أن يصف وزير ثقافة فلسطينيّ سابق “الدّحّيّة” ويصفها بأنها “جعير” قضيّة تدعو للتوقّف والتّفكير بالحال الذي وصلنا إليه. والجعير حسب الفهم الشّعبيّ هو الصّوت القبيح لبعض الحيوانات، أمّا في قواميس اللغة فإنّني أترك للقارئ البحث عنه بنفسه، لأنّ معناه صادم لا تليق كتابته هنا، أمّا الدّحّيّة فهي جزء أصيل من تراثنا البدويّ، يؤديها الرّجال في سهرات الأعراس، وهي فنّ رفيع محتشم محافظ كما هي أخلاقيّات وسلوكيّات أبناء البوادي، والدّحّيّة جزء متمّم للسّامر، وهي ذات ألحان راقصة، يسمعها الرّجال والنّساء وحتّى الأطفال.
والدّحّيّة جزء من تراثنا الشّعبي، الذي هو جزء من هويّتنا الوطنيّة، وليس مطلوبا من جميع أبناء شعبنا الاستمتاع بالدّحّيّة والطرب لها أو تأديتها، فمعروف أنّ كل فئة اجتماعيّة تنتج تراثها الذي يتناسب وبيئتها ومرحلتها المعاشة، وفي المحصّلة فإنّ هذا المزيج من الفنون الشّعبيّة يشكلّ رافدا مهمّا من روافد ثقافتنا، لكن من المعيب والمحزن أن نجد من يهاجم الدّحّيّة ويعتبرها”جعير” –أجلّكم الله-، وهذا يعيدنا إلى مأساة احراق كتاب “قول يا طير”للدكتور شريف كناعنة والدكتور ابراهيم مهوّي، حيث اعتبر مشعلو النيران الكتاب مخلّا بالآداب العامّة، علما أنّه من الغلاف إلى الغلاف لا يحوي إلا حكايات شعبيّة متوارثة من الآباء والأجداد، ويرويها عامّة النّاس ذكورا وإناثا لجميع الأعمار.
إنّ مهاجمة الدّحّيّة لا تعني الاساءة لفئة اجتماعية من أبناء شعبنا وأمّتنا فحسب، بل تتعدّاها إلى الأساءة لثقافتنا وتاريخنا بشكل عام، وهذا يضعنا أمام تساؤلات كثيرة حول حملة الفكر الظّلاميّ، لكنّ الدّحيّة باقية سواء أعجبت معالي الوزير السّابق أم لم تعجبه.
10-10-2016