لكل دولة عربية قناة تلفزة فضائية ثانية أو أكثر من قناة كما لبعض الأفراد أو الجماعات العرب فضائيات خاصة بهم، ولكل منهم أسبابه فإذا كانت الفضائيات الأولى تبث باللغة العربية، فإن الفضائيات الثانية تبث في غالبيتها باللغة الانجليزية، أو بالفرنسية كما هو حاصل في محطات دول المغرب العربي وسوريا ولبنان، ولسنا بحاجة الى توضيح أن اختيار اللغة الأجنبية له علاقة بالدولة الأوروبية التي كانت تستعمر هذا البلد أو ذلك.
وقد فرحنا كثيرا للقنوات العربية التي تبث بلغات أجنبية على أمل أن تساهم في إيصال الصوت العربي والثقافة العربية، وتطلعات الجماهير العربية، وقضاياها وهمومها الى العالم من خلال لغات هذا العالم الذي اصبح قـرية صغيرة نتيجة للتقدم التكنولوجي الهائل، وما صاحبه من تطورات لوسائل المواصلات والاتصالات، وهذا ما فعلته دول كثيرة قبلنا، فهيئة الاذاعة البريطانية – بي، بي، سي – تبث ساعات طويلة باللغة العربية منذ عشرات السنين، وهي الآن تبث على مدار اليوم، وهناك صوت أمريكا، ومونت كارلو، وراديو موسكو، وصوت اسرائيل… الخ. كما أن هناك محطات فضائية أخرى تبث باللغة العربية ولن تكون محطة ‘الحرّة’ الأمريكية آخرها، كما أن تلفزيون اسرائيل هو أوّلها، وهذه المحطات سواء كانت اذاعية او تلفزة لم تأت لامتاع المستمع أو المشاهد العربي، وانما جاءت لخدمة مصالح الدول المسؤولة عنها، ولايصال وجهة نظرها السياسية، وثقافتها للشعوب العربية بشكل مباشر ودون وسيط ، أي انها جاءت لأسباب دعائية ، وهذا حق لأصحابها، فهل تقوم الفضائيات العربية بنفس الدور؟؟
كنّا نتمنى منذ سنوات طويلة وقبل الفضائيات أن تقوم دولة عربية أو أكثر بتخصيص إذاعة عربية تبث باللغة العبرية، توجه للشعب الاسرائيلي لنقل وجهة النظر العربية لهذا الشعب بلغته الرسمية، وقد حرضنا الاسرائيليون أنفسهم على ذلك بعد حرب أكتوبر 1973 عندما نشرت وسائل الاعلام الاسرائيلية استطلاعات، أفادت بأن المستمعين الاسرائيليين وثقوا بإذاعة القاهرة التي قدمت لهم عدة نشرات باللغة العبرية عن مجريات الحرب أكثر من ثقتهم بالاذاعة الاسرائيلية، ولم تأخذ الدول العربية بتحريض الاسرائيليين لها في هذا المجال، علما بأن اسرائيل نفسها تبث باللغة العربية منذ نشوئها وحتى الآن حوالي ثماني عشرة ساعة باللغة العربية، وعلى عدة موجات بحيث تصل الى المستمعين العرب قاطبة من أقصى المغرب العربي الذي كان هادرا، الى أقصاه الشرقي الذي كان ثائرا، حتى أنها كانت توجه محطة للمغرب العربي باللهجة المغربية المحلية التي لا يفهمها المشرق العربي، وقد أدركت اسرائيل أهمية هذه الاذاعة ومدى تأثيرها على المستمع العربي، حتى أنه في ظل الأزمة الاقتصادية التي عاشتها اسرائيل في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وما صاحبها من تقليص في الميزانيات، كان هناك اقتراح بتقليص البث الاذاعي باللغة العربية لبضع ساعات لتوفير بضعة ملايين من الدولارات ،
لكن اسحق رابين الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع الاسرائيلي في حينه رفض هذا الاقتراح قائلا بأنه على استعداد لتقليص ميزانية إذاعة الجيش الاسرائيلي – جالي تساهل – ولن يسمح بتقليص ميزانية الاذاعة الناطقة بالعربية.
ما علينا ولنعد الى الفضائيات العربية الناطقة بلغات أجنبية ، وما تبثه، ولمن تبثه؟ فنشرات الأخبار في هذه المحطات تكون في غالبيتها عن نشاطات صاحب الفخامة أو الجلالة أو السمو، ماذا صرح؟ ومن استقبل؟ ومع من تناول طعام الغداء، وأين أدّى صلاة الجمعة ؟ وأيّ الأماكن زار؟ أو الى أين سافر.. الخ ؟ وكأن هذه الأمور تشغل بال المشاهد الأجنبي!! أو هو ينتظر هكذا أخبار، أما الأغاني والأفلام والمسلسلات، فهي من بطولة الكاسيات العاريات، وغالبيتها مثير للغرائز الجنسية بما في ذلك تلك المقدمة للأطفال، ففي ذات يوم بثت احدى الفضائيات العربية في فترة الاطفال فيلما ناطقا بالانجليزية مع ترجمة للعربية ، أبطالها فتيان وصبيان ، حاولت فيه طفلة في التاسعة من عمرها أن تتحرش بطفل من جنسها تقليدا لشقيقتها ابنة الخامسة عشرة، فلم يفهم عليها الطفل، فوضعت أحمر الشفاه، وبودرة الخدود وتحرشت بصبي في الخامسة عشرة من عمره، فلم يستجب لها أيضا، فاشتكت أمرها لشقيقتها طالبة منها المساعدة، فأجابتها عندما تكبرين وينتفخ صدرك، وتأتيك العادة الشهرية عندها سيطاردك الشباب، ويلاحظ أن هذه الأفلام موجهة للأطفال العرب، وبالتأكيد أن الأطفال الأجانب لديهم ما يكفيهم، وليسوا بحاجة للمحطات العربية كي تقدم لهم هكذا افلام.
وهكذا فإننا نجد الفضائيات العربية التي تبث بلغات أجنبية هي موجهة للمشاهد العربي وليس للأجنبي، وهي بما تقدمه تدخل العولمة من أسوأ أبوابها الثقافية، وأرجو أن لا يفهم من هذا الكلام أننا ضد الاطلاع على الثقافات الأخرى، بل أؤكد أن الاطلاع عليها ضرورة حتمية تخدم مصالحنا وقضايانا، وهي قضية تنقصنا ويجب أن نسعى اليها ، وهم يقدمونها لنا بفضائياتهم وبلغتنا وبطريقة مدروسة ومهذبة وأفضل بكثير مما تقدمه فضائياتنا، هذه الفضائيات التي من المفروض أن تحمل لهم ثقافتنا أو على الأقل الايجابي منها، وان تحمل لهم قضايانا وهمومنا السياسية والاقتصادية لأنهم في غياب عنها حتى أنهم يعتبروننا أرهابيين مجرمين ولصوصا وقتلة معتدين مع أننا ضحايا للارهاب والاجرام.