بغض النظر عن اختلافنا مع حركة حماس أو عدمه، فإنه بالتأكيد لا نختلف مع شعبنا، فالحصار الجائر وغير المبرر على أبناء شعبنا في قطاع غزة لا يمكن السكوت عليه بأي شكل من الأشكال، وهل يمكن السكوت على حصار مليون وربع المليون مواطن، وتركهم نهباً للأمراض وللجوع امام مرأى ومسمع العالم أجمع بمن فيهم العربان؟ فقطع الوقود وقطع الكهرباء ومنع ادخال الأدوية والمواد الغذائية وكل ضروريات الحياة عن أبناء شعبنا في قطاع غزة جريمة من جرائم الحرب، وتدخل في باب الابادة الجماعية لشعب عقاباً له على خياره الديمقراطي.
فانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي أوصلت حركة حماس الى حصد أغلبية مقاعد هذا المجلس، كانت تلبية لضغوطات أمريكية اسرائيلية أوروبية عربية وتحت شعار وراية نشر الديمقراطية، فلماذا لن يحترم من ضغطوا لاجراء هذه الانتخابات نتائج هذه الانتخابات؟أم أنهم أرادوها حسب مقاساتهم.
ومع أننا لا نرى أيّ مبرر للانقلاب العسكري الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزة في حزيران 2007 ونطالبها بالتراجع عن هذا الانقلاب، تماماً مثلما نرى أن من حقها أن تحصد ثمار فوزها في الانتخابات، الا أننا لا نرى لها أيّ مبرر في رفض الحوار الفلسطيني الفلسطيني الذي كانت تطالب به بعد انقلابها مباشرة ، وكانت ترفضه حركة فتح ،وعندما وافقت عليه فتح رفضته حماس، فطلب حماس تأجيل الحوار الذي كان يفترض أن يجري في القاهرة قبل ايام وتحفظاتها على المبادرة المصرية لانجاح هذا الحوار لا يصب في المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ، ويأتي خدمة لسياسات اقليمية مثلما رأى ذلك أكثر من جهة سياسية ،واكثر من مراقب سياسي.
ومع ذلك فإن الحصار المفروض على شعبنا في قطاع غزة هو حصار جائر وظالم وفيه خرق فاضح للقانون الدولي وللوائح حقوق الانسان التي يتشدق بها البعض.
فاسرائيل مسؤولة قانونياً وأخلاقياً عن توفير الحياة الكريمة لأبناء شعبنا في القطاع ، كونها دولة محتلة ، فقطاع غزة غير محرر كما يزعم البعض فهو وان انسحب جيش الاحتلال شكلياً منه، الا أنه لا يزال يحاصره براً وجواً وبحراً، وهو لا يزال ينفذ أعمالا عسكرية تحصد أرواح أبناء شعبنا بشكل مستمر، وخرق التهدئة هو من الجانب الاسرائيلي وليس رداً على ” الصواريخ العبثية ” التي تطلقها بعض التنظيمات باتجاه الأراضي الاسرائيلية. وخرق التهدئة اسرائيلياً سيستمر في هذه المرحلة الانتقالية كنوع من الدعاية الانتخابية في هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها اسرائيل بعد استقالة رئيس وزرائها ايهود أولمرت ، تمهيداً للانتخابات القادمة ، وهذه الدعاية الانتخابية اعتادت عليها اسرائيل في السابق ، ونفذتها على أرض الواقع ، والكل يذكر مذبحة قانا في الجنوب اللبناني في عهد رئاسة شمعون بيرس للوزارة الاسرائيلية بعد اغتيال اسحق رابين وغيرها كثير ، وفي هذه الأيام سعي ايهود باراك وزير الجيش الاسرائيلي وزعيم حزب العمل الاسرائيلي ومزاوداته على بنيامين نتنياهو زعيم الليكود ، وتسيبي ليفني زعيمة كاديما للفوز في هذه الانتخابات ربما ستقوده الى اجتياح قطاع غزة .
واذا كانت بدايات حصار قطاع غزة جاءت من باب تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي رفعه المحافظون الجدد في أمريكا، وأسقطته حرب تموز 2006 على لبنان والمقاومة العراقية ، فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن اسرائيل معنية بالقضاء على حركة حماس في قطاع غزة ، فاستمرارية الانشقاق الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة تخدم الأجندة الاسرائيلية ، وتضعف الموقف الفلسطيني الرامي الى انهاء الاحتلال ، بل ان استمرارية هذا الانشقاق هي تكريس للاحتلال الذي يواصل استيطانه الجنوني في الضفة الغربية لمنع احتمالية قيام دولة فلسطين العتيدة.
لكن من غير المقبول مشاركة الدول العربية في حصار شعبنا في قطاع غزة ، رغم بعض الاحتجاجات والاستنكارات الخجولة التي تصدر من هذه العاصمة أو تلك . فقطاع غزة تحده مصر من الجنوب، ويفترض أن تفتح حدودها معه لتزويده بالأدوية والمواد الغذائية على الأقل ، ومن حق المرء أن يتساءل عن احترام الاتفاقات الموقعه بين بعض الدول العربية واسرائيل ، فهل هذه الاتفاقات تُحترم فقط بحصار الشعب الفلسطيني وتجويعه ؟؟
وهل يعون أن هذا الحصار قد يفجر المنطقة برمتها ، واذا ما استمرت الأنظمة بقبول هذا الحصار والمشاركة فيه فإنه من المستحيل أن تقبل الشعوب بذلك ، واذا ما اعتقدت أمريكا واسرائيل وغيرهما أن الحصار التجويعي الجائر على قطاع غزة سيسقط حركة حماس في غزة فإنهم واهمون ، بل على العكس فإنه سيؤدي الى زيادة قوتها ، لأن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقف مع دولة الاحتلال ضد جهة فلسطينية حتى وان كان لا يتفق مع طروحاتها وسياستها