يوميات مقدسية لابراهيم جوهر في اليوم السابع

ي
القدس: 28-11-2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الأسبوعية الثقافية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني  في القدس يوميات مقدسية-يوميات القدس والانسان- وهو الاصدار الجديد للأديب ابراهيم جوهر، صدر مؤخرا عن وزارة الثقافة الفلسطينية في مقرها المؤقت في مدينة البيرة، ويقع الكتاب الذي قدّم له الأديب الكبير محمود شقير، وصمّمه خالد عبد الهادي في 240 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
فور صدور الكتاب، كتب مؤلفه الأديب جوهر أن اختار لكتابه اسم”اقحوانة الروح-يوميّات مقدسية-” لكن يبدو أن الناشر قد اجتهد وغيّر عنوان الكتاب كما يروق له، دون الرجوع الى صاحب الكتاب، وهذا أمر يدعو الى التساؤل، ولو ترك الناشر عنوان الكتاب كما اختاره صاحبه لأراح واستراح، وعلى رأي أحد فلاسفة الاغريق القدامي “صانع الحذاء يعرف خباياه أكثر من منتعله”.
وهذه الكتاب يذكرنا بيوميات أديبنا الكبير محمود شقير التي صدرت قبل حوالي عامين تحت عنوان”مديح لمرايا البلاد” حيث كان ذلك الكتاب فاتحة خير لأكثر من كاتب لتدوين يوميّاتهم، خصوصا وأن الأديب شقير قد حثّ على ذلك. مع أن أديبنا ابراهيم جوهر المولود في جبل المكبر في العام 1957ليس بحاجة الى تحريضه على الكتابة، فهو يخوض غمار الكتابة الابداعية منذ كان طالبا في المرحلة الثانوية، ونشرت له بعض الصحف المحلية في حينه، لكنه بحاجة الى الوقت ليفرغ نتاج مخزونه الثقافي على الورق، فسعيه خلف رغيف”الخبز المرّ” كما غيره من مبدعي الوطن الذبيح يستنزف وقته وجهده.
غير أنّ أديبنا ابراهيم جوهر الذي عرفناه قاصّا للكبار وللصّغار، وناقدا متميزا يثري بقراءاته الأدبية أمسيات ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، تلك الندوة التي شارك في تأسيسها ويواظب على حضورها مساء كلّ خميس منذ آذار-مارس- 1991، أعطانا نموذجا جديدا لكتابة اليوميّات الأدبية، بلغته الأدبيّة الجميلة اللافتة، وبمضامين موضوعاته اليومية والمتلاحقة منذ أكثر من عامين، وهو يثبت من جديد فيما كتبه مقولة أن”الكاتب ابن بيئته”، والأديب جوهر بالطبع ليس استثناء، ومع ذلك فيومياته ليست مذكرات شخصية، وليست حذلقة لغوية، ففي كل حلقة من حلقاتها يطرح موضوعا جديدا يعيشه، وتعيشه مدينته القدس الشريف، وما تمثله هذه المدينة له ولأبناء شعبه، كونها حاضنة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومعراج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، وكنيسة القيامة وهي من أقدس مقدسات الديانة المسيحية، اضافة الى عشرات المساجد والزوايا والتكايا والكنائس والأديرة والمدارس التاريخية والمقابر وغيرها، وهي أيضا العاصمة السياسية والحضارية والدينية والتاريخية للشعب الفلسطيني ولدولته العتيدة، والمحنة القاسية التي تمرّ بها هذه المدينة تؤرّق كاتبنا وتقضّ مضجعه، وبالتالي فإن يومياته تصلح بأن تكون في جزء كبير منها يوميات مدينة ليست كغيرها من المدائن. وأديبنا في يومياته هذه يخطّ لنا أسلوب الأدب السياسي، فهو يعيش ومدينته واقعا سياسيا معقدا.
والأديب جوهر المربّي المعروف في يومياته يتطرق الى مواضيع تعليمية وتربوية، يطرحها لافتا الانتباه اليها، وموجها وناصحا فيما بين سطورها….تماما مثلما التفت الى جماليات الطبيعة حيث يعيش، فكانت كتاباته عن الحمامة البرّية التي تعشّش على نافذة غرفة نومه، وعن دالية العنب وبعض الورود المزروعة في فناء منزله، وكأنّي به يؤكد من جديد مقولة الراحل الكبير محمود درويش”على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
والأديب جوهر لا ينسى أيضا البيئة المحلية في مكان سكنه-جبل المكبّر- فيكتب عن منغصّات الحياة مثل المفرقعات في الأعراس وغيرها من المناسبات، وما تسببه من ازعاج لأناس من مختلف الأعمار، كما يكتب عن ظواهر أخرى مثل موضوعه الطريف “في حيّنا بقرة” والذي أقرن خوارها بفقدانها لوطنها ومسقط رأسها.
وقارئ هذه اليوميات سيجد أن كاتبنا قد طرح مئات المواضيع التي تستحق التوقف عندها ومتابعتها، وضرورة البحث عن حلول لها.
يبقى أن نقول بأن هذه اليوميات تشكل بحق اثراء للمكتبة الفلسطينية بشكل خاص، وللمكتبة العربية بشكل عام، وأن هذه العجالة لا تغني عن قراءتها والاستفادة منها.
وقالت نزهة أبو غوش:
أودع الكاتب ابراهيم جوهر كلماته من واقع يعيشه، وذكريات قد  خزّنها في قلبه ودماغه  لتخرج طليقة في كتاب بعنوان ” يوميّات مقدسيّة” هي يوميّات القدس والانسان. بدا فيه التّعبير  بسيطًا سلسًا تلقائيًّا كُتب بلغة أدبيّة مصقولة بقلمٍ حسّاس حمل، هموم شعبٍ وهموم مدينة القدس الّتي كاد أن يجفّ  فيها  كلّ شيء حتّى الأمطار. تلك  الامطار الّتي اشتاقها الكاتب؛ لتفرّج عن نفسيّته المتعبة. قال في ص12″  صباح الجمعة مطر خفيف همى فبلّل الطّرقاتِ والمصاطبِ ورؤوسَ الأشجار..مطر بلّل قلبي “
آمن الكاتب ابراهيم جوهر بقدرة القلم وجبروته على صنع المعجزات ” بالقلم أبني عالمي على هوائي” ص7. أحبّ الأدب والكلمة الصّادقة النّابعة من القلب” القصائدُ تبني وطنًا” ص 88.
من خلال قراءَتنا ليوميّات الكاتب نلحظ بأنّه انسان أثقلته هموم الأرض والوطن والأُسرة والمجتمع.  حاول أن يتواصل مع المجتمع  من خلال الفيسبوك، لكنّه بالحقيقة كان أوّلا يتواصل بصدق مع ذاته. يحاورها، ويسايرها، يلومها ويعاتبها ثمّ يفلسفها بطريقته الخّاصّة  ” الدّفء لا يأتي من وسائل التّدفئة، الدّفء له لغته الخاصّة” ص33.
ظاهرتا الاستطراد والتّداعي تبدوان واضحتان في اليوميّات فهي نصوص ليس بالضّرورة أن تكون الأفكار فها متواصلة مرتبطة مثل نصوص أُخرى، المقالة أو القصّةأو…
في يوميّات ابراهيم جوهر نلحظ الكثير من التّداعي والاستطراد في اللغة والأفكار،
فهو في أوّل النّص مثلا يتحدّث عن المشفى والمرض، ثمّ عن قصص الأطفال، ثمّ  الألوان ورموزها، ثمّ اللغة، الكبّة اللبنانيّة والهمبرغر ثمّ عن الموت والمقابر..الخ.
نلحظ في اليوميّات أُسلوب الكتابة السّاخر، الّذي يرمي إِلى النّقد اللاذع. هذا النّوع من الأُسلوب الّذي تحتاجه مكتباتنا العربيّة. ” ليتني استطيع  بناءَ قنٍ من رمل أو من (تِكتيك)…”هل  سيُحلُّ إِشكال المصالحة بمجدّرةٍ تجمع أرزَ رام الله مع عدس غزّة؟”ص213
تكاثّفت اليوميّاتُ بروح القدسِ ونفَسِها وعبيرِها، إِذ يكاد القارىء عن بعدٍ أن يشتمّ رائحة القدس، يشعر بألمها وحصارها، وتقليصها، وتهويدها، وتهميشها وفصلها بجدار عنصريّ عن المدن الفلسطينيّة، وبناء الحواجز وغلق البّوّابات.
رغم هذا وذاك كان للكاتب نظرة تأمّلية في الطّبيعة تدعو إِلى التّفاؤل والأمل ” الأشعّة أبت الاحتجابَ القسريَّ هذا فتسلّلت بخفّة وجمال إِلى حيث مكمن ضعف الغيمة. اصطبغت الفجوة( الغيمة) بلون الذّهب. الشّمس انتصرت. زُرقة، وسوادُ وذهب. لوحة طبيعيّة آسرة.”ص89.
أمّا النّظرة التّشاؤميّة فقد بدت واضحة أيضًا في اليوميّات”  الليل سواد، وسبات، وخوف، وجنازة لنهار تقضّى ومات”
زجر الكاتب العنفَ بقوّة. كره وطن الرّمل. كره اللغة العربيّة المكسّرة المندغمة بلغاتٍ أُخرى. آمن الكاتب ابراهيم جوهر بقدرة القلم وجبروته على صنع المعجزات ” بالقلم أبني عالمي على هوائي” ص7.
في اليوميّات كثُرت الأسماء التي عرفها الكاتب: شعراء أُدباء، أصدقاء الفيس بوك الأقرباء، العائلة.. وغيرهم.
وقال رفعت زيتون:
في القدس من في القدس إلا أنت… قالها تميم.
للقدس من للقدس إلّا أنت … بكل ثقة أقولها لإبراهيم جوهر ومن سار على دربه إلى يوم فرحتها. هذه حقيقة لا ينكرها إلّا جاحد ولا ينساها إلّا من فقد بصيرته، وحتما لا كمال لمخلوق. وبالتالي فهي حقيقة تسقط عن المادحين تهمة المجاملة التي نحاسب الآخرين عليها
إن كانت في غير موضعها. وهي هنا من باب ردّ الجميل إلى أهل الجمال والانتصار لكل لحظة يقدمونها لمدينتنا.
ما أن تطرقَ غلاف الكتاب حتى تُفتحَ لك بواباتُهُ العالية لتتراءى لك عروسُ المدائن، حبُّه وعشقُه، وهمُّه، وحرفُه الذي ما فتئ يذود به عنها ويرسم به جمالها، ويكتبُ به همّها.
إبراهيم جوهر في هذه التجربةِ الحيّة، والذي كما يقول هو عنها بافتخار المحبين
وتواضعِ العارفين، أنّه حذا حذوَ كاتبنا الكبير والمعلم محمود شقير. ولم يوقف هذا النهر من الإبداع عند نفسه ولم يكنْ به ضنينا، فها هو ينشر فكرة  اليوميات على طلابه أينما حلّ، حاثّا إياهم على خوض التجربة لبناء صداقة من نوع آخرَ بين الطالب ودفتره إذا عزّ الصديق يومًا.
وهذا هو اقتران الفعل بالعمل. ثم ينقلك إبراهيم جوهر بلغةٍ أنيقةٍ عبر طرقاتِ المدينة في يومياته، تارة يمسح دمع عينٍ هنا، وتارة يسلّط الضوْءَ على آفةٍ هناك. كان عبر يومياته ودودا في حبه كزهرة، ورقيقا في نقده كفراشة، ومؤلما في فضح الزّيف كضربة السهم. وهنا تخطر على البال بعضُ الأسئلة، وربما احتاجت بعضَ الجرأة في الإجابة:
هل يسير كاتب اليوميات دوما على جسر الحياد، ويكون ناقلا للصورة التي تبدو أمامه بذات العين؟ بمعنى هل يستطيع الكاتب أن يتجرّدَ من ذاته، وهذا حتما ليس سهلا، هل يكون في وده ونقده ورصده للأمور ذاتَ القلم، أم يكونُ لهوى النفس رأيٌ آخرُ في بعض المواقف؟
وسؤال آخرُ وأخيرٌ، بعد كلّ ما قرأنا في الكتاب، هل كتب إبراهيم جوهر أمرا شعر بعده بالندمِ على كتابته؟ أو أمرا تمنى لو أتى على ذكره ولم يذكره؟
وددت لو قلتُ أكثر، فهناك الكثير، ولكنّ أديبَنا الكبير محمود شقير في تقدمته للكتاب لم يترك شاردة ولا واردة إلّا وأتى عليها بالتحليل والتعليق.
وقال موسى أبو دويح:
تناولت اليوميّات الأيّام من (23) شباط (2012) إلى الثّلاثين من نيسان (2012). لم يتخلَّف عن الكتابة في هذه المدّة يومًا. أي جاءت ثماني وستين يوميّة في ثمانية وستين يومًا.
طوّف إبراهيم في يوميّاته متنقّلا من بيته في جبل المكبر إلى المدرسة الّتي يعمل فيها في بيت صفافا، وإلى ثغرة الشّيخ سعد قرب جبل المكبر وحاجزها، وإلى القدس ومقر ندوة اليوم السابع مرورًا بشارع صلاح الدّين، وإلى رام الله مارًّا بقلنديا وحاجزها.
كتب إبراهيم يوميّاته بلغة عربيّة أصيلة فصيحة، آسِرة راقصة جميلة، لاذعة ناقدة واخزة، تفوح منها رائحة الحزن والألم والوجع؛ ممّا آلت إليه حال اللغة العربيّة في هذه الأيّام؛ في المدارس والكلّيّات وحتّى الجامعات، وفي الإذاعات والفضائيّات وفي الكتب والجرائد والمجلّات.
إبراهيم جوهر في يومياته ناقد واخز لاذع يرى الشّيء الّذي يراه عامّة الناس عاديًّا، يراه بعين النّاقد البصير، الّذي يسرح عاليًا في الخيال، ويسطِّر لنا بقلمه ما ستؤول إليه الحال. يرى إبراهيم في طريق عودته إلى بيته كومة من التّراب أمام (بيت الرحمة للمسنّين) فيكتب لنا بقلمه صفحة 108 في طريق عودتي شاهدت كومة من التّراب الزّراعيّ قرب (بيت الرّحمة للمسنّين). البيت قيدَ التّرميم والتّحسين. ستزرع الورود في حديقة بيت المسنّين.
الورود (ستعوّض) المسنّين عن أبنائهم وبناتهم! وعن ذكرياتهم الّتي بنَوْها بدموع قلوبهم، وقوّة شبابهم.
بيوت المسنّين ستشهد طلبًا كثيرًا في قادم الأيّام…
“ما أضيقَ العيشَ”.ويقارن إبراهيم بين المفاوض الفلسطينيّ والمفاوض الآخر فيقول في صفحة (105) و”106″
“المفاوض الآخر يدري ما يريد. نحن لا نريد ما ندري…المفاوض الآخر قال ذات محاضرة جامعيّة حضرها أحد زملائي: “أدري أنّ المدفون في مكان ما في الخليل حمار. ولكن إذا كان سيساعدني في الاستيطان فسأجعله نبيًّا”!
عقليّة المفاوض (الآخر) ورؤيته. ماذا عن (مفاوضنا)؟ يوجد عندنا أرض للأنبياء لا نقدّرها.
يوجد عندنا ما يفيدنا، ولكنّنا لا نعرفه.” وهذه الاقتباسات أو التّضمينات من الكتاب ترغّب فيه، لكنّها لا تغني أبدًا عن قراءته.
جوهر أستاذ في اللغة، قلّ نظراؤه في هذه الأيّام، ومع ذلك لم يخل الكتاب من هنّات أكثرها مطبعيّ، وعلى الأخصّ في علامات التّرقيم والتّشكيل؛ حيث قام الطّابع بتشكيل بعض الكلمات خطأ. ولقد أعلمني إبراهيم أنّه لم يشكّل الكتاب؛ لأنّه لا يعرف استعمال ذلك على الحاسوب. فتبرّع الطّابع بالتّشكيل، وليته لم يفعل.
وأمّا الأخطاء فمنها: صفحة (14): (وأنت معلّم تاريخ يدر). فهل يريد (معلم تاريخ يدري) أو (معلم تاريخ بدر) لأنّ الحديث كان عن جبل أحد.
صفحة (26): (:تمنّيت أن ينزل المطر) حيث جاءت النّقطتان الرّأسيّتان في أوّل السّطر، وجاءت كلمة قال في آخر السّطر السّابق، والصّحيح أن تكون النّقطتان بعد كلمة قال مقترنة بها لا كما جاء في الطّباعة. ومثل ذلك جاءت علامات التّنصيص والسّؤال والتّعجّب كما في صفحة (52) وفي صفحة (90) وصفحة (120) وصفحة (126) وصفحة (127) وصفحة (128) وصفحة (138) وصفحة (149) وصفحة “156”
وقالت رائدة ابو صوي:
يوميات تستحق الوقوف أمامها لما تضمنته من مواضيع قيمة، واحتراما للجهد الذي بذله الاستاذ جوهر في جمع هذه الأحداث، ووضعها بين أيدي القراء على طبق من ذهب. استمتعت جداً وانا أقرأ هذه اليوميات الشيقة، عشت مع أحداث اليوميات يوما بيوم، ومما أسعدني جدا ذكر أديبنا الرائع لأشخاص عشقتهم جداً من المقدسيين وغير المقدسيين، أشخاص تركوا بصمة في قلوبنا أمثال الاعلامي الراحل رحمه الله الاستاذ رضوان ابوعياش…صاحب مبدأ (تعميم مبدأ الصراحة.) في هذه اليوميات الكثير من الدروس والعبر والافكار التي تستحق أن تتبناها المدارس في أسلوب التعليم لديها. الأديب جوهر له أسلوب مشوق في جعل الطلاب يعشقون اللغة العربية والأدب، أسلوب سلس جميل، الصور في هذه الرواية وخصوصاً المطر والثلج وجبل أبوغنيم كلها سرحت بي في عالم من السحر والجمال والحزن أحيانا على ما ضاع من أرض، في هذه اليوميات حكم منها قوله في ص (14)للمكان ذاكرة وللكلمات ذاكرة وللانسان ذاكرة، وقوله أيضا الكتابة نوع من العلاج، العلاج بالكتابة فكم منا يحتاج الى علاج…ذكر الاديب والكاتب الرائع جميل السلحوت في ص (25)وتشجيع الاديب جميل على زيادة الاهتمام بالفلكلور والتراث لما في ذلك من قيمة ثقافية، .جميع ما جاء في اليوميات من احداث ومواقف أعجبتني وأثارت شهيتي لللقراءة، في يومياته أثبت أن القدس خالدة مادام لدينا الانسان المثقف والمؤرخ للتاريخ والانسان.
وقال عيسى القواسمي:
شكل اﻷديب ابراهيم جوهر في يومياته المقدسية ذاكرة المدينة التي ﻻ تنسى وﻻ تشيخ أيضا، فكانت هي ذاتها تعيد في ذاكرتنا صياغة الجوهر الحقيقي في أن تكون مقدسيا معرضا لضياع الذاكرة بعد الحرمان من اﻷرض .
هي يومياتنا نحن قبل أن تكون يوميات الكاتب والمدينة والتاريخ، ﻷن همّه كان الهمّ العام، وفيه قد أصاب ما كان غائبا عنا لفترة من الزمن خارج المألوف والعادي، حين وثق بأدب وليس بخبر اللغة والمعنى، والمراد له أن يقال مصحوبا بالمشاعر الدفينة للانسان المقدسي المحبط والمتفائل معا .
فتارة كان يخترق بقلمه كل الخطوط الحمراء ليهاجم تلك العفونة اليومية في محيط حياتنا هنا وهناك، دون أيّ مجاملة أو لف ودوران .
وتارة كان يعرج بإنسانيته على منطق الطير ليخاطب حمامة أو ريحا شاردة أو غيمة عقيمة مرت بالمكان دون ذاك المطر المنتظر .
وليس من الصدفة أن تتوالد فينا اﻷفكار بعد كل هذا اﻹنزياح خلالل التمعن بيومية ما، ﻷن إنتظارها كان يعطي فرصة للخيال والتساؤل في أيّ شأن يومية ابراهيم جوهر سوف تقال .
فكنت في كل مرّة أكتشف ابراهيم اﻹنسان الملتصق بدفء البيت والعائلة، وتارة انظر بعين القلق على ذاك المريض بالعين الذي يلاحق وهن البصر، ويصرّ على أن يغافله ليكتب أو يتصفح أو حتى لمجرد المناكفة، لكي يزيل قلقه بعد ترهل العين والجسد معا .
ثم انتقل فجأة الى خضم أمور سياسية إجتماعية ثقافية ﻻ تخطر على بال أحد، لتكون هي في اليومية العنوان .فكان يستحضرها بفكره الحاضر المشاكس لتكون هي ذاتها فاكهة اليوم والسؤال .
وتمر اﻷيام انكتشف جوانب اخرى من أديب يعشق انسياب اللغة فوق كل لسان . أديب وراسم لحاضر بين أجيال لم تعتد سوى القيل والقال .
فنجده يحلل السراب ليجعل من إستحالة هذه المهمة المستحيلة حقيقة تدرّس للفتيات والفتيان لعل يتبدل حالهم من حال الى حال .
أخيرا :لحضور اﻹقحوان في ذاكرة الكاتب رموز لم تخف على من كان ينقب جيدا في تلك اليوميات . الذاكرة كانت حاضرة بشدة حين كان يستلهم من ماضيه النشط الجرأة على طرح اﻷمور غير العادية أمام وجه من كان يحاول غربلة القضية .
والرؤيا كانت لب فلسفته حين أقحم نفسه في حوار دائم مع مصداقية المرحلة، وجدوى أن نكون هنا كما ينبغي للفلسطيني أن يكون فكرا ولغة وحاضرا .
لقد أخذ علما وأعطى حبا هذا القلب المعطاء ذو الجسد النحيل والشعر اﻷبيض المجعد.
