بدون مؤاخذة-المسلم القدوة ومسلمو الدّواعش

ب

من يقرأ التاريخ الاسلامي بحياديّة تامّة، سيجد أن غالبية من يدينون بالاسلام لم تصلهم إلى بلدانهم جيوش الفتح الاسلامي، مثل اندونيسيا، جنوب شرق آسيا وافريقيا السّوداء، وانما وصلهم الاسلام من خلال التجار المسلمين، الذين وصلوا تلك البلدان واستقرّوا فيها، وتحلّوا بالخلق الحسن والأمانة والصّدق، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وغيرها من السّلوكيّات الحميدة، فتأثّر بهم مواطنو تلك البلدان واعتنقوا الاسلام، وهذا ما لم ينتبه له “المتأسلمون الجدد” الذين يرون أن” دين محمّد قام بالسّيف”. واذا كان من حقّ أي انسان أن يختار الايمان بأيّ دين يقتنع به، إلا أن “المتأسلمين الجدد” لم يحتذوا ولم يقتدوا وحتى لم يفهموا القرآن الكريم فهما صحيحا، فالقرآن يخاطب الرّسول صلى الله عليه وسلم:” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”.

و”المتأسلمون الجدد” وللجهل الذي يسبحون في بحوره، يعملون عكس ذلك تماما، فهم ينفون الآخر ويلغونه كليا، وكل من يخالفهم الرّأي كافر دمه وعرضه وماله مباح، وحتى من يفرّ منهم إلى بلاد”الكفر” –حسب رأيهم- هربا من بلاد “الايمان”، التي لم يأمن فيها على حياته، فان بلاد”الكفر” تقبله وتحميه وتعطيه حريته، وتتيح له العمل والكسب، إن لم تتعامل معه كلاجئ وتصرف له راتبا، لكنه يعيش متقوقعا على نفسه، لا يحترم قوانين تلك البلاد، وقد يرتكب السّبع الموبقات، معتبرا نفسه “مجاهدا ينصر الاسلام والمسلمين” بل منهم من ارتكب جرائم قتل وتفجيرات وتخريب، ظنّا منه واعتقادا بأنّه ينصر الاسلام والمسلمين.

في أوائل تسعينات القرن الماضي نشرت وسائل الاعلام تصريحا لعالم ألماني يقول فيه” خير لي أن أسكن بجانب مفاعل نوويّ من السّكن بجوار مسلم، لأنّني أستطيع أن أعرف متى سيكون خطر الاشعاع النووي، لكنّني لا اعرف متى سيقتلني جاري المسلم!” وحينها قامت القيامة على رأس ذلك العالم، متهمينه بالعمالة للصهيونية وكراهيته للعرب والمسلمين، لكنّ أن أحدا لم يسأل نفسه عن الاسباب التي دفعت ذلك العالم لقول ما قاله.

وفي عصر “الدّمار العربي” الذي حسبه البعض ربيعا، كلنا نشاهد “المتأسلمين الجدد” من داعش وأخواتها قد عاثوا في بعض الدّول العربيّة قتلا وتدميرا وتخريبا، كسوريا والعراق وليبيا ومصر ولبنان وغيرها، وتحالفوا مع قوى امبريالية تموّلهم وتسلّحهم وتدرّبهم، دون أن يكلّفوا أنفسهم مجرّد التفكير بأهداف المموّلين من وراء ذلك! وكأنّ اسرائيل وحلف”النّاتو” معنيّون بنصرة الاسلام والمسلمين!

ويمعن “الدواعش” في تنفير المسلمين واستعداء العالم لمحاربة الاسلام والمسلمين، بأعمال يندى لها جبين الانسانيّة، وتدلّل على وحشية وهمجيّة لا يمكن غضّ النّظر عنها، فمثلا عملية قطع رؤوس “الأسرى” وذبحهم كالأنعام، هل هذا من الدّين الاسلامي؟ وذبح جنديّ سوريّ وشقّ الذّابح لصدر ذلك الجنديّ وأكل قلبه وتصوير ذلك ونشره بفخر لبطولة ذلك السّفاح، وكذلك صلب جندي سوريّ أسير على الأرض وقطع يديه ورجليه وأعضائه التناسلية وهو حيّ وتصوير ذلك ونشره أيضا، واحراق الطيّار الأردني معاذ الكساسبة بهذه الوحشية، فهل الاسلام هكذا؟ وهل هكذا أعمال ستقيم دولة اسلاميّة؟ وامعانا في الجهل وعدم تمييز الأمور، فاننا نجد تبريرات لهكذا جرائم من باب المعاملة بالمثل، لأنّ من يبررونها لا يفرّقون بين قتيل في معركة، وبين قتل أسير بطريقة بشعة والتّمثيل به حيّا وميّتا.

واذا كان الدواعش يعتمدون نظرية”الرّعب والجرأة” فهذا ضلال مبين، لأنّهم يخالفون قواعد الحرب في الاسلام الذين يزعمون أنهم يدافعون عنه، ويريدون نصرته، وهل نصرة الاسلام بالقدوة الحسنة أم بالاجرام والتمثيل بالأحياء والأموات؟

5-2-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات