قراءة موضوعية للنكبات المتتالية التي تحلّ على فلسطين وشعبها، تثبت ان بعضها وأهمها ناتج عن التكالب الاستعماري على المنطقة برمتها، وهناك نكبات ناتجة عن الصراع الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط، حيث ان بعض الأنظمة تجعل من القضية الفلسطينية قميص عثمان لتصفية خلافاتها مع جاراتها على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته، حتى ان بعض الأنظمة وصلت الى الحكم على ظهور الدبابات باسم فلسطين وشعبها وما جلبت لهم الا الويلات .
لكن الأسوأ والأكثر مرارة والأكثر ضررا ومرارة هو الخلافات الفلسطينية الداخلية بين القيادات الحزبية والسياسية، التي في غالبها إمّا لتحقيق اهداف شخصية لبعض القادة، أو لخدمة أجندة خارجية أجنبية .
واذا عرف العالم من يطلق عليهم (اثرياء الحروب) الذين يثرون على حساب شعوبهم وأوطانهم، فإن شعبنا الفلسطيني شعب الشهداء، شعب التضحيات والفداء ليس بريئا ولا خاليا من امثال هؤلاء، وهذا طبعا لا يعيب شعبنا ولا قضيتنا العادلة، وان كان يلحق الضرر بنا.فشعبنا شعب كبقية الشعوب فيه الصالح وفيه الطالح وفي مختلف المجالات، فعشرات الأفراد ركبوا موجات الديمقراطية، والدفاع عن الحريات، وحقوق الانسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل وحق التعليم وغيرها، وهي شعارات جميلة وجذابة وتستحق الدفاع عنها، وتستحق تثقيف الشعب بها، لكن بعض القائمين عليها الذين يتلقون الدعم المالي الهائل من جهات أجنبية، لها اجندتها السياسية، قاموا ولا يزالون بسرقة ملايين الدولارات التي تطبل وسائل الاعلام بأنها معونات للشعب الفلسطيني المنكوب، والتي من المفترض ان تصرف على مشاريع تخدمه، ووضعوها في جساباتهم الخاصة، وبعلم الممولين الذين يغضون النظر عن هكذا سرقات، وبفعل البذخ المالي، والترويج الاعلامي المرئي والمقروء والمسموع فإن السّرّاق اصبحوا قادة أو هم في طريقهم اليها، ويطمحون في المناصب العليا والحديث هنا يطول.
لكن اللافت هو وجود آلاف الجمعيات (الخيرية) التي تحمل شعارات (دينية)و(خيرية) التي يطوف(مبدعوها) الدول العربية الثرية طلبا للسماعدة باسم الشعب الذبيح، هي جمعيات وهمية، يقوم عليها بعض الاشخاص من النصابين والمحتالين، ففي لقاء مع وفد الهلال الاحمر لاحدى دول الخليج، تحدث الوفد عن تقديم الدعم لاكثر من ثلاثة آلاف جمعية (خيرية) في فلسطين، وتبين لهم لاحقا انها جمعيات وهمية، وقد يستغرب البعض ان احدى الجمعيات استغلت شعيرة الحج والعمرة، تحت زعم العلاقة مع احد الأمراء السعوديين –وهو زعم كاذب طبعا- قامت بالاحتيال على آلاف الاشخاص، وسرقت منهم آلاف الدنانير، ليتبين ان القائمين عليها مجموعة من اللصوص المحليين، ولهم شركاء على شاكلتهم في احدى الدول العربية المجاورة .
وفي القدس الشريف استغل المحتالون القانون الاسرائيلي بتشكيل جمعيات(عثمانية) وشركات بناء ومقاولات للاحتيال على الآخرين، حتى ان بعضهم كان متخصصا بسرقة البطاقات الشخصية(الهويات) من بعض الاشخاص، واستصدار تراخيص لشركات باسم المسروقة هوياتهم، الذين يكتشفون بعد سنوات انهم مدينون لضريبة الدخل بملايين الشواقل وهكذا … وليتعرضوا للمحاكمات والخسائر مادية جسيمة حتى يثبتوا براءتهم،في حين أن اللصوص جمعوا الملايين من خلال تزوير “المقاصات” الضريبية.
وبعض لصوص الجمعيات العثمانية يستغلون اسم القوى الوطنية مع الأسف التي خُدعت بهم في مرحلة ما، ليقوموا بالنصب والاحتيال على المواطنين، كالاستيلاء على عقاراتهم، ولهم في ذلك طرق عجيبة وهذا ظاهر في اراضي بيت حنينا حيث يستغل المزورون اغتراب المالكين فيستولون على اراض شاسعة، ويقيمون أبنية عليها،ويبعونها شققا لمواطنين يقعون هم أيضا ضحايا في مراحل لاحقة .
غير ان البعض يستغل علاقته السابقة ببعض(الجمعيات العثمانية) ويقوم بالتزوير باسمها، فعلى سبيل المثال احد المحتالين قام باستئجار عقار من احد المغتربين، فقام بعد تغيير ملامح العقار بتأجيره الى مؤسسة اسرائيلية باسم (جمعية عثمانية) لا وجود لها على ارض الواقع، على اعتبار انها مالكة العقار، وقام بتحويل ساعة الكهرباء باسم جمعية اخرى كان رئيسا لهيئتها الادارية في مرحلة سابقة، وهو طبعا لا يدفع فواتير الكهرباء، والمدين أمام شركة الكهرباء هو الجمعية، ولا يدفع فواتير الماء أيضا لانها مسجلة باسم مالك العقار، ولا يدفع قيمة أجرة المقر، ولا يدفع ضريبة السكن (الارنونا) والغريب ان هذا المزور المحتال يحتل مناصب رفيعة في جمعيات مرموقة ولها خدمات جليلة .
وعمليات التزوير والاحتيال هذه لا تتوقف على الإثراء الشخصي للمحتالين على حساب الغير، بل تتعداها الى صراعات عائلية وعشائرية، تُدخل القدس والمقدسيين في دوائرها، لتبقى سياسة التهويد التي تستهدف القدس قائمة على وتر وساق بالتزوير والاستيلاء بالقوة، وليكون للمزورين عار المساهمة في التهويد بقصد وبدون قصد.
8-9-2009