ممّا لا شكّ فيه أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو واضح في سياساته أكثر من سابقيه في رئاسة الحكومة الاسرائيلية، وتوليفته الحكوميّة من الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة لا تقلّ وضوحا في سياساته
وطورحاتها عنه، فهم لا يخفون تهرّبهم من متطلبات السلام العادل والدّائم الذي تنشده شعوب المنطقة، وهم واضحون في سياسة تهويد القدس العربية بشكل متسارع، تماما مثلما هم يواصلون مشروعهم الاستيطاني التوسعي لفرض حقائق ديموغرافية على أراضي الدولة الفلسطينية لمنع اقامة هذه الدولة، وما حديثهم عن السلام إلا من باب العلاقات العامة لكسب الوقت من أجل تنفيذ سياساتهم على الأرض. ونتنياهو واثق من الدّعم الأمريكي اللامحدود لسياساته حتى ولو كانت تتعارض مع الموقف الأمريكي نفسه، وقد ثبت أكثر من مرّة أنّ الرئيس الأمريكي تراجع عن مواقف أعلنها مجاراة لموقف نتنياهو وحكومته. ونتنياهو الذي يجيد فنّ إدارة الصراع جيّدا لم يتخلّ عن سياسته المخادعة في اجتماعه الثلاثي مع العاهل الأردنيّ ووزير الخارجية الأمريكية قبل عدة أيام عندما أعطى وعدا “بعدم تغيير الوضع الحالي” في المسجد الأقصى، وهذا أعطى انطباعا بأن نتنياهو قد استجاب للمطالب الأردنية بولاية الأردن على الأماكن الدينية في القدس حسب ما نصت عليه اتفاقية وادي عربة بين الأردن واسرائيل، وهو بهذا امتصّ الغضب الأردني واستجاب للضغط الأمريكي الذي حمله معه الوزير كيري.واستبشر الجميع خيرا عندما لم يعترض الأمن الاسرائيلي على دخول المصلين المسلمين إلى المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي أي قبل ثلاثة أيام، وبعد أقّل من ثمان وأربعين ساعة على تعهد نتنياهو للعاهل الأردني ولوزير الخارجية الأمريكي، لكن الأمن الاسرائيلي لم يلبث أن عاد إلى نهجه السابق باعتراض المصلين ومنعهم من دخول المسجد الأقصى. ومن هنا يتضح أن ما عناه نتنياهو بوعده” عدم تغيير الوضع الحالي في المسجد الأقصى” هو عدم تغيير التقسيم الزماني للمسجد، وليس احترام الولاية الأردنية واسلامية المسجد ومسؤولية الأوقاف الاسلامية عنه وعليه، وهذا يذكرنا “باتفاقية المياه” بين اسرائيل والأردن، حيث قامت اسرائيل في أواخر تسعينات القرن الماضي، بتزويد الأردن بكمية المياه المطلوبة من المياه العادمة في برك تربية الأسماك في الأغوار، علما أن الأردن تريد المياه لحلّ ضائقة مياه الشرب في العاصمة الأردنية.وهذا يعني أنّ اسرائيل تتلاعب بتعهداتها وفي الاتفاقات التي توقعها، بما فيها اتفاقية وادي عربة مع الأردن، وأنها تغيّب حسن النوايا دائما، اذا ما تعارضت مع سياساتها الاستيطانية التوسعية والتهويدية.فهل ستواصل الحكومة الأردنية دفاعها عن حقوق الأردن وولايته على الأماكن المقدسة في القدس؟ وما هو موقفها من خرق اسرائيل الواضح لاتفاقية وادي عربة؟ وهل ستلجأ هي والسلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف الانتهاكات الاسرائيلية الخطيرة في القدس وبقية الأراضي المحتلة؟ وما هو موقف الدول العربية والاسلامية الأخرى مما يجري في مدينة القدس والمسجد الأقصى؟ وهذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.17-11-2014