رواية هناك في شيكاغو في اليوم السابع

ر

القدس:2-09-2021 : ناقشت ندوة اليوم السابع المقدسية الثقافية الأسبوعية عبر تقنية زوم، رواية “هناك في شيكاغو” للكاتبة المقدسية المغتربة في أمريكا هناء عبيد، صدرت الرواية عام 2020 عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان، وتقع في 214 صفحة من الحجم المتوسط.

افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

من يقرأ رواية “هناك في شيكاغو”، يدرك تماما أن الكاتبة تشعر بمسؤولية كبيرة، وتعي تماما أهمية دورها كمغتربة أولا، وككاتبة ثانيا في توعية كل من يفكر يوما بالهجرة خارج وطنه بحجة البحث عن الذات وتوفير حياة كريمة له ولأسرته لم يجدها في وطنه.

 الرواية تقدم نصائح غير مباشرة من خلال رواية واقع بعض الأسر المغتربة، والتي كانت أشبه بالشهادات الشفوية. ربما كانت بعض الأحداث حقيقية، مع بعض التغييرات البسيطة، وبأسماء وهمية، وقد تكون الكاتبة تدخلت في الأحداث، وجمعت ما اطلعت عليه طيلة الفترة الطويلة التي عاشتها في شيكاغو، وعرضت الواقع المرير الذي تعيشه الأسر العربية المغتربة، فدمجت الأحداث مع بعضها البعض لتعطي خلاصة رسالتها،  بنية عكس واقع المغترب العربي وما يعانيه من صعوبات هو وأسرته.

لا شك أن الكاتبة كان لديها ما تقول، وقد كانت مقنعة جدا، جرت أحداث الرواية بين فلسطين والأردن ومدينة شيكاغو الأمريكية التي يطلق عليها البعض أرض الأحلام.

كانت رسالة الكاتبة واضحة، فلن تحقق أحلامك في الغربة، بل عد إلى وطنك فلن تجد كرامتك إلا على أرضك في حضن عائلتك.

في الغربة ستبذل مجهودا مضاعفا لتثبت نفسك، لن تجد وقتا لأسرتك، سيضيع عمرك وأنت تجمع المال، سبعة أيام في الأسبوع، لتصرفه قيل أن يدخل جيبك. وستعيش هناك وتموت غريبا مضطهدا.

فاضت الرواية حنينا للبلاد التي لن يجد الفلسطيني نفسه إلا فيها، ولن يستطيع أن يقيّم ذاته إلا على أرضها، رغم كل العراقيل الذي يضعها الاحتلال الإسرائيلي البغيض.

نجحت الكاتبة بإبراز الصراع النفسي الكبير داخل بطلة الرواية نسرين، من خلال الحوار الداخلي والذي تماشى بسلاسة مع بقية أحداث الرواية، وتكامل مع شخوص الرواية دون إقحام.

تعددت الشخوص.. كان وجود بعضها هام جدا لدعم واكتمال رسالة الرواية، وبعضها لم يكن سوى عدد، أرهق القارىء، وتسبب بتشتيته. كان الوصف جميلا، خاصة كل ما له علاقة بفن العمارة في شيكاغو، فلا عجب إذ أن الكاتبة مهندسة معمارية.

اللغة بسيطة، لا تعقيد فيها.

وعلى الرغم من أن أسلوب السيرة الذاتية التي اتخذتها الكاتبة في هذه الرواية لا يكون مشوقا بالعادة، إلا أن الكاتبة نجحت في شد القارىء من خلال لغز سعيد النحاس، فقد أراد القارىء معرفة سر علاقة البطلة به. لنكتشف أنه والد حبها الأول ” ثائر” الذي رفض والدها طلب زواجه منها.

وقد وفقت الكاتبة في نقل مشاعر القارىء بخصوص سر النحاس إلى ثلاث مراحل متتالية من خلال الحوار الداخلي للبطلة نسرين:

المرحلة الأولى: كرهت البطلة سعيد النحاس، بعد أن علمت أنه كان عميلا للاحتلال، وقد تم اغتياله على أيدي المناضلين، كما كرهت ابنه ثائر حبها الأول، وهنا أدركت سبب رفض والدها ارتباطها به، فكيف سترتبط بشخص كان والده عميلا، وتورّث العار لأولادها في المستقبل؟

المرحلة الثانية: كرهت سعيد النحاس وتعاطفت مع ابنه وحبيبها ثائر، وتساءلت: فما ذنب ثائر؟ وقد كان مناضلا تعرض لبتر اصبعه أثناء مشاركته في إحدى المظاهرات ضد الاحتلال.

المرحلة الثالثة: علمت أن سعيد النحاس كان ضحية للإشاعات، وقد تم اغتياله من قبل الاحتلال بسبب رفضه التعاون معه، وأن كل من عرفه يشهد بسمو أخلاقه والتزامه بوطنيته. فشعرت البطلة نسرين بالراحة وتعاطفت مع الأب والابن.

وفي نهاية الرواية، عندما قررت البطلة العودة، كان ثائر باستقبالها في المطار.

هي رسالة أخرى قوية لها مدلولات عميقة.

رواية جميلة ومفيدة، عززت مفهوم عشق الوطن، على كل من يخطر بباله الاغتراب أن يطلع عليها قبل الرحيل؛ ليعلم ما ينتظره في بلاد الغربة.

وقالت رفيقة عثمان:

سردت الكاتبة رواية منسوجة بأحاسيس شفّافة، وصفت فيها حياة المغتربين، الذين ظنّا منهم أن الحياة الرّغيدة تكمن في الغُربة عن الوطن. وصفت الكاتبة المشاعر التي تختلج صدر النساء اللّواتي اضطّررن لمغادرة الوطن، مع أزواجهن، طلبًا لتحسين معيشتهن الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

اختارت الكاتبة عددًا محدودًا من الشخصيّات النسائيّة؛ للتعبير عن أرائهن ومشاعرهن حول الغربة عن الوطن. تمحورت الشخصيّات بالرواية من عائلة الراوية نسرين وهي بطلة الرّواية، ووالديها وأختها نور، وصديقتها وداد، كذلك الصديقة حنين في شيكاغو، بالإضافة لشخصيّات ثانويّة أخرى معظمها من النساء الفلسطينيّات المغتربات، مثل: فاتن وزوجها ونساء مغتربات من دول العالم المختلفة؛ مثل مادلين وماريا وهيما الهنديّة وسووك الكوريّة وغيرهن.

سردت الراوية نسرين عشقها للسفر إلى شيكاغو، بلاد الأحلام والسعادة المفقودة في بلادنا، هذه الرغبة باتت حلمًا يرافقها ويرافق الشّباب في عمرها؛ طلبًا للحصول على ظروف معيشيّة تليق بهم كبشر، وغير آبهين بالانفصال عن الوطن الأم. ما دفع نسرين للالتحاق بحلمها، بعد أن رفض والدها تزويجها من حبيبها ثائر المناضل خلال فترة الانتفاضة، وبتر اصبعه إثر هذا النضال، ومن ثمّ فقدت نسرين والديها واحدًا تلو الآخر، ورفضها للقبول بالزّواج من أحد المغتربين، حيث لم تخدع نفسها بالقبول بالزواج؛ طلبًا للتأشيرة، ومن ثمّ لم تجد مبرّرًا لبقائها في الوطن الأردن.

سافرت نسرين لبلاد الأحلام والسّعادة، عند دار عمّها وزوجته، اللذين استقبلاها بحفاوة كبرى. من هنا بدأت نسرين في تطوير علاقاتها الاجتماعيّة، بالتعرّف على صديقات زوجة عمّها من النساء الفلسطينيّات المغتربات، من هنا بدأت الصراعات الشخصيّة للبطلة بالمعاناة من الغربة التي استوطنت روحها، وافتقادها لأرض الوطن، والأهل في فلسطين، والشعور بالندم بالهجرة الى شيكاغو.

نجحت الكاتبة في تصوير خلجات المشاعر، وبث الأحزان من الغربة التي حلمت بها وظنّتها الجنّة المفقودة. ظهر هذا الصراع في الحوارات الذّاتيّة المتعددّة التي أجرتها الراوية مع نفسها، كما ورد صفحة 173 ” لا نعرف قيمة الأشياء، إلا حين نفتقدها، هناك دومًا مغرية لنا، حين نفترق منها نبحث عن هناك أخرى”.

يبدو أنّ الصراع الدّاخلي مداهمًا بشكل دائم لنفس الراوية نسرين، ” تيقّن أنّ الأحلام تموت في بلاد الغربة، كنت في صراع عنيف” صفحة 60، هنالك نماذج عديدة للحوار الذّاتي الذي أغنى الرواية من حيث المعاناة.

لم تكتفِ الكاتبة بوصف المعاناة من الغربة، بل تطرّقت بوصفها حول فقدان الهويّة والانتماء للوطن، في بلاد الأحلام، كما ذكرت “دايمًا بشعر بالغربة وين ما رحنا” أشعر كأنّني سجنًا مفروشًا بأثاث فاخر” صفحة 174. كذلك أوردت حوارًا ذاتيًّا حول الانتماء للوطن وفقدان الهويّة من صفحة 11-113. ” مش سهل الاحتفاظ بالهويّة واللّغة في بلد ثاني بيختلف في عاداته وتقاليده ودينه وأخلاقياته” صفحة 172.

استقت الكاتبة عنوان الرواية ” هناك في شيكاغو” باختيارها الموَفّق، عندما ذكرت “هروب إلى هناك” قصدت بكلمة هناك بلاد الغرب شيكاغو كما ورد صفحة 96. كذلك لكل اللذين يحلمون في الهجرة لوطن غير موطنه، الحلم نحو هناك.

من الممكن الاستدلال الزّمنكيّة: من خلال وصف الشّاب ثائر الذي جاهد أثناء الانتفاضة منذ عام 1995-2001. كذلك المكان تمركز ما بين الأردن وشيكاغو؛ كما ذكرت الكاتبة زمن انهيار مركز التجارة العالمي في نيويورك في الحادي عشر من أيلول، عام 2001.

تحلّت الكاتبة بلغة شاعريّة سلسة جدّا، بليغة مُطعّمة بالمُحسنات البديعيّة الجميلة، الصنعة اللّغويّة الطاغية في نصوص الرّواية، والتي أضفت رونقًا لها، وتسلسل السرد برتابة وتصوير الأحداث بشكل دقيق ومتسلسل، تجذب القارئ بالقراءة والتشويق للاستمراريّة ، وضعت القارئ أمام مشاهدة فلم سينمائي، بحيث كان سرد الأحداث بطرقة مُصوّرة ومُجسّدة من خيال الكاتبة.

مأخذي البسيط على هذا الاستخدام المبالغ فيه بالمصطلحات البديعيّة، مما أعاق على تطوّر الأحداث بوتيرة أسرع، استخدمت الكاتبة اللهجة العاميّة الفلسطينيّة، بطريقة محبّبة وتلقائيّة، دون التأثير على جماليّة السرد.

تبدو العاطفة طاغية جدًّا أثناء سرد الأحداث، فظهرت العواطف بكافّة المشاعر، منها مشاعر الفرح والحب الرومانسي، ومشاعر الامومة، ومشاعر الانتماء والحنين للوطن، كذلك مشاعر الحزن والاكتئاب، مشاعر الحزن من الفقدان، وفراق الأهل. أبدعت الكاتبة في تصوير المشاعر الجيّاشة، خاصّةًمشاعر الراوية نسرين أثناء سرد الحوار الذّاتي، بالإضافة لتصوير مشاعر الآخرين من أبطال الرّواية. كما ورد صفحة 209 “كنت أتحدّث بهستيريا غريبة، أضحك بشدّة بلا سبب كأنّ الجنون أصابني”.

تمثّلت العاطفة بين نسرين وثائر، بعاطفة رزينة، تخلو من الألفاظ النابية، والصور غير اللّائقة؛ بل ظهرت العاطفة الرومانسيّة الراقية، فيها الالتزام والتحفّظ؛ برأيي هذا يضفي من مصداقيّة السّرد، ويُحسب لصالح الكاتبة.

استطاعت الكاتبة هناء عبيد من وصف المعاناة التي تواجه النساء العربيّات المغتربات؛ لكونها امرأة نجحت في الغوص بأعماقهن ومعرفة خلجات مشاعرهن، نظرًا لأنّها امرأة فلسطينيّة مغتربة، خاضت تجارب الحياة في الغربة (شيكاغو).

تظهر الرّواية قدرات المرأة العربيّة، بالتكيّف والنجاح، رغم الصّعوبات والتحديّات في بلاد الغربة؛ لأنّها تمتلك الدوافع الدّاخليّة؛ للنجاح والتّفوّق بحياتها، ومواجهة العقبات بحكمة ودراية، والعتماد على النّفس في تحقيق أحلامها، تعتبر بطلة الرّواية نموذجًا يُحتذى به، للفتيات في مجتمعنا العربي.

استخدمت الكاتبة سرد الرواية بضمير الأنا، على لسان البطلة نسرين؛ ممّا يضع القارئ في شك من أمره، بتصنيف الجنس الأدبي للرّواية تحت مسمّى السّيرة الذّاتيّة. برأيي هذا الاستخدام أضاف مصداقيّة لسرد الأحداث؛ كما استخدمت الكاتبة السرد على لسان النساء وكذلك على لسان ثائر، وكان تدخّل الروائيّة أحيانًا، لكن الغالب كان صوت نسرين بطلة الرّواية كما ذكرت سالفًا.

من الممكن تصنيف الرّواية أيضًا تحت مسمّى “أدب الرّحلات” نظرًا لوصف الكاتبة للأماكن السياحيّة بدقّة ووصف جميل، خصوصًا للأماكن التي زارتها في شيكاغو؛ مثل: ديربورن التي شبّهتها الكاتبة بمدينة عربيّة بكل مواصفاتها، وغيرها من الأماكن التي زارتها البطلة نسرين خلال مكوثها في شيكاغو. هذا الوصف أضاف معلومات سياحيّة عن الأماكن الجذّابة للسائحين. تبدو الرّواية كأنّها واقعيّة لدرجة كبيرة، لافتقارها للخيال الجامه.

جسّدت الكاتبة الانتماء للوطن، والحفاظ على رموزه وتقاليده وعاداته، كما حافظت على التّراث الفلسطيني، والدّفاع عن مبادئه وقيمه، وتقديس البطولة والتضحيات من أجل الوطن.

وصفت الكاتبة الصّراعات الدّاخليّة، بطريقة محكمة، بإبراز الصّراعات النفسيّة الدينيّة، والأخلاقيّة، والسّياسيّة، والاجتماعيّة؛ حقّقت بذلك الولوج في النفس البشريّة، وتحليل مكنوناتها، بالفكر والعاطفة.

نهاية الرّواية بدت نهاية مفتوحة؛ لكي يتخيّل القارئ نهايتها كما يشاء، عادت نسرين البطلة لوطنها بعد اجتيازها وحصولها على الماجستير، وفي المطار شاهدت حبيبها ثائر، يرفع لها يده من بعيد، ربّما تخيّلت بأنه قادم لاستقبالها.

برأيي لو كانت النهاية كما قرّرتها البطلة؛ كنهاية الالتقاء بالحبيب ثائر؛ لتظهر براءته من تهمة أبيه النحّاس المُتّهم بالعمالة للأعداء؛ عِلمًا بأنّ ( ثائر) شاب مناضل، ودفع ثمن نضاله خسارة عضو من جسده عندما تمّ بتر اصبعه.

وقالت صباح بشير:

من عرف الغربة يعرف جيدا ما معنى الحنين إلى الوطن، تلك الحالة الشعورية التي تنتاب المغترب بعد أن يفارق أهله وأحبته تاركا محيطه، لغته الأم، وكل الأشخاص الذين عرفهم، تتدفق مشاعره وأفكاره وتبث فيها الشجون والأحاسيس، مع مرور الوقت يزداد المغترب توقا وشوقا للوطن، محدثاً ذلك في نفسه آثارا عميقة.

“هناك في شيكاغو”، العمل الروائي الأوّل للكاتبة الفلسطينية هناء عبيد المغتربة في أمريكا هي رواية سيرة ذاتية تحمل أسلوبا واقعيا رغم منحاها العاطفي، عبرت من خلاله الكاتبة عن أفكارها ومشاعرها ورؤيتها للعالم، للوطن وللألم، ووصفت من خلاله حياة المغتربين ومشاعرهم، وما يختلجهم بعد الهجرة والسفر، طلبًا لتطوير أنفسهم وسبل معيشتهم.

تجسدت شّخوص الرواية في عائلة نسرين وهي بطلة القصة، والديها أختها وصديقاتها، وشخصيّات ثانويّة أخرى من النساء المغتربات، بَيَّنَت نسرين شوقها ورغبتها في السفر إلى شيكاغو، التي وصفتها ببلاد الأحلام والسعادة.

صَورَت الأحداث مشاعر البطلة بشكل واضح، فالفتاة المقدسيّة “نسرين” التي هُجّرت وعائلتها من وطنها الأم، درست الفيزياء وتعرفت على الشاب ثائر القادم من فلسطين لدراسة الهندسة المعمارية، أحبته وقررا الارتباط، اصطدما برفض والدها فتغيّر مسار الحلم، ثم ألقي الضّوء على قضيّة الأحلام واصطدامها بالواقع الصعب، شعرت نسرين بالخيبة خصوصا بعد رفض والدها تزويجها من ثائر، الشاب الذي التقت به في معرض الكتاب وأحبته، فعادت مرة أخرى إلى أحلامها في الهجرة.

بعد سفرها قابلت عمها وزوجته وعاشت معهما، تعرّفت على الجالية العربية هناك، وبدأت الصراعات والمعاناة من الغربة التي استوطنتها، افتقدت الأهل والوطن وشعرت بالندم بسبب هجرتها، ازدادت التحدّيات خصوصا بعد تعرض أمريكا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، زارت نسرين أماكن عديدة، وصفت جمال “شيكاغو” والاختلاف والتنوع الموجود فيها.

تميزت الرواية بلغتها الشعرية التي ازدانت بالمُحسنات البديعيّة، جالت في الفضاء المكاني وتمكنت الكاتبة من تصوير الأحداث وتجسيدها بطريقة دراميّة، وصفت الثبات الإنساني أمام الإحباط والعراقيل، في الوقت الذي كان الأمل والتوقع قد أرهق روحها، لاحظنا كيف أحالت الخيبات إلى منجزات، بعد أن بدأت روايتها بنظرة تشاؤمية حيث كتبت:  “لا يسير أي شيء في حياتي كما أريد، كثيرة هي الأمور التي تقف عائقا أمام رغباتي، كأنها دوما تستمتع بأن تعكر صفو حياتي”  إلا أن لقاءها بثائر غير نظرتها التشاؤمية فشعرت بالارتياح والسعادة، مما انعكس تدريجيا على سطورها إيجابيا، فتشابكت الأحداث الشخوص وانفعالاتهم العاطفية المختلفة مع توجهاتهم ومشاعرهم، فتجلت مشاعر الفرح والرومانسية، الأمومة، الوحدة، الانتماء والحنين إلى الماضي والوطن، الفقدان والحزن، وفراق الأهل.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

هي الروح في الغربة تشتاق للأرض للأحبة لرغيف الزعتر، فتذوب حنينا لتتنفس روح الوطن، هي روح شاهدة على آهات الحنين، الصعوبات والتحديات التّي يواجهها المغترب، هي روح تعزف ألحان الأشواق، وتثير عاصفة روحها بالأسئلة حول حق وجود الفلسطيني في أرضه، وتلهث من غبار رياح خيانة الوطن. هي روح حالمة في أرض السّعادة، حيث الهروب إلى هناك، هناك في شيكاغو. حاولت الرّوائية المقدسية المغتربة في شيكاغو هناء عبيد، أن تصوّر من خلال قلمها الجميل حال المغتربين في شيكاغو من خلال شخصية نسرين الجامعية التّي تفقد والديها في فترة متقاربة، ولا توّفق في الاقتران بثائر الّذي أحبته؛ بسبب رفض والد نسرين للعريس لخيانة أبيه سعيد النّحاس للوطن، وهو السّر الذي أخفاه والد نسرين عن ابنته؛ لتكتشف الحقيقة في نهاية الرّواية.

جاء أُسلوب الروائية بلسان ضمير الأنا والسّرد الذاتي بلغة إنسيابية سهلة، وأحيانا كانت بعض الشّخصيات تسرد حكايتها بلسانها. استخدمت الحوار باللغة العامية وأحيانا بالفصحى، وصفت الأماكن والأحداث المهمة في أمريكا مثل تفجيرات في الحادي عشر من سبتمبر، كانت المدن حاضرة في الرّواية. القدس، عمان، وشيكاغو، أسهبت في تساؤلاتها، وطرحت رؤياها وأفكارها لما يجري على الصعيد السّياسي. أشارت إلى جهلنا في عدم محاولتنا لنهل المعلومات التّاريخيةللأماكن  السّياحية، كما تطرقت إلى أهميّة نشر وتواجد الكتب  في الغرب، التّي تساهم في تفسير العادات الشرقية أو صورة العربي وتاريخه، وبالتالي دحض الرّواية المغلوطة للكتب التّي تسيء لوجه العربي.

لم يكن اختيار مكان الرّواية وموضوع الإغتراب صدفة، إذ أنّ الرّوائية المقدسية مغتربة في شيكاغو، وقد عكست مهنتها كمهندسة على  صيغة وصفها للمباني في أمريكا بصورة هندسية، من خلال نسرين بطلة الرّواية، كما أظهرت حبّها للهندسة رغم دراستها الفيزياء.

برزت شخصية نسرين الإنسانة الصبورة التّي تتحمل المعاناة، وتنير دربها بالأمل، كما أظهرت صورة المرأة العربية المتعاونة والمكافحة مع زوجها، ومن جهة أُخرى كشفت عن الظلم الّذي تجابهه  المرأة من قبل زوجها سواء سوء أخلاقه أو زواجه من أُخرى بحجة الحصول على الجنسية.

رسمت صورة  المرأة الشّرقية في الغرب التّي ما زالت تمارس الثرثرة في جلسات النساء للبوح بهمومهنّ.

برزت عاطفة الحنين للأهل والوطن في الرّواية، وأثارت الرّوائية هناء عبيد من خلال روايتها مفاهيم الغربة التّي تكسر روح المغترب، وتجرحه ببرد الوحدة، وكأنّها تصرخ بقلمها لتقول للقارئ لا تصدق أنّ الهروب إلى شيكاغو جنّة فقف وتأمل!

جاءت النهاية مفتوحة خلال عودة نسرين ووصولها إلى المطار، وتخيلها ثائر في استقبالها كحلم رفرف في مخيلتها من خلال عقلها الباطني الذي ما زال يحنّ إليه.

جاء عنصر التّشويق ضعيفا، إذ اعتمدت الرّوائية على عنصر الوصف والسّرد الذاتي الّذي أخذ شكل مشاهد لحكايا الاغتراب من قبل عدّة نساء عرببات وأجنبيات، سرد لم تكن الحبكة فيه تجعلك تدور حول متابعة حدث ما من بداية الرّواية حتى نهايتها بلهفة، إلاّ أنّ الدهشة في الرّواية جاءت في النهاية خلال كشف حقيقة سعيد النّحاس.

مبارك للرّوائية هناء عبيد ولادة مولودها البكر “هناك في شيكاغو” ونتمنى لها مزيدا من الإبداع.

وقالت نزهة أبو غوش:

في روايتها أعطت الكاتبة هناء عبيد عنوانا يستوقف القارئ قليلا؛ كي يفسّره ويحلّله؛ وذلك إِذا ما عرف بأنّ الكاتبة مغتربة فلسطينيّة تعيش في مدينة شيكاغو منذ زمن بعيد.

تدلّ هذه التّسمية على أنّ الكاتبة مرتبطة بجذورها الفلسطينيّة ارتباطا نفسيّا وثيقا؛ إِذ لم تقل “هنا” بل “هناك”، وعلى هذا المنوال استمرّت الكاتبة، على لسان الرّاوية نسرين تشرح وتشكو غربتها في هذه المدينة، الّتي وصفتها بالرائعة من ناحية طبيعتها وجغرافيّتها، بينما هي مدينة التّسارع الحياتي والمزاحمة في التقاط لقمة العيش، وافتقاد الحياة الأسريّة القريبة من الانسان والالتفاف حول العائلة، بل هي الأقرب إِلى حياة الآلة والرّتابة.

في رواية “هناك في شيكاغو” أظهرت الكاتبة مدى انخداع الانسان العربي بحياة الغرب والانسياق حول المادّة والرّبح؛ ربّما هذا الانجرار هو نتيجة وضع الإنسان العربيّ وخاصّة الفلسطيني، الّذي لم تتوفّر له فرص العمل والحياة الكريمة في بلده.

عدّة من شخصيّات الرّجال في الرّواية لجأت إِلى الزّواج من النّساء الأجنبيّات، من أجل الحصول على “الجرين كارت ” ممّا تسبّب في تفكّك العائلات  الأسريّة الفلسطينيّة، نحو عائلة أمين وزوجته فاتن.

هناك من أعرب عن ندمه للهجرة، حيث لا ينفع النّدم. ص130″ مجنون اللي بيترك أرضه عشان يلحق سراب، من أوّل ما خطّت رجلي على تراب هالبلد وأنا قلبي مقبوض” 

في لغتها عبّرت الكاتبة على لسان الراوية نسرين الشّخصيّة البطلة؛ بلغتها الجميلة السّلسة، الّتي استخدمت فيها لغة المتكلّم ” الأنا” الّتي ساعدت على التّعبير عن الذّات بشكل أبسط من ضمير آخر؛ نلحظ مدى قدرة الكاتبة في التّعبير عن الذّات من خلال التّساؤل، والعرض للمبادئ المناقضة لمبادئها ومعاييرها الاجتماعيّة في المجتمع الفلسطيني، نحو تقاليد الزّواج والزّيارات، والعلاقات الاجتماعيّة، وغيرها.

أبرزت الكاتبة ظاهرة مهمّة في الحياة خارج الوطن، وهي ظاهرة المودّة والألفة ما بين المغتربين، حيث تجمعهم محنة مشتركة والبعد عن الوطن الأمّ.

تميّزت الرّواية بلغتها الغنيّة بالوصف الدّقيق للشّخصيّات من الشّكل الخارجي، والدّاخلي من النّاحية النّفسيّة، الّتي حمّلتها الكاتبة الكثير من الصّراعات.

ظهرت في الرّواية الكثير من الصّراعات النّفسيّة بين الشّخصيّات، وخاصّة شخصيّة نسرين، بطلة الرّواية، صراعها قبل سفرها إِلى الولايات المتّحدة. حيث صاحبها  الخوف والحيرة من المجهول . كيف ستكون الحياة؟ وماذا تخبئ لها الغربة؟ وكيف ستنفصل عن جذورها. ظلّ الصّراع  يرافقها طوال حياتها في شيكاغو في حياتها اليوميّة، والعمليّة، وخلال تعليمها وعلاقاتها مع شخصيّات من جنسيّات  مختلفة.

الرّواية بكلّ تفاصيلها هدمت الأحلام الّتي يبنيها العربي في خياله؛ لتوضّح له بأنّ هذا الحلم مجرد سراب.

وكتبت خولة سالم:

 تعتبر الرواية جسرا ثقافيا نحو الغرب ، تحاول الروائية من خلال مضمونها ايصالنا لجمال شيكاغو المعماري الفريد ، تحاول بكل ما اوتيت من قوة لغة ورصانة فكر ان توصلنا لما لا ندركه بقناعاتنا المغلفة بالكره والحقد على انساس أو مدن براء مما نسب اليهما، وما من جريمة ارتكبوها، إلا أن ساستها واعلامييها هم من ساهم في تكوين قناعاتنا بكل قصد ، وكأن الروائية أخذت على عاتقها انصاف المدينة “شيكاغو ” بشكل خاص ثم أمريكا بشكل عام ، فالجمال المعماري يسيطر على تفاصيل السرد ويتربع على عرش الجمال الذي يبهر بطلة الرواية “نسرين ” ويجعلها بكل إرادة حرة في داخلها تتحدى الشعور القاتم الذي يسكن المغترب في بلاد لا هم له فيها الا كسب المال او الشهادة والعودة مسرعا لجذوره التي لا ينسلخ عنها البتة مهما ادعى انسجامه فيها وحبه لها.

الروائية بدأت بسرد معاناة بطلة الرواية “نسرين” وعلى لسانها كفلسطينية اقتلعت من جذورها مرتين مرة عندما ترك والدها فلسطين مجبرا ليقيم في الأردن ويعمل بكد ليعيل اسرته وتبقى ذكريات فلسطين والقدس عروستها تراوده كلما هم بالانفراد مع ذكريات طفولته وشبابه ،وبالتالي يغرس كل تلك الذكريات في عقول وقلوب اسرته بما فيهم بطلة الرواية من خلال بعض زيارات لها للقدس بلد النشأة والأصل، وعشقها الأبدي ، ثم ما آلت اليه ظروفه. وغربة ثانية تجبر بطلة الرواية ان تهاجر مرة أخرى لامريكا لتعيش الغربة والاغتراب معا ، ربما محاولة منها للانسلاخ عن ذكريات تؤرقها ، ربما اختارت الروائية فكرة السفر كوسيلة للهروب من ذكريات مؤلمة تعتري البطلة ، لتعبر عن هشاشة الانسان وضعفه أمام ألم الفقد، فجعلت البطلة تفقد نصفها الذي أحبته بقرار من والدها، وربما ومن باب التـأدب لم تشأ البطلة “نسرين ” أن تعاند رفض والدها للزواج من شاب تعرفت عليه أثناء دراستها في الجامعة لأسباب لا تفهمها ، فتقرر الانعزال عن العائلة، وتنفرد بمشاعرها وتحتفظ بها لذاتها بعيدا عن ارهاق اسرتها بما تكنه من احترام وحب لنصفها الذي غاب قسرا بعد لقاء الوالد بحيث يلازمها طوال فصول الرواية وتختم به، ثم لا تلبث أن تفقد والدها بسبب مرض ألم به فجأة، وغادر هو الآخر محملا إياها والعائلة هما إضافيا فوق غربتهم ، ومن ثم تفقد والدتها أيضا بعد فترة وجيزة من فقد الوالد، فتقرر البطلة الهروب لأقصى ما تستطيع لتنجو بروحها من ذكريات المكان وحضوره في تفاصيل يومها، لتقرر ترك كل التفاصيل التي تؤرقها، هواجسا، احلاما وكوابيس مفزعة وتقرر مغادرة المكان الذي يذكرها بكل هؤلاء، لتترك شقيقتها الوحيدة “نور ” وتنجو بعيدا بروحها المعذبة بذكرياتها وتقرر الهجرة لهناك ، بعيدا وبعيدا جدا كما اعتقدت كي تبدا مشوار حياتها بدون كل تلك الذكريات، كأنها أرادت أن تحفر قبرا لكل ماضيها، وتنسلخ منه بارادتها، مما جعل الروائية تكرس كل تفاصيل الرواية بجمالية فائقة تبعد البطلة عن ماض أرقها، فتكرس الرواية لخدمة هدف جميل وراقي يتعلق بأحلام وردية في شيكاغو، أبعد ما تكون عن واقع أرقها، بقيت تلازم تلك الأحلام البطلة طيلة فترة اغترابها من الأردن الى أمريكا، كأن الروائية لا تريد للبطلة أن تنسلخ من كل التفاصيل المتعلقة بفلسطين وقضيتها كأنها تريد ان تقول للفلسطيني أينما شرقت او غربت فالذاكرة مثخنة بالألم والأمل ، بالشقاء والسعادة ، بالحلم والواقع كلها تباينات ومفارقات لا بد ان تعيدك لتوازنك يوما .

حاولت الروائية بكل جهد أن تنصف الحياة في أمريكا بجمالها ، وسحرها الأخاذ ، ونمط حياتها المتجدد الذي يبهرك في كل تفاصيل يومك ، او لنقل انصفت الروائية الشعب الأمريكي ايما انصاف ، كشعب يتمتع بحرية وديمقراطية ونمط حياة عصري يجسد كل معاني الإنسانية وفي ذات الوقت تزدري منهج الساسة وافعالهم الشنيعة وجرائمهم التي تمزق الإنسانية ايما تمزيق ، وتعرج الروائية كثيرا على الاعلام الذي يتفنن أصحابه بالتلويح بأفكار الساسة حتى ليبدو العالم لنا مغلف بالجريمة السياسية الاعلامية على حد سواء ، بحيث تصل الشعوب الى كم من الكراهية تنسلخ فيها عن انسانيتها كما حدث في برجي التجارة العالميين حيث تتعرض الرواية ومن خلال حركة البطلة وتفاصيل علاقاتها المتشعبة في شيكاغو لتفاصيل الكراهية التي برزت بعد الحادثة المأساوية وما نتج عنها من ممارسات الشعوب ضد بعضها البعض بفعل الاعلام المطعم ببذور الإرهاب.

تخلق الروائية عدد من الشخصيات المتنوعة والمتطورة عبر السرد ، فكرا وعقيدة وانتماء لتجسد فكرة الإنسانية في أبهى صورها ، فالشخصيات في الرواية متعددة منها العربي ،الياباني ،والكوري والهندي . كما اليهودي المتدين ، المسلم والملحد كلهم يجتمعون بكل تناقضات فكرهم وخلفيات منشائهم ليتحدو معا في شيكاغو بانسانيتهم المحضة ويشكلون وحدة لا تفرقها الأصول ولا العرقيات .

تنتهي الرواية بانصاف الوطن ومحبيه وترك الغربة بكل ما فيها من مغريات وجماليات تغرم البطلة فيها حد التماهي بجمالها ، كي تعود محملة بكل عشقها وترتمي في حضن من أحبت وعشقت .

نهاية غاية في الدهشة تنتصر فيها الكاتبة لقضية شعبها وطنها ، وكانها أرادت بكل اقتدار دمج الأردن وفلسطين في بوتقة واحدة للكل الفلسطيني الأردني ، كانها لا تعترف بدولتين انما بجذور تجمع الضفتين معا ليكون وطن واحد ، القدس بوصلته .

في النهاية أود أن أشير الى أن الرواية تستحق أن تكون تحفة جميلة في مكتبة كل بيت ، فهي تجسد معاني سامية ، وقيم غاية في الجمال ، تتجاوز فيها الكاتبة كل الفوارق العرقية والدينية والجغرافية حتى لتشعر أن المدن الامريكية لا تختلف كثيرا في روحها عن المدن العربية ، فهي الرواية المنصفة للإنسان المتشظي على نار الفرقة والاغتراب .

وكتبت رائدة أبو الصوي:

رحلة من خلال مشاعر انسانية قوية مغموسة بالحنين والاشتياق، رحلة بين طيات روايتها سيرة ذاتية لا تمت للكاتبة بصلة، استطاعت الكاتبة بأسلوب السرد الصحفي

أن تنقل لنا أدق التفاصيل في حياة بطلة القصة نسرين بطريقة جذابة، مشاعر جياشة تعيش في ذاكرة غالبية الشعب الفلسطيني المغترب فيواصل القراءة والأبحار بمتعة وحزن . متعة بسبب التفريغ النفسي.

 كاتبة الرواية قالت وعبرت عن مشاعر لا يستطيع أي شخص ترجمتها على الورق. ترجمتها في كلمات ونصوص أدبية، العاطفة طاغية في الرواية والمصداقية واضحة فيها. هذه الرواية رواية كل غريب كل مشتاق لتراب الوطن، ذكرتني بالأفلام الأجنبية التي كان فيها البطل يتحدث عن حياته.

أبدعت الكاتبة هناء عبيد في نقل تفاصيل المكان والزمان والانسان.تحدثت عن ألم الفقد بصورة قوية ومؤثرة، بحيث تساقطت دموعي عند وفاة والدها ووالدتها. والجملة التي قالتها نسرين( الارواح المتلاصقة لا يمكنها الانتعاش بعيدا عن بعضها).

وصف وجه والدتها في قمة الجمال” والدتها ذات المحّيا الذي يجلب حوله الملائكة”

المشاعر في الرواية شرقية والتصوير ونقل اللوحات غربي، إثارة وتشويق خصوصا عند انتقال بطلة الرواية للعيش في شيكاغو. رحلة جميلة جدا فيها اثارة وتشويق وبريق.

اعجبتني نسرين عندما دافعت عن الإسلام والمسلمين، نسرين وامثالها سفراؤنا في الخارج.

التشبيه في الرواية قوي مثال عندما شبهت نفسها بشظايا قطع الزجاج المتناثرة عندما رفض والدها زواجها من ثائر .

والجميل في هذه العقدة أنه لم تظهر في الرواية سبب رفض والدها لثائر الا في نهاية الرواية .

نهاية القصة سعيدة في تحقيق بطلة القصة للهدف الذي كانت تحلم بتحقيقه وهو الحصول على شهادة الماجستير وزيارة امريكا.

 كانت حاضرة في الرواية وتحدثت الكاتبة عن تأثير الاحداث السلبي على العلاقات العربية الامريكية في تلك الفترة .

تحدثت عن السلام بين الشعوب وهذا ما يجب ان يكون في العالم

وكتب رائد الحواري:

رواية نجد فيها رائحة السيرة الذاتية، حيث أن الأحداث تم بشكل متسلسل، تبدأ “نسرين” في سرد الأحداث عندما كانت طالبة في الجامعة، وكيف تعرفت على “ثائر” الذي حول السواد والغم إل فرح وبهجة، فتخبنا في بداية الرواية عن مشاعرها: “لا يسير أي شيء في حياتي كما أريد، دوما العوائق تفاجئيني…كثيرة هي الأمور التي تقف عائقا أمام رغباتي، كأنها دوما تستمتع بأن تعكر صفو حياتي” ص9، ورغم هذا الفاتحة المؤلمة للرواية، إلا أن حضور “ثائر” في حياة “سلمين” غير اللغة وجعلها ناعمة ورقيقة: “…شعرت بارتياح في مرافقته إلى أقسام المعرض، …شعرت بسعادة غريبة غلفا قلبي، ربما ابتسامته الهادئة التي تنم عن قلب طيب” ص12، ونجد الأثر الطيب في نفس “نسرين” حتى بعد أن تسافر إلى “شيكاغو” فما أن يأتي حضوره أو ذكراه، حتى ينعكس ذلك على لغتها إيجابيا، ترسل له خطاب جاء فيه: “أكتب إليك ودفء فريب يسيري في مجرى دمي، لا أخفيك يزورني طيفك كل لحظة، اتنمى عندها أن تتوقف عقارب الزمن عن الدوران” ص133، وهذا يؤكد على أن الرجل يثر إيجابيا على المرأة والعكس صحيح.

نسرين الفلسطينية

الساردة تحدثنا عن القدس التي عاشت فيها، إلى أن جاء الاحتلال ومنع اسرتها من العودة إليها، فعندما تتعرف على “مادلين” اليهودية وتخبرنها انبنها الذين يعيش في حيفا: “…أشارت إلى أحدى الصور، وقالت لي:

هذا ابني يدرس في حفيا، كان مستلقيا على الشاطئ وبجانبه فقلب مرسوم على الرمال كتب في منتصف أحبكم” ص106، وهذا جعلها تشعر بقضيتها، بالظلم الذي وقع عليها وعلى شعبها الذي هجر من وطنه: “شعرت حينها بالغيظ، لماذا لا يحق لي الاستلقاء على شواطئ بلادي، وغريب الدار يفترش رمالها؟” ص106، وهنا نجد المفارقة، “مادلين” المولودة في روسيا، يحق لها ولأسرتها العيش في فلسطين والتمتع بها، بينما هي “نسرين” المولودة في القدس لا يحق لها العيش في مدينتها: “ـ رحل والدي لزيارة للزيارة إل الأردن قبل النكسة بقليل، فأوصدوا الأبواب ومنعوهما من الدخول عندما قررا العودة، حاولا الذهاب في منتصف السبعينات بتصريح إلى هناك، وأخذ لم الشمل، في تلك الأوقات، وبعد عشر سنوات من زواج والدي جئت إلى هذه الحياة، فرحا بقدومي لكن، بعدها تم طردنا، ورفضوا لم شملنا” ص107، رغم عدم الخوض في حوار طويل، إلا أن الساردة استطاعت أن توصل فكرة النظام العنصري لدولة الاحتلال، وعرت وكشفت طبيعة هذه الدولة، التي تأتي باليهود من كل انحاء العالم، وتطرد وتمنع أصحاب الأرض والمولودين فيها من دخولها والعيش فيها.

المرأة العربية

بما أن الساردة امرأة، فهي تتحدث بمشاعر وهموم النساء العربيات، اللواتي يعرضن للاضطهاد المجتمع الذكوري، تخبرنا عن “سهاد” رفيقتها في سفرها إلى اميركيا: “عرفت منها أنها عروس جديدة، أصبت بالدهشة حينما أخبرتني أنها في أواخر الأربعين من عمرها، خطوط الزمن على ودهها توحي إلى غير ذلك، تزوجت من رجل موفور الحال، لديه زوجة وأولاد، هكذا خمنت” ص74، فالمرأة الربية ينظر إليها بطريقة دونية، وعليها أن تكون/تقبل أي زوج يقدم لها، ما زام (يسترها).

تخبرنا عن النساء في الغربية وكيف هي مشاعرهن وما يعانين من اغتراب وغربة: “….الحياة الروتينية القاتلة التي يعشنها تجبرهن على ذلك، معظمهن أتين إلى المدينة، ولم يجدن غير أعمال المنزل لممارستها، أرقهن الغربة، البعد عن الأهل حال دون الفضفضة بصعاب الحياة” ص182، وهذا ما يجعل رواية المرأة العربية تختلف في طرحها عن رواية الرجل العربي، ويؤكد على أن أدب النسوة يتباين في مواضيعه وطروحاته عن أدب الرجال،

علاقة الساردة بالنص

قلنا أن الرواية فيها رائحة السيرة الذاتية، بمعنى أننا هناك شيء من ذات الساردة في الرواية، لهذا نجد اللغة المتقاربة بين “نسرين وثائر” حتى بدت احيانا أنهما يتحدثان بصوت وحد: “ـ بينما كنت أجوب بعيني بعيدا عن عينيه وقع نظري على يده اليمنى، لاحظت أنها تفتقد الأصبع الصغير، آلمني المشهد، أخذت نظري بعيدا بسرعة خاطفة حتى لا يلاحظ، لكن يبدو أن ما فعلته كان عبثا، قال وكأنه يجيب على سؤال اعتقد بأنه يدور بخلدي:

ـ فقدتها في أثناء أحدى المظاهرات ضد المحتلين، أصابها رصاصة مطاطية وكان من اللازم بترها” ص 21و22، فهنا الساردة علمية، تعرف حتى ما يجول في نفس “ثائر” وهذا يشير إلى أن هذا الحوار/المشهد جاء بعاطفة وانحياز لثائر، ولما يأتي بحيادية.

الشخصيات

هناك اكثر من شخصية في الرواية، وجميعها كانت تدور حول مركز الأحداث “نسرين” فبعضها شخصيات عربية، “ثائر، أمين، رفيقة، بكر، حسين، فاطمة، فاتن، هاني، حنين، وبعضها كان اجنبيا “انطونيو، خورخي، مادلين، هيما الهندية، ماريا، فرانك لويد” وبما أن هذه الشخصيات بمجملها لم تتحدث مباشرة إليها ـ إذا ما استثنينا ثائر، الذي روى لنا القليل ـ تبقى بقية الشخصيات مسيرة من قبل الساردة “نسرين”.

المكان وأثره

حدثتنا “نسرين” عن اكثر من مكان، القدس، عمان، شيكاغو، ورغم التباعد الجغرافي بين القدس وعمان من جهة، وبين “شيكاغو”، إلا أن فلسينيتها ومدينتها القدس كانت حاضرة، فمن خلال حوارها مع “مادلين” وجدت “نسرين” أن علاقتها بفلسطين بمثابة الام بولدها، فلا تستطيع أن تتجاهله أو تنساه، وما قالته “لمادلين” يؤكد عل هذا الأمر: “أنا أومن بكل ما ينشر عن الحب، لكن هل السلام يعني تشريد شعب من أراضيه؟، هل السلام يعني أن يعيش شعب بكامله في المخيمات محروما من العودة إلى أرضه؟، من منا لا يعشق السلام يا عزيزتي؟ لكن طالما لا توجد عدالة عل الأرض، وطالما يتفشى الظلم بين البشر لا معنى للسلام الحقيقي إذن، هو مجرد كلمات على ورق” ص109، وهنا اشارة ـ غير مباشرة ـ من الساردة، على أن الفلسطيني يبقى منتميا لقضيته ولوطنه ولشعبه، أينما ذهب وحيثما كان.

وكتب سهيل كيوان:

ماذا يحدث عندما أقرأ رواية جميلة؟

أولا أشعر بالسعادة، لأن وقتي وجهدي لم يهدرا هباءً، وأشعر بمتعة عندما يكشف لي الكاتب عوالم جديدة لم أكن أعرفها، أو أنني سمعت الكثير عنها ولكنني لم ألمسها في القصص والروايات، مكتوبة في لغة جميلة تجعلني أعيشها.

أفرح أكثر إذا ما كانت هذه الرواية الأولى للكاتب أو الكاتبة، لأن النجاح الأول يبشر بروائي وإنتاجات لاحقة، كذلك فإنه خلال القراءة وبعدها تحدث تداعيات تفرضها أجواء الرواية.

نحن بحاجة إلى روايات كثيرة أخرى لمن بقوا في وطنهم بعد النكبة، ونريد تفاصيل حقيقية وليس شعارات عامة، بهدوء وبدون صراخ، نريد الحقيقة في وجوهها المتعددة، وليس حقيقة واحدة ووجهة نظر واحدة نابعة من رؤية حزبية أو فئوية واحدة.

نريد رواية من طُردوا من وطنهم، لأنها لم تنته بعد، وهي تشهد تحوُّلات من عام إلى آخر، فاللاجئ ليس آمنًا ولا ضامنًا لحقه حتى كإنسان.

نريد الرواية الإنسانية لمن قاوموا واستشهدوا أو جرحوا أو أسروا أو خربت بيوتهم وهُدِمت. نريد القصص الإنسانية الحقيقية، نريد أن نعرف هل حفظ الوطن والشعب حقوق من ضحُّوا لأجله.

كذلك نريد رواية من أداروا ظهورهم إلى شعبهم ووطنهم، ووضعوا مصالحهم الشخصية فوق مصلحة الشعب والوطن، نريد رواية الخوَنة، ونريد رواية من هاجروا بمحض إرادتهم إلى أميركا، أو إلى أي بلد آخر مثل أوروبا أو كندا وأستراليا، بحثًا عن الرزق والسعادة، أو طلبًا للعلم والعمل.

في الأيام الأخيرة قرأت رواية “هناك في شيكاغو” للكاتبة هناء عبيد ابنة القدس التي تعيش في شيكاغو، قرأتها بصيغة “بي دي إف” الإلكترونية.

تنقل الكاتبة من خلالها بلغة رقيقة وشيِّقة، صورة دقيقة إلى حد كبير عن حياة المهاجرين العرب في أميركا والمصاعب التي يواجهونها في بداية طريقهم، يكتشفون أن أميركا ليست الأحلام الوردية، والدولارات ليست على قارعات الطرق، بل عليك أن تتعب وتجتهد كثيرًا كي توفر الحد الأدنى من متطلبات معيشتك، وعليك أن تعيش القلق والخوف، بأنك قد تنجح وقد تفشل.

قد نبتعد بحثًا عن السعادة، ولكن ربما أنها كانت بين أيدينا في وطننا رغم جراحه وما فيه من بلوى، فالوطن حتى وهو جريح هو الحب والدفء والناس، وفيه تكون السعادة.

الغريب مهما حصل على مال، فإنه لا يستطيع التخلص من شعور الغربة.

في رواية “هناك في شيكاغو”، نلتقي بالفتاة العربية التي تواجه الأفكار المسبقة عن العرب والمسلمين، ليس لدى الأميركيين فقط، بل لدى مهاجرين من أقطار أخرى مثل كوريا واليابان، الذين يعيشون تحت تأثير الدعاية المعادية التي تزعم أن عقيدة المسلمين تأمرهم بمحاربة أبناء الأديان الأخرى للسيطرة على العالم، وأنهم يقتلون كي يحصلوا على النساء.

ثم تأتي كارثة البرجين في نيويورك في أيلول/ سبتمبر 2001 ،لتضع المسلمين في أميريكا والعالم تحت طائلة التعميم بتهمة الإرهاب، وبأنهم يفرحون للموت والقتل.

الكاتبة ترصد بنجاح وبحس مرهف حياة المهاجرين من خلال وجودها بينهم، ومن خلال تعرّفها عليهم، والعمل والدراسة معهم والصداقات مع بعضهم.

تتخلل هذا قصص محاولات البعض الحصول على الإقامة الدائمة من خلال الزواج بأميركية، حتى وهو متزوج من عربية وله أبناء منها.

في هذه الرواية ما يقول إننا لا نستطيع فصل ما يدور في العالم وخصوصًا في أميركا، عمّا يدور في فلسطين والمنطقة.

بل قد تكون أميركا أهم الجبهات، لأنها ما تزال القوة العظمى الأساسية الداعمة للاحتلال، ولا يمكن فصل الموقف الأميركي الداعم بصورة عمياء عن التعنّت والغرور الإسرائيلي، والموقف الأميركي يؤثر على مواقف الدول الأخرى، خصوصًا الضعيفة.

كثير من الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم ومن الأميركيين، يمكن أن يكونوا مدافعين جيِّدين عن قضية عادلة، إذا ما نظموا أنفسهم ووضعوا لهم هدفًا واضحًا في نشر الوعي والحقيقة حول القضية الفلسطينية.

لقد تُركت الساحة الأميركية عقودًا طويلة، سيطرت خلالها الحركة الصهيونية ومؤيدوها على وسائل الإعلام، بثوا من خلالها سمومًا ضد العرب وشوهوهم، دون أي رادع أو تصدٍ حقيقي لما يبثون من سموم.

يحتاج الأمر إلى وقت وجهد كبيرين لدحض التشويهات وإبراز الحقائق.

شهدنا في العقود الأخيرة بداية صحوة عربية حول أهمية هذه الساحة وغيرها من ساحات العالم، وضرورة العمل فيها، وتنظيم القوى المؤيدة للحق الفلسطيني في هذه البلدان، فهذا سوف يصعِّب على الحركة الصهيونية العمل وتحقيق أهدافها.

وكتب فايز عبداللطيف:

تدور أحداث الرواية حول فتاة مقدسيّة “نسرين” هُجّرت من وطنها فلسطين إلى الأردن، تدرس الفيزياء في الجامعة الأردنية.

تتعرف في أحد معارض الكتاب على ثائر؛ الشّاب القادم من فلسطين بهدف دراسة الهندسة المعمارية،يجمع نسرين وثائر رباط حبّ مدينة مولدهم القدس؛ مدينة آبائهم وأجدادهم وجذورهم. تتوالى لقاءاتهما إلى أن يقررا الارتباط، يعجب والد نسرين بروح ثائر البطولية المقاومة ويسعد لقرارهما، حينما يتقدم الشاب لخطبة نسرين، تحدث مفاجأة تغيّر مسار الأحلام، فتعود نسرين إلى أحلامها الطّفولية بالهجرة إلى أمريكا؛ القارة التي أبهرتها في صغرها فتهاجر إلى شيكاغو بقصد التعرّف على العالم الذي يقطن النصف الآخر من الكرة الأرضية.

في شيكاغو تقابل نسرين عمّها لأول مرة في المطار، تعيش معه وزوجته، وتتعرّف من خلالهما على الجالية العربية الّتي تواجه العديد من المصاعب بسبب اختلاف العادات والتقاليد، ووحشة الغربة والحنين إلى الوطن.

خلال فترة إقامتها في شيكاغو تحاول إكمال دراستها في جامعة الينوي، لكنها تواجه بعض الصعوبات المادية، فتضطر إلى العمل الّذي يضعها أمام تحدّيات لم تكن في حسبانها وتوقعاتها.

خلال إقامتها في شيكاغو تتعرض أمريكا لهجمات ١١ سبتمبر فتتضاعف التحديات التي تقف في وجه الجالية العربية، وتتعرض لبعض المضايقات من بعض الجماعات المتطرّفة هناك.

تجوب نسرين أماكن متعددة في شيكاغو وتزور بعض المعالم السّياحية المبهرة، لتطلّ عن قرب على روعة هذه المدينة السّاحرة؛ مدينة الجمال والاختلاف الّتي تنصهر فيها جميع جنسيات البشر، وتتفاعل فيها لتنتج تلك المدينة المميزة الّتي ينشدها جميع البشر من مختلف أنحاء العالم..

هناك في شيكاغو؛ رواية الوجع والغربة والأحلام في بلاد الأحلام.

يشار إلى أن صاحبة الرواية هناء عبيد من بلدة العيساوية في القدس، تعيش في شيكاغو، وهي كاتبة قصصية، نشرت عشرات القصص القصيرة في المواقع الالكترونية الفلسطينية العربية والعالمية، وما يميز قصصها واقعيتها والتزامها الانساني الفلسطيني، والتصاقها بهموم واوجاع شعبها ومجتمعها، ويطغى عليها الطابع السردي وعنصر التشويق ولغتها سهلة ومتينة وسلسة واضحة دون تعقيد.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات