خلال الأيام القليلة الماضية قضى أكثر من عشرة مواطنين نحبهم حرقاً أو خنقاً في الأنفاق التي يتم حفرها ما بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، وبذلك يرتفع عدد ضحايا الأنفاق الى أكثر من مائة وعشرة مواطنين، وهؤلاء الضحايا يخسرون حياتهم في محاولاتهم البحث عن دواء لوالدة مريضة أو ابن طفل مريض، أو محاولة الحصول على ما يسد الرمق من غذاء بعد الحصار الجائر الذي فرضته اسرائيل وأمريكا ودول أخرى، وتشارك فيه مع الأسف دول عربية بحجة احترام الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل، أو احترام قرارات الشرعية الدولية .
وهذا الحصار المستمر منذ أكثر من عامين يأتي عقاباً للشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي، فالرئيس الامريكي السابق سيء الذكر جورج دبليو بوش ضغط على السلطة الفلسطينية من أجل اجراء انتخابات تشريعية، وجرت الانتخابات وكانت نتائجها غير ما توقع بوش وشارون، فجن جنونهما وفرضا الحصار الجائر على الشعب الفلسطيني، ثم حصل الانشقاق على الساحة الفلسطينية الى أن بلغ ذروته بانقلاب حماس واستيلائها على السلطة في قطاع غزة في حزيران 2007 ليتم احكام الحصار على مليون ونصف المليون فلسطيني في القطاع، ولتبلغ الجريمة مداها في 27 كانون أول 2008 عندما شنت اسرائيل حربها التدميرية على قطاع غزة، فأحرقت الأخضر واليابس وهدمت البيوت الآمنة والمساجد والمدارس على رؤوس ساكنيها ومن احتموا فيها.
واذا كنا نختلف مع حماس فإننا لا نختلف مع شعبنا الذي صوت غالبيته لصالح مرشحي حماس، ولا نختلف أيضاً مع الخيار الديمقراطي لشعبنا، ولا نختلف مع حق الحياة الكريمة لأبناء شعبنا في قطاع غزة، ولا يختلف فلسطينيان اثنان على ضرورة انهاء الاحتلال الغاشم، وعلى حق شعبنا في تقرير مصيره كبقية شعوب الأرض، واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف بعد كنس الاحتلال وكافة مخلفاته، تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن الدولي وللشرعية الدولية في كافة المحافل .
ومن هنا فإن دماء أبناء شعبنا المسفوكة في الأنفاق المحفورة عند الحدود الفلسطينية المصرية هي مسؤولية كل من يشارك في الحصار فعلاً أو قولاً أو تقريراً .
واذا كان المشاركون في الحصار والداعمون له يعتبرون حماس حركة “متطرفة” فإننا اذا أخذنا الجانب الآخر فإننا سنجد أن الأحزاب المشاركة في الحكومة الاسرائيلية الحالية أكثر تطرفاً من حماس، ومع ذلك فإن لا أحد ممن يدعون محاربة التطرف لم يحاصرها ولم يعمل على اسقاطها . فوزير خارجيتها ليبرمان وحزبه من دعاة التطهير العرقي للفلسطينيين وقد سبق له أن دعا الى ضرب السدّ العالي لاغراق الشعب المصري بمياهه .
وبنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية وزعيم الليكود الذي يرفض تجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة من دعاة الوطن البديل، ويرفض اقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 ويرى أن دولة فلسطين هي في الأردن لأن الأردن جزء من الأراضي الاسرائيلية التي تطل على الصحراء العربية حسب رأيه، وقد ذكر ذلك علانية في كتابه الذي ترجم الى العربية تحت عنوان (مكان تحت الشمس) وأكثر ما يمكن أن يعطيه للفلسطينيين والعرب هو(السلام الاقتصادي) حسب رأيه، حيث الأيدي العاملة العربية الرخيصة والانتلجينسيا الاسرائيلية، أي أن يجعل منهم حطابين وسقائين للسادة الاسرائيليين، وليس للفلسطينيين أكثر من ادارة مدنية على السكان، وليس على الأرض من خلال كانتونات معزولة ومحاصرة بجدران التوسع الاحتلالي،بل تتعدى طروحات الحكومة الاسرائيلية ذلك الى مواطنيها الفلسطينيين عندما تدعو الى الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية.
وبما أن السياسة الاسرائيلية الرسمية واضحة وضوح الشمس في عدائها لطروحات السلام العادل الذي تطمح اليه شعوب المنطقة، فإن السؤال المشروع الذي يطرح نفسه اذا كان الشسء يقاس بمثله هو: لماذا يتم حصار قطاع غزة وتجويع مواطنيه بحجة سيطرة حماس عليه والتي تتهم بعد الالتزام بالاتفاقات السابقة الموقعة، وبعدم تلبية شروط الرباعية الدولية، في حين لا يفرض الشيء نفسه على اسرائيل التي لم تحترم أي اتفاق معها ولم تحترم قرارات الشرعية الدولية، ولا تحترم شروط الرباعية الدولية ؟؟
إن الكيل بمكيالين أمر بات مألوفاً من قبل الدول صاحبة القرار في الصراع العربي الاسرائيلي، وقد(تكيفت) الأنظمة العربية مع هذه السياسة حسب نظرية نتنياهو القائلة بأن العرب يرفضون أيّ شيء يطرح عليهم ثم لا يلبثون أن يتكيفوا معه .
وها هي(تتكيف) مع استمرار حصار قطاع غزة تماما مثلما تكيفت مع الاحتلال المستمر منذ اكثر من اثنين وأربعين عاما، بل وتشارك في هذا الحصار. ويموت المئات والآلاف من أبناء القطاع لنقص الدواء والغذاء على مرأى ومسمع العالم أجمع، ويموت آخرون في الانفاق في محاولاتهم احضار الدواء والغذاء .
وبما أن اسرائيل تتعامل مع شعبنا بمنطق القوة الغاشمة وغير المحدودة، وتجد من يساندها في ذلك، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا كفلسطينيين مطالبون بالانتباه الى عيبنا وخطيئتنا الكبيرة المتمثلة بالانقسام على ساحتنا الفلسطينية، ومن هنا فإن فتح وحماس مطالبتان بانهاء هذا الانقسام الذي لم يجلب الا الويلات على وطننا وعلى شعبنا .
30-7-2009