كنت أتمنى لو أن الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي تخلى عن ماضيه الحزبي، وحكم كرئيس للمصريين كلهم، وليس لحزب بعينه، وذلك كي تتوج ثورة 25 يناير المجيدة بانجازات ديموقراطية لصالح مصر وشعبها، لكن الرئيس الذي كانت تنقصة الخبرة والدراية في فنون الحكم والسياسة أوصل البلاد الى حالة من الانشقاق غير مسبوقة، كما أنه لم يقدم شيئا لدفع عجلة الاقتصاد المصري الى الأمام، وحلّ مشكلة البطالة التي يعاني منها ملايين الشباب المصريين، أمّا سياسيا – مع التأكيد على أن سياساته ليست نابعة من اجتهاده الشخصي، وإنما هي تعليمات من مكتب المرشد ومجلس شورى الجماعة- فقد رأى الجميع كيف احتفل بذكرى حرب اكتوبر المجيدة بتكريم الرئيس الراحل أنور السادات، في حين كان قاتل السادات مدعوا لحضور الحفل، وتكريم السادات لم يكن حبّا به بمقدار ما كان رسالة للأمريكان وللإسرائيليين باحترام المعاهدات المبرمة مع اسرائيل، وفي مقدمتها اتفاقية كامب ديفيد، كما رأينا كيف أن الرئيس قطع العلاقات السياسية مع سوريا، وأعلن “الجهاد” ضد النظام السوري، مباشرة بعد اعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قراره بدعم المعارضة السورية بالأسلحة المتطورة لما سمّاه”من أجل عمل توازن عسكري على الأرض”وتبعه اعلان”الجهاد” في سوريا من قبل “رابطة علماء المسلمين” – وهم في غالبيتهم من الاخوان المسلمين- وتغذية الطائفية بين الشّيعة وأهل السّنّة، وهذا ليس بعيدا عمّا يجري في إمارة غزة أيضا، وكيف أوقفت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي بعد وصول مرسي الى الحكم، وما سمي بالتفاهمات المصرية الاسرائيلية لوقف “الأعمال العدوانية” بين اسرائيل وحماس.
وما يهمنا هو ما يجري في مصر الآن، فثورة 25 يناير لم يكن فضل في اندلاعها لأيّ من الأحزاب السياسية والدينية، وانما الفضل للشباب الذين ما عادوا يحتملون سياسات الرئيس المخلوع حسني مبارك والعصابة المحيطة به، والتي دمرت ونهبت الاقتصاد المصري، وأخرجت مصر من دولة اقليمية رائدة وفاعلة الى دولة خارج التاريخ، وركب الاخوان المسلمون الموجة –وهذا حقهم- واستطاعوا ايصال محمد مرسي العياط الى الرئاسة، لكنه لا هو ولا هم ملأوا هذا المنصب بما يحقق إرادة الشعب المصري وارادة الأمّة، وتناسوا أن مرجل الثورة لا يزال يغلي، وأن الشعب الثائر لن يهدأ إلّا بتحقيق مطالبه.
وجاءت حركة”تمرد” في 30 حزيران-يونيو- لتحشد 30 مليون مصري في الميادين وحول قصور الرئاسة مطالبة برحيل مرسي، ولم يستوعب قادة الاخوان حقيقة ما يجري بالرغم من البيان العسكري الذي صدر في الأول من تموز حاملا انذارا مدته 48 ساعة للحوار والوصول الى حلول تجنب البلاد كارثة حقيقية، ولمّا لم يستجب الرئيس والجماعة لانذار المجلس العسكري، انحازت القوات المسلحة الى الشعب الثائر، وأعلنت في 3 تموز –يوليو- عزل الرئيس مرسي، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا باستلام الرئاسة وإدارة شؤون البلاد بشكل مؤقت حتى اجراء انتخابات ديموقراطية لمجلس الشعب وللرئاسة، ومن اللافت هنا أن المجلس العسكري لم يكن طامعا في الحكم، وانما يريد انقاذ البلاد التي يقف اقتصادها على حافة الانهيار، وجاء تدخل قيادة الجيش تلبية لمطالب عشرات الملايين الثائرة، واذا كانت الديموقراطية تعني حكم الشعب، فان الجماهير التي انتخبت مرسي هي التي ثارت عليه وأسقطت حكمه بعد أن خيّب آمالها، لكن يبدو أن جماعة الاخوان لم يسلموا بذلك، بل ويهددون باشعال نار الفتنة، وقد كان ذلك واضحا في خطاب مرشد الجماعة محمد بديع أما المحتشدين عند مسجد رابعة العدوية مساء 5 تموز-يوليو-، والهجمات المسلحة التي شنتها مجموعات الاخوان في صحراء سيناء –خاصرة مصر الضعيفة- على قوات الأمن المصري، والتي دعت الى تشكيل مجلس عسكري لتنظيم الحرب على قوى الأمن حتى اعادة مرسي الى الرئاسة، وهذا ايضا يدعو الى التساؤل حول جماعة الاخوان اذا ما كانوا حزبا دينيا دعويا سياسيا، أم أنهم حركة مسلحة؟ ولماذا يقتنون السلاح؟ ومن الذي زوّدهم به؟
ونأمل أن يستوعب قادة الاخوان ما جرى وما يجري، فعودة مرسي الى الرئاسة أمر مستحيل، واذا كانت الأغلبية لهم فليعدّوا أنفسهم الى الانتخابات القادمة، أمّا أن يلجأوا الى “الفوضى الخلاقة” فهذا ما لا يقبله لهم أحد، وسيكون دمارا عليهم وعلى شعبهم وعلى وطنهم، كما أن النظام الجديد مطالب بعدم ملاحقة الرئيس المخلوع محمد مرسي وأركان حكمه على سياسات مارسوها، واجتهدوا فيها، ولكل مجتهد نصيب فقد يخطئ وقد يصيب، لكنه لم يخن وهذا هو الأهم، وكلنا ثقة بأن الشعب الثائر لن يستكين إلّا بتحقيق مطالبه، خصوصا وأن حاجز الخوف عنده قد تلاشى منذ 25 يناير، وأن ثورة 30 حزيران-يونيو- هي استمرار للثورة لكنها أكثر زخما.
7 تموز-يوليو- 2013