وقالت سارة عبد النبي:
تجتاحنا الكلمات تفسرنا وتمضي دونما صوت… حين نعتكفُ الظلمةَ التي في جوارحنا نساومُ العبَراتِ لألأتٍها علّها تمدنا بشيء من رفاة الضياء، نحاول أن صيغَ تعريفًا لهواننا أو لانكماش الهواء على ضفاف النفس… لكننا لا نجد إلا الضياعَ دليلًا لنا في النهاية…
حين تغدو الذكريات والأيام مرآةً لأرواحنا.. لابتساماتنا لآلامنا… ونحملُ همّ الجميع والوطن… هو ابراهيم جوهر الذي لا يزال يحمل همّ اللغة والوطن والمجتمع هو أستاذي الفاضل الذي نقل لنا بلغته السلسة السهلة الممتنعة…
وبعد ما قلته من كلامٍ يتعلق بالنقد الضمني أو الروحي كما أسميه أنا… سأبدأ بمحاولاتٍ نقدية من نوع آخر… يتخلل يوميات الأستاذ الكبير ابراهيم جوهر نوعٌ من السرد المصحوب بالمونولوج أو حوار الذات، بشكل مختلف عن المفهوم العام لمعنى المونولوج، فما أقصده هنا هو أنه طرح منظوره ورؤيته الشخصية والخاصة في كل قصة أو حدث مرّ به وعاشه أو عايشه… ومما تميزت به يوميات كاتبنا كان تنوعها من خلال التطرق لمواضيع مختلفة ثقافية لغوية اجتماعية وحتى تراثية وفولكلورية تاريخية.
وقد جمع الكاتب في يومياته علاقة الأرض بالإنسان ، علاقة الشعب بماضيه وتعلقه الأبدي بالقضية. لاحظت أسلوب الطرح والسرد وذكر المكان والزمان وشرح لبعض الأمكنة والأشخاص مما أضفى نوعًا من التثقيف الترفيهي أو المشوق .
ومما كان جليًّا في أسلوبه كان اعتماده على النقد الساخر من خلال أسلوبه، وهي ليست سخرية عبثية، وإنما هي سخرية تنبع من ألمٍ وحسرة سواء على اللغة أو الوطن أو الثقافة أو الجيل الشاب الذي لا يزال يرى فيه أملًا منقوصَ الأمل أو فرجة يتمنى لو تكتمل..
أما بالنسبة لمواضع الضعف في هذا العمل كان التشاؤم الغالب على معظم الأفكار أو ردات الفعل تجاه بعض المواقف التي حسب رأيي لا تستدعي كل هذا التعمق التراجيدي المتشائم، وخصوصًا فيما يتعلق بالجيل الجديد وثقافة الهمبرغر والكادبوري كما أسماها الأستاذ.
وقالت رفيقة عثمان:
وثَّق الكاتب يومياته؛ لتكون مصدرًا للأحداث اليوميَّة الواقعيّة، التي تمر في مدينة القدس يوميَّا. كما ورد صفحة: 20، “الواقع احيانا يكون أكثر لؤما من أقسى الكوابيس والتوقعات”.
يشتمل بعض النصوص على الأسلوب التقريري، بعيدا عن المغزى الأدبي، فقط لهدف عرض الأحداث فحسب، وادراجها في اليوميات، وبعضها يحمل هموم ومعالم القدس.
لا شك بأن لغة الكاتب تتسم بالجمالية، والبلاغة، والقوة، والرصانة، بما تتناسب مع الأحداث.
هنالك اقتباسات كثيرة ذكرت عن الشعراء، وآخرين مع ذكر أسمائهم مما يوثق هؤلاء الجنود المجهولين في تطوير الصرح الثقافي في القدس.”صفحة 88″
ظهرت في الكتاب، آراء نقدية سياسية، واجتماعية، وثقافية، أخلاقية، سواء بطريقة مباشرة أحيانًا، وأحيانًا أخرى بطريقة غير مباشرة. “صفحة 124.”
تحدث الكاتب عن الأسرى، وافتخر بمدرسته، وطلابه، مما يعكس انتماءَّه الأصيل للمكان، ومحبته للعلم، ورسالة المعلم.
ندوة اليوم السابع كانت الحاضرة الأولى، وتاج القدس الذهبي، في معظم اليوميات، مما أضاف قيمة أخرى على مكانة الندوة، وأعضائها. وحثت على الاستمرارية الدائمة لتواصل الندوة، وتطورها. تتسم كتابة النصوص بالانسيابية، والتلقائية، تكاد تخلو معظمها من الخيال، غير متكلف، تبدو النصوص التي كتبها الكاتب بأنها لم ترهقه كما لو كتب رواية، أو قصة ما.
طغت على النصوص النظرة التشاؤميَّة، والحزن، والتذمر، وأحيانًا اليأس؛ الذي يتسرب لمشاعر القارئ بسهولة، ووخز الضمائر الحيَّة، ويحثها على التفكير، ومحاسبة الضمير. إلا أنني عثرت على قطرات من الأمل كما ورد ( صفحة 21) لولا الأمل والرجاء، لكانت الحياة علقمًا مصفّى”. تلك المواقف التي تعكس حياة معظم الافراد القاطنين تلك المدينة الساكنة.ِ
تميَّز كتاب اليوميات لهذه النصوص، بذكر المراجع والكتب التي قرأها الكاتب بهدف نقدها لندوة اليوم السابع، ومن أجل الثقافة العامة، مما تضيف على مواصفات كاتبنا المولع بحب القراء بشغف، والمثقف البارز. كما ورد “صفحة 19”
الزمان: من أوّل شباط الى آخر نيسان ولم يذكر السنة، أعضاء الندوة يعرفون.
المكان: القدس الحاضرة الأولى، وأماكن أخرى تحيط بيئة الكاتب.
ننتظر المزيد من اليوميات المقدسيَّة، وبالتوفيق للكاتب. المقدسي، آمل أن يكتب لنا الكاتب يوميات مقدسيَّة مضيئة، ومشرقة مسقبلا، تقرع اجراس الامل في ارجائها، وقلوب اهلها، ومحبيها.
وقالت رشا السرميطي:
رسالة لرجل أنا فخورة به
أكتب إليك من حبر مداده عبير الورود، أزهاره بألوان الشِّتاء تبلَّلت، ودفء الرَّبيع قد كسى أوراق رسالتي، بعيدًا عن صيف قد يعقبه الخريف الذي يجعلنا نشتاق لهطول الكلمات، وغيث نبضات القلب التي بها نحيا، تحية عنوانها الاحترام، نصها لن أكتبه.. والخاتمة: الصَّمت أجمل الكلام. يوميَّات القدس والإنسان – كتاب ضمَّ بين دفتيه من جمال المعاني وألق الحروف ما يصعب على قلم فنَّان في القراءة والكتابة أن يصيغ مرسوم كلمة وفيَّة تحقق ما أريد.
ماذا أقول أمام انصاتي الجلل لتلك المعزوفات اليوميَّة التي انفرد بها الكاتب الصَّفاء، معلِّمي الانسان – ابراهيم جوهر- المخلوق الذي انقرض أمثاله، وبات من يشبهونه من النَّفائس المتبقيَّة قلة صامدة على أعتاب الحنين للقضيَّة التي أبحث عنها، وربما بحثت عنِّي وحتى الآن ما وجد كلانا شاطئه المفقود في بحور اللغة.
لا زالت أصداء صور قلمه ترفرف في آذاني، هو الحرُّ من فلسطين الحُّلم، كم كان حظي كبيرًا يوم عرفته، مذ ذاك الوقت وأنا من خصب علمه ونقاء حنايا فكره أتعلم، أنهل وهو الكريم الذي يعطي بلا حدود. عتبي عليه بأنَّه ليس غزيرًا في اصداراته، والأدب العتب مرفوع لذوي أهله وخاصته، فكل الكتَّاب لديهم من وجع تلك الطريق ما لا تبقي منهم سوى الأقوياء، الأصحَّاء الذين وإن اختفوا عن الضوء، وطمست ملامح هويَّة ابداعاتهم لا بد للشمس أن تضيء على مذهبات ما تركوا لنا من الأثر الخالد في نبض أمانينا لغدٍ أشفى، وعلى رصيف التضحيات سيكون الطموح هناك منتظرًا لعائد يستلم الرَّاية ويتم المشوار الأبعد، تلك هي الصَّورة بلا تشويه.
فرحي كان مكتملا يوم مسكت كتابًا لك يضمُّ همسات نبضك البيكسليَّة التي كنت تنقرها على كبسات لوحة المفاتيح بضغطات ذكية، مؤلمة ومليئة بالأمل، كانت تنشر لنا عبر مسارات لا سلكيَّة، لكنَّها اتصلت بكوابل مشاعرنا وأحاسيسنا ذاك الارتباط النصراني الذي لا انفكاك عنه، بات المحب والباغض يأتي متسللا لحانوت أفكارك، يقرأ ويشارك، يهرب ويفرُّ غاضبًا، يشتري ويبيع في أحلام الورق المنثور خاصتك على أسطر من فضاء. أن تكتب يعني أن تكون متصديًّا في حسام اللغة بقلم عار عليه إن لم يكتب إلا الحق، وقد كنت نعم القلم الذي رفع صوت الحق عاليًا وهزَّ أركان الحكايات بيننا بصوت مجلجل لا أحد يستطيع انكاره.
سأبقى على عهدك ما استطعتت، وسأحمل راية الولاء لفكر أعتزُّ به، وعمل تسر بتقديمه خواطري، ولسوف يكون للغة مجد آخر، ما عهدته قبلا من زماننا الذي يقال فيه الأسوأ ممَّا كان، وأنا التي جئت من هذا الوقت أقولها إليك، إنَّ غدًا سيكون أجمل.
دمت لنا شمعة تذوب ولا تنطفئ، تضيء دروب الظلام لأجل جيل ترى فيه عيون قلبه حلم الحريَّة لهذه الأرض، وبراءة الكلمة لمعاني خصبة على أرض الورق من غلال محاصيل آدابها صارت في عصرنا وفيرة.
وقالت نينا برهوم:
بعد صنع يوم مليء بالعزاء الجسدي والعقلي، غادرت الى صمت يعالج البلاء الذي داهمني، قراءة الكتاب يوميات مقدسية للكاتب القدير ابراهيم جوهر، اكتشفت من خلال انعزالي مع الكتاب وموجات البحر العازفة، أن الأرق موضوع لا بد منه، نتيجة الألم الذي يعترينا، من الواقع المرير..وما مع غفلة الكثير من ممنوعي القراءة عن آلامهم.
فأحيانا يجف الألم، فتخف القدرة الكتابية الغنية بفلسفة فكرية، فأشتاق حينذاك الى الألم حتى يُصبغ قلمي بواقع مر جميل…
يوميات مقدسية هي تلك اليوميات العابسة بروتينها، يوميات لا مثيل لها في ديار أوروبية وديار عربية رغم  ثوراتها الاخيرة..فهل من كم لأحداث يومية مثل أحداث القدس؟
أُلخصُ يوميات جوهر بكلمتين هما ألم وحزن. نعم نحن شعب كما قلتَ- تعشق أرواحنا الحزن
و” نحن مرضى فكيف نبتسم”؟و” البكاء صديقنا الدائم…نحجز له مقعداً في قلوبنا وعيوننا وعواطفنا”…فهل سبب هذا الوجع هو اغترابنا في بلدنا؟ فتعثرنا في التراب ودفنت أحلامنا…
نحن شعب ملاحق، ملاحق من نفسه، وملاحق من بيته، وملاحق من مجتمعه وملاحق من ” دولته”!، فهل بعد كل هذا سنكون بوضع صحي مطمئن؟؟؟
الآلام  التي تحدثت عنها عديدة… عن الهوية القائمة المغتربة، عن ضياعنا، وعدم الاعتراف بنا كشعب، عن تجزئتنا الى خمسة تجمعات، ويكفي بعد كل هذا أننا لا نستطيع التعمق بتفكيرنا، فقد يعجز تفكيرنا في الخروج من القوقعة المربعة التي نحيا بها…
قرأتك من خلال يومياتك، ووجدتُ نفسي حائرة، تائهة، حزينة، بين تلك الكلمات اللاسعة، فهل كل من يحيا داخل هذه البلد يعيش ذات اليوميات بصور مختلفة؟
واستمر بعزائي باستماع صرخات الأمواج وأغادره بصمت عويل…
ن
وقالت لمى الخيري:
*يحثنا الكاتب في يومياته على حمل القلم والكتابة والتعبير عمّا يجول بخاطرنا وتسجيل أحداثنا اليومية لتقديم نموذج جديد للكتاب.
* يطرح الأديب في يومياته مواضيع عديدة يعيش أحداثها، ويتطرق إلى مئات المواضيع التربوية التي تستحق الوقوف عندها والبحث عن حلول لها، فتلمس حزنه .. ألمه … غضبه .. وفرحه لكل موضوع تطرق له.
* القدس حاضرة في يومياته كيف لا وهي تسكن قلبه وهو لها عاشق؟ .. يسرد لنا يومياته في القدس .. يصف بيته في جبل المكبر وطريقه للعمل والمدرسة ومعاناته على الحواجز العسكرية المنصوبة حول مدينته الحبيبة.
* يوميات أديبنا من تجربته الخاصة تداخل بها الخاص والعام، فالشخصيات كانت من عائلته وأصدقائه وزملاء العمل والدراسة، مما أضفى رونقا خاصا يطيب للقارئ الخوض فيها.
* لغة الكاتب لغة أدبية جميلة تجذب القارئ بعيدة عن التعقيد، تحمل النصح والارشاد والسخرية في بعض المواقف وجميعها بطريقة محببة للقارئ.
* اقحوانة الروح استحوذت على اهتمامي بشكل ملحوظ، كنت بشوق لقرائتها، وأثناء القراءة كان شوقي أكبر لمعرفة بقية اليوميات، وتمنيت لو أنها لم تنته.
وكتب محمد عليان:
اليوميات الغاضبة-قراءة انطباعية في يوميات مقدسية
عندما قرر الكاتب ابراهيم جوهر كتابة “يومياته ” اليومية ونشرها في المواقع الاكترونية وخاصة موقع التواصل الاجتماعي، أبديت في حديث خاص معه، مخاوفي وقلقي من أن لا يستطيع مواصلة كتابة “يومياته” بوتيرة يومية، وأنه قد يتوقف فجأة بسبب ما تحتاجه كتابة ” اليوميات ” من جهد ووقت وموضوعات، وقضايا واشكاليات ورسائل اجتماعية وثقافية وسياسية .. لم يصغ الكاتب لنصيحتي التي شاركني بها عدد من الأصدقاء، وحسنا فعل ، فقد واصل الكتابة يوميا، واثبت لي ولغيري من الاصدقاء، بعد أشهر طويلة لم تغب فيها ” يومياته ” عن الصدور ولو يوما واحدا، أن الواقع مشبع بالأحداث والقضايا والمستجدات اليومية التي تستدعي منا الموقف والرأي .
نحن اخطأنا، وأصاب هو، واستمر رغم تحذيراتنا وقلقنا حتى أصبحت ” يومياته ” طقسا من طقوسنا اليومية، لا ينام هو إلا بعد كتابتها ونشرها، ولا يغمض لنا -نحن القراء- جفن إلا بعد قرائتها وربما التعليق عليها ..
عشرات اليوميات أتحفنا بها الكاتب ابراهيم جوهر في كل مساء وقبيل منتصف الليل، زاخرة بالفكر الناضج والأدب الرفيع والثقافة العميقة، واللغة الجميلة والرأي السديد والموقف الثابت والنقد البناء والعتاب الخجول .
أعترف أنّني قرأت هذه اليوميات، يومية يومية ، واذا غلبني النوم ولم استطع انتظار صدورها ، فانني استيقظ مع كورس الدوري واقرؤها قبل قهوة الصباح، وقبيل الاستماع لفيروز، لأبدأ يومي بها وبوحيها، وفي بعض الأحيان كنت أعيد قراءتها أكثر من مرّة مستمتعا بلغتها الجميلة ومستوى شاعريتها الحالمة، وعمق تحليلها لقضايانا اليومية . لقد تناولت هذه اليوميات التي كتبت بأسلوب شيق وغير مسبوق، قضايا وهموم مقدسية ووطنية كثيرة ومتنوعة، مثل التعليم والاستيطان والتغييب الثقافي الملحوظ من قبل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، والمشاكل اليومية للمقدسيين والظواهر الاجتماعية السلبية التي تشوه ثقافتنا واخلاقياتنا .ولم يكتف الكاتب بذكر هذه القضايا بل حدّد موقفا حازما منها مدينا ومستنكرا السلبيات، ومؤكدا على ضرورة التمسك وتطوير الايجابية منها. وكانت انتقاداته غاضبة وصرخاته مدوية وملاحظاته سهام حادة اخترقت قلب الهدف بدقة بالغة ..
قرأ الشرفاء يومياته وعلقوا عليها، وعاشوا حالتها وصرخوا مع صرخاتها، وفجروا قنابلهم في حقل ألغامها، وحزنوا لحزنها وفرحوا لفرحها وبكوا لبكائها، وانتظروها باعتبارها طقس من طقوسهم، وفعل ثقافي يعبر عن ثقافتهم ووسيلة للتعبير عن غضبهم وسخطهم، وحافزا لهم للقول والكتابة والفعل بعد أن شحنتهم بالعزم والاصرار، وشرف المحاولة للتغيير في وقت انعدمت فيه المحاولات وتملك اليأس من نفوس الشرفاء، وبات فيه التغيير حلما بعيد المنال .
لقد أعادت يوميات ابراهيم جوهر لنا الحلم بعد أن غاب عنا طويلا، حلما فقدناه وفقدنا معه القدرة على التنبؤ والابداع، الحلم بالوطن الجميل، بالليلك والاقحوان وطيور الدوري والمستقبل الواعد والضوء الساطع في نهاية النفق .
لم تكن يوميات جوهر شخصية تماما، ولم يقلق الكاتب كثيرا لهمومه ومشاغله الشخصية، بل تميزت بمشاكل وهموم وطنية عامة مما منحها طابع الصدق والشفافية والعمق، وخلافا لغيره من كتاب اليوميات أو المذكرات ابتعد الكاتب بقدر الامكان عن الاحداث والمناسبات الشخصية والعائلية، ولم يثقل علينا بسرد لوقائع شخصية قد لا تعنينا بشيء .
وكانت اليوميات زاخرة بالقيم التربوية والاخلاقية والتعليمية، وأفردت مساحة واسعة من سطورها للطلاب الواعدين والمعلمين المبدعين، وتناولت بشكل انتقادي تربوي الكثير من القضايا التعليمية والمظاهرالسلبية المتفشية في المؤسسات التعليمية .
ولعل من ميزات هذه اليوميات هي تشجيع القراء على الكتابة والتعليق، وابداء الرأي في القضايا المطروحة مساء كل يوم، فظهرت أسماء جديدة علقت أو شاركت بأسلوب أدبي شيق وبلغة جميلة وفكر واضح، وذوق رفيع وأخلاق عالية واحترام للرأي الآخر، ما بلور ورسخ عادة القراءة والكتابة لدى الأصدقاء من مختلف الأعمار وعلى اختلاف مستوياتهم الثقافية والعلمية، وتحديد الموقف الثابت، ويلحظ المتتبع للتعليقات على اليوميات أنّها تثير دائما الجدل والنقاش حول القضايا المطروحة، الأمر الذي يغني ويثري هذه اليوميات، واللافت أن الكاتب درج على نشر التعليقات الأبرز بشكل منفرد اعترافا منه باهميتها وقيمتها الثقافية .
يوميات ابراهيم جوهر يوميات غاضبة متمردة، لا تنافق ولا تتملق ولا تهادن ولا ترجو العطف والمساعدة من أحد. تقول الحق ولا تأبه لأحد، تمدح وتثني على الصواب وتنتقد وتستنكر الخطأ والتقصير والاهمال دون قدح أو ذم أو تشهير .
يوميات مقدسية أيقظتنا من غفوتنا، وأفرحتنا بعد أن استقر الحزن في قلوبنا، وأعادت للاقحوان أريجه، وللدوري تغريدة وللوحة الباهتة توهجها، وأضاءت في ظلمتنا الدامسة ألف ألف شمعة، واذا لم نر الطريق بعد كل هذه الشموع فيا لتعاستنا .. يا لتعاستنا .
وكتب نبيل الجولاني:
ابراهيم جوهر الذي يبني كتاباته على قواعد وأسس متينة تبدأ من الجذور ولا  تنتهي عند ذوائب الاشجار، يشحذ ذاكرته ويستفز ذاكرتنا، يعجن أفكاره بمهارة، يشرح تارة ويضيء  تارة أخرى، يؤسس وينمّي الذهن والخيال، يطرح أسئلته المشروعة التي تحمل نصف الجواب والجدلية والدهشة التي تتناول الجانب الثقافي والفكري والعاطفي والنفسي الانساني.
ابراهيم جوهر الكاتب الذي يفتح خزائن القلب، ويشعل فتيل الروح يبحث عن الوطن
الحقيقي الوطن الكبير. ابراهيم جوهر المتميز الملتزم بقضايا الحرية والاستقلال والانسان.
ابراهيم جوهر الكاتب الذي يدخل في تفاصيل حياتنا كما أدخلنا في تفاصيل أحلامه يدعونا لنحلم معا، ونعمل معا، ونستعيد ذاكرتنا معا ونستعيد ما فقدناه معا.
انه المثالي/الحذر/الذي يضع الأشياء في مكانها حتى تضعه في مكانه.
ابراهيم جوهر الذي يعتبر أحد مؤسسي الحركة الأدبية والنقدية والعاملين على
تطويرها مع زملائه الكتاب في الاراضي المحتلة، وهو القاص والباحث والناقد والأديب.
انه الكاتب الذي يبحث عن الهوية الفكرية قومية كانت أو وطنية. المعرفة الفكر الكتابة
الثقافة هي بطاقة التعريف لديه أسوة بزملائه معشر الكتاب الذين يحملون مفاتيح الكلام.
ابراهيم جوهر القلق دائما في بحثه عن ديناميكية في الخطاب الثقافي بكافة أشكاله
عبر أدوات ووسائل ومساعي علها تؤدي الى صورة أكثر وضوحا، وأعمق منهجا في
اكتمال الكلام.
انه الكاتب المدجج بالمحبة والتفاؤل والأمل والمعبأ كما البارود، والمقاتل على الجبهة
الثقافية جاعلا دماء أعصابه مدادا لعناوين دفاتره، التي يخط عليها ما تبقى له ولنا من
ابداع وخيال وأحلام.
وشارك في النقاش محمود شقير، ديمة السمان وراتب حمد.

يوميات مقدسية  لابراهيم جوهر في اليوم السابعالقدس: 28-11-2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الأسبوعية الثقافية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني  في القدس يوميات مقدسية-يوميات القدس والانسان- وهو الاصدار الجديد للأديب ابراهيم جوهر، صدر مؤخرا عن وزارة الثقافة الفلسطينية في مقرها المؤقت في مدينة البيرة، ويقع الكتاب الذي قدّم له الأديب الكبير محمود شقير، وصمّمه خالد عبد الهادي في 240 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:فور صدور الكتاب، كتب مؤلفه الأديب جوهر أن اختار لكتابه اسم”اقحوانة الروح-يوميّات مقدسية-” لكن يبدو أن الناشر قد اجتهد وغيّر عنوان الكتاب كما يروق له، دون الرجوع الى صاحب الكتاب، وهذا أمر يدعو الى التساؤل، ولو ترك الناشر عنوان الكتاب كما اختاره صاحبه لأراح واستراح، وعلى رأي أحد فلاسفة الاغريق القدامي “صانع الحذاء يعرف خباياه أكثر من منتعله”.وهذه الكتاب يذكرنا بيوميات أديبنا الكبير محمود شقير التي صدرت قبل حوالي عامين تحت عنوان”مديح لمرايا البلاد” حيث كان ذلك الكتاب فاتحة خير لأكثر من كاتب لتدوين يوميّاتهم، خصوصا وأن الأديب شقير قد حثّ على ذلك. مع أن أديبنا ابراهيم جوهر المولود في جبل المكبر في العام 1957ليس بحاجة الى تحريضه على الكتابة، فهو يخوض غمار الكتابة الابداعية منذ كان طالبا في المرحلة الثانوية، ونشرت له بعض الصحف المحلية في حينه، لكنه بحاجة الى الوقت ليفرغ نتاج مخزونه الثقافي على الورق، فسعيه خلف رغيف”الخبز المرّ” كما غيره من مبدعي الوطن الذبيح يستنزف وقته وجهده.  غير أنّ أديبنا ابراهيم جوهر الذي عرفناه قاصّا للكبار وللصّغار، وناقدا متميزا يثري بقراءاته الأدبية أمسيات ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، تلك الندوة التي شارك في تأسيسها ويواظب على حضورها مساء كلّ خميس منذ آذار-مارس- 1991، أعطانا نموذجا جديدا لكتابة اليوميّات الأدبية، بلغته الأدبيّة الجميلة اللافتة، وبمضامين موضوعاته اليومية والمتلاحقة منذ أكثر من عامين، وهو يثبت من جديد فيما كتبه مقولة أن”الكاتب ابن بيئته”، والأديب جوهر بالطبع ليس استثناء، ومع ذلك فيومياته ليست مذكرات شخصية، وليست حذلقة لغوية، ففي كل حلقة من حلقاتها يطرح موضوعا جديدا يعيشه، وتعيشه مدينته القدس الشريف، وما تمثله هذه المدينة له ولأبناء شعبه، كونها حاضنة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومعراج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، وكنيسة القيامة وهي من أقدس مقدسات الديانة المسيحية، اضافة الى عشرات المساجد والزوايا والتكايا والكنائس والأديرة والمدارس التاريخية والمقابر وغيرها، وهي أيضا العاصمة السياسية والحضارية والدينية والتاريخية للشعب الفلسطيني ولدولته العتيدة، والمحنة القاسية التي تمرّ بها هذه المدينة تؤرّق كاتبنا وتقضّ مضجعه، وبالتالي فإن يومياته تصلح بأن تكون في جزء كبير منها يوميات مدينة ليست كغيرها من المدائن. وأديبنا في يومياته هذه يخطّ لنا أسلوب الأدب السياسي، فهو يعيش ومدينته واقعا سياسيا معقدا. والأديب جوهر المربّي المعروف في يومياته يتطرق الى مواضيع تعليمية وتربوية، يطرحها لافتا الانتباه اليها، وموجها وناصحا فيما بين سطورها….تماما مثلما التفت الى جماليات الطبيعة حيث يعيش، فكانت كتاباته عن الحمامة البرّية التي تعشّش على نافذة غرفة نومه، وعن دالية العنب وبعض الورود المزروعة في فناء منزله، وكأنّي به يؤكد من جديد مقولة الراحل الكبير محمود درويش”على هذه الأرض ما يستحق الحياة”. والأديب جوهر لا ينسى أيضا البيئة المحلية في مكان سكنه-جبل المكبّر- فيكتب عن منغصّات الحياة مثل المفرقعات في الأعراس وغيرها من المناسبات، وما تسببه من ازعاج لأناس من مختلف الأعمار، كما يكتب عن ظواهر أخرى مثل موضوعه الطريف “في حيّنا بقرة” والذي أقرن خوارها بفقدانها لوطنها ومسقط رأسها. وقارئ هذه اليوميات سيجد أن كاتبنا قد طرح مئات المواضيع التي تستحق التوقف عندها ومتابعتها، وضرورة البحث عن حلول لها.يبقى أن نقول بأن هذه اليوميات تشكل بحق اثراء للمكتبة الفلسطينية بشكل خاص، وللمكتبة العربية بشكل عام، وأن هذه العجالة لا تغني عن قراءتها والاستفادة منها.
وقالت نزهة أبو غوش:أودع الكاتب ابراهيم جوهر كلماته من واقع يعيشه، وذكريات قد  خزّنها في قلبه ودماغه  لتخرج طليقة في كتاب بعنوان ” يوميّات مقدسيّة” هي يوميّات القدس والانسان. بدا فيه التّعبير  بسيطًا سلسًا تلقائيًّا كُتب بلغة أدبيّة مصقولة بقلمٍ حسّاس حمل، هموم شعبٍ وهموم مدينة القدس الّتي كاد أن يجفّ  فيها  كلّ شيء حتّى الأمطار. تلك  الامطار الّتي اشتاقها الكاتب؛ لتفرّج عن نفسيّته المتعبة. قال في ص12″  صباح الجمعة مطر خفيف همى فبلّل الطّرقاتِ والمصاطبِ ورؤوسَ الأشجار..مطر بلّل قلبي ” آمن الكاتب ابراهيم جوهر بقدرة القلم وجبروته على صنع المعجزات ” بالقلم أبني عالمي على هوائي” ص7. أحبّ الأدب والكلمة الصّادقة النّابعة من القلب” القصائدُ تبني وطنًا” ص 88.من خلال قراءَتنا ليوميّات الكاتب نلحظ بأنّه انسان أثقلته هموم الأرض والوطن والأُسرة والمجتمع.  حاول أن يتواصل مع المجتمع  من خلال الفيسبوك، لكنّه بالحقيقة كان أوّلا يتواصل بصدق مع ذاته. يحاورها، ويسايرها، يلومها ويعاتبها ثمّ يفلسفها بطريقته الخّاصّة  ” الدّفء لا يأتي من وسائل التّدفئة، الدّفء له لغته الخاصّة” ص33.ظاهرتا الاستطراد والتّداعي تبدوان واضحتان في اليوميّات فهي نصوص ليس بالضّرورة أن تكون الأفكار فها متواصلة مرتبطة مثل نصوص أُخرى، المقالة أو القصّةأو…في يوميّات ابراهيم جوهر نلحظ الكثير من التّداعي والاستطراد في اللغة والأفكار،فهو في أوّل النّص مثلا يتحدّث عن المشفى والمرض، ثمّ عن قصص الأطفال، ثمّ  الألوان ورموزها، ثمّ اللغة، الكبّة اللبنانيّة والهمبرغر ثمّ عن الموت والمقابر..الخ. نلحظ في اليوميّات أُسلوب الكتابة السّاخر، الّذي يرمي إِلى النّقد اللاذع. هذا النّوع من الأُسلوب الّذي تحتاجه مكتباتنا العربيّة. ” ليتني استطيع  بناءَ قنٍ من رمل أو من (تِكتيك)…”هل  سيُحلُّ إِشكال المصالحة بمجدّرةٍ تجمع أرزَ رام الله مع عدس غزّة؟”ص213تكاثّفت اليوميّاتُ بروح القدسِ ونفَسِها وعبيرِها، إِذ يكاد القارىء عن بعدٍ أن يشتمّ رائحة القدس، يشعر بألمها وحصارها، وتقليصها، وتهويدها، وتهميشها وفصلها بجدار عنصريّ عن المدن الفلسطينيّة، وبناء الحواجز وغلق البّوّابات.  رغم هذا وذاك كان للكاتب نظرة تأمّلية في الطّبيعة تدعو إِلى التّفاؤل والأمل ” الأشعّة أبت الاحتجابَ القسريَّ هذا فتسلّلت بخفّة وجمال إِلى حيث مكمن ضعف الغيمة. اصطبغت الفجوة( الغيمة) بلون الذّهب. الشّمس انتصرت. زُرقة، وسوادُ وذهب. لوحة طبيعيّة آسرة.”ص89.
أمّا النّظرة التّشاؤميّة فقد بدت واضحة أيضًا في اليوميّات”  الليل سواد، وسبات، وخوف، وجنازة لنهار تقضّى ومات”
زجر الكاتب العنفَ بقوّة. كره وطن الرّمل. كره اللغة العربيّة المكسّرة المندغمة بلغاتٍ أُخرى. آمن الكاتب ابراهيم جوهر بقدرة القلم وجبروته على صنع المعجزات ” بالقلم أبني عالمي على هوائي” ص7.في اليوميّات كثُرت الأسماء التي عرفها الكاتب: شعراء أُدباء، أصدقاء الفيس بوك الأقرباء، العائلة.. وغيرهم.
وقال رفعت زيتون:
في القدس من في القدس إلا أنت… قالها تميم.للقدس من للقدس إلّا أنت … بكل ثقة أقولها لإبراهيم جوهر ومن سار على دربه إلى يوم فرحتها. هذه حقيقة لا ينكرها إلّا جاحد ولا ينساها إلّا من فقد بصيرته، وحتما لا كمال لمخلوق. وبالتالي فهي حقيقة تسقط عن المادحين تهمة المجاملة التي نحاسب الآخرين عليها إن كانت في غير موضعها. وهي هنا من باب ردّ الجميل إلى أهل الجمال والانتصار لكل لحظة يقدمونها لمدينتنا.ما أن تطرقَ غلاف الكتاب حتى تُفتحَ لك بواباتُهُ العالية لتتراءى لك عروسُ المدائن، حبُّه وعشقُه، وهمُّه، وحرفُه الذي ما فتئ يذود به عنها ويرسم به جمالها، ويكتبُ به همّها.إبراهيم جوهر في هذه التجربةِ الحيّة، والذي كما يقول هو عنها بافتخار المحبين وتواضعِ العارفين، أنّه حذا حذوَ كاتبنا الكبير والمعلم محمود شقير. ولم يوقف هذا النهر من الإبداع عند نفسه ولم يكنْ به ضنينا، فها هو ينشر فكرة  اليوميات على طلابه أينما حلّ، حاثّا إياهم على خوض التجربة لبناء صداقة من نوع آخرَ بين الطالب ودفتره إذا عزّ الصديق يومًا.وهذا هو اقتران الفعل بالعمل. ثم ينقلك إبراهيم جوهر بلغةٍ أنيقةٍ عبر طرقاتِ المدينة في يومياته، تارة يمسح دمع عينٍ هنا، وتارة يسلّط الضوْءَ على آفةٍ هناك. كان عبر يومياته ودودا في حبه كزهرة، ورقيقا في نقده كفراشة، ومؤلما في فضح الزّيف كضربة السهم. وهنا تخطر على البال بعضُ الأسئلة، وربما احتاجت بعضَ الجرأة في الإجابة:هل يسير كاتب اليوميات دوما على جسر الحياد، ويكون ناقلا للصورة التي تبدو أمامه بذات العين؟ بمعنى هل يستطيع الكاتب أن يتجرّدَ من ذاته، وهذا حتما ليس سهلا، هل يكون في وده ونقده ورصده للأمور ذاتَ القلم، أم يكونُ لهوى النفس رأيٌ آخرُ في بعض المواقف؟وسؤال آخرُ وأخيرٌ، بعد كلّ ما قرأنا في الكتاب، هل كتب إبراهيم جوهر أمرا شعر بعده بالندمِ على كتابته؟ أو أمرا تمنى لو أتى على ذكره ولم يذكره؟وددت لو قلتُ أكثر، فهناك الكثير، ولكنّ أديبَنا الكبير محمود شقير في تقدمته للكتاب لم يترك شاردة ولا واردة إلّا وأتى عليها بالتحليل والتعليق.

وقال موسى أبو دويح:تناولت اليوميّات الأيّام من (23) شباط (2012) إلى الثّلاثين من نيسان (2012). لم يتخلَّف عن الكتابة في هذه المدّة يومًا. أي جاءت ثماني وستين يوميّة في ثمانية وستين يومًا.طوّف إبراهيم في يوميّاته متنقّلا من بيته في جبل المكبر إلى المدرسة الّتي يعمل فيها في بيت صفافا، وإلى ثغرة الشّيخ سعد قرب جبل المكبر وحاجزها، وإلى القدس ومقر ندوة اليوم السابع مرورًا بشارع صلاح الدّين، وإلى رام الله مارًّا بقلنديا وحاجزها.كتب إبراهيم يوميّاته بلغة عربيّة أصيلة فصيحة، آسِرة راقصة جميلة، لاذعة ناقدة واخزة، تفوح منها رائحة الحزن والألم والوجع؛ ممّا آلت إليه حال اللغة العربيّة في هذه الأيّام؛ في المدارس والكلّيّات وحتّى الجامعات، وفي الإذاعات والفضائيّات وفي الكتب والجرائد والمجلّات.إبراهيم جوهر في يومياته ناقد واخز لاذع يرى الشّيء الّذي يراه عامّة الناس عاديًّا، يراه بعين النّاقد البصير، الّذي يسرح عاليًا في الخيال، ويسطِّر لنا بقلمه ما ستؤول إليه الحال. يرى إبراهيم في طريق عودته إلى بيته كومة من التّراب أمام (بيت الرحمة للمسنّين) فيكتب لنا بقلمه صفحة 108 في طريق عودتي شاهدت كومة من التّراب الزّراعيّ قرب (بيت الرّحمة للمسنّين). البيت قيدَ التّرميم والتّحسين. ستزرع الورود في حديقة بيت المسنّين.الورود (ستعوّض) المسنّين عن أبنائهم وبناتهم! وعن ذكرياتهم الّتي بنَوْها بدموع قلوبهم، وقوّة شبابهم.بيوت المسنّين ستشهد طلبًا كثيرًا في قادم الأيّام…”ما أضيقَ العيشَ”.ويقارن إبراهيم بين المفاوض الفلسطينيّ والمفاوض الآخر فيقول في صفحة (105) و”106″ “المفاوض الآخر يدري ما يريد. نحن لا نريد ما ندري…المفاوض الآخر قال ذات محاضرة جامعيّة حضرها أحد زملائي: “أدري أنّ المدفون في مكان ما في الخليل حمار. ولكن إذا كان سيساعدني في الاستيطان فسأجعله نبيًّا”!عقليّة المفاوض (الآخر) ورؤيته. ماذا عن (مفاوضنا)؟ يوجد عندنا أرض للأنبياء لا نقدّرها.يوجد عندنا ما يفيدنا، ولكنّنا لا نعرفه.” وهذه الاقتباسات أو التّضمينات من الكتاب ترغّب فيه، لكنّها لا تغني أبدًا عن قراءته.جوهر أستاذ في اللغة، قلّ نظراؤه في هذه الأيّام، ومع ذلك لم يخل الكتاب من هنّات أكثرها مطبعيّ، وعلى الأخصّ في علامات التّرقيم والتّشكيل؛ حيث قام الطّابع بتشكيل بعض الكلمات خطأ. ولقد أعلمني إبراهيم أنّه لم يشكّل الكتاب؛ لأنّه لا يعرف استعمال ذلك على الحاسوب. فتبرّع الطّابع بالتّشكيل، وليته لم يفعل.وأمّا الأخطاء فمنها: صفحة (14): (وأنت معلّم تاريخ يدر). فهل يريد (معلم تاريخ يدري) أو (معلم تاريخ بدر) لأنّ الحديث كان عن جبل أحد.صفحة (26): (:تمنّيت أن ينزل المطر) حيث جاءت النّقطتان الرّأسيّتان في أوّل السّطر، وجاءت كلمة قال في آخر السّطر السّابق، والصّحيح أن تكون النّقطتان بعد كلمة قال مقترنة بها لا كما جاء في الطّباعة. ومثل ذلك جاءت علامات التّنصيص والسّؤال والتّعجّب كما في صفحة (52) وفي صفحة (90) وصفحة (120) وصفحة (126) وصفحة (127) وصفحة (128) وصفحة (138) وصفحة (149) وصفحة “156”

وقالت رائدة ابو صوي:يوميات تستحق الوقوف أمامها لما تضمنته من مواضيع قيمة، واحتراما للجهد الذي بذله الاستاذ جوهر في جمع هذه الأحداث، ووضعها بين أيدي القراء على طبق من ذهب. استمتعت جداً وانا أقرأ هذه اليوميات الشيقة، عشت مع أحداث اليوميات يوما بيوم، ومما أسعدني جدا ذكر أديبنا الرائع لأشخاص عشقتهم جداً من المقدسيين وغير المقدسيين، أشخاص تركوا بصمة في قلوبنا أمثال الاعلامي الراحل رحمه الله الاستاذ رضوان ابوعياش…صاحب مبدأ (تعميم مبدأ الصراحة.) في هذه اليوميات الكثير من الدروس والعبر والافكار التي تستحق أن تتبناها المدارس في أسلوب التعليم لديها. الأديب جوهر له أسلوب مشوق في جعل الطلاب يعشقون اللغة العربية والأدب، أسلوب سلس جميل، الصور في هذه الرواية وخصوصاً المطر والثلج وجبل أبوغنيم كلها سرحت بي في عالم من السحر والجمال والحزن أحيانا على ما ضاع من أرض، في هذه اليوميات حكم منها قوله في ص (14)للمكان ذاكرة وللكلمات ذاكرة وللانسان ذاكرة، وقوله أيضا الكتابة نوع من العلاج، العلاج بالكتابة فكم منا يحتاج الى علاج…ذكر الاديب والكاتب الرائع جميل السلحوت في ص (25)وتشجيع الاديب جميل على زيادة الاهتمام بالفلكلور والتراث لما في ذلك من قيمة ثقافية، .جميع ما جاء في اليوميات من احداث ومواقف أعجبتني وأثارت شهيتي لللقراءة، في يومياته أثبت أن القدس خالدة مادام لدينا الانسان المثقف والمؤرخ للتاريخ والانسان.
وقال عيسى القواسمي:شكل اﻷديب ابراهيم جوهر في يومياته المقدسية ذاكرة المدينة التي ﻻ تنسى وﻻ تشيخ أيضا، فكانت هي ذاتها تعيد في ذاكرتنا صياغة الجوهر الحقيقي في أن تكون مقدسيا معرضا لضياع الذاكرة بعد الحرمان من اﻷرض .هي يومياتنا نحن قبل أن تكون يوميات الكاتب والمدينة والتاريخ، ﻷن همّه كان الهمّ العام، وفيه قد أصاب ما كان غائبا عنا لفترة من الزمن خارج المألوف والعادي، حين وثق بأدب وليس بخبر اللغة والمعنى، والمراد له أن يقال مصحوبا بالمشاعر الدفينة للانسان المقدسي المحبط والمتفائل معا .فتارة كان يخترق بقلمه كل الخطوط الحمراء ليهاجم تلك العفونة اليومية في محيط حياتنا هنا وهناك، دون أيّ مجاملة أو لف ودوران .وتارة كان يعرج بإنسانيته على منطق الطير ليخاطب حمامة أو ريحا شاردة أو غيمة عقيمة مرت بالمكان دون ذاك المطر المنتظر .وليس من الصدفة أن تتوالد فينا اﻷفكار بعد كل هذا اﻹنزياح خلالل التمعن بيومية ما، ﻷن إنتظارها كان يعطي فرصة للخيال والتساؤل في أيّ شأن يومية ابراهيم جوهر سوف تقال .فكنت في كل مرّة أكتشف ابراهيم اﻹنسان الملتصق بدفء البيت والعائلة، وتارة انظر بعين القلق على ذاك المريض بالعين الذي يلاحق وهن البصر، ويصرّ على أن يغافله ليكتب أو يتصفح أو حتى لمجرد المناكفة، لكي يزيل قلقه بعد ترهل العين والجسد معا .ثم انتقل فجأة الى خضم أمور سياسية إجتماعية ثقافية ﻻ تخطر على بال أحد، لتكون هي في اليومية العنوان .فكان يستحضرها بفكره الحاضر المشاكس لتكون هي ذاتها فاكهة اليوم والسؤال .وتمر اﻷيام انكتشف جوانب اخرى من أديب يعشق انسياب اللغة فوق كل لسان . أديب وراسم لحاضر بين أجيال لم تعتد سوى القيل والقال .فنجده يحلل السراب ليجعل من إستحالة هذه المهمة المستحيلة حقيقة تدرّس للفتيات والفتيان لعل يتبدل حالهم من حال الى حال .أخيرا :لحضور اﻹقحوان في ذاكرة الكاتب رموز لم تخف على من كان ينقب جيدا في تلك اليوميات . الذاكرة كانت حاضرة بشدة حين كان يستلهم من ماضيه النشط الجرأة على طرح اﻷمور غير العادية أمام وجه من كان يحاول غربلة القضية .والرؤيا كانت لب فلسفته حين أقحم نفسه في حوار دائم مع مصداقية المرحلة، وجدوى أن نكون هنا كما ينبغي للفلسطيني أن يكون فكرا ولغة وحاضرا .لقد أخذ علما وأعطى حبا هذا القلب المعطاء ذو الجسد النحيل والشعر اﻷبيض المجعد.
وقالت سارة عبد النبي:تجتاحنا الكلمات تفسرنا وتمضي دونما صوت… حين نعتكفُ الظلمةَ التي في جوارحنا نساومُ العبَراتِ لألأتٍها علّها تمدنا بشيء من رفاة الضياء، نحاول أن صيغَ تعريفًا لهواننا أو لانكماش الهواء على ضفاف النفس… لكننا لا نجد إلا الضياعَ دليلًا لنا في النهاية…حين تغدو الذكريات والأيام مرآةً لأرواحنا.. لابتساماتنا لآلامنا… ونحملُ همّ الجميع والوطن… هو ابراهيم جوهر الذي لا يزال يحمل همّ اللغة والوطن والمجتمع هو أستاذي الفاضل الذي نقل لنا بلغته السلسة السهلة الممتنعة… وبعد ما قلته من كلامٍ يتعلق بالنقد الضمني أو الروحي كما أسميه أنا… سأبدأ بمحاولاتٍ نقدية من نوع آخر… يتخلل يوميات الأستاذ الكبير ابراهيم جوهر نوعٌ من السرد المصحوب بالمونولوج أو حوار الذات، بشكل مختلف عن المفهوم العام لمعنى المونولوج، فما أقصده هنا هو أنه طرح منظوره ورؤيته الشخصية والخاصة في كل قصة أو حدث مرّ به وعاشه أو عايشه… ومما تميزت به يوميات كاتبنا كان تنوعها من خلال التطرق لمواضيع مختلفة ثقافية لغوية اجتماعية وحتى تراثية وفولكلورية تاريخية. وقد جمع الكاتب في يومياته علاقة الأرض بالإنسان ، علاقة الشعب بماضيه وتعلقه الأبدي بالقضية. لاحظت أسلوب الطرح والسرد وذكر المكان والزمان وشرح لبعض الأمكنة والأشخاص مما أضفى نوعًا من التثقيف الترفيهي أو المشوق .ومما كان جليًّا في أسلوبه كان اعتماده على النقد الساخر من خلال أسلوبه، وهي ليست سخرية عبثية، وإنما هي سخرية تنبع من ألمٍ وحسرة سواء على اللغة أو الوطن أو الثقافة أو الجيل الشاب الذي لا يزال يرى فيه أملًا منقوصَ الأمل أو فرجة يتمنى لو تكتمل.. أما بالنسبة لمواضع الضعف في هذا العمل كان التشاؤم الغالب على معظم الأفكار أو ردات الفعل تجاه بعض المواقف التي حسب رأيي لا تستدعي كل هذا التعمق التراجيدي المتشائم، وخصوصًا فيما يتعلق بالجيل الجديد وثقافة الهمبرغر والكادبوري كما أسماها الأستاذ.

وقالت رفيقة عثمان:وثَّق الكاتب يومياته؛ لتكون مصدرًا للأحداث اليوميَّة الواقعيّة، التي تمر في مدينة القدس يوميَّا. كما ورد صفحة: 20، “الواقع احيانا يكون أكثر لؤما من أقسى الكوابيس والتوقعات”.يشتمل بعض النصوص على الأسلوب التقريري، بعيدا عن المغزى الأدبي، فقط لهدف عرض الأحداث فحسب، وادراجها في اليوميات، وبعضها يحمل هموم ومعالم القدس. لا شك بأن لغة الكاتب تتسم بالجمالية، والبلاغة، والقوة، والرصانة، بما تتناسب مع الأحداث.هنالك اقتباسات كثيرة ذكرت عن الشعراء، وآخرين مع ذكر أسمائهم مما يوثق هؤلاء الجنود المجهولين في تطوير الصرح الثقافي في القدس.”صفحة 88″ظهرت في الكتاب، آراء نقدية سياسية، واجتماعية، وثقافية، أخلاقية، سواء بطريقة مباشرة أحيانًا، وأحيانًا أخرى بطريقة غير مباشرة. “صفحة 124.” تحدث الكاتب عن الأسرى، وافتخر بمدرسته، وطلابه، مما يعكس انتماءَّه الأصيل للمكان، ومحبته للعلم، ورسالة المعلم. ندوة اليوم السابع كانت الحاضرة الأولى، وتاج القدس الذهبي، في معظم اليوميات، مما أضاف قيمة أخرى على مكانة الندوة، وأعضائها. وحثت على الاستمرارية الدائمة لتواصل الندوة، وتطورها. تتسم كتابة النصوص بالانسيابية، والتلقائية، تكاد تخلو معظمها من الخيال، غير متكلف، تبدو النصوص التي كتبها الكاتب بأنها لم ترهقه كما لو كتب رواية، أو قصة ما.طغت على النصوص النظرة التشاؤميَّة، والحزن، والتذمر، وأحيانًا اليأس؛ الذي يتسرب لمشاعر القارئ بسهولة، ووخز الضمائر الحيَّة، ويحثها على التفكير، ومحاسبة الضمير. إلا أنني عثرت على قطرات من الأمل كما ورد ( صفحة 21) لولا الأمل والرجاء، لكانت الحياة علقمًا مصفّى”. تلك المواقف التي تعكس حياة معظم الافراد القاطنين تلك المدينة الساكنة.ِ  تميَّز كتاب اليوميات لهذه النصوص، بذكر المراجع والكتب التي قرأها الكاتب بهدف نقدها لندوة اليوم السابع، ومن أجل الثقافة العامة، مما تضيف على مواصفات كاتبنا المولع بحب القراء بشغف، والمثقف البارز. كما ورد “صفحة 19″
الزمان: من أوّل شباط الى آخر نيسان ولم يذكر السنة، أعضاء الندوة يعرفون.المكان: القدس الحاضرة الأولى، وأماكن أخرى تحيط بيئة الكاتب.ننتظر المزيد من اليوميات المقدسيَّة، وبالتوفيق للكاتب. المقدسي، آمل أن يكتب لنا الكاتب يوميات مقدسيَّة مضيئة، ومشرقة مسقبلا، تقرع اجراس الامل في ارجائها، وقلوب اهلها، ومحبيها.
وقالت رشا السرميطي:رسالة لرجل أنا فخورة به
أكتب إليك من حبر مداده عبير الورود، أزهاره بألوان الشِّتاء تبلَّلت، ودفء الرَّبيع قد كسى أوراق رسالتي، بعيدًا عن صيف قد يعقبه الخريف الذي يجعلنا نشتاق لهطول الكلمات، وغيث نبضات القلب التي بها نحيا، تحية عنوانها الاحترام، نصها لن أكتبه.. والخاتمة: الصَّمت أجمل الكلام. يوميَّات القدس والإنسان – كتاب ضمَّ بين دفتيه من جمال المعاني وألق الحروف ما يصعب على قلم فنَّان في القراءة والكتابة أن يصيغ مرسوم كلمة وفيَّة تحقق ما أريد.ماذا أقول أمام انصاتي الجلل لتلك المعزوفات اليوميَّة التي انفرد بها الكاتب الصَّفاء، معلِّمي الانسان – ابراهيم جوهر- المخلوق الذي انقرض أمثاله، وبات من يشبهونه من النَّفائس المتبقيَّة قلة صامدة على أعتاب الحنين للقضيَّة التي أبحث عنها، وربما بحثت عنِّي وحتى الآن ما وجد كلانا شاطئه المفقود في بحور اللغة.لا زالت أصداء صور قلمه ترفرف في آذاني، هو الحرُّ من فلسطين الحُّلم، كم كان حظي كبيرًا يوم عرفته، مذ ذاك الوقت وأنا من خصب علمه ونقاء حنايا فكره أتعلم، أنهل وهو الكريم الذي يعطي بلا حدود. عتبي عليه بأنَّه ليس غزيرًا في اصداراته، والأدب العتب مرفوع لذوي أهله وخاصته، فكل الكتَّاب لديهم من وجع تلك الطريق ما لا تبقي منهم سوى الأقوياء، الأصحَّاء الذين وإن اختفوا عن الضوء، وطمست ملامح هويَّة ابداعاتهم لا بد للشمس أن تضيء على مذهبات ما تركوا لنا من الأثر الخالد في نبض أمانينا لغدٍ أشفى، وعلى رصيف التضحيات سيكون الطموح هناك منتظرًا لعائد يستلم الرَّاية ويتم المشوار الأبعد، تلك هي الصَّورة بلا تشويه.فرحي كان مكتملا يوم مسكت كتابًا لك يضمُّ همسات نبضك البيكسليَّة التي كنت تنقرها على كبسات لوحة المفاتيح بضغطات ذكية، مؤلمة ومليئة بالأمل، كانت تنشر لنا عبر مسارات لا سلكيَّة، لكنَّها اتصلت بكوابل مشاعرنا وأحاسيسنا ذاك الارتباط النصراني الذي لا انفكاك عنه، بات المحب والباغض يأتي متسللا لحانوت أفكارك، يقرأ ويشارك، يهرب ويفرُّ غاضبًا، يشتري ويبيع في أحلام الورق المنثور خاصتك على أسطر من فضاء. أن تكتب يعني أن تكون متصديًّا في حسام اللغة بقلم عار عليه إن لم يكتب إلا الحق، وقد كنت نعم القلم الذي رفع صوت الحق عاليًا وهزَّ أركان الحكايات بيننا بصوت مجلجل لا أحد يستطيع انكاره.
سأبقى على عهدك ما استطعتت، وسأحمل راية الولاء لفكر أعتزُّ به، وعمل تسر بتقديمه خواطري، ولسوف يكون للغة مجد آخر، ما عهدته قبلا من زماننا الذي يقال فيه الأسوأ ممَّا كان، وأنا التي جئت من هذا الوقت أقولها إليك، إنَّ غدًا سيكون أجمل.دمت لنا شمعة تذوب ولا تنطفئ، تضيء دروب الظلام لأجل جيل ترى فيه عيون قلبه حلم الحريَّة لهذه الأرض، وبراءة الكلمة لمعاني خصبة على أرض الورق من غلال محاصيل آدابها صارت في عصرنا وفيرة.وقالت نينا برهوم:بعد صنع يوم مليء بالعزاء الجسدي والعقلي، غادرت الى صمت يعالج البلاء الذي داهمني، قراءة الكتاب يوميات مقدسية للكاتب القدير ابراهيم جوهر، اكتشفت من خلال انعزالي مع الكتاب وموجات البحر العازفة، أن الأرق موضوع لا بد منه، نتيجة الألم الذي يعترينا، من الواقع المرير..وما مع غفلة الكثير من ممنوعي القراءة عن آلامهم. فأحيانا يجف الألم، فتخف القدرة الكتابية الغنية بفلسفة فكرية، فأشتاق حينذاك الى الألم حتى يُصبغ قلمي بواقع مر جميل…يوميات مقدسية هي تلك اليوميات العابسة بروتينها، يوميات لا مثيل لها في ديار أوروبية وديار عربية رغم  ثوراتها الاخيرة..فهل من كم لأحداث يومية مثل أحداث القدس؟أُلخصُ يوميات جوهر بكلمتين هما ألم وحزن. نعم نحن شعب كما قلتَ- تعشق أرواحنا الحزنو” نحن مرضى فكيف نبتسم”؟و” البكاء صديقنا الدائم…نحجز له مقعداً في قلوبنا وعيوننا وعواطفنا”…فهل سبب هذا الوجع هو اغترابنا في بلدنا؟ فتعثرنا في التراب ودفنت أحلامنا…نحن شعب ملاحق، ملاحق من نفسه، وملاحق من بيته، وملاحق من مجتمعه وملاحق من ” دولته”!، فهل بعد كل هذا سنكون بوضع صحي مطمئن؟؟؟الآلام  التي تحدثت عنها عديدة… عن الهوية القائمة المغتربة، عن ضياعنا، وعدم الاعتراف بنا كشعب، عن تجزئتنا الى خمسة تجمعات، ويكفي بعد كل هذا أننا لا نستطيع التعمق بتفكيرنا، فقد يعجز تفكيرنا في الخروج من القوقعة المربعة التي نحيا بها…قرأتك من خلال يومياتك، ووجدتُ نفسي حائرة، تائهة، حزينة، بين تلك الكلمات اللاسعة، فهل كل من يحيا داخل هذه البلد يعيش ذات اليوميات بصور مختلفة؟واستمر بعزائي باستماع صرخات الأمواج وأغادره بصمت عويل… نوقالت لمى الخيري:*يحثنا الكاتب في يومياته على حمل القلم والكتابة والتعبير عمّا يجول بخاطرنا وتسجيل أحداثنا اليومية لتقديم نموذج جديد للكتاب. * يطرح الأديب في يومياته مواضيع عديدة يعيش أحداثها، ويتطرق إلى مئات المواضيع التربوية التي تستحق الوقوف عندها والبحث عن حلول لها، فتلمس حزنه .. ألمه … غضبه .. وفرحه لكل موضوع تطرق له.* القدس حاضرة في يومياته كيف لا وهي تسكن قلبه وهو لها عاشق؟ .. يسرد لنا يومياته في القدس .. يصف بيته في جبل المكبر وطريقه للعمل والمدرسة ومعاناته على الحواجز العسكرية المنصوبة حول مدينته الحبيبة. * يوميات أديبنا من تجربته الخاصة تداخل بها الخاص والعام، فالشخصيات كانت من عائلته وأصدقائه وزملاء العمل والدراسة، مما أضفى رونقا خاصا يطيب للقارئ الخوض فيها. * لغة الكاتب لغة أدبية جميلة تجذب القارئ بعيدة عن التعقيد، تحمل النصح والارشاد والسخرية في بعض المواقف وجميعها بطريقة محببة للقارئ. * اقحوانة الروح استحوذت على اهتمامي بشكل ملحوظ، كنت بشوق لقرائتها، وأثناء القراءة كان شوقي أكبر لمعرفة بقية اليوميات، وتمنيت لو أنها لم تنته.
وكتب محمد عليان:اليوميات الغاضبة-قراءة انطباعية في يوميات مقدسيةعندما قرر الكاتب ابراهيم جوهر كتابة “يومياته ” اليومية ونشرها في المواقع الاكترونية وخاصة موقع التواصل الاجتماعي، أبديت في حديث خاص معه، مخاوفي وقلقي من أن لا يستطيع مواصلة كتابة “يومياته” بوتيرة يومية، وأنه قد يتوقف فجأة بسبب ما تحتاجه كتابة ” اليوميات ” من جهد ووقت وموضوعات، وقضايا واشكاليات ورسائل اجتماعية وثقافية وسياسية .. لم يصغ الكاتب لنصيحتي التي شاركني بها عدد من الأصدقاء، وحسنا فعل ، فقد واصل الكتابة يوميا، واثبت لي ولغيري من الاصدقاء، بعد أشهر طويلة لم تغب فيها ” يومياته ” عن الصدور ولو يوما واحدا، أن الواقع مشبع بالأحداث والقضايا والمستجدات اليومية التي تستدعي منا الموقف والرأي .نحن اخطأنا، وأصاب هو، واستمر رغم تحذيراتنا وقلقنا حتى أصبحت ” يومياته ” طقسا من طقوسنا اليومية، لا ينام هو إلا بعد كتابتها ونشرها، ولا يغمض لنا -نحن القراء- جفن إلا بعد قرائتها وربما التعليق عليها ..عشرات اليوميات أتحفنا بها الكاتب ابراهيم جوهر في كل مساء وقبيل منتصف الليل، زاخرة بالفكر الناضج والأدب الرفيع والثقافة العميقة، واللغة الجميلة والرأي السديد والموقف الثابت والنقد البناء والعتاب الخجول .أعترف أنّني قرأت هذه اليوميات، يومية يومية ، واذا غلبني النوم ولم استطع انتظار صدورها ، فانني استيقظ مع كورس الدوري واقرؤها قبل قهوة الصباح، وقبيل الاستماع لفيروز، لأبدأ يومي بها وبوحيها، وفي بعض الأحيان كنت أعيد قراءتها أكثر من مرّة مستمتعا بلغتها الجميلة ومستوى شاعريتها الحالمة، وعمق تحليلها لقضايانا اليومية . لقد تناولت هذه اليوميات التي كتبت بأسلوب شيق وغير مسبوق، قضايا وهموم مقدسية ووطنية كثيرة ومتنوعة، مثل التعليم والاستيطان والتغييب الثقافي الملحوظ من قبل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، والمشاكل اليومية للمقدسيين والظواهر الاجتماعية السلبية التي تشوه ثقافتنا واخلاقياتنا .ولم يكتف الكاتب بذكر هذه القضايا بل حدّد موقفا حازما منها مدينا ومستنكرا السلبيات، ومؤكدا على ضرورة التمسك وتطوير الايجابية منها. وكانت انتقاداته غاضبة وصرخاته مدوية وملاحظاته سهام حادة اخترقت قلب الهدف بدقة بالغة ..قرأ الشرفاء يومياته وعلقوا عليها، وعاشوا حالتها وصرخوا مع صرخاتها، وفجروا قنابلهم في حقل ألغامها، وحزنوا لحزنها وفرحوا لفرحها وبكوا لبكائها، وانتظروها باعتبارها طقس من طقوسهم، وفعل ثقافي يعبر عن ثقافتهم ووسيلة للتعبير عن غضبهم وسخطهم، وحافزا لهم للقول والكتابة والفعل بعد أن شحنتهم بالعزم والاصرار، وشرف المحاولة للتغيير في وقت انعدمت فيه المحاولات وتملك اليأس من نفوس الشرفاء، وبات فيه التغيير حلما بعيد المنال .لقد أعادت يوميات ابراهيم جوهر لنا الحلم بعد أن غاب عنا طويلا، حلما فقدناه وفقدنا معه القدرة على التنبؤ والابداع، الحلم بالوطن الجميل، بالليلك والاقحوان وطيور الدوري والمستقبل الواعد والضوء الساطع في نهاية النفق .لم تكن يوميات جوهر شخصية تماما، ولم يقلق الكاتب كثيرا لهمومه ومشاغله الشخصية، بل تميزت بمشاكل وهموم وطنية عامة مما منحها طابع الصدق والشفافية والعمق، وخلافا لغيره من كتاب اليوميات أو المذكرات ابتعد الكاتب بقدر الامكان عن الاحداث والمناسبات الشخصية والعائلية، ولم يثقل علينا بسرد لوقائع شخصية قد لا تعنينا بشيء .وكانت اليوميات زاخرة بالقيم التربوية والاخلاقية والتعليمية، وأفردت مساحة واسعة من سطورها للطلاب الواعدين والمعلمين المبدعين، وتناولت بشكل انتقادي تربوي الكثير من القضايا التعليمية والمظاهرالسلبية المتفشية في المؤسسات التعليمية .ولعل من ميزات هذه اليوميات هي تشجيع القراء على الكتابة والتعليق، وابداء الرأي في القضايا المطروحة مساء كل يوم، فظهرت أسماء جديدة علقت أو شاركت بأسلوب أدبي شيق وبلغة جميلة وفكر واضح، وذوق رفيع وأخلاق عالية واحترام للرأي الآخر، ما بلور ورسخ عادة القراءة والكتابة لدى الأصدقاء من مختلف الأعمار وعلى اختلاف مستوياتهم الثقافية والعلمية، وتحديد الموقف الثابت، ويلحظ المتتبع للتعليقات على اليوميات أنّها تثير دائما الجدل والنقاش حول القضايا المطروحة، الأمر الذي يغني ويثري هذه اليوميات، واللافت أن الكاتب درج على نشر التعليقات الأبرز بشكل منفرد اعترافا منه باهميتها وقيمتها الثقافية .يوميات ابراهيم جوهر يوميات غاضبة متمردة، لا تنافق ولا تتملق ولا تهادن ولا ترجو العطف والمساعدة من أحد. تقول الحق ولا تأبه لأحد، تمدح وتثني على الصواب وتنتقد وتستنكر الخطأ والتقصير والاهمال دون قدح أو ذم أو تشهير .يوميات مقدسية أيقظتنا من غفوتنا، وأفرحتنا بعد أن استقر الحزن في قلوبنا، وأعادت للاقحوان أريجه، وللدوري تغريدة وللوحة الباهتة توهجها، وأضاءت في ظلمتنا الدامسة ألف ألف شمعة، واذا لم نر الطريق بعد كل هذه الشموع فيا لتعاستنا .. يا لتعاستنا .وكتب نبيل الجولاني:  ابراهيم جوهر الذي يبني كتاباته على قواعد وأسس متينة تبدأ من الجذور ولا  تنتهي عند ذوائب الاشجار، يشحذ ذاكرته ويستفز ذاكرتنا، يعجن أفكاره بمهارة، يشرح تارة ويضيء  تارة أخرى، يؤسس وينمّي الذهن والخيال، يطرح أسئلته المشروعة التي تحمل نصف الجواب والجدلية والدهشة التي تتناول الجانب الثقافي والفكري والعاطفي والنفسي الانساني.ابراهيم جوهر الكاتب الذي يفتح خزائن القلب، ويشعل فتيل الروح يبحث عن الوطن الحقيقي الوطن الكبير. ابراهيم جوهر المتميز الملتزم بقضايا الحرية والاستقلال والانسان.ابراهيم جوهر الكاتب الذي يدخل في تفاصيل حياتنا كما أدخلنا في تفاصيل أحلامه يدعونا لنحلم معا، ونعمل معا، ونستعيد ذاكرتنا معا ونستعيد ما فقدناه معا.انه المثالي/الحذر/الذي يضع الأشياء في مكانها حتى تضعه في مكانه.        ابراهيم جوهر الذي يعتبر أحد مؤسسي الحركة الأدبية والنقدية والعاملين علىتطويرها مع زملائه الكتاب في الاراضي المحتلة، وهو القاص والباحث والناقد والأديب.انه الكاتب الذي يبحث عن الهوية الفكرية قومية كانت أو وطنية. المعرفة الفكر الكتابة الثقافة هي بطاقة التعريف لديه أسوة بزملائه معشر الكتاب الذين يحملون مفاتيح الكلام.         ابراهيم جوهر القلق دائما في بحثه عن ديناميكية في الخطاب الثقافي بكافة أشكاله عبر أدوات ووسائل ومساعي علها تؤدي الى صورة أكثر وضوحا، وأعمق منهجا في اكتمال الكلام.انه الكاتب المدجج بالمحبة والتفاؤل والأمل والمعبأ كما البارود، والمقاتل على الجبهة الثقافية جاعلا دماء أعصابه مدادا لعناوين دفاتره، التي يخط عليها ما تبقى له ولنا من ابداع وخيال وأحلام.وشارك في النقاش محمود شقير، ديمة السمان وراتب حمد.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات