القدس:12-9-2013 استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الأديبة الشابة ابنة باقة الغربية عناق مواسي، حيث ناقشت اصدارها الأول” ساعة رملية وثلاث أمنيات” الصادر عام 2012 عن دار الراية للنشر في حيفا، ويقع في 197 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
هذا الكتاب وضعني أمام جدليّة الأخذ بيد الكتاب الشباب وتشجيعهم كي يواصلوا دربهم في عالم الابداع، فكان استثناء أخذ بيدي –أي الكتاب- كي أواصل قراءته والانتباه الجدّيّ الى جماليات لغته، وعمق مضمونه، وأعادني الى جدليّة التصنيف الأدبيّ، وكأن هناك صنوفا أدبية مقولبة لا يجوز تجاوزها، أو الخروج عليها، وبما أن عجلة الحياة تدور باستمرار، فأمر مؤكد أن يواكب الأدب ذلك، ولن يتوقف عند حدودٍ رسمها جيل أو أجيال سابقة، وواضح أن الأدب الشبابي يشق طريقه متمردا على المألوف، فالشباب يخوضون تجربتهم الابداعية وقد يأتون بجديد لم يأت به سابقوهم.
وأديبتنا الصاعدة والواعدة عناق مواسي واحدة من كاتباتنا وكتابنا الشباب ابتدأت مسيرتها الأدبية بنشر كتابها الأول”ساعة رملية” بخطى واثقة، وبفنيّة ولغة عاليتين تُرسّخ من خلالها مكانا لها على الخريطة الأدبية، وتثبت أنها ليست مجرد هاوية للأدب، لا تلبث أن تنكفئ على نفسها كما فعل كثيرون ممن سبقوها، فلديها مخزون لغوي ثريّ، وهي تجيد عجن اللغة لترسم لوحات لافتة في جمالياتها، ويبدو واضحا أنّها مأخوذة بجماليات اللغة وفنون البلاغة، فكلماتها شاعرية منتقاة – وإن لم تتعمد ذلك- وهذا من أسرار الموهبة الدافقة. ولو لم يكن الابداع كذلك لكان جميع البشر كتابا وأدباء.
وواضح أن الكاتبة لم تُرد أن تضع نفسها موضعا تصنّف فيها كتاباتها بين دفّتي هذا الكتاب، فاختارت أن تكون نصوصا، ولها ومعها الحقّ في ذلك، فالنصوص الواردة في الكتاب تتراوح بين الخاطرة والمقالة وقصيدة النثر والقصّة، ومع التأكيد على أنّه ليس من حقّ أحد أن يفرض رأيه على الكاتب، إلّا أنّه من البدهيات أن الكتاب عندما يُطبع ويُنشر يصبح للقارئ المتلقي الذي من حقّه أن يبدي رأيه فيه. وكاتبتنا هنا كتبت نصوصا قصصيّة محكمة، لكنها ما لبثت في نهايتها أن أدخلت رأيها بطريقة خطابية مباشرة، مما أخرج النص من فنّيّة القصة الى المقالة الأدبية.
المجتمع الذكوري: كاتبتنا سيّدة فلسطينيّة تعيش في مجتمع ذكوريّ كبقية المجتمعات العربية، هذه المجتمعات التي تُميّز بين الذكر والأنثى في المراحل العمريّة المختلفة، لكن فترة الزواج هي المرحلة الأكثر اضطهادا للمرأة، فالزوج يعامل زوجته كخادمة أكثر من كونها شريك حياة، فمطلوب منها أن تكون الزوجة والأمّ والمربّية وخادمة البيت، وما يتطلب ذلك من طبيخ وغسيل وتنظيف… الخ وقد تكون عاملة أيضا، وما عليها سوى طاعة أوامر السيّد الزوج، وكاتبتنا هنا ليست معادية للرجل، ولا هي ضدّه، لكنّها منحازة لبنات جنسها في محاولة منها لبناء مجتمع متكامل يقوم على المحبة والوئام بين أفراد الأسرة والمجتمع.
فالزوجة تكتب لزوجها في عيد زواجهما رسالة مفعمة بالحبّ، فكتب لها على ظهر البطاقة:” أرجو أن تجهزي لي ملابسي وحذائي الأسود،لأني على موعد مهم غدا في الساعة التاسعة والنصف صباحا، وربما سأتأخر…”ص65.
وعند حديثها عن الزوجين اللذين لم ينجبا في النّص “حلال قطعها”ص71 كانت الزوجة هي المتهمة بالعقم، فقالت الحماة لابنها:”اسمع يا محمد، الشجرة اللي بتثمرش حلال قطعها”ص71 وهذا القول ثقافة شعبية سائدة، وليس وجهة نظر لحماة ما، ورغم معاناة المرأة التي لم تنجب، وشوقها للانجاب الا أن ذلك لم يرفع سيف التهديد بالطلاق عن رقبتها:”سبع سنين عذاب في عذاب، عشتها سطرا من السخرية في دفتر الحياة، انسانة بلا معنى، تكبر في الجيل وتصغر في القيمة، كياني مهدد بالانهيار”ص74.
ونتيجة للثقافة السائدة فقد كانت على قناعة بأنها هي العاقر، ولم تقبل نصيحة إحدى صديقاتها بأن يعمل زوجها فحوصات طبّيّة”مستحيل. زوجي، لا..لا..المشكلة منّي، أنا متأكدة فجميع إخوته أنجبوا، وهذا دليل قاطع على أنه يتمتع بصحة جيّدة.”ص75. وعندما طلبت منه اجراء فحوصات طبّيّة مثلها كان ردّه:”صبرت عليك كل السنين، وتحمّلت معك انتظار الفحوصات ومشاوير العلاجات، وكفكفت دموعك لتأتي في نهاية المطاف وتطلبين منّي أن أجري فحوصات،…..”ص76 وأقنعوها أنّها هي العاقر، وأن الطلاق سيكون نصيبها، فاستسلمت لقدرها ووافقت على زواجه من أخرى، وتوسّلت إليه أن لا يطلقها لأنّها تحبّه”خذ كلّ ما أملك، وأنا موافقة أن تتزوج لأفرح بأولادك وذريتك، وسأعتني بهم…خذ جواهري وتزوج بها….هذا قدري يا حبيبي وأنا أقبل به، لكن لا تحرمني من أن أكون بجوارك طيلة عمري.”ص77. وانعكست الآية بعد ثبوت عقم الزوج بالفحوصات الطبية، فجاءها متوسلا:”أرجوك لا تطلبي الطّلاق، لا تتركيني بعد هذه السنين، أنا أحبّك………خذي كل ما أملك، وكان قرارها :”ما ذنب زوجي ليترك وحيدا ويموت بحسرته؟ لن ألقي الكأس التي استمرأت منها وبللت عطشي……………….لن أرجع الى بيت أبي، سأحافظ على كينونتي الاجتماعية”ص81. ورضيت بنصيبها وتمنت الانجاب للآخرين. وهذا الموقف يذكرني بالفنانة سهام غزالة التي كتبت كتابا عن المرأة، وكان فيه فصل عنوانه”المرأة ليست نذلة كالرجل”.
ولو تخلت الكاتبة عن الفقرة الأخيرة في هذا النص لمباشرتها وخطابيتها لكن أكثر ابداعا.وكذلك الحال بالنسبة للفقرة الأخيرة في النص”امرأة قصيرة”ص83.
والأمثلة كثيرة في النصوص على التمييز الذي تعاني منه المرأة في المجتمعات الذكورية، وإيراد أمثلة من النصوص على ذلك لا يغني عن قراءة النصوص كاملة.
وقالت نزهة أبو غوش:
حرّكت عناق مواسي الرّمل، وقلّبته، وقلبته، وامسكت به معلنة بأنّ قارورة الانسان الرّمليّة تنتصر على الزّمن مرّة، ومرّة أُخرى تنتصر قارورة الزّمن على الانسان، في النّهاية تنتهي القارورة ولا ينتهي الرّمل. حاولت الكاتبة أن تفلسف شأن القناة بين الزّجاجتين فهي تتأنّى؛ من أجل أن يتمتع الانسان بلحظات المرور بين الزّجاجتين، كما أنّ الكاتبة عناق مواسي ترى بأنّ قارورة أُخرى ذات أهميّة في حياة الانسان، فهي قارورة العطر الّذي ترى بأنّه قائد للحواس يستطيع الانسان أن يبحث عن الحقيقة من خلاله، وفي النّهاية تنتهي القارورة ولا ينتهي العطر.
استخدمت الكاتبة أُسلوب الاقناع من خلال النّصائح الّتي قدّمتها للمرأة ، فكتبت تحت عنوان” كما لم تكن امرأة” نصائح مفضّل عدم الامتثال لها. نحو: لا تكوني متعتَه بل رغبته/ لا تكوني سريرَه، كوني مسطبته/ كوني صابون استحمامه ومعجون حلاقته/مسبحتَه وإِبريق وضوئه. مقود سيّارته وحزام أمانه/ حلّقي كنسر ولا ترفرفي كفراشة/ كوني المطر المتغلغل في تراب الرّبيع. ” ص181-188. إِلى ماذا أرادت الكاتبة أن تصل بتلك النّصائح؟ تبدو بعض الأفكار لصالح المرأة وبعضها تقلّل من شأنها وغير منصفة بحقّها.
في بعض النّصوص، أبرزت الكاتبة صورة سلبيّة عن حياة المرأة في المجتمع :” ألسنا نحن النّساء كالحلزونات، في مستنقعات مائيّة متزايدة…سقف حياتنا قوقعة سرعان ما تتهشّم تحت النّعال…وسرعان ما ننتهي بملح يقضي على وجودنا” ص95.
يتشكّل الرّفض للخرافات وللتّقاليد البائدة في بعض نّصوص عناق مواسي” سرعان ماهربت إِلى النّهر لأغتسل من أساطير البيض الخرافيّة…..ترى هل سيكون التزامي عبادةً وعصياني خطيئة تسجل إِلى تراث أبديّتي؟” ص138.
تمرّدت الكاتبة أحيانًا على شعورها بالنّقص، كما وضح في قصّة ” امرأة قصيرة” إِذ أنّها رغم قصرها البيولوجي شعرت بأنّها عملاقة ” بقيت قصيرة بالقياسات البيولوجيّة فقط… ولاأحد يعلم حتّى الآن لماذا أكملت دراستي الجامعيّة تخصّص جغرافية.”
بينما خلت النّصوص من تّحدّي المرأة للمعاملة الدّونيّة واضطهاد الرّجل لها، كما وكثر بها الاستسلام والخنوع وأحيانًا الهروب.
استخدمت الكاتبة العديد من عناصر الطّبيعة في نصوصها، مثل فصول السّنة، الشّمس، أشهر السّنة البخار الأعشاب الأزهار وغيرها. حاورت الطّبيعة، أنّستها، تفاهمت معها، ووجدت الكثير من التّشابه ما بينها وبين الانسان” على شجرة الحضارة سقطت أوراق شعوب نامية، وتحت فيافيها نبتت حشائش قصار، وبينها ينمو بنفسج ص59.
لغة الكاتبة لغةٌ شاعريّة مكثّفة تكثر بها الرّومنسيّة، والحِكم، والفلسفة، والتّناقض، كما ونشتمّ بها رائحة الحبّ والعشق للرّجل وللحياة. لغة بلاغيّة كثرت بها التّشبيهات والاستعارات. تمدّدت اللغة في نصوص الكاتبة لدرجة أنّها طغت على الفكرة في بعض النّصوص.
عنوان الكتاب” ساعة رمليّة وثلاث أُمنيات” ربّما أَفهم من هذا العنوان بأّن الزّمن الّذي يتمثّل في الرّمل المتحرك بين قارورتي الزّجاج، لا يكفي؛ من أجل تحقيق بعض الأُمنيات، وقد حدّدت الكاتبة عددها ب ثلاث أُمنيات.
نصوص الكاتبة عناق مواسي تبشّر بولادة كاتبة سوف تجلس بزهو بين الأُدباء المعروفين، وسيكون لها مركزًا رفيعًا بينهم.
وقالت رفيقة عثمان:
كتبت كاتبتنا عناق مواسي، إصدارها الاوَّل، والذي اشتمل على نصوص أدبيَة متنوعة، ما بين الخاطرة، والشعر، والقصَّة القصيرة. راقت لي قراءة قصصها القصيرة، ذات السرد الشيِّق، الجميل، والأفكار الاجتماعيَّة النقديَّة، حيث تناولت مضامين متعددة في كافَّة المجالات؛ وما يلفت الانتباه تناولها للمضامين الاجتماعية، التي تعبِّر عن المشاعر الأنثويَّة الحميمة الحسَّاسة، من وجهة نظر أنثويَّة؛ والتي لم يستطع التعبير عنها كاتب آخر من الجنس الآخر، والعلاقات ما بين الجنسين كانت من المضامين الأكثر اهتمامًا. لا شكّ بأنّ تلك النصوص عبرّت عن الجرأة الأدبيَّة التي تحلَّت بها كاتبتنا، والتمرُّد على المعايير الاجتماعية أحيانًا أخرى، لم تتحلَّ بها الكتابات النسويَّة الأخرى إلا ما ندر.
حبَّذا لو توجهت كاتبتنا نحو السرد القصصي فقط؛ لتصدر كتابًا محتويًا على قصص أدبيَّة قصيرة، وإبداع مميَّز. اختارت الكاتبة عنوانًا موفَّقا لنصوصها الأدبية، ساعة رمليَّة وثلاث أمنيات، من ضمن إحدى النصوص الأدبية التي كتبتها، صفحة 91-92، والتي انهتها بمقولة جميلة: “لذلك تنتهي القارورة، ولا ينتهي العطر”.
تطابقت صورة الغلاف مع قصة “ساعة رملية وثلاث أمنيات”، التي انهتها بمقولة: “لذلك تنتهي القارورة، ولا ينتهي العطر”، حيث صمّم الغلاف بصورة لساعة رمليَّة زجاجية، تتسرب الرّمال بداخلها دون توقف، على عكس الساعة الرّملية الحقيقية، التي يتوقف تسرب الرّمال فيها، ضمن حدود زمنيَّة محدودة؛ ربما أرادت الكاتبة أن ترمز لأهمية الاستمرارية، والديمومة؛ لبقاء الكلمات، والعبارات الجميلة ومعانيها؛ ليدوي صداها على مرّ الزمان، دون توقف، أو انقطاع.
استخدمت الكاتبة اللغة العربية الفصحى البليغة جدا ، ذات العبارات قويَّة الإيقاع، والتي يصعب على القارئ العادي استيعابها بسهولة، بل يستلزم استعمال المعجم احيانًا، لاستخراج بعض المعاني غير المألوفة. مثل: مؤكسلة صفحة 92- مجسَّات صفحة 94- تشرئب صفحة 84 ، غرغرت صفحة 70- تتمرمر صفحة 24، امشاج صفحة35، تعمشقت 47، وما الى ذلك. طغت اللغة على المضامين، والنصوص الأدبية في الكتاب.
زخرت النصوص الأدبية باستخدام المحسنات البديعية، والتي أضافت جمالية خاصَّة لتلك النصوص، إلا أنها احتوت على الصور الشعرية بكثافة.
تميَّز أسلوب الكاتبة مواسي، بالأسلوب الشيِّق، والإثارة، والأسلوب السردي القصصي خاصَّة في القصص القصيرة، وظهر استخدام التوريَّة، والتضاد في اللغة كان جليًّا، كما كان بارزًا بشكل ظاهر في قصة “امرأة قصيرة”.
المساحة والزمن حظيا بحيِّز كبير، وكان لهما حضور بارز في نصوص كاتبتنا، كما ظهر في عنوان الكتاب مثلا، “ساعة رملية” التي مثَّلت الزمكنة – وكما ورد صفحة 94 ” ما أن تتصاعد مجسّاتنا نحو الله فإننا ندرك أن المسافة بين مجسّاتنا في الفراغ لا تبتعد كثيرًا عن الأرض، سقف حياتنا قوقعة لا تبتعد كثرًا عن الارض” من قصة امرأة قصيرة صفحة 83، ” رغم قصري وصغر جسدي، كنت أشعر أنّني أجول ، وكانت تنتابني أحاسيس وأفكار طويلة، ورغبات قوية، كانت ترتطم يسقف الغرفة القصيرة، ولم تنفك تنفصل عن جسدي القصير..” وكذلك كما ورد صفحة 44، الشوارع بي مسكون بالفراغ، والقلب ناءٍ مسكون بالغياب، وكلانا مسكونان برغبة تلعق نفسها في ذوائب أمطار شاردة بجانب إحساس من تمرد”. كذلك كما ورد صفحة 88، ” الليل قصير، ألأنّك في الشتاء قصير… ألانّك سرعان ما تتلاشى مثل الضوء؟”. أمرّر أصابعي على ذلك المكان والزمان”، كنت أشعر أنّ مقاسات الجسد تلائمني، وتلائم افكاري وخيالاتي التي حاولت أن أوصلها للعالم، ولكني كنت أتعثر بحجري قصري، وظننت أن آفاقه بعيدة، طويلة، وروحه طويلة موازية لجسده، وتفاصيله الطويلة”. هنالك أمثلة كثيرة.
رافقت الظواهر الطبيعية نصوص كاتبتا، والتي كانت لها تأثيرات واضحة، خاصة الفصول، والتضاريس، والأزهار بأنواعها المختلفة، وكافة أشهر السّنة، مع تغييراتها، وتأثيراتها الطبيعيَّة؛ كما ورد صفحة 165، شقيقة نعمان.. ليمون ونعناع.. كذلك بدايات الليلك صفحة 43-46. شتاء 156. وما الى ذلك.
لقد قدمت لكاتبة عناق مواسي نصوصا أدبية جديرة بالقراءة، وأتوقع لها مستقبلا أدبيا باهرًا.
وكتب ابراهيم جوهر:
تعانق (عناق مواسي) اللغة وتحاورها وتلعب معها! اللغة على يديها تصير كائنا حيا ينطق ويغضب ويضحك ويبتسم ويحزن وينتظر ويفوح عطرا ورملا وحبا وغضبا وكبرياء وثقة ، وتكتسب معاني غير تلك المعاني المعجمية المألوفة.
وكأني بها ترسل رسالة مفادها: سأقول بلغتي ما أريد، سأكون ما أريد.
إنه (تخربط) خريطة العلاقات الاجتماعية السائدة والراكدة لتعيد تشكيلها وفق فلسفتها الخاصة المبنية على الثقة والندية والعطاء والتكامل. هي لا تعادي الرجل كما فعلت (أحلام مستغانمي) في نسيانها الذي تجنى وانزوى وحيدا بأنثاه، بل تتكامل مع الآخر المحبوب الذي لا تكتمل العلاقة والحياة إلا به، وتنتقد اتكاليته وسلبيته ، ولا تنتقد كينونته؛ إنها تحتاجه رفيقا للدرب ورفيقا في المعاملة.
إنها تعي دورها وهي تنتقد ولا تكابر لتدّعي، وإن بدا بعض تحيّز مصدره جنسها الأنثوي، وهو مبرر مقبول ومفهوم. إنها تنتقد الجفاء واللؤم الناتج عن تراكم أجيال ومعارف مشوهة في ثقافة المرأة نفسها حين تتصدر المشهد بعيدا عن العقل والمنطق الذي يعيد إنتاج ثقافة قامعة.
تخاطب المطر رمزا للخير، وتخاطب الحبر والروح والشجر والحنّون والكرمل والوحل والحب في إطار من الشفافية وإشاعة البسمة الحياتية.
وتوجّه نصائحها التجريبية الجديدة في أسلوبها إلى المرأة مقارنة بين حالين. ربما استحضرت وصية (أمامة بنت الحارث) حين أوصت ابنتها (…كوني له أمة يكن لك عبدا…) لكنها طلبت من رفيقتها أن تكون رفيعة مبادرة أصلا لا ظلا، لتستقيم الحياة وتتكامل الأدوار.
بلغتها ومضامينها وما يشغلها، وبأسلوبها وبتحديها للّغة الراكدة والأوصاف الجاهزة تمثل (عناق مواسي) في إصدارها الأول هذا (ساعة رملية وثلاث أمنيات) أدب الجيل الجديد الذي يحفر في أرض صلبة ليوجد له مكانا يتسع لطموحه وأحلامه وتحدّيه.
الرمل يبقى والساعة تنكسر، والعطر يبقى أيضا…إنها تنشر أريجها الجميل في ثنايا صفحات تستحق القراءة والنقاش والتوقف عندها مليّا.
وقال نبيل الجولاني:
كتبت عن فضاءات الليل وضوء القمر الذي يتشح بثوب عشتار، عن عودة النوارس على أجنحة الربيع المتعب من حمل النوار، عن الطين العائد الى حجارة الوادي والزَبَد الذي ذهب هباء، عن حيطان الصوان لخوابي غلال الروابي، عن السباحة في النهر سريع الجريان والغليان، وكثبان رمل الموج الهائج .. و فراغ الصحراء .. و فراغ البحر .. وفراغ الوقت .. و فراغ الاواني .. وفراغ الكلام .. وفراغ الاحلام .
عن فرار الفريسة من براثن الهوى القاتل، وفرار كنانير الحديقة من حقيقة الصياد الماكر حين يطلق عليها فَشَك الدمار الشامل بمهارة الجندي الذي يفجر القنابل تحت الجلد، عندما يقصف شغاف القلب بجرار العسل التي تعبر قارات الروح والفؤاد والوجدان .
عن بيكاسو الذي رسم الآلهة الموناليزا حتى يعبدها كل في معبودته، عن كُثير عزة وعن قيس المجنون وروميو المفتون وليلى وبثينة وجوليت وعبلة وافروديت وكاريا وفالنتاين وغادة ومريم وسيزيف في حب ربع الساعة الاخير…
عن نظرية ارخميدس في ارتداداتها ….
عن نظرية داروين في تطور ونشوء الرضاعة من ثدي المعرفة من المهد الى المثوى الأخير … وعن دروس القناعة بعد العناء المرير، وعن البصيرة عند البصير وعند الضرير .
وعن اينشتاين في نسبيته التي لا تختص بالقيم أو في الضمير والتي تضع مقياساً للحَر والحرير…
عن قبيلة الأسماك ، وكهانة النساك والوعظة التي لامست السلك العاري للاحساس… وعن الوسواس الخناس، وبؤس الناس، والنباهة والفِراسة، وأرصدة افلاس الحراس ولون الفَراش .
عن دكاكين القلب، ورواية الحكايات، وأسلوب البحارة، وخارطة طريق التجار، وقارعة طريق الفلك، ومجد السماء، ورصانة الارض، ورزانة الخيول، ودهشة الصبح .. وهذيان البوح .. والحضور المذهل.
عن كراريس الصبايا في بداية الدرس، وفساتين العرائس بعد الزفاف وبعد العُرس، وبقايا فنجان القهوة على شفاه العشاق، وعن زناد القلب … وسَمار الأحداق وبياض الأكف، والأرقام والأقلام والأفلام والأعلام والأحلام والحمام .
عن ركوب الموجة وركوب المراكب وركوب المصاعب وركوب الرأس وركوب الخيل وركوب البُغض وركوب المهجة والخيال ..
عن المرايا السائلة من السماء وعن زخات المطر في زمهرير الرياح والبرق والرعد، وارتفاع حرارة الثلج.. ولهيب الشظايا .. والمجازفة والمغامرة والتهور حتى الهزيع الأخير ..
عن تفجر مواسمها في أعصابنا كما الفوضى، و سؤالها المستعر عن كُنه الطريق العابرة الى روحها المشتعلة بالعشق …
الكاتبة عناق مواسي كتبت بلغة الأنبياء، وفقه اللغة، وتعاليم النحاة، ولوحات القصيد وغناء المنشدين، والاساطير والتراث والفلكلور والابداع والحكمة وأعلى درجات البلاغة …
عن القوارير والشباب والشِّيّاب والصغيرات والصغار والأمهات والأبوات والحماوات والخالات والعمات والجارات، والعاشقين والعاشقات، والذين يركنون لبعض ويسكنون لبعضهم البعض والذين فيهم وبينهم مودة ورحمة وآيات لقوم يتفكرون .
عن شمس الأصيل والهواء العليل والليل الطويل والهوى الظليل والسلوك الجليل والقول النبيل عن وجع الورد، وهلع الوريد، ودلع القصيد والفرح الشريد، والتكلس العنيد والاحساس بالوعيد والصدى والصداء والصديد والحب الطريد والحبيب الفريد .
عن خلخال الغنج وقصص الغرام والخرافات والأساطير والنوادروالمنابروالبشائر والشواغر، وحضور الغياب وغياب الحضور … والأسئلة و الأجوبة وعلامات التعجب وعلامات النجاح وعلامات الشك وعلامات الريبة وعلامات الخجل والوجل وعلامات الساعة وعلامات الطريق وعلامات الكذب والنفاق وعلامات المرض والغش والخداع والشر .
كتبت نصوص الرب، ونصوص القلب ونصوص الحب، ونصوص الزرد و السلاسل والاغلال، ونصوص الاذلال، ونصوص الأقوال والأفعال، ونصوص القتل المُبيت والقتل المُسَيس ، ونصوص اللعب بالأرواح و بالأجساد وبالورد وبالنرد وبالنار .
كتبت عن الذين أو اللواتي يشعلن القناديل … واللواتي يغزلن المناديل …ويطلقن الأقاويل ويصنعن الأضاليل، ويصنعن التماثيل ويصنعن الشجعان والاذكياء ويصنعن المهابيل ويُغنون التهاليل والمواويل فاعلات فاعلات مفاعيل .
كتبت عن اللا مألوف الذي هو في العادة معروف ولكن ليس هنالك من سبب يجعله معروفا لدى الجميع، لأنها كانت تتلو الجسد وترتل الروح في صومعة الفتنة تارة وتارة تهجر الجسد على سجادة صلاة الدعاة والكهنة .
كتبت عن استنفار ذاكرة الروح والاعصاب والجسد…، وعن سُمّ العطر الذي يحرض على البطش في الحرير… والقتل الحلال والاحتفال بآثار العدوان، عن سطوة البوح الصارخ والهذيان ….
كتبت عن سحر التكوين، عن السقف العالي أو بالأحرى وبالأجدر عن اللاسقف لبلاهة وبلاغة الحرائق .. و زمان ومكان لوعةُ الماء والبلوط المتخم بجمر الاخضرار المُخصب.. وعن رواية ارواء النبيذ المختمر في عروق العنب ….
كتبت عن الأباطرة الذين لا يتقنون شيئا سوى حراسة العري تعبيرا عن عجزهم … يَرْشونَ به العري ذاته درءا لفضيحتهم الذاتية والجمعية .
عن حواسها التي أصبحت ماءً وهواءً وتراباً وعن البحر الذي يصهل بين أصابعها، وكيف أنّها أدّت فرائضها التي ترتلها عن ظهر قلب، ولم يبق لها سوى خجل الوردة وتهجدات الصخر الدامي .
الكاتبة عناق مواسي تساءلت ما اذا كانت الحقيقةُ سبباً للخطيئة أم أن الخطيئة سبب للحياة ؟ وهي تعلم أنها ربما لا تستطيع أن تجني من العنبِ خمراً، وتعلم أيضاً أنها سترتطمُ بحاجزٍ من زجاجٍ إمّا أن تكسره لتخوضَ تجربةً، وإمّا ترتطم به لتعود وتتألم ربما هذه هي الحقيقة.
وتساءلت أيضاً لماذا كنت تُلزمنا البيت يا أبي عندما تبعد الشمسُ عن أصابعنا ولا نراها الا في يومٍ عملها المتتالي؟ لكن على ما يبدو أن الليل عدو الإناث . ولكي تقاوم( الليل /العدو) صرخت:قومي من ليلكِ/يَكفِيكِ صمتاُ وموتاً وموتاً وصمتاً/ انتفضي.
الكاتبة عناق مواسي كتبت عن روضة الفكر والكلمات ووميض الأبجدية والورق الذي تنفجر على صفحاته وبين سطوره الحروف وضمائر الغائب والمتكلم والمخاطب وتمتلئ بالمفرد والمؤنث والمبني للمجهول، والمُعْرب والممنوع من الصرف، والمشكل بالكسر والفتح والضم..وحركات العطف والمبتدأ والخبر وهمزة الوصل وليت، وعسى، وكان، وظل، وحتى، وواوٍ تَجرُ عللَ أقوالنا وأفعالنا المستمرة.
تنتهي القارورة
ولا ينتهي العطر
ولا تنتهي اللغة
ولا ينتهي الامر
ولا ينتهي البحر
ولا ينتهي الرمل
وفي الختام قدّمت الندوة درعها للأديبة عناق مواسي تقديرا منها لجهودها الأدبية.