يجمع العلماء على ان التقدم العلمي في القرن العشرين قد فاق مجمل العلوم منذ بدء الخليقة، وان كان هذا التقدم مبنيا على البدايات العلمية السابقة .
ومع ان دولا بعينها قد غزت الفضاء الخارجي ، ولا تزال سفنها الفضائية تجوب الفضاء الخارجي لاغراض عسكرية وعلمية وبحثية لاستغلال الموارد الارضية ، الا ان عالمنا العربي لم يستطع الحفاظ على وحدة اراضيه على الأقل ، فقُسّم الى اقاليم ودويلات بناء على رغبة من قسموه لنهب ثرواته ، ولاستعماله كقواعد عسكرية تأمينا لمصالحهم الاستراتيجية في المنطقة ، وفي مناطق اخرى ، واذا ما شهد القرن العشرين الاستقلال السياسي للدول العربية حصوصا بعد الحرب العالمية الثانية ، فإنه شهد ايضا نكبة الشعب الفلسطيني وتشريد اكثر من نصفه كلاجئين في الدول المجاورة وفي كافة اصقاع الارض ، ثم شهد في العام 1967 النكبة الثانية فيه بوقوع كامل الاراضي الفلسطينية تحت الاحتلال الاسرائيلي ، اضافة الى الجولان السورية وسيناء المصرية التلي خرج منها المحتلون في العام 1981 في اعقاب اتفاقات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل .
ومع ان الثورة المصرية في العام 1952 بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رفعت شعار القومية العربية ، وساندت حركات التحرر في العالم العربي وافريقيا واسيا وامريكا اللاتينية ، الا ان شمس هذا الفكر بدأت بالمغيب بوفاة زعيم الأمة جمال عبد الناصر في اواخر ايلول 1970 ، ليتساقط الفكر القومي بالحرب الثلاثينية على العراق في كانون الثاني 1991 ، متزامنا مع سقوط الفكر الماركسي قبل ذلك بعام بانهيار الاتحاد السوفيتيي ومجموعة الدول الاشتراكية .
لكننا في العالم العربي انهينا القرن العشرين على هامش التاريخ في كل المجالات ، وانهيناه بدخولنا القرن الحادي والعشرين بسبعين مليون أُمّي ابجدية ، في حين دولا دخلته بانهاء أُمّية الحاسوب – الكمبيوتر – ، ودخلنا هذا القرن باحتلال امريكا للعراق عام 2003 وتدمير حضارته عبر التاريخ ، وقتل وتشريد الملايين من ابناء شعبه ، ودخلناه بقواعد عسكرية امريكية تتحكم في رقاب البلاد والعباد ، وباحتلال اثيوبيا .للصومال ، وباثارة حروب اهلية في الجزائر ، والسودان ، واليمن ، وبفتنة طائفية في لبنان ، نأمل ان يكون اتفاق الدوحة وانتخاب العميد ميشيل سليمان رئيسا للدولة فاتحة خير للوفاق اللبناني.
ودخلنا نحن الفلسطينيين القرن الحادي والعشرين بانقلاب حركة حماس في حزيران 2006 على السلطة في قطاع غزة ، لتسود القطيعة بين الضفة الغربية والقطاع المفترض ان تقوم عليهما الدولة الفلسطينيية ، فصفق لبؤسنا الأعداء وبكى الاصدقاء على حالنا ، وعلى حال مليون ونصف المليون مواطن من شعبنا محاصرين حتى الجوع في قطاع غزة ، ودخلنا القرن الحادي والعشرين وجدار التوسع الاسرائيلي يعزل القدس بالكامل عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي ، ويمزق أحشاء الضفة الغربية مهلكاً البشر والشجر والحجر ومشتتاً العائلات والأسر.
وبما ان اليابان وايطاليا والمانيا قد خرجت من الحرب الكونية الثانية مدمرة بشكل كامل ، وقد استطاعت رغم وجود القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها اعادة البناء حتى وصلت أن تكون ضمن الدول الصناعية الثمانية التي تتحكم في الاقتصاد العالمي ، وفي السياسة العالمية ، فإن الدول العربية التي حصلت على استقلالها السياسي مصاحباً لتدمير اليابان وايطاليا والمانيا والدول الاوروبية، الا ان مستوى الدخل القومي ومستوى النمو الاقتصادي في دولنا العربية يصل الى درجة يرثى لها .
فدولة مثل اسبانيا التي تعتبر من أفقر الدول الأوروبية دخلها القومي يعادل دخل الدول العربية جميعها، مع أن عدد سكان اسبانيا ستون مليون ، وعدد العرب ثلاثمائة مليون ، ورغم أن العرب يملكون أكبر احتياطي نفطي في العالم .
ومع أن المتحذلقين منا يحملون ذلك للأنظمة القائمة ، ومعهم بعض الحق في ذلك الا أنهم يتناسون الحكمة القائلة : ” كيفما تكونوا يُّولّ عليكم ” أو كما تقول حكمتنا الشعبية ” مثل هيك مطبعة بدها هيك ختم “.فمن كان يتصور مثلا أن الشعب الفلسطيني ،- وهو من أكثر الشعوب العربية تعليماً وهو الذي مارس النضال عبر ثلاثة أجيال – ، انقسم أحزابا وشيعا ، وأن بعض الجمعيات غير الحكومية والممولة من جهات أجنبية غير بريئة ، أصبحت تتحكم بجوانب كثيرة من حياة هذا الشعب ، رغم أن بعض القائمين عليها من مرتكبي الموبقات السبع ، ويبرزون كقادة سياسيين لهذا الشعب ؟؟
ومن يُصدّق أن خلافاً شخصياً بين شخصين أو أكثر أو خلافاً عائلياً وعشائرياً يستدعي تحشدات وطوشات أكثر من وقوع وطن تحت الاحتلال ؟
ومن يصدق أننا في زمن يُكذّب فيه الصادق ، ويُخوّن فيه الأمين ، ويُصدّق فيه الكاذب ويُؤتمن فيه الخائن ؟؟
ومن يُصدّق أن يعتلي امام منبر مسجد يدعو فيه الى زواج البنات في الثانية عشرة حفاظاً على الشرف المصون ؟؟ وأن يقف من يدعون العلم والثقافة على منابر المساجد يدعون الى عدم تعليم البنات أكثر من الثانوية العامة ؟؟
ومن يُصدّق أن قرية يزيد عدد سكانها عن خمسة وعشرين ألف مواطن تختلف ويعلو صياح أبنائها في قبول أو عدم قبول مدرسة نموذجية لبناتهم ؟؟
ومن يُصدّق أن بعض الناس أصبحوا يعتبرون اللصوص والجهلاء الذين أثروا بطرق غير مشروعة قادة نابغين للمجتمع في حين يتهمون الأشراف والمناضلين بالهبل والغباء ؟؟
فغفرانك ربي واليك المصير .