نزهة أبو غوش:
هوان النّعيم رواية توثيقية
رواية هوان النّعيم، للكاتب المقدسيّ جميل سلحوت، صدرت حديثًا – كانون ثاني 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع، في 173 صفحة.
أَودُّ من خلال قراءَتي لرواية هوان الجحيم أَن أَتناول شخصيّة الرّاوي الّذي وظّفه المؤلف؛ من أَجل رواية أَحداث الرّواية.
نلحظ من خلال قراءًتنا للرّواية بأَنّ الرّاوي تحدّث بصيغة الغائب، هو، ممّا أَتاح له أَن يكون راويًا عارفًا لكل شيء من بداية الرّواية حتى نهايتها.
كان الرّاوي في هوان النّعيم راويًا مؤرّخًا، وشاهدًا عاش الأحداث، فبدت شهادته صادقة توثّق أَحداثًا تاريخية حدثت في عام 1967، والاحتلال الإسرائيلي الثّاني للبلاد، وما ترتّب عن هذا الاحتلال من غضب وسخط ومظاهرات ومقاطعة للتّعليم في المدارس الحكوميّة، وظهور بعض العملاء مثل شخصيّة أَبي سالم، بعد أَن أَوقعه الضابط نمرود. يشير هنا الرّاوي إِلى تجربة المؤلّف، ومعايشته للأَحداث.
الرّاوي في هوان النّعيم اختار لنفسه شخصيّات تتحاور مع بعضها البعض؛ من أَجل مساعدته في رواية الأحداث، فنلحظ كثرة الحوارات بين هذه الشّخصيّات، وقد أَكثر الرّاوي من اختياره للشّخصيّات الذّكوريّة، وقلّل من الشّخصيّات الأُنثويّة، حيث عبّر من خلال الرّجل على الأُمور، والأَحداث السّياسيّة، أَمّا المرأة فقد بدت مهتمّة، وخائفة على أَبنائها، وزوجها، ولا تتدخّل بالأُمور السّياسيّة.
رتّب الرّاوي في رواية هوان النّعيم الأَحداث ترتيبًا زمنيًّا، حيث روى الأَحداث بتسلسل منطقي، ولم يرجع إِلى الوراء. نلحظ من خلال حوارالشّخصيّات بأَنّ الراوي كان صريحًا وجريئًا في تعبيره عن الهزيمة، فقال على لسان فؤاد:
“عدم الاعتراف بالهزيمة حالة مرضيّة يصعب شفاؤها، وبالتّالي سنبقى مهزومين إِلى ما شاء الله” ص 75.
أمّا على لسان البطل خليل، فقد تساءَل مستغربًا: ” لم أَفهم حقيقة ما جاء فيه، فكيف انتصرنا في هذه الحرب وبلادنا وقعت تحت الاحتلال؟”
حاول الرّاوي أَن يتدخّل في الوصف، أَو التّعبير عن الاستياء، فقالها بلسانه وليس على لسان الشّخصيّات مثلًا: ” لكنّ الرّياح تجري بما لا تشتهي السُّفن” ص 56.
” الفريق جميعه يبكي شبابًا ارتقوا إِلى قمّة المجد في معركة خاسرة” ص 86.
نرى من خلال قراءَتنا لرواية هوان النّعيم، بأَنّ الرّاوي يعكس هويّة الكاتب جميل السلحوت، حيث يبدو واضحًا بعدم الحياديّة في روايته للأَحداث، بل أبدى تحيُزه وانتماءَه للقدس وللقضيّة الفلسطينيّة بشكل واضح:
“المدينة بائسة وكأنّها تفقد أبناءَها الّذين كانوا يملأون طرقاتها وأسواقها وأزقّتها، ودور عبادتها” ص 62.
” دخلت المسجد فدنّسته” ” الباب التّاريخي محطّم بلا رحمة” ص 62.
نلحظ بأَنّ الرّاوي لم يعمد إِلى خلق حالة وجدانيّة مع الأماكن، والأحداث، إِلا في حالات قليلة، حين قام الرّجال بالعثور على الشّهداء، ودفنهم بعد الحرب.
عمد الرّاوي بتعريف القاريء على الشّخصيات من خلال شكلها الخارجي، ولم يتعمّق بالتّفاصيل الخاصّة للشخصيّات، واظهار أًبعادها النّفسيّة والاجتماعية بشكل أَوسع، ممّا أَضفى على أًسلوبه التقريريًّة، والمباشرة.