معروف أن لكل جماعة متجانسة جوانب ثقافية خاصة بها ، ومنها المثل الشعبي ، حيث عُرف أنه لكل منطقة بعض الأمثال الخاصة
التي لا يفهمها إلاّ أهل تلك المنطقة ، وقد عرف العرب أن لأهل مكة أمثالهم ، ولأهل المدينة أمثالهم وهكذا . وهذا لا يعني إهمال بقية الأمثال العامة التي يفهمها جميع أبناء الجنس الواحد كالأمثال العربية مثلا، بل إن هناك أمثالا عالمية يتداولها جميع البشر، لأن الشعوب إذا عاشت ظروفا متشابهة تنتج ثقافة متشابهة ، ومن الأمثال الخاصة جدا في عرب السواحرة وهم قرية تقع الى الجنوب الشرقي من القدس الشريف،واشهر جبالها جبل المكبر الذي وقف عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما جاء القدس فاتحا من الجابية في مصر،وعندما اكتحلت عيناه بالمدينة المقدسة من قمة الجبل هلّل وكبر وخرّ ساجدا لله،فسموا الجبل جبل المكبر،وهو يبعد كيلو مترين اثنين عن أسوار القدس القديمة: –
• مثال ثوب حِسن : – حِسِن امرأة من الهلسة كانت تملك ثوبا مطرزا جديدا واحدا ، وكانت تلبسه في المناسبات ، وعندما تخرج من البيت، أو يأتيها ضيوف فأوهمت الآخرين بأن ثيابها جميعها جديدة، ولمّا اكتشفوا أنها لا تملك إلاّ ثوباً واحدا ضربوا به المثل .
• مثل التين في الفردة : – الفردة شوال كبير الحجم مصنوع من النول المغزول من صوف الغنم وشعر الماعز، وفي أواخر العهد العثماني وزمن الانتداب البريطاني كان السواحرة يسطون على ملاّحات البحر الميت ـ وينهبون ما يستطيعون على دوابهم من الملح، ثم يبيعونه في قرى القدس، ورام الله ، وأحيانا كانوا يقايضونه بسلع أخرى، ومن الفاكهة التي كانوا يقايضون بها”التين” حيث يضعونه في”الفردة”بما يشبه “الخُرج” ويركبون على الدابة فينعجن التين ببقايا الملح،ومع ذلك كانوا يأكلونه، ولشدة عجنه بالملح وسوء وضعه ضربوا به المثل ، ثم سحبوه على الوضع الصحي لأحدهم، فإذا ما اشتكى أحدهم من وضع صحي سيء، وسأله آخر عن حاله كان يجيب مثل التين في الفردة .
• مثل سعدان محمد الأعرج: – محمد الأعرج هو والد الشيخ شراري الأعرج الذي توفي في تسعينات القرن العشرين، وهو جد ابنه محمد “أبو سائد” مختار حامولة ” الخلايلة “الحالي،وكان المرحوم محمد الأعرج مع رهط من أبناء السواحرة في ضيافة أحد القرويين قرب نابلس، وصادف وجود شخص”قرداتي” يلاعب قردا،ويتكسب من ورائه وكان الطقس باردا،فأشعل صاحب البيت كانونا للتدفئة ولصنع القهوة، فأراد الحضور النوم إلاّ محمد الأعرج أراد السهر، ولمّا لم يستجيبوا له، حملَ قضيب الحديد الذي يحركون به النار،ووضعه فيها حتى احمرّ، وغافل القرد ولذعه على مؤخرته بقضيب الحديد الحامي، وتظاهر بالنوم،فالتفت القرد إليهم فوجدهم جميعهم نياما،فسكت، ولما كرر محمد الأعرج المحاولة قام القرد ونثر الجمر عليهم جميعهم، فهبوا مذعورين وتسامروا معه، وعندما أخبرهم بفعلته ضربوا المثل بذلك القرد .
• مثل قراية احمد السلحوت لدار أبو رشود : – احمد حمدان السلحوت من مواليد بداية القرن العشرين من عشيرة الشقيرات وتوفي عام 1988، وكان يعمل زمن الانتداب في مشروع بوتاس البحر الميت، وأثناء ذهابه إلى عمله راكبا حماره مرّ بعرب العبيدات، وكان قد مات عندهم طفل فنادوه كونه يسكن في المكبر قرب القدس، ويفترضون أنه يعرف القراءة والكتابة، مع أنه كان أمّيا، وطلبوا منه أن يقرأ لهم القرآن عن روح الطفل الفقيد، فاستجاب لهم خصوصا أنهم ذبحوا ذبيحة”ونيسة” فشووا على الصاج الكبد وبعض قطع اللحم”للخطيب القارئ” ثم وضعوا فخذه كاملة لتطبخ،وتكون نصيبا “للشيخ” فأستغفلهم وأخذ يردد لهم بعض الكلمات التي لم ينتبهوا لمعناها ومنها “الله يلحق أحياءكم بأمواتكم” وهم يرددون خلفه”أمين” والله يأخذ كباركم كما أخذ صغيركم “فيرددون” أمي ” وهكذا . وافترضوه أيضا مسئولا في العمل، فطلبوا منه أن يُشَغَّل العاطلين عن العمل في مشروع البوتاس، فوعدهم خيرا،ثم حمل الفخذة المطبوخة وبضعة أرغفة من الخبز وامتطى حماره، وواصل طريقه إلى عمله، وبعده مرّ أشخاص من المنطقة، فامتدح أهل الطفل الفقيد قراءة احمد السلحوت لهم، فسألوهم ماذا كان يقرأ لكم لمعرفتهم أنه أمّي؟فرددوا على مسامعهم ما قرأ؟ فضحكوا وضربوا بهذا الحدث المثل .
• مثل غولة احمد السلحوت: – وهو نفس الشخص السابق ذكره،تشارك مع أبناء عمه خليل في أربعينات القرن الماضي في فلاحة الأرض في البرية، وفي موسم الحصاد أرسلوه ليحصد وحده،فذهب مكرها وذهب إلى مغارة في منطقة “الزرانيق” قرب الزرّاعة، واشعل النيران وأعد طعامه، وبقي يدخن ولم يحصد شيئا، وبعد يومين مرّ به أشخاص من الجعابيص، فتظاهر أمامهم بأنه مريض ولا يقوى على الكلام، فحملوه وأعادوه إلى بيته وبعد أ ” تعافى” أخبرهم عن هجوم حيوان مخيف عليه لا مثيل له في المنطقة، وأنه لم يستطع حماية نفسه إلاّ بالنيران المشتعلة،فلم يصدقوا روايته وضربوا به المثل .
• مثل سابل : – سابل شخص بسيط من حامولة الهلسة، كان يرعى الأغنام في أبو ديس المجاورة للسواحرة زمن الخلافات على اراضي الزّرّاعة في عشرينات القرن العشرين، وعندما كان يعود إلى أهله في إجازته، كان يستمع إلى ما يتحدث به رجالات السواحرة عن مخططاتهم تجاه أهالي أبو ديس، وعندما يعود إلى عمله يروي ما سمعه لأهالي أبو ديس فيفشلون مخططات السواحرة، واتهمه السواحرة “بالتجسس” لأبو ديس عليهم،وشنقوه .
• مثل حمدان الأزعر يوم قطع ذنين حمير قرايبه،وحمدان الأزعر هذا من عائلة شقير من حامولة الشقيرات، كان في بداية القرن العشرين يشارك في قِرى الضيوف الذين يؤمون مضارب الشقيرات، وكان الضيوف كالعادة يجلسون في “شقّ” الشيخ إبراهيم حسن شقير شيخ الحامولة، ولا يعرف الضيف من الذي ذبح الذبيحة، وفي إحدى السنوات وجد نفسه قد ذبح للضيوف أكثر من شيخ الحامولة، لكن الصيت والسمعة الحسنة بالكرم كانت للشيخ الذي كان اسمه ذائعا في مناطق أخرى،حيث كانوا يحترمون أبناء الشقيرات على سمعة شيخهم الكريم ، فاغتاظ حمدان الأزعر من ذلك، وقرر أن يقوم بعمل سيذكر الآخرون اسمه من خلاله، فقام بتقطيع أذن حمير حامولة الشقيرات، وكلما مرّ بهم أحد أو زارهم ويرى الحمير كان يسأل: من قطع أذان حميركم هكذا؟ فيجيبون : حمدان الأزعر، فضربوا به المثل .
• مثل الشقيرات فاطروا عن الجمال: – في أواخر العهد العثماني انتشر الفقر والجوع، فجاء أحد الفقراء من مصر إلى مضارب حامولة الشقيرات في أواخر شهر رمضان طالبا صدقة الفطر، ولم يكن شيخهم إبراهيم حسن شقير يملك شيئا،فسأل جميع أبناء حمولته إذا لم يُخرج أحدهم صدقة الفطر، فأجابوه جميعهم بأنهم أخرجوها عن الذكور وعن الإناث وعن الكبار وعن الصغار، وعن الأجنة في بطون أمهاتهم، فانتبه إلى بعضهم وكانوا يملكون جمالاً وسألهم:هل أخرجتم صدقة الفطر عن الجمال؟وأقنعهم بأن يخرجوا صدقة الفطر عنها كي يأخذ منهم بضعة قروش للسائل؟ وهكذا احتال عليهم بذكاء كي يقدم شيئا للسائل فضربوا بهذا العمل المثل .
• مثل خوفان : – خوفان شخص من حامولة الزعاترة، ضاقت به السبل في أواخر العهد العثماني، ولم يستطع كسب قوت أطفاله، فجمعهم في جحر واسع نسبيا، ووضعهم فيه، وأغلقه عليهم بالحجارة واعدا إياهم بالعودة إليهم عندما يجلب لهم طعاما، فمرّ بالأطفال أشخاص وسمعوا صراخهم فأخرجوهم وأطعموهم، وضربوا به المثل.
• مثل داهوم قتل القتيل ومشي في جنازته: – داهوم من حامولة ” الهلسة” وكان شخصا”أهبلا”أوهمه بعضهم بأن فتاة جميلة تحبه، فلحق بخطيبها وهو من أقاربه وهو يرعى الأغنام وقتله ببندقيته، ثم نادى على أبناء الحمولة زاعما أنه وجده مقتولا، وأثناء الجنازة كان يقود الجمل المحمول عليه النع ، ويلطم ويصيح بأنه سيأخذ ثأره من القاتل، وبعد الدفن اتهم أهله آخرون بأنهم قاتلوه، فجاء شخص من حامولة أخرى كان قد رأي الحادث، وشهد بما رآه وأن داهوم هو القاتل . فضربوا به المثل .
• مثل رغيف سعدى الحسان: – امرأة من الزعاترة عاشت في أواخر العهد العثماني وبداية الانتداب حيث كان الفقر الشديد منتشرا وبينما كانت تخبز، اختطف كلب رغيف خبز وهرب به، فطاردته تريد تخليص الرغيف منه، ولم يتركه إلاّ بعد أن ابتلعه، فقالت : مخاطبه للكلب”روح هذا الرغيف عن روح أبوي” فضربوا بها المثل .
• مثل ضعيف العبيدات : – الضعيف هو المريض،ويروى أن طفلا من حامولة العبيدات كان مصابا بالحصبة،وحرارته مرتفعة، والمريض في العرف الشعبي لا يقوى على تناول الطعام، فذهب أبناء الحمولة للحصاد في حين أرسلوا شقيقته تشتري له شرابا كان يباع عند العطار ،وعندما عادت وجدته قد أكل الخبز الموجود في البيت وفي بيوت الجيران، فقالت له: إذا أنت بحاجة إلى سوق شراب، وعندما عاد الحصادون ولم يجدوا الخبز وعلموا بالقصة ضربوا به المثل. .
• مثل جمال عوض مشعل: – عوض مشعل من حامولة الشقيرات كان يملك أربعة جمال ويضع في رقبة كل واحد منها جرس، فأينما تحركت كانوا يعرفون مكان اتجاهها، وإذا ما دخلت في زرْع الآخرين فإن أجراسها تشير إليها .
• مثل حُبّارة أبو عيشة : – أبو عايشه هو المرحوم علي سلامة شقيرات المعروف بعلي أبو الزيت، ولد عام 1870 وعاش حتى ثلاثينات القرن العشرين .
الحبارة : هي نوع من الطيور .
ويقال أن عددا من الأشخاص من قبيلة بدوية كمنوا له ليضربوه انتقاما من عشيرته لخلاف ما، وبينما هم في الكمين مرّ بهم غزال فأطلق كل واحد منهم النار عليه، فأخطأوه بينما هو اطلق رصاصة في الهواء، فاصابت طائر الحبارصدفة، وعندما اقترب منهم أبو عايشه وكان لا يراهم، ظنوه قناصا ماهرا وفروا هاربين، ولما بانت الحقيقة لجماعته ضربوا به المثل .
• مثل إللي بضحك على ضو نار العدوان: – كان عدد من الأشخاص يتسامرون في قمة جبل المنطار في أواخر العهد العثماني ، وكان بينهم شخص أهبل ، فضحكوا على نكته جنسية بطريقة غير مباشرة كي لا يفهم، وعندما ضحكوا على النكتة ضحك معهم، فسألوه لماذا ضحكت؟ فأشار إلى نار مشتعلة في الضفة الشرقية لنهر الاردن، وحددوا المكان أنه مضارب قبيلة العدوان فضربوا به المثل .
رائع أستاذ جميل السلحوت شكرا على تعريفنا بتراثنا الساحوري الأصيل