها فلان ينتظرها في المكان الفلاني، فذهبت العجوز وأخبرتها بذلك، وانتظر الزوج في المكان الذي عينه، ولما حضرت زوجته وجلست خلع حذاء رجلها اليمنى، وهرب به دون أن يتكلم، وعاد به الى بيته وعلق الحذاء في سقف مغارة تقع تحت بيته، وعندما سألت زوجته العجوز عن سبب هربه وهي تظنه عشيقها قالت لها العجوز: بأنه من شدة تعلقه بها يريد أن يحتفظ بأثر منها .
ولما عادت الزوجة الى بيتها بعد انتهاء العرس، سألها زوجها عن ” فردة الحذاء ” فأجابته بأنها ضاعت في وسط أحذية الناس الكثيرين الذين حضروا العرس، ولم يُعلق على ذلك .
وبعد مدة اخذت والدته تُغازل جارهم الوحيد الذي كان صديقاً حميماً لزوجها، ويعطف على ابنها كأنه أحد ابنائه، وعرضت عليه الزواج منها، ولما رفض أعطته جرة من الذهب كان زوجها قد جمعها في حياته، وأوصاها أن تعطيها للولد عندما يحتاج، وبعد أن يبلغ أشدّه ويصبح رزيناً في تفكيره، وذلك مقابل أن يتزوجها. غير أن الجار من شدة اخلاصه لصديقه في قبره، وحبه لإبن ذاك الصديق أخذ الجرة وأعطاها لإبنها دون علمها، وقصّ عليه ما فعلت والدته، فأخذ الولد الجرة وعلقها في المغارة بجانب حذاء زوجته .
وبعد مدة قصيرة من ذلك، جاء جارهم العزيز، وطلب أن يستعير حمارة(أتان) كان يملكها الولد، فأخبره بوصية أبيه فقال له: لا عليك لن أُحمل إلا كيساً من التبن .
ولما كان التبن خفيفاً وافق الولد. فأخذها الجار وحملها كيساً من الملح، والملح ثقيل كما هو معروف. وكان الولد يراقبه من قمة الجبل. وعندما وصل بها الى منتصف الوادي، ضربها فسقطت على الأرض، وبقي يضربها الى أن أسقطت جحشاً كان من المفروض أن يولد لو بقي في بطن أمه بعد أسبوع، فأخذه الجار ودفنه وكأن شيئاً لم يكن، ولما ابتعد عن المكان ذهب الولد وأحضر الجحش وعلقه بجانب حذاء زوجته وجرة الذهب.
وفي مساء ذلك اليوم عاد الرجل بالحمارة وقال لجاره: انظر الى حمارتك هل نقصت شيئاً؟ فأجاب الولد بالنفي، فضحك الجار ضحكة صفراوية وجلس عندهم للسهر .
فطلب الولد من زوجته أن تذهب الى المغارة، وتعمل فنجان قهوة للجار الضيف، لكنها لم تقم بسرعة، فقام وانهال عليها ضرباً، فقفز الجار والأمّ للتفريق بينهما، وأخذت الزوجة مفتاح المغارة وهي تبكي ونزلت اليها. وانتظروا نصف ساعة ولم تعد، فطلب من والدته أن تذهب خلفها وتستطلع الأمر، فذهبت الوالدة ووجدت المرأة تبكي وعيناها شاخصتان الى سقف الغرفة، وسألتها ما بك؟ فلم تجب، ونظرت الى حيث تنظر، فرأت جرة الذهب معلقة بجانب الحذاء والجحش فجلست بجانبها، وأخذت تبكي هي أيضاً. ولما لم تعودا طلب الابن من جاره أن يذهبا ليريا لماذا لم تعد الزوجة والأم؟ ولما وجدهما الجار تبكيان ونظرهما شاخص الى سقف المغارة، نظر الى حيث تنظران فرأى الجحش معلقاً بجانب الحذاء والجرة، فجلس بجانبهما وأخذ يبكي هو أيضاً .