قوّة اللغة من قوّة الدول الناطقة بها

ق
في العام 1984 كنت في موسكو، وأردت الاستفسار من عاملة في الفندق عن شيء ما، وسألتها بالانجليزية: اسمحي لي ، هل تتكلمين الانجليزية؟ فردّت عليّ بانجليزية سليمة: ولماذا لا تتعلم الروسية؟ ومشت في طريقها دون أن تسمع مني ما أريد، وفي العام 1990 كنت في باريس، وفي مطار شارل ديغول سألت رجلا فرنسيّا نفس السؤال الذي سألته للفتاة الروسية، فأجابني: لماذا لا تتعلم الفرنسية؟ ومشى هو الآخر في طريقه دون أن يسمع مني ما أريد. وهذا يعني أن السيدة الروسية والسيد الفرنسي، يجيدان الانجليزية، لكنهما لا يتحدثان بها، ويريد كل واحد منهما من الآخرين أن يتعلموا لغته الأمّ.
وبعد ذلك كنت في أمريكا وتحديدا في شيكاغو، وكنت في بقالة يملكها عربي، فدخل شاب أسود مخمور الى درجة الهذيان، فعنّفه صاحب المحل العربي ودفعه الى خارج المحل…فعاد المخمور وقال مستنكرا بلغته الانجليزية لصاحب المحل: لماذا تتصرف معي هكذا يا راعي الجمال؟ ألا تعلم بأنني من أمريكا العظمى؟ فمن أين أنت؟
استذكرت هذا وأنا أقرأ في الصحف، وأشاهد على الفضائيات أن اللغة العربية في بعض بلداننا العربية، خصوصا في الخليج العربي، يستعملون الانجليزية في لغتهم بشكل مكثف، حتى أن المعاملات الرسمية وفي المؤسسات الشعبية المختلفة، وفي المطاعم والفنادق ووسائل المواصلات لا تتعامل إلا بالانجليزية، ومن لا يعرف الانجليزية سيجد نفسه غريبا في هذه البلدان. وفي البلدان الأخرى نجد البعض يعرف بضع كلمات أجنبية ويعتبر استعمالها تحضرا مثل: “هاي…باي…تشاو وغيرها”.
وفي جامعاتنا نجد المفاخرة والقوة للجامعة التي تدرس باللغة الانجليزية أو الفرنسية –حسب البلد الذي كان يستعمر بلد الجامعة-, وعندما يتقدم خريجو جامعاتنا الى عمل وظيفي فانه يشترط عليهم معرفة اللغة الانجليزية مثلا، وكأن اللغة العربية عاقر، علما أنها لغة رسمية في الأمم المتحدة.
واذا كانت اللغة واحدة من أهمّ مقوّمات الهوية لأيّ أمّة، فاننا سنجد أن الهزيمة التي نعيشها نحن العربان قد وصلت الى هويّتنا وانتمائنا القومي، ولولا أن الله يحفظ اللغة العربية كونها لغة القرآن”إنّا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” لأضعنا لغتنا كما أضعنا أوطاننا. فهل نحترم لغتنا حتى يحترمنا الآخرون؟ ولا يفهمن أحد من هذا أنني ضد تعلم اللغات الأجنبية، لكن الأولوية للغتنا التي هو أحد عناوين انتمائنا القومي والثقافي.
18-3-2014

جميل السلحوت:قوّة اللغة من قوّة الدول الناطقة بهافي العام 1984 كنت في موسكو، وأردت الاستفسار من عاملة في الفندق عن شيء ما، وسألتها بالانجليزية: اسمحي لي ، هل تتكلمين الانجليزية؟ فردّت عليّ بانجليزية سليمة: ولماذا لا تتعلم الروسية؟ ومشت في طريقها دون أن تسمع مني ما أريد، وفي العام 1990 كنت في باريس، وفي مطار شارل ديغول سألت رجلا فرنسيّا نفس السؤال الذي سألته للفتاة الروسية، فأجابني: لماذا لا تتعلم الفرنسية؟ ومشى هو الآخر في طريقه دون أن يسمع مني ما أريد. وهذا يعني أن السيدة الروسية والسيد الفرنسي، يجيدان الانجليزية، لكنهما لا يتحدثان بها، ويريد كل واحد منهما من الآخرين أن يتعلموا لغته الأمّ. وبعد ذلك كنت في أمريكا وتحديدا في شيكاغو، وكنت في بقالة يملكها عربي، فدخل شاب أسود مخمور الى درجة الهذيان، فعنّفه صاحب المحل العربي ودفعه الى خارج المحل…فعاد المخمور وقال مستنكرا بلغته الانجليزية لصاحب المحل: لماذا تتصرف معي هكذا يا راعي الجمال؟ ألا تعلم بأنني من أمريكا العظمى؟ فمن أين أنت؟ استذكرت هذا وأنا أقرأ في الصحف، وأشاهد على الفضائيات أن اللغة العربية في بعض بلداننا العربية، خصوصا في الخليج العربي، يستعملون الانجليزية في لغتهم بشكل مكثف، حتى أن المعاملات الرسمية وفي المؤسسات الشعبية المختلفة، وفي المطاعم والفنادق ووسائل المواصلات لا تتعامل إلا بالانجليزية، ومن لا يعرف الانجليزية سيجد نفسه غريبا في هذه البلدان. وفي البلدان الأخرى نجد البعض يعرف بضع كلمات أجنبية ويعتبر استعمالها تحضرا مثل: “هاي…باي…تشاو وغيرها”.وفي جامعاتنا نجد المفاخرة والقوة للجامعة التي تدرس باللغة الانجليزية أو الفرنسية –حسب البلد الذي كان يستعمر بلد الجامعة-, وعندما يتقدم خريجو جامعاتنا الى عمل وظيفي فانه يشترط عليهم معرفة اللغة الانجليزية مثلا، وكأن اللغة العربية عاقر، علما أنها لغة رسمية في الأمم المتحدة. واذا كانت اللغة واحدة من أهمّ مقوّمات الهوية لأيّ أمّة، فاننا سنجد أن الهزيمة التي نعيشها نحن العربان قد وصلت الى هويّتنا وانتمائنا القومي، ولولا أن الله يحفظ اللغة العربية كونها لغة القرآن”إنّا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” لأضعنا لغتنا كما أضعنا أوطاننا. فهل نحترم لغتنا حتى يحترمنا الآخرون؟ ولا يفهمن أحد من هذا أنني ضد تعلم اللغات الأجنبية، لكن الأولوية للغتنا التي هو أحد عناوين انتمائنا القومي والثقافي.18-3-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات