القدس في : 12/5/2005
ناقشت ندوة اليوم السابع هذا المساء نصين مسرحيين للكاتب عزام توفيق ابو السعود صدرا في كتاب عام 1999 يحمل اسم ” مش هيك يا بلد ” ويقع في 87 صفحة من الحجم المتوسط ، وقدم له الدكتور عبد اللطيف البرغوثي ، وصمم غلافه رسام الكاريكاتير الشهير بهاء الدين النجار
وقد بدأ النقاش سمير الجندي فقال:
شخص لنا الكاتب حالة اجتماعية ، واقتصادية ، فمثل بعض الواقع المزري ، الذي يعيشه هذا البلد من تفشي ظاهرة البلطجة ، والتسلق ، والانتهازية ، والاستغلال البشع لمراكز السلطة ، الامر الذي وسع الفجوة كثيرا ما بين الجماهير واصحاب القرار خاصة المستفيدين والمستغلين منهم ..
لغة هذه المسرحية جاءت سهلة مناسبة، والحوار معبر وموصول للمعنى المقصود، واعتقد ان الكاتب ناجح جدا في استخدام الالفاظ المناسبة التي توصلنا للمعنى ومعنى المعنى المقصود والمستهدف من الحوار .
اسلوب المسرحية هزلي هادف الى اثارة الضحك والسخرية مع انه جاء كسلاح نقدي اجتماعي، وقد نجح الكاتب في استخدامه هذا الاسلوب.
بدأ الكاتب المسرحية في بيت فقير معدم، حتى جاءت زوجته التي عرفت من اين تؤكل الكتف واتفقت مع استاذ الجامعة ” د. عايش ” الذي لا يمثل في حال من الاحوال ولو الحد الادنى من المعلمين او الاساتذة، فهو انسان مستغل، يستخدم قدراته في صياغة المشاريع الوهمية لجمع الثروات والاموال، مستعينا باحد الشخصيات الاجنبية التي هي ايضا لا يعنيها شيء سوى جمع الاموال على اكتاف هذا الشعب، وهذه القضية،ليتحول المشهد من بيت فقير معدم الى قصر وارف الظلال باثاث لا يملكه الا اصحاب الامر والنهي .
وفي النهاية فان الكاتب كان دقيقا جدا في ابراز لحظة التنوير التي تسبق النهاية، وذلك من خلال الحوار الذي دار بين كوثر ود. عايش والحاج درويش وسليم، حين كشفت موقف كل واحد فيهم بعد ان اتفقوا على عزل عبد العظيم من منصب رئاسة ادارة المؤسسة ، وكانهم صورة مصغرة عن الوضع الذي وصلت اليه حالتنا …
الاحداث كانت متسلسلة والحبكة متماسكة، وكل الشخصيات في القصة اختيرت بعناية وادت دورها بشكل ممتاز .
اما من ناحية اللغة :
فقد استخدم الكاتب اللهجة العامية التي خدمت اهداف الكاتب، وخدمت الحوار بشكل جيد جدا فلا اعتقد ان اللغة الفصحى كانت لتنجح هكذا في مثل هذا الحوار المسرحي الهادف .
قفل 12 طقة:
لم تكن بمستوى ” مش هيك يا بلد ” فقد اكثر الكاتب من السرد على لسان الشخصيات مما بث الممل في نفس القارئ. ولم يؤد الحوار الهدف المرجو منه انظر الصفحات من 52+56+58+59+
لم تكن الاشارة للنهاية موفقة فلم تكن مقنعة باي حال .وقد اكثر الكاتب من الاسهاب .
محمد موسى سويلم قال :
مش هيك يا بلد طيب كيف بدك اياها؟ وما هي معايير الاصلاح؟ وهل هي من الداخل ام من الخارج؟ وهل هي مفروضة علينا ام نحن نتحكم بها؟.
صدق المثل ام لم يصدق :
ما هو الراس عايب
الفشل من بره واضرب يا خره
حط راسك بين هالرؤس وقول يا قاطع الرؤوس
لا يصلح العطار ما افسده الدهر .
اذا انجنوا اهل بلدك عقلك بنفعكش
لا يصلح الناس فوضى لاسراة لهم
هيك مزبطة بدها هيك ختم .
المسرحية تتحدث عن الواقع الفلسطيني المر الذي عاشه ويعايشه هذا الشعب، والذي استغل الكثير منه دماء الشهداء، وحقوق اناس قروا فوق الالام والاحزان، وهموم البعض الذين وثقوا بهؤلاء البشر، فمن مرحلة ما قبل الصغر الى مرحلة ما بعد … الرقم غير معروف من شراذمة وروبيضة الى منفذين ومتحكمين ومستفيدين للحاجات والاوضاع الاجتماعية الصعبة بدون انسانية او عقيدة او وازع من ضمي .
المسرحية صرخة اتمنى ان لا تضيع بواد، اذ انها لمسة صحية معبرة عن نوع من السرطانات المميتة، والتي ستكتشف يوما ان عاجلا ام اجلا، عندئذ فلات ساعة مندم ، ولا ينفع الندم اذا زلت القدم ، ويا ريت الشغلة مصاري وبس، صارت شغلة عرض وشرف وضياع ، فهذه كوثر ويا ريت سيدي عزام ما سماها كوثر الا اذا كانت هناك حاجة في نفس يعقوب قضاها ، المهم كوثر هذه الحلوة الكل طالب ودها ورضاها، اللي عازمها على العشاء واللي السفر معه الى فرنسا واميرتنا علشان شو ، قالوا لجحا يوما في بلدك حريقة، قال المهم حارتي سالمة، قالوا هي في حارتك، قال المهم اهل داري، قالوا هي في دارك، قال المهم ” قفاي ” سالم.
ثم يا اخي عن المشاريع حدث ولا حرج ، مشروع القطن والزبيب، وقبل مدة سمعت عن مشروع الخيار .
قفل 12 طقة:
اقول ما قال الشاعر محمود درويش مع الاعتذار ان اخطأت
ايها المارون من بين الكلمات العابرة
ليس لكم ما يرضيكم هنا
هيا اخرجوا
من ارضنا
من بحرنا
من ملحنا
من زرعنا
من جونا
واخرجوا
وكما يقول المثل ” مثل البسة جاعت واكلت اولادها ” وكما يقول المثل ” النار ان ما لقت شي تأكله تاكل حالها ” . واللي ايدو في النار مش زي اللي ايدو في المية “
يتاجر المتاجرون بكل وسيلة بارزاق هذا الشعب، وتسن القوانين مراعاة لذوي النفوس ، ترى الى متى وجمعيات حقوق الانسان والحيوان بين ظهرانينا وكليات الحقوق تزج الخريجين الى سوق البطالة، والمنادون بالشعارات الرنانة للانتخابات المختلفة الى متى ؟ ….. ؟ ويكتب المثقفون والمبدعون والناقدون وتبقى كتبهم تزين الرفوف، بل وتزين عربات بائعي الترمس والفول والكعك والفلافل والزعتر اللي نصه ملح، غش وسلب وتحايل على الغلابا والمسخمين واللي ما لوش ظهر .
الشيخ ابراهيم يطور الوطن وينمى اقتصاده بكثرة الاولاد و مدير الشركة يمون الوطن ، المسرحية عالجت وضعا ، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مهما، فهل يقرأ قادة هذا الوطن مثل هذه الكتب وغيرها؟ وهل تعالج تلك القضايا بمفهوم ادل لمصلحة المواطن، وهل تنظر الى النقد الذاتي وتراعي المصلحة، وتضع كل رجل مناسب في المكان المناسب؟ ام نتباكى على الجراح والالام ونصف التضحيات بالواجب وحب الوطن؟ ونصف المتاجرة بالدم بالمصالح ونبكي على الامتيازات ورصيد البنوك .. الخ . هذا المجهود والتعب الشخصي ولكل مجتهد نصيب ، ونصف الفقراء والمعدمين بالكسل وعدم القدرة على التكييف .
صورة الغلاف تقول
مصائب قوم عند قوم فوائد
الراس اللي ما فش فيه كيف قطعة حلال .
خلينا نكيف هو احنا دافعين اشي
اتمنى ان يخرج هذا النص مسرحيا قريبا، واخيرا يظن من يظن ويعتقد من يعتقد ويتوهم المتوهمون بان المانحين او المتصدقين او المتبرعين او غيرهم ممن يشترون الذمم او الاذناب بان هؤلاء لا يفرقون، او انهم يجهلون ما يجري في الخفاء او حتى العلن، شو رايكم يا امة ضحكت من جهلها الامم هذه هي ثمن التضحيات التي قدمها ويقدمها هذا الشعب الابي؟ وهنا اقوى ما قال دريد لحام ( غوار ) في مسرحية كاسك يا وطن عندما جاءة هاتف من والده الشهيد حين ساله عن ثمن التضحيات، فاجاب في البنوك، وامك الصابرة، اجاب: تعمل غسالة اتوماتيك ورايتنا اصبحت كزرافات تلبسها في المناسبات .
نعم والحطة الفلسطينية ايها السادة اصبحت شالات نضعها على الاكتاف ولم تعد غطاء للراس او رمزا للعزة والفخار.
خليل سموم قال :
في الحقيقة انني لم اقرا سوى مسرحية ” مش هيك يا بلد ” واما المسرحية الاخرى ” قفل 12 طقة” فلم يكن لدي للاسف وقت لقراءتها .
مسرحية ” مش هيك يابلد ” هي قصة مستوحاة من صميم الواقع الفلسطيني ، مع قليل من المبالغة التي قصدها الكاتب ، وذلك لابراز الظاهره التي تناولها ، ولتاكيد خطورتها .
الوضع الذي تناوله المؤلف هو التحايل الذي تقوم به فئة ضئيلة من الشعب الفلسطيني للاستيلاء على اموال الدعم لهذا الشعب ، ونوعية المشاريع التي تدعمها المؤسسات الاجنبية ، وهي في اكثرها مشاريع هزلية .
وعندما يكون عنوان المسرحية ” مش هيك يا بلد ” فان الكاتب يخاطب الجميع بلا استثناء : من مسؤولين ، واناس عاديين ، ومثقفين ، واساتذة جامعات ، وغيرهم … ويقول لهم : ليس هكذا يجب ان تسير الامور ، فمصلحة الوطن تتطلب صرف اموال الدعم على مشاريع جدية نابعة من احتياجات الوطن الحقيقية .
لست ادري اذا كان الكاتب قاصدا اختيار اسم شارك لمسؤول المؤسسة الاجنبية ، فكلمة شارك الانجليزية تعني المحتال والنصاب ، على كل حال وعدا عن ذلك ، وبشكل عام ، فان اكثر اموال الدعم التي تصل بواسطة مؤسسات اجنبية ، تستهلكها نفس هذه المؤسسات ، لان مصاريفها مرتفعة جدا، فمن رواتب الموظفين ، الى مصروفات المكاتب المكيفة ، الى اجور السفريات في السيارات والطائرات ، والاهم من كل ذلك الامتيازات المالية الكبيرة ، للموظفين الاجانب والخبراء.
صورة الغلاف ممتازة وجميلة ، وهي تمثل تماما محتوى المسرحية.
واخيرا ، اني من غير المؤيدين اطلاقا للكاتب بالالفاظ العامية ، وذلك انطلاقا من ضرورة التواصل الثقافي مع العرب في اوطانهم وكافة انحاء العالم .
ولكني هنا ، عندما قرأت هذه المسرحية بالالفاظ العامية ، شدتني هذه الالفاظ بشكل كبير ، ولم اعرف سبب ذلك ربما لانها الالفاظ العامية المقدسية البحتة التي اتحدث بها طوال حياتي وعلى مدار الساعة
محمود عبد النبي قال:
بداية وفي ص 11 بالتحديد ، لمست ان كل شخصية تمثل شريحة اجتماعية مبلورة عبر تاريخ ، ذلك ان عبد العظيم وزوجته كوثر هما الطبقة التقليدية المعدومة المعروفة في المجتمع العربي ، والدكتور والمهندس هما طبقة المتعلمين وليس بالضرورة ان يكونوا من الطبقة الاستقراطية ، فقد يكونون من الطبقة المتوسطة، وطبقة الملاك واصحاب العقارات تتجسد في الحاج درويش .
جاء الاسلوب في كلتا المسرحيتين سلسا، كما كان الايقاع من حيث التسلسل والترابط واضحا وشيقا والفكرة بعيدة كل البعد عن الغموض .. تحلق بالقارئ ليصل الى مقولة شر البلية ما يضحك ، وبهذا تصف لنا حالة غوغائية يعيشها شعب .
في بداية الفصل الاول من مسرحية ” مش هيك يابلد ” ص 12 –13 يستشف منها الثقافة المتواضعة العامة في الرد والجواب لعائلة عبد العظيم وكوثر ، هذه الثقافة المتواضعة تحولت فيما بعد الى ثقافة ذات دهاء لا بأس به في جني الاموال ، فانقلب الحال رأسا على عقب ، اصبحت عائلة عبد العظيم المتواضعة والبسيطة عائلة ارستقراطية مركبة ذات حيل وخدع لم يعهدها الا بعد جلوسه على كرسي القوة والنفوذ ، والملاحظ ان عبد العظيم فكر في شيئين قبل ان يفكر في اي شيء آخر ، عندما اقترح عليه الدكتور فكرة المجلس الاعلى للقطين ، الا وهما المال والثانية على حد قوله ” بدي اصير اقعد ورا مكتب ، واشخط وانخط في الناس ، بمعنى ان يتجبر بالناس ، وعبد العظيم هذا يشكل شريحة لا بأس بها ، والسؤال بمن نبدأ اولا النضال بظاهرة عبد العظيم ام الاحتلال ؟
واثارت فضولي جملة قالها الدكتور ، هذا الدكتور الوصولي الانتهازي ، هي ” الظاهر انك مش ابن هالبلد ” وكأن البلد هي التي تخلق امثال هؤلاء ، هذه الجملة موجهة من الدكتور الى المهندس سليم صاحب الضمير الحاضر الغائب، هذه الجملة دعوة صريحة لدخول عالم الفساد والرشاوي والغش والمتاجرة بذمم الناس ، وهذا ليس بداية الطريق فقد ابتدأ ذلك من زمن بعيد وقد شارك في ذلك بعض الفلاسفة في العصور القديمة والوسطى لنصل القرن العشرين والواحد وعشرين بشعار فردية الغابة وشمولية الامراض ، ولذلك غاب الضمير في هذه المسرحية، ونجح الدكتور بتجنيد كل شرائح القصة ليدخلوا في نفق واحد من الفساد ومرحلة اللاضمير.
قفل 12 طقة:
قصة من صلب الواقع من السهل استشفافها في المجتمع ، ومرة اخرى جو عام من البيروقراطية المتعفنة غير الصحية ، تعمل على محاور مركزية كالسلطة والنفوذ والمصلحة الخاصة والقومية وغير ذلك ، وينقبض القلب لاجله اذ احداث المسرحية ذات عمل انتاجي ناجح بالمجتمع ، اي انها ظواهر تبدا بنقطة ولا تنتهي بنقطة اخرى، بل تكبر حتى تعمم على شعب، ومن الجدير بالذكر انه للحظة شعرت ان كلتا المسرحيتين خلتا من عنصر الضمير الحي، وهذا ما كان في مسرحية ” مش هيك يا بلد ” والفصل الاول من قفل 12 طقة ،
لولا ظهور الصحفي وهو يرى الذي تعرض للرشوة ورفضها مما يدل على وجود هذه النقطة البيضاء و نقطة الضوء داخل النفق المعتم
حذام العربي قالت :
النص الاول بعنوان ” مش هيك يابلد ” يقع في 38 صفحة ويرصد الظاهرة التي اصطلح العامة على تسميتها ” البسطة ” او بعبارة اخرى ” الورشة ” او ” الدكان ” ، والمعروفة رسميا بالجمعيات غير الحكومية وغير الهادفة الى كسب الربح المادي .
قبل الخوض في مضمون المادة تجدر الاشارة الى ان النص يتعامل في رصده لهذه الظاهرة باسلوب كوميدي ساخر يبلغ حد الكاريكاتور احيانا، ولكنه لا يبتعد عن الاسلوب الصحافي وفي بعض الاحيان التقريري للاوضاع ، الا ان استعمال الحوار باللغة المحكية وكانه اضفى على النص سمة المسرحية المحلية ، ولكن النص والموضوع اصلا لا يحتمل كل هذا .
النص الثاني بعنوان ” قفل 12 طقة ” يرصد ظاهرة الفساد المتفشي في الدوائر العامة والرسمية للسلطة الوطنية الفلسطينية، والاهمال المتعمد لمصالح المواطنين الذي يمارسه المسؤولون في هذه الدوائر ، ومع الاهمية القصوى لهكذا موضوع ، الا ان النص بقي يدور في فلك الظواهر من الامور دون التعرض الى مكامن الداء ، عرض لنا شخصيات من الواقع ، بالظاهر من ملابسها واناقاتها ، ولكن احجم عن سبر اغوار نفس اي من شخصياته ، بحيث بقيت بعيدة عن ذاتها مطاطية الوجه ، منفصمة عن دورها .
رايت في النصين الكثير من الشخصيات التي تشبه بعضها بعضا، بحيث يمكنها وبسهولة تبادل الادوار فالكل في هذين النصين وفي الاحتيال والغش والسرقة ، بمن فيهم ذلك الصحفي الموهوم بحصافته ، فهو كذلك جاء ليسرق المعلومات ، ولكن باسلوب فج ، وكانه يبتهل الى العناية الالهية ان تفشل مساعيه ، وذو الخمسين من العمر الذي لا يبدو كهلا، مختار قرية المطمورة ، الذي شكل رتوشا للاجواء العامة، يشكل النصان ” قفشات ” او ربما اسميها ” نقاريش ساخرة ” وعليه كان من الافضل ان يكونا جزءا من كل .
سمعت في النصين ايقاعاً بسيطاً واحداً ومعروفاً يبلغ حد الرتابة ، وبخلاف المتوقع من مضمون النص ، ابتعد كثيرا عن جلبة الروح ، قعقعة الضمير واصطفاق الرياح المرافقة عادة للنفس البشرية ( ان كانت سوية وفي حدود المعدل العام ) حين ترتكب السرقة ، الاثام، المعاصي والموبقات .
قرأت في النصين شيئا من عرض الحال ، وذكرني هذا بمن كانت له من زمان ، في بلادنا وظيفة ” العرضحالجي ” وهذه تشمل اكثر من الاقرار او التقرير الاستعراضي، وتتعدى كونها استعطافا مبتذلا او مظلمة ، انها خليط من هذا وذاك ، تحتوي على عرض للحال الاني ( اي للمصيبة التي نحن بصددها ) الى جانب استدرار الدموع عطفا او من باب شر البلية ما يضحك .
ولكن عرض الحال هنا في النص كان ذا شحنة غريبة عجيبة لا هي بالسالب ولا بالموجب ، لم يستفزني ولم يغضبني كما انه لم يضحكني .
ليس بالضرورة ودائما ان يكون الكاتب او حامل القلم ، جاسوس عصره ، ولا اجانب الحقيقة ، او اكشف سرا اذا قلت ان هناك الكثير من الجواسيس الذين فشلوا في مهامهم ، والانكى من ذلك ان فشلهم في تاديه المهام الملقاة على عاتقهم قد اودى بنا الى المصائب ، او الى الفضائح باقل تعديل.
وارى ان الصحفي اقدر على التجسس على عصره من الكاتب او الروائي ، ذلك ان من صلب معايير ” الجاسوسية ” في هذا السياق معالجة المعلومة الطازجة والمفيدة والنافعة بالاسلوب السليم والموصل الى الهدف ، والاحتكام الى القارئ في هذا المجال على الرغم من كل سلبياته يبقى افضل وسيلة لبلوغ الهدف .
الشخصيات : ادهشني الى حد الاستغراب توكيل مهمة اكتشاف الحقيقة ، او فضح الغش والنصب ولاحتيال الحاصل في المؤسسة الرسمية الى صحفي ، علما ان كاتب النص من ادرى الناس بشعاب هذه الديار .. ويعلم اكثر مما يعلم القارئ العادي بانه في بلادنا على وجه العموم لا توجد صحافة غير ممولة او محمية من جهة سلطوية، وبالتالي فهي مجيرة الى جهة الباب العالي هذا او ذاك ، وعليه فمن ياكل من خبز السلطان يضرب بسيفه .
لم اشاهد في النصين اشارة الى التمييز بين الشخصيات وبين الادوار المؤسساتية ، كما لم المس فصلا ولو ضبابيا بين المؤسسات والافراد ، كذلك لم اعثر على نظام هرمي واضح المعالم، وهو من جوهر العمل، والنصان اصلا لم يتعرضا للموضوع ، كما انهما لم يطرحا التساؤل بتاتا ، اين يكمن الفساد والغش والاحتيال و … و .. الخ . من ممارسات ؟ هل هذه مسالة اخلاقية قيمة شخصية فردية ؟ ام انها مسالة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي تنظيمي فاسد بنيويا حتى النخاع ، وبالتالي فهو يتيح لا بل يدعو المواطن عموما والعامل فيه خصوصا الى السرقة والغش والاحتيال، وكذلك الى الكثير من الموبقات بما فيها الاخلاقية القيمة ؟
لم اعثر في النصين على رسالة خاصة كان فيهما الكثير من عرض الحال ، وكانه من باب الاعلام بالشيء او استعراض وضع قائم ضاقت به النفس ، او ربما القول : اللهم اشهد اني قد بلغت ، ولكن مع فارق بسيط الا انه جوهري ، ذلك البلاغ احتوى رسالة بديلة ، في حين لم يستبطن النصان اي رؤية او رسالة . ولا بد في هذا السياق من التاكيد على اهمية العلم بالشيء ، فهذه اول مراحل الوعي له وبه ، الا انه ليس حتما يفضي بالقارئ الى هناك .
لم اقرأ النصين استقراءا لشيء ما ، كما ان النصين لم يتركا لي مجالا او اي امكانية ولو بسيطة لاستنباط معارف او مدارك اخرى جديدة عن مجتمعي الرائع والموصوف فيها ، وعليه تركت مهمة الاستشفاف التي وطنت نفسي عليها الى مرحلة اخرى اقل ضبابية واكثر جرأة وقد اكون في هذا مجانبة للصواب ، ففي اشد الاوقات حلكة عادة ينبثق شعاع ولو ضئيل ليبشر بالاتي، فالايام دول اما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض .