“جنة الجحيم”.. للكاتب جميل السلحوت المكتبة العربية تفتقد لمثل هذه النصوص بقلم:جمعة السمان

&

 

 

 

 

 


“جنّة الجحيم” عنوان بقدر ما هو غريب هومحيّر..تهت فيه بين النّص التّوثيقي والرواية.. فإذا قلنا أن جنة الجحيم نص توثيقي .. فهو للأمانة وثيقة .. صورة صادقة تحدثت عن المجتمع الفلسطيني فترة خمسينيات القرن العشرين .. بالكلمة والزمان والمكان.. لم أقرأ مثله أبدا.. إلا في كتاب الأستاذ محمود شقير ( قالت لنا القدس).. الذي أعادني طفلا.. لأعود وأمشي في شوارع القدس .. كما كانت في ذلك الزمان.. إلا أنه وللأمانة .. أن جنة الجحيم تمتاز برسم هيكلية لتحليل نفسية جميع شرائح الشعب في ذلك الزمن.. من أمراء ونواب ومخاتير وشيوخ عرب .. الصدارة والهيبة والمركز فيها كانت دوما للمدعوم بالمال أو الرجال.. يتحكم ويتجبّر.. شغله الشاغل ظلم الضعيف أو سحقه أو الاعتلاء على كتفيه.. دون أن يلتفت إلى شعب أو قداسة أرض أو وطن.
هي الأنا.. حتى لو أدى الأمر الى هدم المعبد ( عليّ وعلى أعدائي يا رب).
ولا ألوم قاريء جنة الجحيم إذا خرج بنتيجة مفادها ( هيك مضبطة .. بدها هيك ختم).
أو إذا تجلّت له الحقيقة .. وعرف أن المختار على استعداد أن يبيع أخاه أو ربعه بعدد من رؤوس الغنم .. أو مقابل شهرة أو مركز.. أو حتى من أجل ان يقهر أخا أو جارا أو صديقا.. أو من أجل أن يذل إنسانا حتى لو كان لا يعرفه.. تبدو عليه أثر نعمة.. أو ذو مركز.. أو مكانة .. لا لشيء سوى الحقد والحسد والغيرة .. والاستئثار بالمركز الأرقى أو الأعلى.. وبالتالي لا يستغرب قاريء جنة النعيم .. ولا يتحسّر على ضياع البلاد.. ما دام لأهلها مثل هذه التركيبة والصفات.
فإذا آمنا كما قلنا سالفا.. أن جنة الجحيم نص توثيقي .. تتصدّى لنا درجة التشويق العالية في هذا النص.. وهو عنصر من عناصر الرواية.. كما أنه شاب هذا النص شيء من الخيال.. والخيال أيضا عنصر من عناصر الرواية.. وما دام قد اجتمع في هذا النص عنصرا التشويق والخيال.. إذن فلا بدّ أن تكون ” جنة الجحيم” رواية .
وإذا سلّمنا أن هذا النّص رواية .. تتصدى لنا الحقيقة .. فالنص يرتكز على أشخاص معروفين.. لهم وزنهم ومركزهم ومكانتهم في ذلك الزمن.. أخذ كل منهم حقه سلبا أو إيجابا من مدح أو ذم .. حسب ما كانت تعتمل به نفسه من نوايا .. خصوصا الدكتور الذي فاز بالمقعد البرلماني.. والشيخ الذي خسر المعركة الانتخابية.. وهذه حقيقة .
أضف إلى ذلك جدية الكلمة ووضوحها في هذا النص.. بحيث أنها لا تحمل معنيين.. فيشوبها شك.. أو ظن.. وهذا توثيق إذن.. فهي ليست رواية…والله أعلم.
أصاب الكاتب حين كتب الرواية باللهجة المحكية البدوية والقروية.
بالتأكيد أنها أكسبتها جمالا.. وزادتها تشويقا.. فهذه اللهجة جزء من شخصية ذلك الزمان. فلو لم تكتب بهذه اللهجة .. لفقدت تلك الشخصية جزءا مهما من تكوينها.
العنوان: ” جنة الجحيم”..
الله سبحانه يغري عباده بما في الجنة من نعيم.. ويخوّف الناس بما في النار من عذاب .. والكاتب يقول أن في الجحيم جنة.. لقد تحيّر الناس أين يذهبون إلى الجنة التي وعد الله بها عباده الصالحين.. أم إلى الجنة التي في قلب الجحيم.. التي همس فيها الكاتب في أذن القاريء .. ويعطي الكاتب للجزء الأول من هذه الرواية عنوان ظلام النهار.. إذا كان الله قد جعل النهار ضياء.. لماذا تريد أن تعميه؟؟ إن في روايتك من الكلام الجميل ما يجعلك تستغني عن مثل هذه العناوين التي كثر استعمالها.. ولا أرى فيها جمالا.. أو إغراء.. سوى السباحة ضد التيار.
أرى أنه ليس للعنوان أهمية.. سواء أكان رواية أو نصا توثيقيا.. فالنص مشوّق وجميل.. يشجع على القراءة .. كما أنني أعتقد أن المكتبة العربية تفتقد لمثل هذه النصوص.. نعود إليها بثقة وطمأنينة أنها الحقيقة .. باقية.. بعيدة عن الاندثار أو الضياع.. أو عبث العابثين.

 

 

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات