ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس المحتلة، رواية الشيخ جميل السلحوت (جنة الجحيم) مساء الخميس 21 /7 /2011 الصادرة عن دار الجندي للنشر في نيسان 2011 م. وتقع في 171 صفحة . وهي الجزء الثاني متممة لروايته السابقة ظلام النهار الصادرة عام 2010 في 176 من القطع المتوسط ؛ أدار النقاش زميلي الأستاذ إبراهيم جوهر الكاتب والناقد والمعلم والإعلامي المتنوع والذي يتهمني باني لا اقرأ كل شيء وإنما انتقي عينات للقراءة، وهو محق في ذلك غير أن ذلك ليس في كل الأمور، فثمة رسائل تعرف من عناوينها، وكتبا تتخير منها ما تريد بعضها تكملة وبعضها تتركه إلى حين، غير أني في هذه الرواية تحديدا قرأتها مرتين مرة لغاية المتعة ومرة لغاية التعلق والنقد، وكانت الرواية وصلتني من كاتبها هدية قبل شهر تقريبا من ندوة اليوم، وأكثر من ذلك أتيح لي معاودة قراءة ظلام النهار وعش الدبابير الأمر الذي قادني إلى التوقف عند تكنيك اللغة في الرواية: وكوني لم أنجح هذه المرة بالدخول من حاجز الاحتلال عند مطار قلنديا الذي كان مسرحا لمكان روايته في صلب متنها، والحصول على تصريح من قوات الاحتلال للوصول إلى المدينة المحتلة والمحاصرة والمغلقة وحرمت من المشاركة قسرا، عدت الى كتابة مشاركتي مع أني ارغب في النقاش أكثر من الكتابة
تكنيك اللغة في الراوية خليط من أربعة ألوان :
اللغة العامية بقواعدها الكاملة.
اللغة السليمة بقواعدها الكاملة.
العامية الأقرب للغة السليمة والخلط بين قواعدها.
اللغة السليمة الأقرب إلى العامية الدارجة والخلط في قواعدها
غلب الكاتب الانسيابية في لغة القص الروائي، على طريقة الحكواتي الذي يجمع الناس ليحكي لهم أيام زمان، خالطا بين الهم السياسي والاجتماعي، متداخلا في الحدث الروائي في مثاقفة تسجيلية واضحة على طريقة الأستاذ والتلاميذ، أو شيخ القبيلة والرعية، ينجح في أعمال الخيال لحبك رواياته ضمن شخوصها التي لا ترى لها شخصية محورية جمعية، تدور حول الأحداث، بل يترك الشخوص أحيانا يمرون مرّ الكرام حاشدا فيها كما هائلا من التراثية، متأثرا من ثقافته الشعبية في أوائل كتاباته عن الأدب الشعبي، تلك الأسماء التي يظل لها في ذاكرة جيلنا وهو جيل الكاتب دلالة ومعنى، حتى أنه تركني أتذكر أصدقاء لي عرفتهم وتواصلت معهم خارج الوطن، منهم من مضوا ومنهم لا يزال على قيد الحياة، وممن مضوا كامل الريماوي وقاسم الريماوي من البرلمانيين البعثيين، ومن الشيوعيين إبراهيم بكر ، فائق وراد والدكتور يعقوب زيادين الذي لا يزال على قيد الحياة، يعيش في منزله في جبل عمان، وكانوا شاركوا في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سليمان النابلسي عام 1957 والانقلاب على هذه الحكومة فيما بعد، جعلني كذلك أتذكر تلك الأغاني الشعبية إبان الانتخابات نحو “” على طريق الشام جينا بالمكينة كذلة الطربوش تظرب عن يمينا والشوفير من المدارس ناخبينا، والدكتور مرشح عن شعب الإمارة “” ومثل هذا نجده في نمط الأدب الشعبي الذي تحفل به الرواية كنص الزغرودة ص 154 والتي تشكل لغة شعبية عامية خالصة بكامل تكنيكها وقواعدها اللغوية العامية، دون تأثر بالفصحى ممايقرب الرواية من نمط الرواية الشعبية لغة وتكنيكا وحوارا، غير انه يقع في فخ الأخطاء الفاضحة عندما ينسى انسيابية القص فيخرج عن قواعد العامية في رفع المفعول به في قوله :” وأعقبتها زغرودتان بدل زغرودتين السطر السادس ص 154 وهي مسالة لاتفوت الكاتب بالطبع لتخصصه باللغة، وكونه كاتبا متمكنا مما يرجح أن الكاتب لم يعاود مراجعة كتابه قبل نشره، أو لم يعرضه على منقح لغوي والأخطاء المماثلة ليست قليلة من أول الرواية إلى نهايتها لا يتسع المجال لذكرها وتعدادها.
كسر رتابة القص والإخلال بانسيابية اللغة العامية الشعبية وقواعدها في غفلة من أمره، ودون انتباه، وكأنه غير مسار اتجاهه دون معرفة أو انتباه، حيث يبدأ بالفصحى في السطرين الثالث والرابع من ص 155 “احمر وجه أميرة ….. ” ثم يدخل للعامية في السطر الخامس ” ليش ما تضحكي وللا مش راضية .. للدخول فجأة في لغة عامية لا تتعارض مع السليمة في نصها النحوي، ولا تكاد تصحوا على سلامتها الا وهو يطبق قواعد النحو على قوله ” ووضعه أمام أبيه ”
بصراحة اللغة تصبح متعبة جدا للمتابع، وخاصة ان لم يكن متمكنا من قواعد العامية وقواعد الفصحى والتميز بينهما وتكنيك كل منهما، ولهذا وقع الكاتب في أخطاء لا حصر لها نتيجة هذا الخلط في تكنيك لغته في روايته هذه، انظر مثلا في نص ص 113 السطر 7 “في صباح اليوم التالي (هذه لغة سليمة ) الى ان يصل الى قوله اصطحب المختارين “أبو سعيد وأبو محمد ” يجب نصب كلمة (أبو ) لتصبح آبا سعيد وأبا محمد (عطف بيان بدل من المختارين المنصوبة بالمفعولية للفعل اصطحب ) ولو كان السرد الروائي بتكنيك العامية لاستقام الأمر .
ولا ادري كيف تفوت كاتبنا المخضرم مثل تلك الهفوات البسيطة وهو الأكثر خبرة بالأدب الشعبي وحكاياته، كما لو انه لا يعرف أن عبارة يا ريت هي الأقرب من يا ليت إلى السرد الشعبي والعامي فيما كلمة يا ليت تستخدم في اللغة السليمة، وأكثرها في حالة الإضافة يا ليتني، وهو ما جعل النص وكأنه يرتدي قميصا ليس له مما يجعل التكنيك ضعيفا كما في السطر الأول والثالث ص 23 ” طيب عارفين يا إخوان ..( يا ليت )عندنا في بلدنا دكتور مثله .. والأسلم (يا ريت ) في مثل تكنيك العامية الشعبية هنا .
وهو ما نجده مستساغا في تكنيك العامية كما في السطر 10 ص 22 ” شبابنا ما تربوا ع رد الحكي يا أبو كمال ” فلم ينصب كلمة (ابو كمال ) في باب المنادي لأنها مستساغة في تكنيك العامية الشعبية هنا. ولو أن الفكرة ليست في مكانها وهي وان أراد بفكرتها التفاخر في مجال التربية الصارمة والانضباطية الا انها سلبية مطلقة في عالم قائم على حرية الرأي والتدريب على الاتصال والتواصل
الانفصال عن الخلط في تكنيك اللغة والمزاوجة بين العامية والفصحى لا تنجيه من الأخطاء، ولا تبرر له تلك الأخطاء على الإطلاق، ونجده عندما يتحرر من تلك المزاوجة يدخل في إطار كتابة القصة القصية جدا، ويبرع في حياتها كطبق من الحلاوة في تكنيك لغة ناعمة مجازية وبارعة، في ختام روايته وكأنه استراح من عناء صعود جبال وهبوط تلال على مقهى في فندق هادئ كما في قصة جسيكا ص 164
مثل هذا الخلط في تكنيك اللغة يوقع الكاتب في أخطاء عديدة مما يتوجب عليه مراجعتها، والفصل بين هذا التداخل وتطبيق قواعد اللغة كل في مسارها الصحيح، مع أنني أميل إلى أهمية الكتابة باللغة السليمة لتخرج روايته من إطارها المحلي إلى العالمية
عدا ذلك اتفق مع ما ورد في مداخلة أستاذنا الكبير إبراهيم جوهر ولا سيما في : تناوله لموضوعه وتلاعبه باللغة كما في ظلام النهار وجنة الجحيم ولا استغرب ان خرج علينا برواية ثالثة بعنوان المجانين في نعيم والعقلاء في جحيم، في تناوله للواقع الاجتماعي والتلون الثقافي بين المؤتلف والمختلف، وأن الجنة هي العلم والجحيم هو الجهل، في مواضع معينة، وأن الجنة هي الوطن والجحيم هو الغربة في (الصفحات 18 و90 و122 و157 ) مشددا على خصوصية المكان الفلسطيني في الرواية برموزها ودلالتها وملاحظته فيما يخص السرد التاريخي المرافق خارجا عن السياق الفني للرواية، وبدا مطّوّعا لخدمة الحدث الروائي ، خارجا عن السياق، في حين كان بالإمكان تقديمه ضمن الأحداث بقليل من المعالجة الفنية .. كما يظهر في الصفحتين 15و18 .
وكذلك الموقف من المرأة في مجتمع الفترة المعبّر عنها خمسينيات القرن العشرين؛ موقف الرجل منها ومدى تقديره السلبي لها بحيث لا رأي لها ولا مشورة ولا احترام …ونقل بالمقابل موقف المرأة من ذاتها (ص155 ) وهو موقف ذوّتته لنفسها عن نفسها .
وفي الختام أتمنى لكاتبنا الرائع مواصلة العطاء في زمن صعب يعيشه أبناء القدس وتعيشها قدسنا التي كانت هي المسيح وكانت هي الضحية وحملت جروحها الندية لفجر ابيض فسيح.