جميل السلحوت:بنت وثلاثة أولاد في مدينة الأجداد تناقش في اليوم السابعالقدس: 8- 11-2012 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الدوية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس قصة الأطفال ” بنت وثلاثة أولاد في مدينة الأجداد” للأديب الكبير محمود شقير، والتي صدرت قبل بضعة أشهر عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في رام الله-فلسطين محلاة برسومات الفنان التشكيلي حسني رضوان، وهي مطبوعة على ورق مصقول، ورسوماتها مفروزة الألوان، والقصة صفحاتها غير مرقمة.بدأ النقاش ابراهيم جوهر فقال:العقل الراجح مقابل الاندفاع يختار الكاتب (محمود شقير) لقصته الموجهة إلى جيل الفتوة المأخوذ بالتجريب والمغامرة عنوانا ذا دلالة توحي بالتكامل الفكري والتأثير . (بنت وثلاثة أولاد) عنوان القصة فيه اهتمام بالفتاة ذات القدرة على المشاركة والمغامرة وإبداء الرأي ، ولا يمنعها جنسها ولا كونها وحيدة بين ذكور ثلاثة من إبداء الاعتراض وأحيانا السخرية ، وأحيانا الإهمال .
تقوم القصة على لغة السخرية والدعابة التي وفّرت لها حياة ومذاقا خاصين . فالكاتب يسخر بالمصطلح (الحرب) ، وبالموقف (تكوين العصابة ، وزيارة البلدية) وبالحوار ( الحوار مع رئيس البلدية ) وبالتصوير الذاتي الداخلي لموقف سفيان وهو يتصور نفسه رئيسا لعصابة وعليه أن يكون بعيدا عن الأعين لزيادة الأهمية …
يأخذ الكاتب من حدث عادي بسيط (التزحلق بقشرة موز على الرصيف) منطلقا يقود قارئه من خلاله في جولة داخل نفسيات الفتيان والفتاة ، ويطلعنا على أسلوبهم وأفكارهم وهو يصنفها بين التهور والاندفاع والتردد والتعقل في إشارة واضحة لقارئه باتباع الأسلوب الأكثر صحة واستقامة وإقناعا .
اهتم الكاتب بالأرقام وحددها بدقة . فالاجتماع استغرق خمسا وأربعين دقيقة، وسفيان أمضى ثلاثة أيام معتكفا في منزله ، والعقوبة للمخالف منعه من النوم سبعة أيام ،والجدال استغرق ثلاث دقائق ، والعصابة ستذهب إلى رئيس البلدية وتمهله للاعتذار ستة أيام وعشر ساعات وأربعين دقيقة ….فما الهدف من استخدام الأرقام بهذا التحديد ؟
في ظني أن الكاتب أراد توظيف الرقم المبالغ في دقته ضمن أسلوب الدعابة والسخرية من جهة ، ومن جهة أخرى قصد تعليم قارئه أهمية الوقت والتنظيم والتحديد . وإذا عرفنا بأن الفكرة الأساسية للقصة تنطلق من كون المدينة مدينة الأجداد (أريحا) قد مضى على بنائها عشرة آلاف عام ، فإن حضور لغة الأرقام مبرر وضروري.
زاوج الكاتب بين الواقع الحقيقي والمتخيّل ؛ فهو يصف رئيس البلدية وصفا ينطبق على الشخص الحقيقي ذي الشعر الأشيب الذي يشبه الثلج ، وقد شاب قبل الأوان . ويقود شخصيته القصصية للتأكد من أن الرئيس لا يحمل كتلة من الثلج على رأسه .
لقد دفع الكاتب شخصيته الرئيسية للتراجع عن تفكيرها المتهور وأحلامها بالحرب وتشكيل العصابة والحقد وطلب الاعتذار ، وقاده في طريق الحكمة ، والتطوع لتجميل المدينة .
المدينة التي كانت مكروهة أوضح الكاتب جمالها وهدوءها وبراءتها ودور بلديتها مما يدعو لعشقها ، وهذا ما حصل من الفتيان والفتاة . والمدينة هنا تصير وطنا ، ومدينة ، وفكرة ؛ هي واقع وحلم .
هذه القصة الجديدة في أسلوبها الفني المعتمد على الحوار والفكرة ، واللغة الساخرة الأليفة بمداعبتها لمشاعر الطفل القارئ تأتي لتقول : إن لنا وطنا جميلا مظلوما علينا المساعدة في حمايته وتجميله ، وإن المسائل تحلّ بالحوار والرأي ، وأن لكل إنسان رأيه الذي عليه إبداءه في المواقف العامة،
وإن هذا كاتب يستحق الاحترام ، فشكرا لمحمود شقير .
وقال جميل السلحوت: مؤلف القصة محمود شقير، أديب كبير معروف، صدر له حوالي 40 كتابا في القصة القصيرة، والأقصوصة، وقصة الأطفال والفتيان، وأدب الرحلات، والمسرحية، واليوميات، وله سرديات تتفاوت بين القصة والرواية، وستصدر له رواية قريبا، كما كتب المسلسلات التلفزيونية، وهو أول الفائزين بجائزة الراحل العظيم الشاعر محمود درويش، ويعتبره النقاد ملك القصة العربية، وترجمت له قصص لأكثر من عشر لغات. وفي القصة التي نحن بصددها”بنت وثلاثة أولاد في مدينة الأجداد” يؤكد لنا أديبنا شقير بأنه يأتينا دائما بما هو جديد بطريقة ابداعية لافتة، وأنه يستطيع ابتداع حدث بسيط ليسرد لنا من خلاله ما يرمي اليه من أهداف، ومنها تعريف القراء –والأطفال منهم- بوطنهم وتاريخهم، ولمّا كانت القدس همّه الأول لما تتعرض له المدينة من سلب للجغرافيا والتاريخ، فقد كتب عنها أكثر من سردية وأكثر من مجموعة قصصية من القص الوجيز، وها هو يعرج على مدينة أريحا في قصة طويلة للأطفال.ومحمود شقير في هذه القصة عالم تماما بنفسية الأطفال وكيفية تفكيرهم البرئ، فكثيرا ما نشاهد الأطفال وقد انتظموا في مجموعات يمارسون من خلالها طقوسهم وألعابهم الصبيانية التي تتناسب وقدراتهم العقلية.مضمون القصة: يتمحور مضمون القصة على حدث بسيط هو: تزحلُق طفل في الشارع بسبب قشرة موز ملقاة على الرصيف، فيفكر الطفل بالانتقام من رئيس البلدية بسبب ذلك، ويشكل عصابة من أقرانه وهما ولدان وبنت، وتدور بهم الأفكار بصبيانية متناهية لتشكيل عصابة، مهمتها الانتقام، ويقترحون اقتراحات صبيانية مثل القاء عشرين قشرة موز في طريق رئيس البلدية، أو منع القطار الهوائي” تل فريك من العمل لمدة أسبوع، ومنع سكان المدينة من النوم لمدة أسبوع، لكنهم في النهاية يصلون الى الحلول الصحيحة والسليمة من خلال الحوار فيما بينهم، وهو التطوع لتنظيف شوارع وطرقات المدينة، أو يُبَلِّطون رصيفا في أحد أحياء المدينة، والرسم الجميل على جدران الشوارع لتزيينها وجذب السياح اليها.
قيم تعليمية وتربوية: وردت في القصة عدة قيم تعليمية وتربوية منها:- أريحا أقدم مدينة في العالم.- عمر مدينة أريحا عشرة آلاف عام.- أريحا مدينة فلسطينية عربية بناها الكنعانيون العرب.- تقع أريحا في أخفض منطقة في العالم.- يقع البحر الميت الفريد من نوعه قرب مدينة أريحا.- أريحا دافئة شتاء ومعتدلة في فصل الربيع.- في مدينة أريحا مواقع أثرية تاريخية مثل دير قرنطل وقصر هشام.- للبلدية وظائف هدفها خدمة سكان المدينة.- أهمية مطالعة الكتب لزيادة المعرفة وهذا ورد على لسان بثينة أكثر من مرّة. كما ورد ذكر مكتبة البلدية وضرورة تردد المواطنين عليها لقراءة ما فيها من كتب.بثينة: بثينة شقيقة زيدان، وهما صديقان لسفيان الذي تزحلق بقشرة الموز، وانضما مع اسطفان الى عصابة الأطفال التي اقترحها سفيان، ونلاحظ أنها كانت أكثرهم وعيا وعقلانية، وهذا ليس أمرا عفويا، بل هدف الكاتب من ذلك تبيان دور الإناث في مجتمعنا، وهو يدعو بذلك-وإن بطريقة غير مباشرة- الى إشراك المرأة بمختلف مراحلها العمرية في كافة مجالات الحياة، وأنها مؤهلة للقيام بدورها، وقد كان واضحا في القصة انحياز الكاتب للمرأة، فقد جاء على لسان السارد:”ولبثينة حضور جذّاب، ولها ملاحظات صريحة على ما تسمعه من كلام”.أسطفان: ويلاحظ من اسمه أنه مسيحي الديانة، وفي هذا إشارة الى أن شعبنا متعدد الديانات والثقافات، وأن الطائفية لا مكان لها بين أبناء شعبنا…فكلنا أبناء شعب واحد، متساوون في الحقوق والواجبات.اللغة والتشويق: يملك أديبنا لغة جميلة بليغة، وأسلوبه مشوق بشكل لافت، فالقارئ للقصة يتابع أحداثها بيسر وسهولة، ويجد فيها متعة وتسلية.الرسومات: مع أن ما يطبع عندنا من كتابات للأطفال يعاني من الرسومات غير اللائقة وغير المعبرة عن المضمون في غالبيته، إلا أن رسومات الفنان التشكيلي حسني رضوان هنا تشكل استثناء إيجابيا، فهي رسومات جميلة ولافتة وتعكس المضمون بشكل لافت، بل وتسهل للأطفال فهم النص، بل وتثير فيهم الرغبة لزيارة مدينة أريحا التي تدور فيها أحداث القصة.الإخراج الفني: الكتاب مطبوع على ورق مصقول، ورسوماته مفروزة ألوانها، وهذا أمر جيد ومطلوب، لكنني أتساءل عن سبب عدم استعمال غلاف مقوى لهذه القصة ليسهل حفظها- خصوصا وأنها مخصصة للأطفال-؟ فأطفالنا يستحقون الكثير، مع إدراكنا للتكلفة المادية المترتبة على ذلك، لكن طباعة الكتاب مدعومة من القنصلية البلجيكية العامة في القدس، كما ورد في الصفحة الأخيرة. ومونتاج القصة موفق وجميل، لكنني أتساءل مرة أخرى عن سبب وضع اسم الناشر والجهة الداعمة وتاريخ النشر على الصفحة الأخيرة، وليس على الصفحة الثانية من الكتاب كما هو متعارف عليه؟ أو ليس في ذلك تقليد غير مدروس لكتب الأطفال الأجنبية، والتي تبدأ لغاتها من اليسار الى اليمين؟ وهذا ما جعل الصفحة الأولى في الكتاب تماما مثل الغلاف الأول بدون الرسومات، لتبدأ القصة في الصفحة الثانية مباشرة.لماذا: معروف أن الكاتب عندما يكتب موضوعا معينا يكتب عن جانب واحد منه، فهو لا يكتب بحثا علميا عنه، لكنني أتساءل عن عدم تطرق الكاتب في القصة الى سبب القاء قشرة الموز في الشارع؟ ولماذا لم تكن في القصة دعوة لعدم القاء النفايات في الطرقات والشوارع؟ فقد ورد في القصة على لسان اسطفان ردا على بثينة في الصفحات الأخيرة من القصة:” ومن واجب قشر الموز أن يجد له مكانا غير الرصيف” فهل هذا واجب قشرة الموز أم واجب الانسان الذي ألقاها على الرصيف؟ صحيح أن كلا اسطفان كلام طفولي، لكنني أعتقد أن الطفل لن يدرك مغزاه.وقالت رفيقة عثمان: الأنثى في القصَّة تناولْت في قراءتي هذه، جانبًا واحدًا من جوانب قصَّة: بنت وثلاثة أولاد، للكاتب الفلسطيني محمود شقير، وركَّزت اهتمامي حول شخصيّة الأنثى، ومكانتها في المجتمع. اختار الكاتب شخصيَّة الفتاة بثينة بطلة من أبطاله الأساسيين، برفقة ثلاثة فتيان آخرين.كانت بداية اهتمام الكاتب بتسمية القصَّة، بعنوانها الذي ابتدأ بكلمة البنت، ومن ثمَّ اطلق عليها اسم بثينة، الذي يعني الوجه الجميل، شديد البياض. وصف الكاتب شخصيَّة الفتاة بثينة بالجمال، والحضور الجذَّاب، كما ورد (صفحة 5)، كما منحها الكاتب صفة التعقُّل، والرزانة، والمُدافعة عن الحق؛ كما ذكرت: “أنا لا أقبل أن يسخر أحد من رئيس البلديَّة”، كذلك مثلت الشخصيَّة دور الفتاة المسالمة، والمتَّزنة في اتخاذ القرار، عندما اقترحت تسمية الفريق “بجماعة النصح والإرشاد”، بدلا من “العصابة السريَّة”. هنا تبين رجاحة العقل، والتوجُّه التربوي السليم، والمُقوِّم للاعوجاج، بعيدًا عن العنف، وعدم الانجرار وراء الأفكار المؤذية التي اقترحها الأصدقاء، بإيذاء رئيس البلدية، والسخرية منه. كما ورد صفحة 18، “انا اعترض”؛ ومثَّلت الفتاة بثينة الصوت المعارض للأفكار السوداويَّة، وعدم تقبلها لها، معبِّرة عن رأيها بكل صراحة؛ كما ورد صفحة ،9،10 برفضها لكتابة منشور يحذِر الناس من الذهاب الى البلدية، والأماكن السياحيَّة، عبَّرت عنها بانها: “فكرة فطيعة”. تميّزت الفتاة بثينة بالمسامحة، والمرونة في المواقف احيانًا.تجلَّت مواقف شخصيَّة الفتاة بثينة، بمواقف الخير الذي انتصر على الشر، ومثَّلت صوت الضمير الحيّ، الذي وازن بين مواقف الصراع المختلفة في القصَّة. على الرغم من وجود صوت أنثوي واحد، إلا انه كان له التأثير الأقوى من بين مجموعة الرفاق.هكذا صوّر أديبنا محمود شقير، صورة الفتاة في المجتمع، بصورة جميلة تليق بفكره التقدمي، ونطرته الشموليَّة المساندة للمرأة، والتي هي نصف المجتمع، على غرار العديد من القصص العربية الأخرى في أدب الأطفال ، التي لم تكترث لتمثيل الأنثى بصورة جميلة، أو بالأحرى تتجاهل وجودها تمامًا؛ وتهمِّش أدوارها، بل تعرضها بصورة دونية، كأنثى في ظل مجتمع ذكوريّ.
وقال رفعت زيتون:
عالجت القصّة جوانب كثيرة في المجتمع فيما يخصّ هذه الفئة العمريّة، بعضهاكان جليّا واضحا والبعض الآخر يمكن استنباطه واستشعاره دون الإشارة إليه.ومن الجوانب الخفيّة التي عالجتها القصّة ذلك البون في التّفكير بين الأقران وهذا ليس عبثيّا فهو نتاج تربية كلّ منهم في بيته، ويعكس مدى قرب الأهل منهم.فمثلا الصّفات التي تحلّى بها سفيان تؤكّد خللا ما في تربيته، ويؤكّد ذلك أنه اتّصل بصديقه وتردّد في الاتصال بأمّه، فلو كانت الأم أقرب لما تردّد في ذلك، وهذه إشارة خفيّة من الكاتب إلى خطورة هذه العلاقة على تصرفات الأولاد لاحقا.فماذا لو نفّذ سفيان ما كان يفكّر به؟ كذلك طريقة تعامله مع قشرة الموز أنركلها برجله كانت دليلا آخرَ على هذه التّربية التي تربّى عليها، والتي صاغتشخصيّته كما قرأنها في القصّة.القضيّة الأخرى التي أعتقد أنّ الكاتب أراد الإشارة إليها هي التّأثر الشديد بما يشاهدونه عبر وسائل الإعلام الحديثة وما يقرأونه، ففكرة الحرب والانتقامكانت أول فكرة تراود الفتى، وبعدها اجتمع مع أصدقائه وشكّل عصابة، وكانت تصرفاتهم وحركاتهم واسم هذه العصابة دليلا واضحا لمدى تأثّرهم ذاك.اعتقدّت بادئ الأمر أنّ الكاتب أراد بوجود بنت في القصّة مقابل ثلاثة أولادأن يعطيها حجما صغيرا يناسب حجمها الذي فرضه المجتمع عليها، نسبة لمدىمشاركتها وتأثيرها في المجتمع، ولكنّ الكاتب بدّد هذه الفكرة عندما أنصفها في عقلانيتها ووعيها وحكمتها أمام الفتيان، وهذه رسالة أخرى تقول رُبَّ فتاة تساويثلاثة فتيان لو تعلمون.النّهاية كانت جميلة وفيها دعوة إلى العمل والإحساس بالانتماء، وأنّ المدينة أمانة في عنق كلّ فرد، وأنّ كل فرد في المجتمع هو رئيس بلدية وأنّه عامل نظافة.
الأسلوب كان سهلا وخلتِ اللغة من التعقيد ومالت إلى البساطة التي تناسب هذهالفئة العمريّة.الرّسومات كانت جميلة ومناسبة في معظمها فقد عكست معالم مدينة أريحا،ولكنّها في رسم الأشخاص لم تكن موفّقة كثيرا. وبعض الرسوم لم تخضع لقانون الضّوء والظلّ كما هو معروف.القصّة جعلت البلديّة مثاليّة أكثر مما هي في الواقع، وهذا مأخذ على القصّة، فالبلديات والموظفون فيهم المخلصون، وفيهم من هم دون ذلك وبالتّالي تقععليهم مسؤوليّة عظيمة في مجتمعاتهم.وقال جمعة السمان:بداية تحية الى كاتبنا الشمولي محمود شقير “أبوخالد” فهو الكاتب الشمولي الذي حباه الله نعمة الحسّ والإبداع ليكتب في الكثير من أغراد الأدب.. منها قصص الأطفال .. ورواية الفتيان.. والقصة القصيرة.. ورواية الكبار.. في حين أن كل فرع من هذه الفروع .. يحتاج الى تخصص وإلتزام.إبداع هذه القصة يكمن في كفاءة الكاتب.. حيث أنه استطاع أن يبني من قشرة موز تدوسها أقدام المارة في الشارع.. قصة يقوّم فيها فوضى حياة أطفالنا الى قيم ومثل وإرشاد.. ينمّي فيها المسئولية وتقديس الوطن.. وشدة الإنتماء إليه.. والثقة بالنفس.. والصلاح.. والخلق الكريم.سفيان طفل يعلو في صدره صوت الإنتقام والتخريب.. يتزحلق بقشرة موز.. فلا يكتفي بشتمها كعادة الأطفال.. بل يطمح أن يقابل الشر بالشر .. وينتقم من رأس الكبائر.. المسئول الأول عن المدينة كلها.. وهو رئيس البلدية.. فهداه تفكيره الشرير الى تأليف عصابة.. وطال به ذراع الأذى لدرجة أن يوقف حال المدينةويؤذي أهلها من أجل أن يصل الى الراس الكبير وهو رئيس البلدية.. إلا أنه تصادف وكانت “بثينة” وهي أنثى صاحبة عقل راجح عضو في هذه العصابةاستطاعت أن تبين الضرر الكبيبر الذي سيقع على المدينة واهلها.. إذا أصر سفيان وزميلاه على تنفيذ خططهم.. فأذعن لها أعضاء العصابة واسترشدوا برأيها.. وبذلك تكون قد رفغت شر أذى زملائها عن المدينة واهلها.هنا أرى أن الكاتب ابدع حين كسر شوكة تطرف المجتمع الذكوري في بدء نموه بعقل أنثى.. ورفعها عليهم درجة بالعقل والحكمة.أما قمة الإبداع فكانت في الحوار بين هؤلاء الأطفال.. حيث أجاد الكاتب وأبدع في سرد لغتهم وتفكيرهم وبراءتهم ومحاولة إثبات وجودهم.. ومحاولة تعالي كل منهم على الآخر.. والعوامل النفسية التي لها التأثير الأكبر في تصرفاتهم.. ولم يغفل الكاتب شيئا عن ما يجول بخلد أطفال في مثل أعمارهم.كما أنه كان في هذه القصة دروس مفيدة أختصرها في عنوان” إعرف بلدك”كانت دروسا نافعة في التاريخ وجغرافية المدينة.وقال موسى أبو دويح:عنوان القصّة عنوان مسجوع سجعًا غير متكلّف، ترتاح الأذن لسماعه، وهو ليس من السّجع المتكلّف الّذي يهدم المعنى؛ من أجل السّجعة كالقول المشهور الّذي جاء على لسان أحد الخلفاء العباسيّين حينما كتب إلى القاضي في مدينة (قُمْ) فقال: “أيّها القاضي بقُمْ، ولمّا استغلق عليه أن يأتي بجملة مسجوعة تماثل (قم)، لم يجد إلا أن يقول: قد عزلناك فقم”.فقال القاضي: والله ما أراد عزلي وإنما التطابق بالسجع حمله على ذلك، فما مضت أيام عدة حتى أعاده.
أبطال القصّة ثلاثة أولاد هم: سفيان، وصديقاه: أسطفان، وزيدان، وهي أسماء منتقاة، أعلام مختومة بألف ونون مزيدتين، ممنوعة من الصّرف، وقعها على الأذن جميل، لها جرس موسيقيّ، عند لفظ (ان) في آخر سفيان وأسطفان وزيدان. وبثينة رابعة الأبطال، اسم عربيّ عريق له معنى جميل، وبثينة تصغير بَثْنَة وهي المرأة الحسناء البَضّة النّاعمة كما جاء في لسان العرب، وقيل هي الزّبدة النّاعمة.
قال جميل بثينة الّذي عرف باسم محبوبته بثينة من الوافر:
أحبُكِ أن سكنتِ حبالَ جسمي وأنْ ناسبتِ بَثْنَةَ من قريبِ
وقال خالد بن الوليد –لمّا عزله عمر عن قيادة جيوش الشّام بعد موت أبي بكر الصّديق رضي الله عنه- حين خطب النّاس: (إن عمر استعملني على الشام وهو له مهمّ، فلما ألقى الشّام بوانيه وصار بَثَنِيَّةً وعَسَلاً عزلني واستعمل غيري)؛ أي صار الشّام زبدة وعسلاً، وصارت أموال الشّام تُجبى من غير تعب. (من لسان العرب بتصرف).
تعالج القصة موضوعاً مهماً في بلادنا فلسطين، وفي كثير من البلاد العربيّة والإسلاميّة والتي تنكّرت لماضيها فساءت أوضاعها وصارت أحوالها لا تسرّ.
ونسيَتْ أمتُنا أننا يجب أن نكون من أكثر بلاد العالم نظافةً؛ فالعالم كلّه يطلب من ناسه وقاطنيه ألّا يلقوا القاذورات في الشّوارع، وإن فعلوا يعاقبوا بعقوبات صارمة. أمّا الإسلام فقد بلغ درجة عالية من الرقيّ والتقدّم في هذا الموضوع، فقال رسولنا عليه السّلام: (وإماطة الأذى عن الطّريق لك صدقة). فهو عليه السّلام يطلب من كلّ أفراد الرّعيّة إذا رأوا أيَّ أذىً في الطّريق أن يميطوه ويزيلوه. فغيرك يوقع الأذى وأنت تميطه وأجرك على الله، وذلك لك صدقة يجزيك الله عليها خيرًا. فهذه الدرجة لم تصل إليها أيّة دولة في العالم.
وأمّا نحن المسلمين، بتضييعنا للإسلام، فقد ضيعنا كلّ شيء، بل وخالفنا كثيرًا من الأحكام الشّرعيّة، فصرنا أسوأ النّاس في كثير من الأمور.
القصّة بلغة واضحة سهلة مفهومة، لا تعقيد فيها، وهي لغة الأديب محمود شقير، التي عُرف بها في كلّ ما كتب، وهي جزء لا يتجزّأ منه؛ فلغة المرء وأسلوبه ملازمان له ولا ينفصلان عنه.
أمّا هِناتُ القصّة فقوله في الصّفحة الأولى من القسم الرابع: (كتاب مركون فوق المكتب)، فكلمة مركون يستعملها العوامّ وعنهم أخذتها الخاصّة وكان الأولى أن يقول بدلها (موضوع)؛ لأنّ الفعل ركن يعني مال إليه وسكن ومنه قوله تعالى: “وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ”. سورة الرعد.
ورُكْنُ الشّيء جانبه الأقوى، والرّكن النّاحية القوية ومنه قوله تعالى على لسان لوط عليه السلام: “قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ”. قيل الرّكن هو العشيرة وقيل القوّة. (من لسان العرب بتصرف).
وجاء في القصة استفهامان أولهما في الصّفحة الثانية من القسم الرابع: (ألا تكفينا الحرب التي تشنها إسرائيل علينا منذ سنوات)؟ وثانيهما في القسم العاشر في الصفحة الثانية وهو قوله: (أيّة بلديّة هذه التي لا تسمح لنا بأن نلعب الكراتيه في قاعة الاجتماعات)؟ والاستفهامان إنكاريّان، كان على الكاتب أن يضع بعد إشارة الاستفهام إشارة تعجب أو أكثر في كليهما؛ لأنّ السّائل هنا لا يريد جوابا” وإنّما ينكر ويتعجب مما سأل عنه.
وجاء في القسم التّاسع في الصّفحة السّادسة قوله: (قال زيدان وهو يهزّ رأسه المملوءة بالأفكار)، والصّحيح أن يقول رأسه (المملوء) لأنّ رأس مذكر وليس بمؤنث. فكلّ ما كان واحدًا (فردًا) من أعضاء الجسم فهو مذكر كالوجه والرأس والأنف واللسان والصدر والبطن، وما كان منه اثنين (زوجًا) كان مؤنثًا كالكفّ، واليد، والسّاعد، والعضد، والسّاق، والفخذ، والأذن، والعين، والحاجب، والقدم.
القصّة هادفة ونافعة ومناسبة للصّبايا والصّبيان تعلّمهم وتشجّعهم على المطالبة بحقوقهم وتغرس في نفوسهم القوّة والجرأة. .
وقال محمد خليل عليان: يظن البعض أن أدب الأطفال أو الفتيان هو من أسهل الأصناف الأدبية .. يكفي أن تكتب حدوثة صغيرة عن حيوان أو طائر، وأن تكون أحرفها كبيرة وألوانها زاهية وصورها جميلة وخيالها واسع حتى تنتج أدبا للأطفال يمكن نشرة وتوزيعه على طلاب المدارس، وربما تحقق ربحا وفيرا وربما شهرة لا تحلم بها .. ربما يندهش البعض اذا قلت أن أدب الأطفال هو من أصعب الأصناف الأدبية على الاطلاق .. حيث أنه ليس من السهل أن تكتب بلغة يفهمها الطفل دون عناء .. ويستمتع بها على نحو يفضلها عن أفلام الكرتون .. ويثري بها مفرداته القليلة .. كما أنه ليس من السهل أن تحكي للطفل حكاية بسيطة يفهم مضمونها ورسالتها، وتنمي خياله الطفولي وتغرس في ذاكرته المفاهيم التربوية الصحيحة، وتكرس لديه القيم الإنسانية والاجتماعية السليمة .. وتنمي معارفه وتقوي محاكماته العقلية وتساهم في إغناء حسّه الجمالي والوجداني، وتتضمن صورا فنية ترقى الى مستوى خياله وتلائم أفكاره وتوجهاته .. إنها مهمة صعبة ومسؤولية أدبية اجتماعية أخلاقية عالية جدا .. وإذا كان قارىء إدب الكبار-إن صح التعبير- يستطيع التمييز بين الجيد والسيء، بين الصحيح والخطأ، بين الصالح والفاسد ، فإن قاريء أدب الأطفال تنقصه القدرة على التمييز، ويأخذ كل ما يقرأه كما هو، ويتأثر به بل يتبناه ويقلده ..وينظر الى أحداثها باعتبارها حقيقة واقعة، يفرح لها وينسجم مع أحداثها .. ومن هنا تكمن أهمية أدب الأطفال وصعوبته وعظم المسؤولية التي تقع على كاهل الكاتب .. ومن هنا أيضا نستطيع أن نقيّم أيّ عمل ونحكم ما اذا كان هذا العمل أو ذاك يندرج في إطار أدب الأطفال أم لا .
قصة ” بنت وثلاثة أولاد في مدينة الاجداد ” للكاتب محمود شقير تندرج تحت تصنيف أدب الأطفال وفئة الفتيان تحديدا، فهي مكتوبة بلغة سليمة سلسة وبسيطة ومفهومة، تتناسب مع ثقافة الطفل ومستواه التعليمي وتتضمن صورا فنية جميلة وممتعة، وتحمل معاني تربوية عظيمة، ورسالتها توجيهية رائعة، ولعل فكرة العمل البناء والمبادرة هي أبرز الرسائل التربوية التي ركز عليها الكاتب الذي خلص الى نتيجة أن أخذ زمام المبادرة، هو أفضل الطرق لحل أيّة مشكلة، ولا يجب أن نكتفي بعقد الاجتماعات وتشكيل الأطر والتنظيمات واطلاق التهديدات، بل علينا أن نقوم بعمل على أرض الواقع، وأن نبادر الى تنظيم أنفسنا لتنظيف شوارع مدينتنا، ليس فقط لأن النظافة تزيد المدينة جمالا، بل أيضا لأنها تحمينا من أيّ ضرر . وتضمنت القصة أيضا رسائل تربوية أخرى لا تقل أهمية، مثل توجيه الأطفال حول أهمية تنظيم أنفسهم واحترام الرأي الآخر، وعدم التسلط في الرأي. والقصة زاخرة بالمعلومات التاريخية والجغرافية والسياحية والتنظيمية في مدينة أريحا وهي تحث على حب الوطن والحرص على المصلحة العامة وسلامة المواطنين، وعدم المس بالأماكن العامة والاثرية، واحترام الوقت واستغلاله وتنمية الموهبة القيادية لدى الأطفال والفتيان واحترام مشاركة المرأة في الفعل الاجتماعي واستقلالها في الرأي .وهذه العبر التربوية الكثيرة في القصة لم تكن مقحمة أو غريبة عن الحدث، بل كانت مبررة ووليد طبيعي لأحداث القصة وتطورها.كتبت القصة بلغة امتازت بالجمال والوضوح والإيقاع والسذاجة وطبعت على ورق مصقول مع رسوم توضيحية جميلة بألوان زاهية على نحو يتناسب والمستوى التعليمي والثقافي والتربوي للأطفال وطريقتهم بالتفكير وخيالهم الجامح.
خاض كاتبنا الكبير محمود شقير غمار اأادب بكل اصنافة فقد كتب القصة القصيرة والقصيرة جدا والرواية والسيرة الذاتية وأدب الرحلات واليوميات والنص المسرحي والمسلسلات وكتب للأطفال والفتيان، واذا كان قد أبدع في القصة القصيرة، وتميز بالقصة القصيرة جدا وتألق بالقصيرة جدا جدا، فان هذا العمل ربما كان مقارنة بما تحتوية مكتبتنا الوطنية، هو الأكثر استجابة لمعايير أدب الاطفال . لكنه ليس الأفضل في أعمال محمود شقير.
وقال سامي الجندي:
بين سطور قصة الكاتب الأديب محمود شقير بنت وثلاثة أولاد…المدينة أريحا تأخذ شكلا رائعا، حيث مزج بين الحاضر والماضي معطيا الإنسان قيمة أساسية عليا في المدينة .. أبطال القصة أطفال بعمر قطفة زيتون، تجولوا وجالو بنا -ان جاز التعبير- في طرق تفكيرهم التي لم يكن بإمكان كاتب الولوج الى تلك الأماكن إلا إن عاد الى أيام طفولته،اريحا بلد الموز، موز أبو نملة الشهير، قشرة الموز تشغل فتيل الخطة عند بطل القصة سفيان، الذي داس على القشرة وكادت ان تؤذيه، بنت القصة بثينة تعتقد وهي صائبة أن الإنسان يجب أن ينظر أين يضع قدمه ، نعم ، في الحرب يمكن أن تكون القشرة لغما، التل فريك يجذب الأطفال فتراهم يحبون التحليق في أجواء عين السلطان وجبل قرنطل متأملين البساتين الخضراء، المنتشرة المتلاصقة تحت صومعة التل الفريك الصاعد تارة والنازل أخرى…ومع ذلك فإن تأثير التل فريك لم يكن على بطل القصة كتأثير الماضي العريق وبدايات المدينة الأولى قبل ألاف السنين، المدينة بفصولها الكثيرة تأسره فيتمنى أن يعانقها ولكن كيف؟ فليرسل قبلة إليها من عميق القلب تعبيرا عن حبه لها … المدينة يجب أن تكون نظيفة جميلة، هنا أبدع الكاتب حين رسم فكرة العمل قبل القول، القاريء يجد أن أبطال القصة في خضم العمل ينظفون ويرسمون منهمكين في تجميل مدينتهم، وهذه الفكرة الرائعة تثمر وتنتج على صعيد المكان والإنسان، فالإنسان يعمل ضمن جماعة بروح الفريق، والمكان خال من قشر الموز وأكثر ملائمة لزوار المدينة بشكل عام ولساكنيها خاصة ، وهذا يعمق علاقة الإنسان بالمكان … العمل جعل سفيان يكتشف بأن المدينة والمجموعة المثمرة أكبر بكثير من فكرة العصابة التي بدت حين العمل هزيلة بمخيلته، فقرر إعتزال فكرة العصابة لكن ليس اعتزال الأصحاب بل العمل معهم، فالبعد والإعتكاف في البيت جعلا سفيان يشتاق لأصحابه وتمنى أن يتصلوا به، ولوهلة ظن بأن أصحابه سيهابونه أكثر كونه رئيسا للعصابة بينما سلك طريقا أخرا يقرب الأصدقاء أكثر مما تقربه عصابة الأيدي الخفية، سلك طريق الأيدي النظيفة التي تعمل معا … رئيس البلدية في القصة لم يكن بالسلبي أو الإيجابي لكن الكاتب أعطاه دورا بارزا في قفلة القصة المفتوحة حين تبادل الهمس مع بطل القصة سفيان .. وشارك في النقاش: نزهة أبو غوش، ديمة السمان، د.اسراء أبو عياش، المحامي ابراهيم عبيدات، نبيل الجولاني وجمعة السمان.