رواية “البلاد العجيبة لليافعين” للأديب المقدسي جميل السلحوت صدرت مؤخّرا عن مكتبة كل شيء في حيفا. تقع الرّواية التي صمّم غلافها وأخرجها شربل الياس في 84 صفحة من الحجم المتوسط.
الرواية وجهها الكاتب لليافعين، وهي من وحي خياله، مشوقة للقارئ لسبر أغوار أحداثها التي تدور ما بين الأرض والسّماء … بلغة سلسة سهلة ممتنعة وبتسلسل أخاذ للأحداث .
ربما حلم الكاتب بأن تعيش الكرة الأرضيّة في أمن وسلام، وبلا حروب أو فتن هو ما أوحى له بتخيّل هذه الحياة على كوكب آخر غير الأرض..تسكنه مخلوقات بشريّة .. مجتمع أنثويّ بكل معنى الكلمة، فالمرأة هي السّائدة وهي الحاكمة والمتصرفة في كلّ الأمور..ولهذا العالم قوانينه وأنظمته التي تصبّ جميعها في رفعة ورقي المجتمع وضبط سلوك أفراده.. كوكب وصل أفراده لأقصى درجات التّفوق علميّا، وسُخر كلّ هذا لما فيه منفعة البشريّة على ذلك الكوكب، ولم يستخدمه لتدميره كما نرى على الأرض..مجتمع يخلو من الفقر والجريمة..فلا حروب ولا مجازر..رخاء ما بعده رخاء، أمن وطمأنينة حريّة معتقد، فكر وتعبير ..عدا عن حرية المعتقد والدّين فلا طوائف ولا مذاهب تكون سببا في خلق النّزاعات بين البشر.
بنظري هذا العالم هو الأمثل وهو المدينة الفاضلة التي نحلم بالعيش فيها..ولقد وجّهها الكاتب للنّاشئة وللفتيان، فهم أمل الغد والمستقبل الآتي بما يحملون من أفكار وقيم؛ ليزرع فيهم تلك القيم، وليحثّهم على طلب العلم الذي هو كما قالت زينب في نهاية الرّواية على لسان العالم أحمد زويل “بأن المشاكل الاقتصادية في مصر وغيرها من الدّول جميعها لا يحلّها إلا العلم”
محمود طفل يتوجه للمدرسة سيرا على الاقدام، لأنّه لا يملك ثمن أجرة الباص، يرقب المحلات التّجاريّة وما بها من ملابس وحلوى ..يتمنّى في أعماقه لو يحصل على لباس جديد وطعام لذيذ، لكنه لا يستطيع فحالتهم المادّيّة معدمة….ذات ليلة يستيقظ أحمد على صوت شيخ بلباس أبيض يدعوه للذّهاب معه في جولة داخل القدس، ينقاد الطفل بإرادته مسلّما أمره لذلك الشّيخ الذي تبدو الطّيبة على مُحيّاه..وما بين الصّخرة والكأس المخصّص للوضوء في باحة المسجد الأقصى تنتظره مركبة زجاجية على قطعة حريريّة، يركبانها وتحلق بهما عاليا. فالقدس هي بوابتنا إلى السّماء …ويهبط على كوكب مأهول بالسّكان …غمرت الدّهشة محمود، فكلّ ما في هذا الوكب جميل ونظيف، حتى الأكل والملبس متوفّر وفي متناول اليد يقدم للمحتاجين مجّنا..يأكل ويشرب ويعود لأسرته محمّلا بالهدايا…ومن ضمنها عقدن مرصّعان بالجواهر والياقوت…نام الطفل في فراشه بعد تلك الرّحلة، واستيقظت أسرته لتجد مفاجأة عجيبة، مأكلا وملبسا دون عناء أو تعب، استفسر الوالد فأخبره محمود بأنّه من أحضرها لهم ..جنّ الوالد فما عهد ابنه لصّا…فمن أين أتى بكلّ هذا؟ وهذان العقدان الجميلان حُفر عليهما اسم زوجته وابنته، فكيف؟ ولِمّ هذين الاسمين بالذات؟ هل هي مصادفة أم ماذا؟
ذهب بالعقد إلى الصّائغ ليتحقّق من كنه العقدين، فأخبره بأنّه قطعة فريدة الصّنع باهظة الثّمن وعرض عليه مبلغا طائلا، فوافق عبد المعطي وعاد رجلا ثريّا، فالمبلغ الذي قبضه من الصّائغ كبير ..لكنّه عاد مرهقا فطلب من زوجه أن يكون في الغرفة لوحده؛ كي ينام قليلا ويرتاح من عناء التّفكير…وهناك وجد امرأة فائقة الجمال ورجلين آخرين ..عقدت لسانه المفاجأة لكنّها طمأنته بأنّها ما جاءت إلا لإسعاده، واسعاد أسرته وأنها من أرسلت لهم الهدايا وطلبت منه الزّواج بها، ومعها المأذون والشّهود ..اطمأن عبد المعطي ووافق، فما من أحد سيعلم بذلك فهي لا تُرى إلا لمن أرادت أن تكشف نفسها أمامه.
وهكذا تدور الأحداث ما بين أهل الأرض والسّماء، على ذلك الكوكب الذي تحكمه النّساء بما لديهنّ من عاطفة وحكمة وجمال . كيف ستكون الحياة على هذا الكوكب؟ وأيّ حضارة بنيت عليه؟…بكلّ براعة تحبك الأحداث بتسلسل مثير ومشوّق للوصول إلى النّهاية.
في النّهاية أحيي الكاتب على هذا العمل الرّائع، وأبارك له إصداره الجديد ..وأتساءل إن كان هناك جزء آخر منها ففي نهايتها ما يدللّ على ذلك حين قالت زينب لأخيها: ما علينا إلا الجدّ والاجتهاد في الدّراسة، لنتعلم في واحدة من جامعات البلاد العجيبة.
17-11-2015