مروى فتحي منصور: الأبعاد التّعليميّة والتّربويّة في رواية المائق

م

صدرت رواية “المائق” للروائي والكاتب الفلسطيني المقدسي جميل السلحوت في نيسان عام 2024 عن مكتبة كل شيء من حيفا، وهي الرواية الثانية التي تصدر له هذا العام، ومن اللافت للنظر غزارة الإنتاج لدى هذا الأديب الفلسطيني والقدرة على العطاء في مختلف الظروف، والرواية تقع في 162 صفحة من القطع المتوسط، موجهة للفتيان والفتيات، أي رواية لليافعين، واتسمت كسابقتها بمعالجة قضايا اجتماعية بحتة.

الغلاف: حمل الغلاف صورة تعبيرية لحصان يجري، واتشح الغلاف بجزئيه الأمامي والخلفي باللون البرتقالي البارد، وهو من الألوان الجاذبة لكلا الجنسين، وللمرحلة العمرية التي في مقتبل الحياة، لما توحيه بالبهجة، ولا يخفى على أحد أهمية اللون في جذب القارئ إلى الكتاب، فهو بمثابة النظرة الأولى بين العاشقين، ورغم أن اللون ناري وينسجم مع حرارة اليافعين واندفاعهم للحياة، إلا أنه كان هادئا في درجته، غير منفر، وبعيدا عن درجات ألوان الطفولة، وفي ذلك الاختيار عبقرية، لأنه حقق الجذب والهدوء النفسي الذي يحتاجه الشاب في مقتبل العمر. وقد صمم الغلاف شربل إلياس.

وفي نهاية كل فصل أدرج المصمم صورة لحصان في وضعيات مختلفة.

المرحلة العمريّة: ينتمي النص إلى سلسلة أغصان الزيتون، وقد حدد المرحلة العمرية بالإعدادية والثانوية، يعني من عمر 12-18 عاما، وتفتقر المكتبة العربية عموما إلى النصوص الكافية الموجهة إلى هذه الفئة العمرية، فتجد مكتباتهم المدرسية والشخصية مزيجا من أدب الأطفال وأدب الكبار، والتي لا تلبي احتياجاتهم المعرفية والوجدانية والخبراتية واللغوية.

العنوان: اختار الكاتب لروايته عنوان ” االمائق”، وهو عنوان لافت للنظر، والمائق معجميا: الأحمق، السريع البكاء القليل الثبات.[1]

وقد فسر الكاتب إحدى ملامح الطفل ماجد الذي وصف بأنه مائق بقوله: ” دخل الشهر العاشر من عمره مائقا، لا يستطيع الجلوس وحده أو يحبو” وعلى لسان الحاجة معيوفة: الشيخ ماجد دائم البكاء لا يجلس إلا وأنت تمدين رجليك وتجلسينه بين ساقيك؛ لتحميه من الوقوع”

وعندما كبر هذا الطفل لوحظ عليه الضعف في الكلام والتأخر في تعلم الفروسية، وعدم الرغبة في القيادة مثل الشيوخ، وعدم الرغبة في الاختلاط، ممّا أثار خيبة أمل عند والده الشيخ مسعود واضطره إلى طرده من العشيرة مخافة أن يصبح نقطة ضعف لأبيه، وكان يلقب عند زوجته وأبناء عشيرته عندما أصبح رجلا بالمخبول.

العناوين الفرعيّة كلّ فصل:

جاءت العنوان الفرعية مرة تحمل دلالة مكان الحدث (عند إمام المسجد)، أو دلالة على الزمان( في ساعات الضحى، أسبوع الفرح والزفاف ) أو اسم الشخصية التي تدو رحولها الأحداث( صفية،وضحا، ماجد الصغير وشقيقته، الأولاد، العرسان) أو عن الحدث نفسه( ولد يا صفية، النذر، الحناء، مشاورات، الختان، زواج مسعود الأول، الزواج الثاني، مات الشيخ عاش الشيخ، الزواج الثالث، الصدمة، بين حانا ومانا، زفاف ماجد وسلطان، مرحلة جديدة، النصائح) أو للدلالة على الصفات مثل ( المائق) أو للدلالة على شيء معين ( فرس الشيخ، نفاذ الصبر).

الشّخصيّات:

صفية، شيخة بنت شيخ وزوجة شيخ، وزوجها ابن عمها، الشيخ مسعود شيخ عشيرة، بدوي، ابنهما ماجد 25 سنة، الابن البكر لأبيه وهو على اسم جده، الحاجة معيوفة، الحاجة زبيدة جدة ماجد لأمه. وكان يسميها زبيبة في أكثر كم موضع ص11، ص9

زوجة الشيخ مسعود الأولى صبحة بنت الشيخ محيلان وهما شخصيات ثانوية بادية الشام في درعا، لم يكن لها أثر في الحكي ونماء الحدث لأنه أنجب منها فتاة ومن ثم توفيت بلدغة أفعى.

أبو ضبيع وهو رجل في العشيرة مقرب للشيخ مسعود

شيماء الزوجة الثالثة للشيخ مسعود

سلطان الابن الثاني للشيخ مسعود وله من اسمه نصيب حيث كان والده ينوي أن يسلمه المشيخة بعد أن لاحظ تأخر ابنه الأكبر ماجد في فصاحته وإدراكه.

أبو عقاب رجل يسكن في كسيفة النقب، طلب الشيخ مسعود ابنتيه سلمى واسليمة لولديه.

سويلم وزميتان أحد رجال العشيرة المجتمعين في الديوان المصاحبين للشيخ مسعود

أيضا شخصية الرجل العجوز الوحيد الذي لاقى ماجد وأخذه إلى مضارب ضبا في تبوك ولم يسمه.

وشخصية الشيخ سعيفان بن كليب شيخ منطقة ضبا.

الشّخصيّات النّامية:

تعد شخصية ماجد نامية ومتحولة من حال إلى حال، من التبعية إلى القيادة والمشيخة والفروسية وتحمل المسؤولية، وهو الشخصية الرئيسة التي دار حولها الحكي من البداية إلى النهاية.

الأحداث: تحولت الأحداث كليا بتغير مسار الشخصيات ومصائرها، وتكمن أهمية هذا التحول في صناعة الحدث في إكساب هذا الجزء أهميته، والتحول في شخصية ماجد ابن الشيخ مسعود من شخصية محتقرة في أسرته وعشيرته بسبب بلاهة ردود أفعالها وانطوائيتها وبساطتها إلى شخصية ناجحة قيادية، فيها سمات الشيوخ من مجالسة الرجال واتخاذ القرار والفروسية.. في مجتمع آخر فيها رسالة قوية للثورة على معايير المجتمع، التي تحمل الإنسان فوق طاقته بأحكام مسبقة، وأيضا رسالة فيها أهمية البيئة في تطوير شخصية الإنسان مهما كانت قدراته وإمكانياته.

الرّسالة: تغيير البيئة المدللة والمرفهة والمستسلمة لحالة مرضية ما يؤدي إلى تغيير جذري في شخصية الطفل والشاب اليافع، وتحوله من تابع إلى قائد، الرواية درس في صناعة القادة في المجتمع.

القضايا الاجتماعية التي عالجتها الرواية:

–     تفضيل إنجاب الذكور على الإناث والتباهي بهذا الأمر لدرجة أن الزغاريد لا تطلق إذا كانت المولودة أنثى” فقد جرت العادة أن لا أحد يزغرد للبنات”

–     توارث المناصب والمشيخة من عادات المجتمع البدوي، فالطفل الوليد ” ماجد” قد ورث المشيخة وأطلق عليه اللقب وهو في مهده،” وها هي تنجب شيخا وهو في مهده”

–     التمسك بالخرافات التي تؤمن بالعين الحاسدة وبدفعها عن طريق مجسمات مكتوب عليها آية الكرسي والخرزة الزرقاء.

