القدس :31-10-2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية“القابضون على الألم” لمحمد عميرة، والتي صدرت هذا العام 2013 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتقع في 115 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النّقاش راتب حمد فقال:
– الرواية أقرب إلى السيرة الذاتية، حيث يصور الكاتب أحداث الرواية بشفافية وصدق، وكأنه ينقل صورة حية عن الكثير من البيوت في الوطن، والتي تعيش الألم وما زالت، وكأنه يريد القول أن الحكاية أو الرواية لهذا الشعب لم تصل إلى نهايتها، وهي ما زالت مستمرة في كثير من أحداثها وشخوصها قديماً الجدّ الأكبر عبد اللطيف ومن ثم إلى أبنائه زيد ثم أحفاده ربيع .
– ما زال الكاتب يصور رحلة الألم في فصولها الأحد عشر دون توقف، وقد أعطى لكل فصل عنواناً يركّز فيه على حدث من الأحداث التي يواجهها أفراد وعائلات شعبنا في الوطن، ولكن الكاتب لم يوفق بالربط بين فصول الرواية، وحتى في بعض الأحيان في الفصل الواحد كانت النقلات في الأحداث سريعة، وكأنها قفزات، وكأنّي بالكاتب لم يجد ما يعتمد عليه من معلوماته، فراح يسمع من هذا أو من ذاك من أفراد عائلته عن الأحداث .
– الحوار الداخلي / المينودراما والذي يظهر قوة الكاتب الإبداعية، لم يظهر أبداً في لغة الكاتب فراح يصول ويجول تائها، بحيث أنه لم يترك لنا مجالاً نستطيع فيه على التركيز على أسلوب بعينه، هل هو أسلوب وصفي ؟ أم أسلوب تقريري ؟ أم نقل صحفي فأضاعنا وأخذنا بعيداً تائهين .
-هناك أخطاء بالمعلومات صفحة 98 وهو الرقم 53 للأعمدة في المبنى والذي وصفه هرمي دائري مكون من 53 عموداً بعدد الولايات المتحدة وهي معلومة خاطئة .
* وكذلك الرقم 30 صفحة 92 “فكأنه سبحة قُطعت وتساقطت حبّاتها الثلاثون بسرعة ” وعدد حبّات السّبحة الصحيح هو 33 حبة، وهو هنا يستطيع أن يلغي الرقم ويقول سبحة قطعت وتساقطت حبّاتها بسرعة .
-الرواية بحاجة إلى تدقيق لغوي ونحوي، وأنا أعتقد أن هذا يعود لاستعجال الكاتب في الاصدار .
-هناك أخطاء مطبعية صفحة 14 السطر الأخير (لتفجير الصخر) ، صفحة 93 السطر الثالث “وحين وصلا .”
– الكاتب حاول أن يصف في بداية الرواية بعض الأعمال، والتي كان الكثير من قرية صورباهر يعتاشون منها، وخاصة العمل في المحاجر، وهي مهنة صعبة وتتطلب قوة وصبر .
– صوّر الكاتب الكثير من الأحداث خلال مشوار حياته، طفولة وشباب، حرية وبراءة، سجن وعذاب، وما زال يردّدها في أكثر من موقع في االرواية أن هذا حال كل البيوت في الوطن ما بين أسير وشهيد ومطارد ومسجون، وكأن حال الجميع قابضٌ على الألم كما كاتبنا .
وقال جميل السلحوت:
هذا هو الكتاب الأوّل الذي أطّلع عليه للسيد محمد عميرة ابن قرية صورباهر، احدى قرى مدينة القدس، وقد صدر له في نفس الفترة كتاب آخر يحوي مجموعة خواطر.
وملخص “النص” هو الحديث عن حياة أسرة من جدّها الحاج عبد اللطيف من قرية صورباهر- قرية الكاتب- الذي عاصر أواخر العهد العثماني، وابنه زيد الذي سجنه المحتلون الاسرائيليون بعد حرب حزيران 1967 الى أن تمّ تحريره في العام 1985 ضمن عملية تبادل الأسرى التي جرت بين الجبهة الشعبية-القيادة العامة- وبين اسرائيل، وكذلك عن ربيع بن زيد حفيد الحاج عبد اللطيف الذي درس المحاسبة في احدى المعاهد الأردنية، وعمل في احدى مدارس لجنة الزكاة في صورباهر، وقد سجن ربيع لمدّة خمسة شهور في أواخر العام 1993، ثم ابن ربيع، ومن الأسماء التي وردت في هذا النص سمير زميل ربيع وصديقه وليد، وأسماء هامشية أخرى. والذي يقرأ هذا النّص سيرى أنّ الكاتب ربّما كتب ما يشبه السيرة لأسرة من أربعة أجيال، فالجدّ عبد اللطيف كان يعمل حجّارا، وهذه مهنة عرفها رجالات صورباهر قبل غيرهم، واستمر عدد منهم في هذه المهنة الى بضع سنوات بعد احتلال العام 1967، فقد كانوا يفجرون الصخور ويدقّون الحجارة، ويجيدون مهنة البناء، ويعود لهم الفضل في بناء آلاف المنازل في المدن والقرى المجاورة.
هدف النّصّ: يهدف الكاتب من عنوان الكتاب حتى نهايته الى تبيان الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني، وما تعرّض ويتعرّض له من نكبات متلاحقة، وما يصاحبها من معاناة وآلام تنوء بحملها الجبال.
وهو يعترف بذلك في “توطئة الكتاب”ص9″لملمت أشيائي استعدادا لإزاحة السّتارة عن بعض معاناة هذا الشعب” وما كان للكاتب أن يكتب هذه التوطئة التفسيرية، لأنها تحصر القارئ في نطاقها ، وتسلبه حق التفكير بالنّصّ.
بين الرواية والحكاية:والكاتب منذ البداية يشكّك بقدرته على كتابة الرواية فيقول في الصفحة 5:”هذه هي المحاولة الأولى لي للخوض في فنّ الرواية، فان وُفّقت فمن الله وفضله، وان كان خطأ فمن نفسي” وهذا تأدّب من الكاتب في علاقته مع الله-سبحانه وتعالى. عندما نسب الخير لله والفشل لنفسه.
والقارئ لهذا النّصّ سيجد نفسه في الثلثين الأوّلين أمام حكاية تتسارع أحداثها، فتقفز من السنوات الأولى لما بعد الحرب العالمية الأولى، الى مرحلة هزيمة حزيران 1967 وما نتج عنها من احتلال أهلك البشر والشجر والحجر، ثم يقفز الى مرحلة انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى في أواخر العام 1993. وهذا ليس من صفات الرواية التي تعتمد على التفصيل،
وفي الثلث الأخير كان الكاتب في عجلة من أمره أكثر من السابق، فأورد ما يشبه الأخبار والتقارير الصحفية عن ممارسات الاحتلال ومنها الحواجز العسكرية التي تحاصر القدس وتعزلها عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي. وكذلك عن بعض الممارسات الخاطئة التي يمارسها الأهالي من مشاجرات فردية وعائلية، بعضها مفتعل وتقف خلفه جهات معادية، ومنها عادات الأعراس وما يصاحبها من مفرقعات مزعجة جدّا ولا مبرّر لها. كما يتكلم عن بعض المفاهيم الشعبية والدينية مثل العين الحاسدة، وتفسير الأحلام وصلة الرّحم وغيرها، ويلفت الانتباه الى القرى الفلسطينية المدمّرة بعد نكبة العام 1948.
واللافت أن الكاتب قد خصّص صفحات لمواعظ دينيّة عن الصّلاة والصوم وفضائل الصلاة في المسجد الأقصى وغيرها، ومع أهمية التفقه بعلوم الدّين إلا أن الوعظ والارشاد لا يأتي في الرّوايات بشكل مباشر وخطابي، بل من خلال سلوك وتصرّفات شخوص الرّواية، وهذا ما لم ينتبه له الكاتب، تماما مثلما لم يترك لشخوصه حرّية الحركة والتّصرف، بل فرض عليهم رأيه بشكل واضح، ولو تركهم يتحرّكون بحرّية لخدموا الفكر الذي يريد إيصاله بطريقة أكثر سهولة ويسر ونفاذ الى فكر القارئ.
ويلاحظ أنّ الكاتب قد أعاد ما جرى من نكبات في فلسطين ولشعبها الى القدر الإلهي لابتعاد الناس عن دينهم، واذا كان ما حصل هو قدر إلهي فهذا فهم خطير جدّا، لأنّه لا رادّ لقدر الله. وعلى الجميع أن يستسلموا لقضاء الله وقدره، وبالتأكيد فان الكاتب لم يقصد هذا الفهم، لكنه يفهم من خلال قراءة النّصّ. والكاتب يستبشر خيرا في ثورات”الربيع العربي التي حصلت في تونس ومصر وليبيا وسوريا، ونسأل الله أن يكون الربيع ربيعا، وليس خريفا لاعادة تقسيم المنطقة الى دويلات لخدمة مصالح القوى الامبريالية.
وفي الصفحتين الأخيرتين جاء في النص” الخبر العاجل” الذي بثته فضائية الجزيرة عن ملايين يرتدون السّواد وجاؤوا لتخليص فلسطين مما هي فيه، ولأنهم يلبسون السّواد فقد”قال سمير فرحا ودهشة ومزحا:هل تظنّهم شيعة؟ ..أجاب ربيع: إنهم كالعباسيين لباسا وكسحابة الرشيد موئلا”ص114. فما المقصود هنا؟ فسحابة الرشيد أينما تساقطت أمطارها فخراجها عائد اليه. فهل هذا تأويل ينسحب بأن الشيعة هم من سيأتون بالفرج المنتظر أم ماذا.
االغة والأسلوب: استعمل الكاتب لغة الحكاية ولغة الصحافة الاخبارية، وهناك أخطاء لغوية ونحوية واضحة ومتعدّدة خصوصا في استعمال الأسماء الخمسة، كما هناك خطأ معلوماتي ورد صفحة 88 وهو “53 عمودا بعدد الولايات المتحدة الأمريكية” والصحيح أن ولايات امريكا 50 ولاية فقط.
ماذا بعد:واضح أن الكاتب قد تسرّع باصدار هذه”النّصّ”قبل مراجعته وتمحيصه، تماما مثلما لم يحالفه الحظ عندما صنّفه “كرواية”وحبّذا أنّه تأنّى قليلا، واطّلع على روايات كثيرة قبل كتابة النّصّ ليطلع على أسالب متعدّدة في كتابة الرواية، وكيفية تطوير بنائها الفنّي.
وقالت رشا السرميطي:
بدأت الرِّواية تحكي قصة الطائر بجناح واحد صوب الشَّمس، وهنا تصوير للواقع المستحيل، وبروز حكاية الشمس مدلولها حرية وربما بلوغ حلم وأمنيَّة، واضح الخيال الواسع لدى كاتبنا من خلال أسطره القليلة الأولى منذ بداية نبض القلم عندما خطَّت هذه الرِّواية. يتضِّح عمق الطَّرح والانغماس الكبير في لبِّ القضيَّة الفلسطينيَّة، مابين ألم وألم ربما قد يكبر الوجع وتتعالى آهات من يكتبون.
بدأ الكاتب في صفحات الرِّواية كاملة يسرد تاريخ قرية صورباهر، القرية ذات السِّر الباهر في صمودها وبقائها، وطيبة أهل المنطقة، وبساطة حياتهم مرورًا لرمزية الغولة التي صورتها الجدَّة بقصة كانت ترمي من خلالها تنبيه النَّائم كي يصحو، وربما كان ربيع هو النَّائم الذي نحتاج ليقظته اليوم في شتى أنحاء وزوايا قضيِّتنا. انتقل ما بعد لدور الحاج عبد اللطيف وأمثاله من كبار البلد ذوي التجربة، وممن عاصروا حكاية الواقع، متوغلاً بالقارئ لتفاصيل أكثر دقة عن المكان والحدث، لكن كان الأسلوب توثيقيا كأنَّه جمع للتاريخ الشَّفوي، لم أشعر بعنصر التشويق ولا حبكة لأن أتابع بذات النَّهم، ربما لأنَّنا مللنا من القبض على آلامنا ونحتاج لما بعد الصَّبر نصرًا، أجد الكاتب يقدم لنا معلومات كما أي كتاب يروي عن منطقة صور باهر في تلك الفترة الزَّمنيَّة.
صوَّر الكاتب مقارنة جليَّة المعالم ما بين حياة الأسير الفلسطيني داخل السجن وخارجه بلوغًا للسجن الأكبر، وهو ما يسمى بشبه الحريَّة التي يعيشها معظمنا من أبناء الشعب الفلسطيني. أسماء كثيرة وردت في الرِّواية… شخوص عديدة وأدوار قصيرة مما شتّتنيَ كقارئة، وهنا أعود لنقطة تحدَّث عنها: الكاتب يحتاج لأدوات ربط في طرح الأحداث التي تتكلَّم عنها الرِّواية، ولا ضرر من كونها الأولى فطوبى لمن يحاول ويجدِّد فلا يكرر ويكون مقولبا في دفتي قلم الآخر.
أعتقد ترتيب المشاهد يحتاج لانتباه أكبر… اختلطت عواطفي مابين حزن وفرح وفرح وحزن. ربما وهنا أجيزها للكاتب اذ أن واقعنا هكذا لا يتَّسم بالاستقرار، لكن مهنيًّا كي تحفظ القارئ منذ أول ورقة حتَّى الأخيرة عليك أن تعتني بمشاعره. وليكن التَّنقل أكثر سلاسة ولطفًا به.
كانت القرية بجمالها وحسن مبسمها حاضرة في حبر الكاتب المتدَّفق، فلم يتوان ما بين السطور عن التَّغني بها ولها، دام الوفاء أصيلا فيمن كتب عن أرضه ووطنه، وهذه سمة ظاهرة لاحظتها وأنا أقرأ الرِّواية، اذ أن محمد هو الغصن الذي نما من جذر ترعرع ساقه في تراب قرية لها من الصُّود والتَّحدي سرًا باهرًا.
ربيع بقي الحلم الصَّامد في ذاك المكان وما بين رواية وارتواء للقارئ يظل حاضرًا أمام المشهد، ليبحث عن ربيع الذي لايزال يقيم هناك بأسماء عديدة لا تُحصى.
الكاتب لم يقسم روايته لمقدمة وخاتمة وجسد للرواية، ربما كان حريًّا به تسميتها مجموعة قصصيَّة، أو نصوصا .. لكن لديه لغة بسيطة جميلة للمتلقي، يستطيع تطويرها مع الأعمال القادمة إن شاء الله.
بالنسبة للكتاب من حيث التَّصميم، لم يذكر اسم الفنان الذي رسم اللوحة المستخدمة في الغلاف وهذا إن كان في فلسطين جائزًا، فإنه في العالم غير جائز، ويحق لصاحب اللوحة مقاضاة الشَّخص وهنا ” همسة ” لدار الجندي للانتباه لهذا الأمر، ثمَّ أين فهرس الكتاب؟ وما جدوى تقسيمه للفصول؟ والسؤال الذي أطرحه لصاحب الاجابة: هل يكون لدار الجندي من التَّدخل والنُّصح والارشاد للكاتب المتوجه إليها في المادة والعنوان وكذا تصميم الغلاف؟ أبارك نشاطك.
وكتب ابراهيم جوهر:
القابضون على الألم ل (محمد عميرة)؛ نيّة طيبة وفن غائب
في منشوره الأخير الذي أسماه رواية كتب محمد عميرة تجربته الأولى في الكتابة الأدبية متسرعا النشر الورقي.
لم تشفع النيّة الطيّبة للكاتب وهو ينقل حكاية شتائيّة لشريحة اجتماعيّة قرويّة بدأت مع بدايات القرن الماضي. فالرّواية لها أصول فنيّة ولغة خاصّة، ولكاتبها أسلوبه الذي يميّزه. وهذا ما لم يحصل في (القابضون على الألم) لمحمد عميرة.
وجدت الكاتب ينقل حكايته الخاصة بما لا يخفى ويعرج على واقع معاش بسرعة وتعليق مقحم ولغة إخبارية تقريرية. بحثت عن الفن فلم أجده، وإن استعرضت مع الكاتب واقع قريته التي تعكس ذاتها في أماكن أخرى مماثلة.
أسجّل للكاتب هنا مبادرته للكتابة، وآخذ عليه تسرّعه في النشر وسماحه بإخراج الكتاب وهو بلغة ركيكة وأخطاء نحوية وإملائية.
أمّا المضمون الذي انتقده في استعراضه فهو يستحق التوقف عنده ودراسة أسبابه، مثل المشكلات الاجتماعيّة وغياب القيم والهدوء والسلم الاجتماعي .
(القابضون على الألم) مشروع رواية تنتظر المزيد من التريث واللغة الأدبيّة والأسلوب الروائيّ. في انتظار جديد الكاتب أشد على يديه.
وشارك في النقاش:رفعت زيتون، خليل سموم وأسعد الأسعد.