قرأت قصّة الأطفال “اضراب الجميلات” للدّكتور مروان مصالحة الصادرة عام 2022 عن دار يافا العلميّة في عمّان-الأردن، وتقع في 29 صفحة من الحجم المتوسّط. وتوقّفت أمام الأسلوب والمضمون في هذه القصّة. فالأسلوب متأثّر بأساليب الحكايات الشّعبيّة المأثورة عن ملوك وسلاطين العصور الغابرة.
ملخّص القصّة: تدور القصّة حول زوجة ملك مهووسة باقتناء المجوهرات الثّمينة، ولم يستطع الملك زوجها ثنيها عن ذلك، فأصدر مرسوما يمنع فيه النّساء من التّحلي بالمجوهرات، فغضبت النّساء من المرسوم الملكيّ وقرّرن الإضراب؛ ليجبرن الملك على التّراجع عن قراره، وعندما استعان الملك بحكيم مملكته، فأشار عليه الحكيم بحيلة أعلن فيها:” الجميلات يرفضن المظاهر، وأن حسنهنّ باد لا يخفى على ناظر، وأنّ التّزيّن بالقلائد والجواهر للقبيحات ساتر، يخفين وراءها كلّ قبيح وجائر”
وعندما انتشر هذا الخبر بين النّساء قبلن بذلك وانتهى احتجاجهنّ!
حقيقة: وهنا لا بدّ من التّأكيد على أمر فطرت النّساء جميعهنّ عليه وهو الاعتناء بجمالهنّ وزينتهنّ، وهذه قضيّة مفروغ منها ولا تحتاج إلى جدال ونقاش.
تساؤلات: لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل مصاغات ومجوهرات نساء الحكّام تكون على حساب خزينة الدّولة كما جاء في القصّة:” ولهوسها بشراء الأحجار الكريمة أفرغت الخزينة”ص 4. فهل أموال الخزينة للحاكم أم للوطن وللشّعب؟ وهل يجوز وصف الحاكم بالمسكين؟ “وصل الخبر إلى الملك المسكين”ص10. وإذا كان هذا حال الملك فعلا فكيف تمّ تنصيبه ملكا؟
وإذا ما أخذنا بأنّ من أهداف كتابة أيّ قصّة هو التّسلية، فهل نغفل العلاقة بين اللفظ والمعنى خصوصا في الكتابة الموجّهة للأطفال؟
في القصّة أهداف تربويّة لا يمكن القفز عنها ومنها: أهمّيّة المشورة في أيّ أمر صعب يواجهه الإنسان، وضرورة أن يوجد أناس موثوقون في حياة كلّ إنسان يستشيرهم وقت الضّرورة. لكن مستشاري الملك في القصّة اختلفوا في إيجاد حلّ لمشكلة” إضراب النّساء” أيّ أنّهم عجزوا عن إيجاد الحلّ المناسب، ممّا قاد الملك إلى استشارة “الحكيم”، والذي بدوره لجأ إلى الكذب والخديعة لتمرير قرار الملك بمنع النّساء من التّجمّل بالحليّ والمجوهرات. وهذا يقودنا إلى متاهة أخرى وهي التّساؤل حول دور الحكماء والمثّقّفين بلغة العصر، فهل هم جزء من السّلطة الحاكمة المتنفّذة ومتذيّلون لها، يزيّنون ويسوّقون سياساتها على علّاتها، أم هم ناصحون للحكّام ويعكسون هموم شعوبهم؟
المرأة في القصّة: جاء في القصّة أنّ زوجة الملك مجنونة بحبّ المجوهرات، ولا شيء غير ذلك، وأنّ النّساء لا دور لهنّ إلّا التّزيّن بالمجوهرات، وأنّهن جاهلات تسهل خديعتهنّ، وكلّ واحدة منهنّ تعتبر نفسها جميلة الجميلات، وما دام الملك يعتبرهنّ جميلات فلا حاجة لهنّ للتّزيّن بالمجوهرات، فهل النّساء كلهنّ حمقاوات إلى هذه الدّرجة؟ ولماذا جرى تغييب دور الرّجال في المجتمع ما دامت القصّة تتحدّث عن ملك ومستشارين وحكيم ونساء؟ والحديث يطول.
30-11-2022