–     الاعتقاد لدى النسوة بأن إنجاب الأولاد الذكور يمنع تعدد الزوجات لأزواجهن.

–     اعتقاد النساء الكبيرات بالعمر واللاتي ترملن تحديدا بأنه من غير اللائق مجتمعيا أن يلبسن ألوانا غير الأخضر والأزرق، وفي هذا دلالة على أثر اللون في التعبير عن الإنسان والمجتمع، وتحكم المجتمع ومعاييره بسلوك الأفراد.

–     اعتقاد الشيوخ وأئمة المساجد بأن الإنسان يجب أن يتبع الجماعة في أحكام دينهم، مثل قضية ختان الذكور التي اعترض عليها الشاب الأب سويلم لأنها لم تذكر بالقرآن.

–     عادات البدو بتزويج الرجل أخت زوجته بعد وفاتها، وذلك عندما فكر الشيخ ماجد بأن يطلب يد فاطمة زوجا لابنه مسعود بعد وفاة صبحة زوجته الأولى، وذلك استنادا إلى الحكم الشرعي بزوال الحرمة المؤقتة، لكن الشيخ مسعود رفض هذا الأمر.

–     تفضيل العرب البدو لإنجاب الذكور على الإناث، حيث أضمر الشيخ مسعود بنذره أن يذبح عشرة خراف إن كان وليده ذكرا وخمسة إن كان أنثى، وذلك لأهمية الذكر في عملية القيادة والمشيخة في مجتمع العشيرة، لكن سرعان ما تراجع الشيخ مسعود لإضمار ذبح اثنا عشر خروفا كعقيقة إن أنجبت زوجته بنتا.

–     الكرم الأصيل الذي يتواجد عند العائلات البدوية والمشايخ واحتفائهم بالفرس الأصيل ومكانتها عندهم.

–     الطفل المريض والمتأخر حركيا وإدراكيا وأثر ذلك على الأهل وحالتهم النفسية.

–     تفضيل النساء في العصر القديم-العثماني – لإنجاب الذكور على الإناث حيث أن أمّ وضحا وجدتها لم تفرحها لقدومها وفضلتا أن تكون ذكرا.

–     تعدد الزوجات ظاهرة طبيعية لدى القبائل البدوية لذلك لم يتردد الشيخ مسعود في الزواج الثالث.

–     الزواج في البادية العربية يتم من خلال الأهل دون مشاورة العروس، وذلك في العصر العثماني، في بادية القدس ودرعا وظهر ذلك عندما تم زواج شيماء من بادية درعا من الشيخ ماجد كهدية ما من وراها جزية.

–     إجارة المغلوب على أمره وتأمينه وإكرامه وذلك ما هو مشهور عن عرب البادية حدث مع ماجد عندما طرد من مضارب أبيه والتقى بقوم آخرين من تبوك.

–     الهجرة وتغيير البيئة والظروف تصنع من الإنسان شخصية أخرى، ويشتد عوده، وقد تناول هذه القضية الكاتب بروايات سابقة مثل رواية الوبش، حين سافر الطواشي وعاد ثريا وله أسرة.

–     النصيحة إرث من الذي اعترك الحياة وجربها أفضل من الأموال والأملاك، وهذه رسالة قدمها الكاتب للجيل اليافع المستهدف عبر قصة ماجد في طريق عودته إلى مضارب عشيرته في الصحراء متخذا من نصائح الشيخ بن كليب سلاحا له.

الزّمكانيّة:

المكان:

بجوار مقام النبي موسى، وقد تجلى الاهتمام من الصفحات الأولى، واهتمام الشخصيات بالمكان من ناحية دينية، واسم المنطقة التي تسكنها الشخصيات الرئيسة “الطّبِق”

وهي منطقة بجوار القدس، ووصف المسجد الأقصى وواد الجوز الذي يقع قبالة باب الأسباط، وقد حرص الكاتب على رسم جغرافية المكان الذي يسير فيه شخصياته وهو أخبر الناس به فهو ابن المدينة، وذلك لغايات تعليمية تثقيفية، وقد حرص الكاتب على مواكبة رحلة زبيدة إلى القدس بالتعريف بالكثير من المحطات المكانية فيها، مثل وادي الجوز قبالة باب الأسباط، سوق العطارين، وذكر بعض الأسواق مثل سوق العطارين، وسوق الخواجات ( يبيع الحرير وقماش الحبر) وسوق باب السلسلة.

وكان المكان حاضرا وذو دلالة رمزية دينية قومية عميقة، وذلك عندما تعرض الكاتب لقصة ماجد في الحجاز، عندما أهدي إليه الفرس الحمامة مقابل السيف الذي أهداه لأحد شيوخ الحجاز، الذين شدوا الرحال إلى المسجد الأٌقصى قبلها بخمس سنوات، وفي ذلك إشارة إلى عمق العلاقة الدينية بين البلدين الحجاز والقدس، وخصوصا في نفوس المشايخ البدوية، وأشار كذلك إلى الأماكن التي ربطت بين البلدين فقال” في الباخرة التي استقلها من ميناء العقبة في شرق نهر الأردن إلى مدينة جدة ..”

ومن الأماكن التي أتى على ذكرها وارتادتها الشخصيات الخليل، لشراء هدية ثمينة، وأريحا التي أراد الشيخ مسعود من ماجد ابنه أن يهاجر إليها بعد أن تبرأ منه والده الشيخ مسعود.

ومن الأماكن أيضا التي تلعب دورا حيويا في حياكة الهدف وبنائه تبوك، لأنها احتضنت ماجد بضيافة الشيخ العجوز الذي قدم له يد المساعدة بعد أن طرده والده.

ومن الأماكن التي حرص الكاتب على تسليط الضوء عليها تلك التي مشى فيها ماجد بطريق العودة من تبوك إلى عشيرته في بادية فلسطين، مثل العقبة وأم الرشراش، براري بقيعة بني نعيم، والرشايدة والتعامرة والعبيدية وبقيعة السواحرة ، وذلك يوحي بصعوبة الرحلة التي خاضها ماجد وحده في البراري والصحاري، وتوحي بأنه أصبح معتمدا على نفسه وابن شيوخ، وأيضا تسلط الضوء على انعدام الحدود بين الأقطار العربية في ذلك العصر ممّا له بعد قومي، حيث أن بلاد العرب وباديتهم هي وطن لكل عربي، وحتى النصيحة الثانية التي قدمها الشيخ بن كليب لماجد تحث على الحذر من الأجنبي غير العربي ومن غدره، وهو ما حصل معه فعلا.

الزّمان:

الزّمن:

تدور الأحداث في حقبة العصر العثماني، وأكثر ما يتجلى الزمن ويسطع في الصفحة الخامسة عشرة عندما تحركت شخصيات ثانوية بدور شرطة عثمانية:” عند باب الأسباط وجدت شرطيين عثمانيين يراقبان الداخلين والخارجين”. يدور الزمن بسرعة معتدلة من حدث إلى حدث في دفع الحكي إلى الأمام، بين الاسترجاع إلى الوراء والتقدم إلى الأمام تسير أزمان الرواية، وفي الربع الأخير منها يتسارع الزمن بشكل سريع، فيورد جملة:” بعد خمسة عشر عاما”  يقرر ماجد العودة إلى مضارب عشيرته بعد أن اشتد عوده وأصبح فارسا ويتسم بسمات الشيوخ.

الاسترجاع

تبدأ الرواية بالاسترجاع في الذاكرة ( وهو تحطيم لآلية الزمن بالرجوع من الحاضر إلى الماضي، قبل ب25 سنة) ذاكرة الشيخ مسعود بقوله: “جلس شيخ العشيرة ساعة حساب مع الذات”.

وفي ثنايا الرواية يتحطم الزمن إلى الوراء بعنوان فصل ” زواج مسعود الأول” ليسلط الكاتب الضوء على حياة مسعود وأهمية نسله وولده ماجد بالنسبة للعائلة التي تتوارث المشيخة، حيث كان هو الوليد الوحيد لأبيه رغم تعدد زيجاته، ويلحقه بفصل( الزواج الثاني) يبني من خلاله حدثا بنائيا لكنه بالوقت نفسه هو استرجاع بداخل الاسترجاع الأكبر، وكأنه يرسم دوائر بداخل دوائر، فمن العودة إلى التجربة الأولى انتقل إلى سلم أعلى زمنيا إلى التجربة الثانية، وكل ذلك ضمن تذكر الشيخ مسعود لخارطة حياته في بداية الرواية.

التّراث الشّعبيّ: روايات السلحوت مرجعية تراثية احتوت على العديد من القصص المجتمعية التي شكلت المجتمع الفلسطيني في ماضيه وحاضره، متخيلة كانت أم حقيقية، إلا أنها كانت واقعية، فرسم لنفسه خط سير الرواية الاجتماعية الواقعية.

وليس على مستوى القص بل على مستوى التراث الشعبي كانت كمعجم ضخم احتوى على العديد من الأمثال الشعبية والأقوال والكلمات، التي تمثل اللهجة الفلسطينية والأغاني الشعبية والزغاريد والتحانين.

وقد حاولت هنا في دراستي المتواضعة هذه أن أحصر هذا التراث الشعبي في هذه الرواية لتكون رواياته مرجعا لكل المهتمين بالأدب الشعبي والتراث الإنساني الفلسطيني الذي يدحض بأصالته الرواية الصهيونية ويكذبها.

أولا:  الأمثال والأقوال المحكية:

–      الأولاد أوتاد

–      النساء أكثر من الهم على القلب

–      الضرة مرة

–      البنات مثل خبيزة المزابل

–      يا كشل راسي

–      حبل الكذب قصير

–      فرحنا للأقرع حتى يونسنا، كشف عن قرعته وخوفنا”

–      شو أمور دينك قالوا مثل ربعك

–      كل الأمهات تبكين ولا تبكي أمي

–      المراجل نقل

–      أولاد المجالس غلبوا أولاد المدارس

–      الجود من الموجود

–      كثر الهف تنهف ترخص لو كنت غالي

–      الخير معه ثنتين وثلاثة

–      كون نسيب ولا تكون قريب

–      إذا كان صاحبك عسل لا تلحسه كله

–      أهل مكة أدرى بشعابها

–      من شاف حبابه نسي صحابه

–      يبدو أن الدم على بعضه مية

–      بين حانة والمانا ضاعت لحانا

–      البنات أكثر من الهم على القلب

–      لو صبر القاتل على المقتول كان مات لحاله

–      من شابه أباه فما ظلم

–      البلاد طلبت أهلها

–      يضرب أخماسا وأسداس

–      دون تستور ولا حذور

ثانيا: الزّغاريد.

ما أطلقته صفية لزواج زوجها بثانية فقالت في استقباله:

آويها« يا شيخ بيتك ّ مشّرع بفتيخه

آويها شق بيتك مقعد للشيخه

آويها » يا شيخ » بيتك ّ مشّرع بالخاتم

آويها شق بيتك مقعد للحاكم

**********

آويها ثلاث حمامات في الواد العتيق رداس

آويها مكحلات العين ومعنقرات الّراس

آويها يا بي ماجد بلاد  الّناس ما تنداس

آه وروح ع بلادك ْيَهلي فيك كل الناس

******

 هاي ويا َبي ماجد ويا عامود رجالنا

هاي ويا صاحب الهيبه وامش قّدامنا

هاي ويا َبي ماجد يا عامود أهالينا

هاي ويا صاحب الهيبه وامشي على هوانا

ثالثا: الاستشهاد بالقرآن الكريم والأحاديث النّبويّة والفتاوي الشّرعيّة

ولها حضور لافت في الرواية فهي حافلة بها، على لسان الشخصيات ولا مجال لإثباتها هنا، لكنها بالمجمل تجعل الرواية نافذة ثقافية وتوعوية دينية وتسجيلية للتراث الفلسطيني والأدب الفلسطيني.

هناك حضور للأثر في الرواية مثل استحضار قول عمر بن الخطاب: في الأثر عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال النبي “مالي أراكم يا

 بني الّسائِب قد ضويتم ؟ غربوا النكاح لا تضوو ” أي تزوجوا الأباعد  لئلا يضعف نسُلكم.”

كما وظف كتاب المغني لابن قدامة في شرح القول وفي هذا يظهر الغاية التعليمية والتثقيفية للرواية.

كما ظهر الجانب التعليمي عندما سأل أب شاب إمام المسجد عن حكم ختان الذكور:” استعاذ الإمام بالله من الشيطان الرجيم، وبسمل وحمدل وقال:

” اتفَق أهل العلم على مشروعّيّة الختان، واختلفوا- رحمهم الله- في حكمه،- فقال بعضهم بوجوبه، وقال البعض بسنّيِته”.

وأيضا وظف الاستشهاد بالقرآن في سياق مساواة الدين للذكر والأنثى، وأن الله هو المتحكم بنوع الجنين وذلك عند حمل صفية الأول.

ووظف الاستشهاد بالحديث الشريف في قوله : ” الخيل معقود في نواصيها الخير..”

وبالآية “كل نفس ذائقة الموت” عندما توفي الشيخ ماجد

الوصف:

. “يجلس الشيخ ِ واِضًعا سيَفهُ أمامه على الِفراش،…. فالعباءُة والّسيُف من متطّلبات المشيخة” ص6.

منذ الصفحات الأولى يحرص الكاتب على وصف عادات أهل البدو الذين تنتمي إليهم الشخصيات، ويستفيض في وصف إكرامهم للضيف وإطعامهم الطعام، وتقديسهم للمكان الديني الذي ينتمون إليه، ويتجلى ذلك بتقديسهم لمكان مدينة القدس حيث نذرت صفية تحنية جدران مسجد النبي موسى الداخلية، ونفذته أمها زبيدة فور ولادة ابنتها صفية مولودا ذكرا، ووضعت مطرة زيت في المقام، وهذا يدل على تقديسهم لهذا المكان.

ومن خلال الوصف في الصفحات الأولى على لسان السارد تتجلى الكثير من القيم في تلك البيئة، فهم يعلون من شأن المشيخة المتوارثة، ويتباهون بها، وضيافة المشايخ ورؤساء العشائر تختلف عن ضيافة الناس العاديين، مع حرصهم على إكرام الجميع[2]،

وقد استطرد الكاتب في وصف عملية الختان التي نفذها الشلبي لأبناء العشيرة، بأدواتها وخطواتها وتفاصيلها.[3]

ومن الأمور التي استطرد في وصفها فرس الشيخ ماجد التي أهداه إياها أحد شيوخ قبيلة عنيزة أثناء تأديته لفريضة الحج واسمها الحمامة.[4]

كما حرص الكاتب على وصف مراسم الزواج لشخصيات ابني الشيخ مسعود، فذكر اصطفاف الرجال في السامر وفي الدحية، والحاشي الذي تقوم بدوره النساء، وشاعر الربابة وإيراد بعضا من شعره، وذلك له فائدة في سير الأحداث ودفع النص إلى الأمام، وله دور في تثبيت العادات والتقاليد والتراث الشعبي البدوي لفئة اليافعين، كما وصف المسكن في بيوت الشعر عند إقامتها في سنام لأهل عروسي ماجد وسلطان، وذلك يدل على كرم أهل البادية، وكذلك وصف مساكن مضارب منطقة ضبا في تبوك، والتي كانت تتكون من بيوت طينية متباعدة قليلة، والغالبية يسكنون بيوت الشعر ويعملون في تربية المواشي، وكل هذا الوصف في المسكن يساعدنا على تفحص البيئة التي انتقل إليها ماجد وتوقع أثرها على نفسيته.

صورة المرأة في الرّواية:

ظهرت صورة المرأة في البادية جلية مباشرة على لسان الشرطيين العثمانيين، وأخرى تم استنتاجها عبر الوصف الذي لا يفرق الشخصيات من الخلف فبنات البادية رشيقات وجسورات، ويتحدثن مع الآخرين بعفوية ودون حرج وهذا يدل على أنهن حرائر لا يعشن حياة الحريم على حد وصف أحد الشرطيين[5]

وبنات الشيوخ لهن صورة واضحة أخرى تميزهن، فهن يتقن مهارات الفروسية، يتدربن على ركوب الخيل الأصيلة، وثريات.

من صور المرأة التي ظهرت في الرواية هي الغيرة من الزواج الثاني رغم التظاهر بالعكس.

ومن الصور التي ظهرت للمرأة أنها تشارك في الأعراس والأفراح، وتضح الزينة كذلك، لأنها تعد مراسم الزواج في البادية وسيلة للتعارف ومن ثم للزواج.

 الحوار: ظهر واضحا جليا في علاقة الشيخ مسعود بزوجته شيماء ولكن ظهر على طول القصة من خلال الراوي

وظهر واضحا جليا بين ماجد والرجل الذي لاقاه من مضارب ضبا، ويتضح الحوار أكثر كلما تفاعلت شخصية رئيسة مع شخصية جديدة؛ لتوضح العلاقة بينهما بشكل جلي، وهذا من ذكاء الكاتب لأنه يستهدف فئة عمرية معينة يافعة قد لا تواصل التركيز مع الشخصيات الجديدة التي تسير مع الحدث.

 السّرد: اعتمد الكاتب الرؤية الكلاسيكية وهي الراوي العليم المقتحم للحدث من الداخل والخارج وينسق الحوار بين الشخصيات وينظم العلاقة بينهم.

 الحلّ: عودة ماجد المخبول من الغربة الشيخ ماجد بعد أن هاجر إلى تبوك وجنى الكثير من الذهب وتعلم الفروسية وعلم الكلام ومجالسة الرجال. وتحول شؤون العشيرة المادية إلى بناء البيوت بجانب قصر سليمان بن عبد الملك وتحولهم إلى الزراعة بدل تربية المواشي بفضل كرم الشيخ بن كليب مع الشيخ ماجد وتقديره له.

لقد قدم الكاتب الغزير الإنتاج نموذجا حيا ومثاليا للرواية المقدمة لليافعين، فيها رسالة واضحة للشباب بضرورة الامتثال لنصائح من هم أكبر سنا وقدرا وتجربة في الحياة، وبضرورة عدم الاستسلام للظروف وللفشل وللصعوبات، وتغيير البيئة غير المناسبة، وعدم الخنوع لحياة الرفاهية وتعلم القوة والقيادة من صعوبات العيش والعمل، ووجه رسالة إلى الآباء والأمهات بضرورة التحلي بالصبر والمثابرة في تربية أبنائهم، وعدم التواري وراء أصابعهم ومواجهة المشاكل التي يتعرضون لها أُثناء تعلمهم ونمائهم، فليس جميع الأطفال يولدون قادة، لكن القادة يمكن أن يصنعوا، بحسن الرعاية والتعليم المناسب وحسن التقدير والتدبير.

ننصح بهذه الرواية لتكون في كل مكتبة مدرسية عربية لتشجع اليافعين على القراءة والمطالعة وتوسع من مداركهم وتوصل الرسالة إليهم.

مروى فتحي منصور


[1] المعجم الوسيط

[2] انظر: الرواية ص7

[3] ص39

[4] ص48

[5] 17

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات