القدس:13-12-2012 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، رواية”السيدة من تل أبيب” للأديب الفلسطيني المتميز المغترب في بريطانيا ربعي المدهون، الصادرة طبعتها الأولى عام 2009 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ثم طبعت ثانية وثالثة ورابعة خلال عام بعد أن نفذت من الأسواق نتيجة ردود الفعل الايجابية الواسعة التي أثارتها.
وتقع الرواية التي صمم غلافها رامي المدهون في 325 صفحة من الحجم المتوسط.
مما يذكر أن الرواية وصلت الى القائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية عام 2010، كما أن الرواية ترجمت الى الايطالية والانجليزية، ومن المتوقع أن تترجم للغات أوروبية أخرى.
بدأ النقاش بحديث رفعت زيتون الذي أدار الأمسية فأشار الى أن الندوة قد استضافت الروائي المدهون في أمسية ثقافية مساء 11 تشرين أول –اكتوبر الماضي، حيث تحدث عن تجربته الأدبية، وتحاور مع الحضور، كما قدم عرضا لمضمون الرواية.
وبعده قال موسى أبو دويح:
أهدى الكاتب روايته (السّيّدة من تل أبيب) إلى زوجته وإلى شخوص الرّواية: وليد دهمان وأمّه آمنة، ودانا، وعادل البشيتيّ، وبوريس، ونور الدّين.
غلب على الرّواية اللّغة العامّيّة الفلسطينيّة الغزّيّة، وهذا ما جعلها قريبة من الواقع محبّبة إلى النّفس، تجبر القارئ على متابعة قراءتها وعلى الأخصّ الفصل الثّاني من الرّواية.
ما أظنّ أنّ روائيًّا فلسطينيًّا أو عربيًّا استطاع أن يصوّر بقلمه، أو يرسم بريشته مواقف ومناظر ومجالس لشخوص رواياتهم وأماكنها وأزمانها، ما صوّره ورسمه الرّوائيّ ربعيّ المدهون في روايته (السّيّدة من تل أبيب)؛ حيث غاص في أعماق الشّخصيّات، وأظهر لنا حتّى ما تكنّه النّفوس في داخلها، وما تحدّث به النّفس صاحبها.
لقد صوّر ربعي رحلته من مطار (هيثرو) في لندن إلى مطار (اللّد) في فلسطين، ومنه إلى معبر (بيت حانون) وهو الّذي يسمونه معبر (إيريز)، صوّر رحلة العذاب الّتي مرّ بها خلال ساعات، صوّرها في عشرات الصّفحات، بل في أكثر من مئة صفحة، تصويرًا دقيقًا رائعًا وافيًا، كأنّ القارئ يشاهد الأحداث بناظريه.
استمع إلى ربعيّ يصوّر لقاءه بأمّه بعد غياب (38) عامًا يقول في صفحة (238): “حاولت أمي الّتي تتكوّم على نفسها (لأنّها مقعدة) فوق فراش قطنيّ مُدّ على الأرض، أن تتغلّب على عجزها وتنهض واقفة ولو على ركبتيها، فلم أتركها تحاول. إذ ألقيت بنفسي عليها متخلّيًا عن قامتي. دفنت وجهي في حضنها مثل طفل كنته ذات يوم. أغرقتها وأغرقتني بقبلات بعدد ما غبت من سنين. وبكينا حتّى سمع من في الخارج آخر شهقاتنا، فدخلوا علينا تباعًا صامتين ومذهولين.
جلست لصق أمّي، تاركًا يدي معلّقة في يدها كما كنت أفعل، حين كنت صبيًّا، وكانت تجرّني معها في مشاويرها وزياراتها، وأمضي ممسكًا بيدها حينًا وبذيل ثوبها أحيانًا”.
كلّ النّاس يسمعون صياح الدّيكة فجرًا، وأخصّ المسلمين منهم؛ لارتباط صياح الدّيك في ساعات الفجر بموعد الأذان لصلاة الفجر عندهم، لكنّني لا أظنّ أبدًا أن أحدًا تصوّر ذلك أو تخيّله أو وصفه كما وصفه ربعيّ في روايته، حيث يقول في صفحة (243): “كدت أغفو على حافّة الفجر، فأيقظني ديك لم أسمع صياحه سوى في مسلسل مصريّ قديم قبل سنوات. فتحت عينيّ على ضحك خفيف. أعجبني صياح الدّيك المباشَر غيرُ المسجّل. جميل عذب، يشي بروح زعامة لا تقلّ علوًّا عن روح الزّعامات التّاريخيّة للفلسطينيّين. تخيّلته يشدّ جسده إلى أعلى، فتتمدّد ساقاه قليلا، ينتفخ بكبرياء كأنّ روحًا عظيمة تتمدّد في داخله. ينتفش ريشه متباعدًا عن بعضه قليلا مضخّمًا حجمه الطّبيعيّ، ويشرئبّ ذيله الملوّن إلى أعلى مثل طاووس يسخر من غابة طيور. يرفع رأسه عاليًا. ينتصب عُرفُه الأحمر مثل تاج ملكيّ، قبل أن يقرّر على مسمع من كلّ دجاجة يصل إليها صياحه، أنّ وقت الصّحو قد حان، ويطلق صيحته المحذّرة من استمرار النّوم: أُؤْ.. أُأُؤْ.. أووووووووو”.
هكذا كان ربعيّ في كلّ وصفه في الرّواية يغوص إلى الأعماق يستخرج مكنوناتها ويرسم صورة للواقع كما هو.لا يترك شاردة ولا واردة إلا وذكرها وصوّرها في روايته حتّى يظنّ القارئ أنّه يشاهد فلمًا سينمائيًّا.
تكاد الرّواية على طولها تخلو من الأخطاء اللّغويّة، وذلك لأنّ أكثرها بالعامّيّة. وأمّا ما لاحظته فيها من أخطاء فيعدّ على أصابع اليد الواحدة وأشهرها كلمة (إن شاء الله)، كتبها انشاء الله، وهذا مقبول ما دام يكتب بالعامّيّة، أمّا إذا كتب بالفصيحة فيجب أن تكتب صحيحة: (إن شاء الله) كما جاء في صفحة (194): “سوف نعمل على ترتيب موعد للقاء قريب إنشاء الله”، فكان عليه أن يفصل إن الشّرطيّة عن الفعل شاء.
وقال جميل السلحوت:
ربعي المدهون: سيرته الذاتية كما وردت في مدونته: كاتب فلسطيني ولد عام 1945 في مجدل عسقلان، وهاجرت عائلته خلال النكبة عام 1948 إلى خان يونس في قطاع عزة
تلقي تعليمه حتى المرحلة الثانوية في مدارس خان يونس، والجامعي في كل من القاهرة والاسكندرية التي أبعد منها بسبب نشاطه السياسي.
عاش وتنقل بعد ذلك في كل من عمان ودمشق وبغداد وموسكو وبيروت ونيقوسيا الى أن استقر في لندن وحمل الجنسية البريطانية.
زار خلال السنوات السابقة لدواعي العمل أو السياحة، كلا من اليمن الجنوبي –سابقا، تونس، ليبيا، تركيا، ايطاليا، فرنسا، النمسا، هنغاريا، الولايات المتحدة الأميركية، واسبانيا.
عمل محررا أو مستكتبا في صحف ومجلات، الحرية، الآفق، صوت البلاد، القدس العربي، الحياة، والشرق الأوسط التي لم يزال محررا فيها، ومركز الأبحاث الفلسطيني، وكذلك في وكالتي دبليو تي إن للأخبار المصورة – وكالة أخبار تلفزيزنية أميركية، واي بي تي إن –اسوشييتدبرس، للأخبار المصورة أيضا .
المؤلفـات:
أبله خان يونس- مجموعة قصصية 1977.
الانتفاضة الفلسطينية، الهيكل التنظيمي وأساليب العمل-بحث أكاديمي.طبعتان 1988 و 1989
طعم الفراق- ثلاثة أجيال فلسطينية في ذاكرة 2001
السيدة من تل أبيب- رواية
وروايته السيدة من تل أبيب التي صدرت طبعتها الأولى عام 2009 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وصمم غلافها رامي المدهون وتقع في 323 صفحة من الحجم المتوسط، أثارت ردود فعل واسعة، لفنيتها العالية، ولمضمونها العميق، فقد تضمنت عدة حكايات وحوادث عن فلسطينيين ويهود اسرائيليين، والفلسطيني في هذه الرواية انسان عادي مغلوب على أمره ومطارد ومشبوه أينما حلّ وأينما ارتحل، لا أحد يرحب به، بل إنهم لا يتعاملون معه كانسان عادي، ففي بلاد الغربة مجرد معرفة هويته تضعه في دائرة المشبوهين، ويتم التعامل معه بحذر شديد، وفي وطنه يتعرض للملاحقة والتعذيب خصوصا على حواجز الاحتلال العسكرية، ويتعرض للقتل حتى وهو في بيته، واليهودي الاسرائيلي أيضا هو انسان عادي له همومه وله حياته الخاصة، وقد يتعرض هو الآخر للقتل أيضا…وفلسطينيو الشتات يحلمون بالعودة الى ديارهم والتقاء ذويهم، وكذلك يهود الشتات أيضا يتوهون بين العودة الى “ارض الميعاد” حسب الدعاية الصهيونية، ويمنون أنفسهم بأرض السمن والعسل، ويصدمون بواقع مغاير اذا ما قدموا لاسرائيل.
والفلسطينيون يعيشون حالة عذاب دائم ومستمر منذ نكبتهم الأولى عام 1948، وما تبعها من نكبات وحروب شتت شملهم، فبطل الرواية وليد الدهمان لم يلتق والدته منذ 38 عاما، حيث قامت حرب عام 1967 وهو طالب جامعي في القاهرة، والتقاها في العام 2005 عندما جاء قطاع غزة زائرا بجواز سفر بريطاني، ولقي ما لقي من إهانة وتأخير على معبر بيت حانون-حاجز ايرز- وتبلغ الدراما ذروتها عندما قال”بدأت أبحث عن أمّي في أمّي” فملامح والدته تغيرت كثيرا خلال 38 عاما سابقة لم يلتقيا فيها، وكذلك أصدقاء الطفولة تغيرت ملامحهم أيضا، فبعضهم استشهد وبعضهم مات ميتة طبيعية، وبعضهم جار عليه الزمن ولم يعد يجد ما يقتات به.
الواقع والخيال: الرواية واقعية تماما، على اعتبار أن الواقعية هي” ما حدث على أرض الواقع أو ما يمكن حدوثه” صحيح أن الكاتب لم يعايش ولم يكن شاهد عيان على جميع أحداث وحكايات الرواية، لكنه لم يكن بعيدا عنها، فقد سمعها من ضحاياها أو قرأ عنها أو شاهدها على شاشات التلفاز، وقد عجن الكاتب الواقع بالخيال بحيث يصعب على القارئ التمييز بينهما كما قال في لقائه في ندوة اليوم السابع المقدسية مساء 11- اكتوبر 2012…وهكذا فان خياله في روايته هذه خيال واقعي.
اللغة: غالبية الرواية لغتها فصيحة تعج بفنون البلاغة من تشبيهات واستعارات وصور جمالية، واستعمل الكاتب اللغة المحكية على لسان شخوص الرواية الشعبيين، وكان استعمالا موفقا ورائعا جاء في مكانه الصحيح، كما استعمل اللغة العبرية على لسان شخوص الرواية اليهود الاسرائيليين، وتركهم يعبرون عمّا يدور في خلدهم بلغتهم التي يتحدثونها..وأعقبها بترجمة للعربية…وهو هنا يتفوق على الآخر انسانيا وثقافيا كما صرح في لقائه في ندوة اليوم السابع الذي أشرنا اليه. وقد كسر الكاتب “هيبة وجلال اللغة”- كما قال الأديب محمود شقير باستعماله كلمات يتهيب كثيرون من استعمالها، مع أنها كلمات قاموسية ونستعملها جميعنا في حياتنا اليومية….وهي كلمات جاءت في محلها الصحيح.
عالمان مختلفان: ورد في الرواية دون اقحام عودة الفنانة الاسرائيلية القادمة من لندن، وكيف سكنت بيتا في تل أبيب لوحدها، كي تتصل بصديقها وتلتقيه، وفي حديث هاتفي مع والديها يسعدان بذلك ويتمنيان لها التوفيق والسعادة، في حين كان في الجهة المقابلة ليلى الدهمان، وهو اسم تحمله امرأتان واحدة قتل زوجها وماتت بعده، والأخرى فقدت زوجها وبقيت حيّة، وقد ضاعت الشخصية فإحداهما كانت ترتبط بعلاقة حبّ في بدايات الشباب مع”عادل البشيتي” المغترب في المانيا، والذي لا يزال يعشقها وطلب معونة السارد الرئيس في الرواية”وليد الدهمان” كي يدله عليها بعد طلاقه من زوجته الألمانية بعد زواج فاشل استمر عشر سنوات..وهنا تتداخل عدة مشاكل، فعادل لا يستطيع كشف حبّه لليلى علانية، ولا هي تستطيع ذلك، بل إن رأيها بقي مغيبا، فكشف مثل هكذا حب – وان كان عذريا- غير مقبول دينيا واجتماعيا…وسيخلق ردود فعل سلبية كبيرة قد تودي بحياتهما أو بحياة أحدهما، كما سيكون له ضحايا آخرون منهم أبناء ليلى من زوجها المتوفى…لذا بقي هذا الحبّ سرا مكتوما بين المحبّ وبين السارد وليد الدهمان.
وليد الدهمان: هو البطل الرئيس في الرواية، وفيه بعض ملامح شخصية الكاتب نفسه، ولا ضير في ذلك، فقد يكتب المبدع شيئا من سيرته في عمله الابداعي، ووليد هذا فلسطيني تنقل في عدة دول، الى أن استقر به المطاف في لندن، وهناك تعلم الانجليزية وعمل واستقر وحمل الجنسية البريطانية، وقرر زيارة والدته وذويه في قطاع غزة المحتل بعد فراق قسري دام 38 عاما بسبب حرب حزيران 1967، وفي الطائرة جلست بجانبه فنانة حسناء يهودية اسرائيلية، ما لبثت أن شرعت بالبكاء، ورفضت المحرمة الورقية التي قدمها لها لتمسح دموعها، ثم ما لبثت أن طلبتها منه فقدم لها نفس الورقة، ودار بينهما حديث أبدت فيه اعجابها بلهجته الانجليزية، مع أنه لا يجيد تلك اللهجة، لأنه تعلمها في سنّ متأخرة، لكنه يجيد الحديث بهذه اللغة…وقد يكون لها أسبابها في ذلك، ليفترقا في مطار بن غوريون، هي سافرت الى تل أبيب، وهو سافر الى قطاع غزة، ليتوقف عند معبر بيت حانون-حاجز إيريز- أكثر من تسع ساعات، شاهد فيها الكثير من الاذلال والهوان غير المبرر…وليصل الى بيت والدته في خان يونس، وليجد كل شيء قد تغير…الانسان والمكان، حتى ملامح والدته لم تعد كما كان يعرفها.
الفنانة الاسرائيلية: دانا أهوفا فنانة حسناء ارتبطت بعلاقة حبّ بابن رئيس عربي في ايطاليا، وهي علاقة شابتها المخاوف، فكلاهما يخشى انكشاف أمرهما، فهو يخاف من الفضيحة ومن امكانية أن تكون عميلة للموساد الاسرائيلي، وهي تخاف من ردود الفعل لاقامتها علاقة مع ابن رئيس عربي قد يخلف والده في الحكم، ويكنّ العداء لدولتها اسرائيل…وكان لها عشيق اسرائيلي، التقت وليد الدهمان في الطائرة التي أقلتهما من لندن الى مطار تل أبيب…
التصوير الدرامي والتشويق: من يقرأ الرواية سيجد نفسه أمام دراما تلفزيونية أو سينمائية، فرغم مرارة المضمون إلا أن الكاتب استطاع تصوير مشاهد وحكايات وأحداث الرواية، وكأنه يرسم أو يصور بالكلمات…وعنصر التشويق يطغى على الرواية بشكل لافت.