جميل السلحوت
أنا من الديار المقدسة
رواية للفتيات والفتيان
2020
الإهداء
إلى حفيدتيّ الحبيبتين لينا وميرا اللتين تحلمان بالعيش في أرض الآباء والأجداد فلسطين.
وإلى سبطي الحبيب باسل الذي يحلم بالسّفر إلى أمريكا.
وإلى أسباطي الأحبّاء كنان وبنان وسنان.
مع أمنياتي لأطفال العالم جميعهم، أن يعيشوا في أوطانهم أحرارا سعداء.
في حصّة المطالعة في مدرسة مونتسيوري في حيّ جرين بروك بمدينة شيكاغو الأمريكيّة، سألت المدرّسة تلاميذها في الصّفّ السّادس الابتدائيّ عن أصولهم التي جاؤوا منها، فأجابوا:
مارك: أنا من المكسيك.
إيجور: أنا من روسيا.
أنديرا: أنا من الهند.
تشاي: أنا من الصّين.
جالابريسي: أنا من إيطاليا.
خوان: أنا من اسبانيا.
ماري: أنا من لبنان.
كوماهوتو: أنا من اليابان.
لينا: أنا من فلسطين.
قالت المعلّمة باستغراب موجّهة حديثها للينا:
ما فلسطين؟ أين تقع هذه البلاد؟
ردّت لينا بثقة:
فلسطين هي البلاد المقدّسة، ألم تسمعي يا معلّمتي بالقدس وببيت لحم وبالنّاصرة؟
تفاجأت المعلّمة من جواب لينا وقالت:
إذن أنت من إسرائيل.
غضبت لينا وقالت بصوت مرتفع:
بل أنا من فلسطين التي ولد فيها أبي وأجدادي وتوارثناها أبا عن جدّ منذ آلاف السّنين.
سألت المعلّمة: أين وُلد أبوك وأمّك يا لينا؟
لينا: ولد أبي وترعرع في القدس، أمّا أمّي فقد وُلدت في تونس.
المعلّمة: القدس عاصمة إسرائيل، ولم أسمع من قبل باسم فلسطين.
لينا: القدس يا معلّمتي عاصمة دولة فلسطين، وهي مدينة عربيّة محتلّة.
المعلّمة: هل تقصدين “بالستاين” Palestine” يا لينا؟
لينا: إذا كنتم تسمّونها “بالستاين”، فنحن شعبها ونسمّيها فلسطين
” falasteen”.
المعلّمة: لكنّ الإدارة الأمريكيّة اعترفت في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لينا: هذا إدارة حمقاء وقرارها لا يغيّر التّاريخ بجرّة قلم. فكلّ حجر في القدس يشهد بأنّ القدس مدينة فلسطينيّة عربيّة.
المعلّمة: هل تعرفين القدس التي تتكلّمين عنها يا لينا؟
لينا: نعم، أعرفها، وقد زرتها مرّات عدّة، وصلّيت في المسجد الأقصى، زرت كنائسها مثل كنيسة القيامة وكنيسة العذراء وكنيسة الجثمانيّة، وتجوّلت
في أسواقها، ومشيت فوق سورها التّاريخيّ.
المعلّمة: من قال لك هذا الكلام الخطير يا لينا؟
لينا: أين الكلام الخطير الذي تتكلّمين عنه يا معلّمتي؟ فالقدس مسقط رأس آبائي وأجدادي. وهي مهد الدّيانات السّماويّة.
وجدت المعلّمة نفسها في ورطة لم تتوقّعها، فهذه التّلميذة تقول معلومات لم تسمع بها من قبل، فقرّرت أن تصرف التّلاميذ عن الموضوع، في حين قالت لها لينا:
غدا سأحضر لكم صورا لمدينة القدس ولمعالمها الشّهيرة.
وهنا وقفت ميلسّا وقالت:
هل تسمحين لي يا معلمّتي؟ أنا من بيت لحم، أبي وأجدادي ولدوا وعاشوا في بيت لحم، ولنا بيت وعقارات في المدينة، وبيت لحم مهد السّيّد المسيح -عليه السّلام- مدينة فلسطينيّة عربيّة مثل القدس.
انتبهت المعلّمة أنّ سلسالا ذهبيّا فيه صليب ذهبيّ يتدلّى على صدر ميلسّا، فسألتها:
هل أنت مسيحيّة الدّيانة يا ميلسّا؟
ردّت ميلسّا بثقة تامّة:
نعم أنا مسيحيّة.
المعلّمة: لماذا تقولين أنّك عربيّة وأنت مسيحيّة؟
ضحكت لينا وهي تقول:
يا معلّمتي المسيحُ -عليه السّلام- وُلِدَ في مدينتي بيت لحم، وأوّلُ من اتّبعَ ديانتَه هم أجدادُنا العرب. ومسيحيّو الشّرقِ عربٌ أيضا. والمسيحيّون في بلادنا فلسطين يعيشون جنبا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين، فنحن أبناء شعب واحد، ونؤمنُ بأنّ الدّينَ للهِ، وأنّ الوطن لمواطنيه كافّة.
لم تجد المعلّمة ما تقولُهُ لميلسّا. احتارت بما تسمعُه، فصرفتْ تلاميذَها عن الموضوع، وقرّرت الاتّصالَ بوالدي لينا وبوالدي ميلسّا؛ ليحضر أحدُ والدي كلّ منهما إلى المدرسة لأمرٍ يخصّ بنته.
عندما عاد قيس أبو لينا من عمله، استقبلته ابنته لينا عند الباب، احتضنها وهي تقول:
هل تعلم يا أبي أنّ معلّمتنا سوزان لا تعرف فلسطين؟
ابتسم قيس لابنته وسألها:
كيف عرفتِ ذلك؟
لينا غاضبة: سألتْنا في الصّفّ عن أصولنا وعن البلدان التي هاجر أهلُنا منها، فأجابها كلُّ تلميذة وتلميذ عن البلد التي هاجر والداه منها إلى أمريكا، وابتسمتْ لكلّ واحد منهم عندما ذكرَ اسمَ بلدِهِ الأصليّ، وعندما أجبتُها أنّني من فلسطين، استغربت وسألتْ:
أين تقعُ هذه البلاد؟ فأنا لم أسمع بها من قبل!
فسألتُها: ألم تسمعي بالبلاد المقدّسة؟ ألم تسمعي بالقدس وبيت لحم والنّاصرة؟
فقالت لي: إذن أنتِ من إسرائيل!
فغضبت منها وقلت لها:
بل أنا من فلسطين، وإسرائيل تحتلُّ القدس مسقط رأس آبائي وأجدادي.
ابتسم قيسٌ لابنته لينا، احتضنها وهو يقول:
لا تحزني يا صغيرتي، فهذا الزّمنُ غيرُ طبيعيّ، فالقدسُ مكانها، وهي عاصمةُ دولةِ فلسطين العتيدة، وقد تكونُ معلّمتُك تجهلُ هذه الحقائق.
استمعتْ ميرا التي تصغرُ شقيقتَها لينا بثلاث سنين لحديث والدِها وشقيقتها، اقتربتْ من أبيها وشقيقتِها وقالت:
هذا جنون، فمِنْ غيرِ المعقولِ أنْ تجهلَ معلّمتُنا أنّ القدسَ مدينةٌ فلسطينيّةٌ عربيّة.
انتبهتْ مروةُ لحديث ابنتيها فأرادتْ أن تمتحنَ معلوماتِهما، فسألتهما:
كيف عرفتُما أنّ القدسَ مدينةٌ فلسطينيّةٌ عربيّة؟
ردّت عليها ميرا بثقة:
ما هذا السّؤالُ يا أمّي؟ ألم تزوري القدسَ معنا؟ ألم تري بعينيك بيتَ جدّيَّ جميل وحليمة في القدس، ألمْ نسكنْ معهما في بيتهما الجميل العتيق؟ ألم تري البيتَ الذي وُلِدَ فيه جدُّ أبي قبل مئة وعشرين عاما؟ ألم تري المسجدَ الأقصى وقبّةَ الصّخرةِ وكنيسةَ القيامة؟ ألم تمشي معنا على سور القدسِ التّاريخيّ؟ ألم تري البيوتَ القديمةَ وأسواقَ المدينةِ التي تعجُّ بالعرب؟
ابتسمت مروة لطفلتيها وقالت:
نعم رأيتُ الكثيرَ في القدس، ورأيتُ جنودَ الاحتلال أيضا.
قالت لينا: جنودُ الاحتلالِ كانوا يحملون السّلاح لحماية أنفسهم؛ لأنّه يعرفون أنّ المدينةَ ليست لهم.
ضحكت مروةُ لابنتيها وسألت زوجَها:
هل اتّصلتْ بكَ مديرةُ المدرسةِ يا قيس.
قيس: نعم اتّصلتْ، وبعد حديثِ لينا عرفتُ سببَ اتّصالها، فهي تريدُنا أن نمحوَ ذاكرةَ ابنتِنا عن أصولها.
مروة: إذن اذهبْ أنت إلى المدرسة غدا؛ وعالج الموضوع.
عندما عادتْ ميلسّا إلى بيتها سألتْ والدتَها بلهجةٍ ساخطة:
هل القدس وبيت لحم مدينتان إسرائيليّتان؟
استغربتْ أمُّ ميلسّا سؤالَ ابنتِها، فسألتْها:
من قالَ لكِ هذا الكلامَ السّخيفَ؟
معلمتنا سوزان تحسبُ أنّي ولينا من إسرائيل، ولم تسمعْ باسم فلسطين، وتعتبرُ مدنَنا مدنًا إسرائيليّة، ولا تعتبرُ المسيحيّين العربَ عربًا.
ردّت عليها والدتُها عبيرُ قائلة:
يا بنيّتي، نحن عربٌ أقحاح، ومسيحيّو الشّرق كلّهم عرب.
في اليومِ التّالي التقى قيسُ والد لينا مع عبير والدة ميلسّا في ساحة المدرسة، تركا سيّارتيهما في ساحة المدرسة، ومشيا جنبًا إلى جنبِ في طريقهما لغرفة الإدارة يتحدّثان عمّا سمعاه من ابنتيهما، دخلا غرفةَ الإدارة، طرحا تحيّةَ الصّباحِ على المديرة، فسألتهما:
هل تحدّثت ابنتاكما معكما عمّا جرى معهما يومَ أمس في حصّة المعلّمة سوزان؟
ردّت عليها عبيرُ باستغراب متجاهلةً الموضوع:
لا…لم تقولا شيئا، هل تصرّفتا تصرّفًا غير لائق؟
قالت المديرةُ بهدوء:
لقد قالتا بأنّهما فلسطينيّتان عربيّتان، وأنّ القدسَ وبيت لحم أيضا كذلك.
نفخَ قيسٌ زفيرًا قويًّا، لكنّ عبيرَ سبقتْهُ في الحديث سائلةً:
أين الخطأُ فيما قالته الطّفلتان.
المديرة: القدسُ عاصمةُ إسرائيل، وبيت لحم جزءٌ من أرضِ إسرائيل، وأرضُ إسرائيل هي وطنُ اليهودِ الذي وعدَهُم به الرّبّ.
تصنّع قيسٌ الهدوءَ وهو يقول:
عن أيِّ ربٍّ ووطنٍ تتكلّمين؟ فلسطينُ وطنُ الفلسطينيّين، وكما يبدو فإنّك لا تعرفين شيئًا عن تاريخ تلك البلاد، وأنا أدعوكِ لزيارتِها والتّجوّلِ فيها، وسأتركُ لك اكتشافَ الحقيقةِ بنفسكِ.
استغربتِ المديرةُ ما سمعتْه من عبيرٍ وقيس، وسألتْ:
ما تقولانَهُ يعني أنّكما معاديان للسّاميّة، وهذا أمرٌ خطيرٌ تحاسبُ عليه القوانينُ الأمريكيّة.
ردّت عليها عبيرُ متسائلةً:
كيف نعادي السّاميّةَ ونحنُ ساميّون؟
سألت المديرةُ بدهشةٍ واستغراب:
هل مسلمو الشّرقِ ومسيحيّوه ساميّون؟ وكيف يكونُ ذلك؟
ردّت عليها عبيرُ بهدوء:
العربُ واليهودُ من نسلِ أبي الأنبياءِ ابراهيم. ” سُمِّي الساميّون بهذا الإسم نسبةً إلى سام، الذي ورد اسمُه في كتاب التّوراة في الإصحاح العاشر من سفر التّكوين؛ إذ ذُكِر هذا الإسم فيه للدّلالة على مجموعةٍ من الأنساب المنحدرةِ من سام بن نوح، وتضمُّ الأراميّين، والآشوريّين، والعبريّين، الذين كانوا يقيمون في الجزيرة العربيّة، وبلاد الرّافدين، وسوريّا، وفلسطين. وبدأ استعمالُ كلمة ساميّ في العصور الحديثة عام 1781م؛ لتربطَ مجموعةً من الشّعوبِ التي تشتركُ في اللغة والتّاريخ والأنساب، ولا ينبغي أن يعتقدَ البعضُ أنّ كلمةَ ساميٍّ ترتبطُ بدلالةٍ عنصريّة، فما هي إلا مصطلحٌ يدلُّ على مجموعة شعوبٍ ذاتِ أصلٍ واحد.
المديرة: هل أفهمْ من كلامكما أنّكما من غرسَ في ذهن طفلتيكما هذا الكلام؟
سألتْ عبيرُ بلهجةٍ هادئة:
أيُّ كلامٍ تقصدين؟
المديرة: أقصد ما تقولُه طفلتاكما بأنّ القدسَ مدينةٌ عربيّة.
سألَ قيس: يا سيّدتي إن كنتِ تجهلينَ التّاريخَ، فهذا أمرٌ يخصُّكِ وحدَكِ، فالقدسُ مدينةٌ فلسطينيّةٌ عربيّةٌ احتلّتها إسرائيل عام 1967م. وهذا ما تعترفْ به الأممُ المتّحدة، ودولُ العالمِ كافّة باستثناء أمريكا وإسرائيل.
فكّرتِ المديرةُ بشكلٍ سريع، وبدأت تشكِّكُ بمعلوماتها، فقرّرتْ أن تُنهيَ الجلسةَ، على أن تقومَ بالبحثِ عن مدينة القدس في كتبِ التّاريخ، وإنْ لم تقفْ على الحقيقة، فإنّها ستزورُ المدينةَ، وسترى الحقيقةَ بعينيْها. شكرتِ المديرةُ عبيرَ وقيس على حضورهما وانتهت الجلسة.
في نهاية اليومِ الدّراسيِّ انفردت المديرةُ جاكلين بالمعلّمة سوزان وقالت لها:
لا تتطرّقي للبلاد المقدّسةِ مع التّلاميذ، فكما يبدو أنّ معلوماتِنا عنها زائفة.
قالت سوزانُ المعلّمة:
عجيب أمرُ هاتين الطّفلتين ميلسّا ولينا، فقد أحضرتا اليومَ عشراتِ الصّورِ لمعالم دينيّةٍ وتاريخيّةٍ في مدن القدسِ وبيت لحم والنّاصرة، كلّها معالمُ إسلاميّةٌ ومسيحيّة، ولا أثرَ لليهودِ فيها، وقامتا بعرضِهما على التّلاميذ.
المديرة: الشّرقُ الأوسطُ يعجُّ بالمشاكل، وهذه قضايا لا دَخْلَ لنا بها، ويجبُ إبعادُ التّلاميذِ عنها، وحتّى لو عرفنا الحقيقةَ، فلن نستطيعَ تغييرَ المناهجِ الدّراسيّةِ في بلادِنا، لأنّها وكما يبدو تخدمُ سياسةَ الدّولة.
في المساء اجتمعتْ أُسْرتا قيسٍ وداود لبحث موضوع طفلتيهما في المدرسة، فيبدو أنّ مديرةَ المدرسةِ جاكلين والمعلّمةَ سوزان لا تعرفان شيئًا عن البلاد المقدّسة، أو أنّهما منحازتان للرّواية الإسرائيليّة التي تتبنّاها السّياسةُ الرّسميّةُ الأمريكيّة.
قال داود والدُ ميلسّا:
لن نستطيعَ تغييرَ موقفي المديرة والمعلمة، ولا علاقةَ لنا بهكذا مواقف، ولا نريدُ لأبنائِنا أن يدخلوا بهذا العمر في هكذا أمور، لذلك أقترحُ أن ننقلَ ميلسّا ولينا إلى مدرسة أخرى.
مروة: لينا وميلسّا لم ترتكبا خطأً عندما أجابتا المعلّمةَ عن أصليهما الفلسطينيّ العربيّ، ولأنّهما تعرفان المدنَ الفلسطينيّةَ والمقدّساتِ الإسلاميةَ والمسيحيّةَ في بلادنا المقدّسة.
قيس: لو نقلنا أطفالَنا إلى مدرسة أخرى فلن يُجدي ذلك شيئا، لأنّ المناهجَ الدّراسيّةَ الأمريكيّة منحازةٌ للرّواية الإسرائيليّة. والشّعبُ الأمريكيُّ واقعٌ تحت تأثيرِ طاحونةِ الإعلام الصّهيونيّة.
عبير: ما يهمُّنا بالدّرجة الأولى أن نغرسَ في عقولِ أبنائنا القيمَ العربيّةَ الأصيلة، مثلنا مثل بقيّةِ الجالياتِ المهاجرةِ إلى أمريكا. لذا أقترحُ أن ننقلَ أبناءَنا إلى مدرسةِ جمعيّة الأقصى في ضاحية Bridge view، فهي مدرسةٌ تُعلِّمُ اللغةَ العربيّةَ والتّربيةَ الإسلاميّة. ومعلّماتُ المدرسةِ مسلماتٌ ملتزمات.
ونحن كأسرةٍ فلسطينيّةٍ عربيّةٍ لا مشكلةَ عندنا إذا ما تعلّمَ أبناؤنا في مدرسةٍ إسلاميّة، فثقافتُنا نحن مسيحيّي الشّرقِ ثقافةٌ عربيّةٌ إسلاميّة.
من جهةٍ أخرى عادت جاكلين مديرةُ المدرسة إلى بيتها، وما قاله قيسُ وعبيرُ عن البلاد المقدّسة يُلحُّ على ذاكرتها، فقرّرت أن تعرفَ الحقيقةَ من المؤلّفات المتوفّرة، ووجدت ضالّتها في مؤلّفات المفكّرِ الكونيِّ إدوارد سعيد الذي سمعتْ به من خلال النّدوات التّلفزيونيّة حول كتابه “الإستشراق”.
بعد ظهر ذلك اليوم ارتادتْ المديرةُ إحدى المكتبات التي تبيعُ الكتب، واشترت كتاب ” قضيّة فلسطين” لإدوارد سعيد، عندما طالعتِ الكتابَ وجدت فيه أنّ المؤلّف “يشرحُ القضيةَ من المنظورِ الفلسطينيِّ، منطلقًا من بداية الأحداثِ المتمثّلةِ بولادة الحركةِ الصّهيونيّةِ وإيدولوجيّتها ضِمْنَ السّياقِ الثّقافيّ الاستعماريّ الأوروبيّ في نهاية القرن التّاسع عشر، وتشجيع الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، ثمّ ينتقلُ إلى استعراضِ الحقائقِ التّاريخيّة، فيطرح مسألةَ ماهيّةِ أرضِ فلسطين وشعبِ فلسطين، التي ما فتئت الصّهيونيّةُ تنكرهُما عارضًا الأجوبةَ ببساطة، فالشّعبُ الفلسطينيُّ هو الشّعبُ المقيمُ على أرضِ فلسطين والذي هُجِّرَ منها، وإلى الآن لا يُعترَفُ بمشروعيّتِه في أرضِه، وتاريخُه ما هو إلا جزءٌ من تاريخِ الشّعوبِ المهجّرةِ من أراضيها، ويُقدّمُ الوثائقَ التي تنقضُ الدّعايةَ الصّهيونيّةَ بعدم وجودِ شعبٍ في فلسطين. تجسّدتْ هذه المزاعمُ في التّصريحاتِ التي كان يبوحُ بها الزّعماءُ الصّهاينةُ البارزون مثل ثيودور هرتزل وحاييم وايزمان ومناحيم بيغين ممّن كانوا يتجاهلون وجودَ الشّعبِ الفلسطينيّ.
ويرى أنّ الدّولَ الغربيّةَ تبنّت الخطابَ الصّهيونيّ، فحاولتْ مثلا وسائلُ الإعلام عدمَ نشرِ آراءِ الفلسطينيين عن حقّهم في تقرير مصيرِهم”.
ذُهلت جاكلينُ مديرةُ المدرسةِ من المعلومات التي وجدتْها في كتاب الدّكتور إدوارد سعيد، فهو مفكّرٌ موثوقٌ به، ودرّسَ الأدبَ المقارنَ في جامعة كولومبيا الشّهيرة في نيويورك، وبالتّالي لا يمكنُ التّشكيكُ بصدقِ معلوماته، خصوصًا وأنّ القدسَ مسقطُ رأسِه، حيثُ شُرِّدَ هو وأسرتُه من بيتهم في نكبة العام 1948م.
لامتِ المديرةُ نفسَها؛ لأنّها استدعتْ وليّا أمرِ تلميذتيها ميلسّا ولينا بناء على طلب المعلّمة سوزان، فقرّرت أن تُعيرَ كتابَ “قضيّة فلسطين” لإدوارد سعيد للمعلّمة سوزان، على أملِ أن تتناقشا في مضمون الكتابِ بعدَ ذلك.
قرّرتِ المديرةُ في الوقتِ ذاتِه أن تبحثَ عن كتابٍ آخر؛ لتبني قناعاتِها على حقائق بعيدًا عن دعايات الإعلامِ الموجّهِ لخدمة سياساتٍ معيّنة، ووجدتْ مُرادَها في كتاب “تغطية الإسلام” لإدوارد سعيد أيضًا.
قرأتِ المديرةُ كتابَ “تغطية الإسلام” بحماسةٍ وشغف، خصوصًا وأنّ كاتبَه مفكّرُ عالميّ ومن أُسرةٍ مسيحيّة، فوجدت:
” إن التّغطيةَ الإعلاميّةَ للإسلام في العالم الغربيّ -حسب إدوارد سعيد- مليئةٌ بالمغالطات وبعيدةٌ عن الموضوعيّة، حيث يتمُّ تصويرُ الإسلامِ كدينٍ يتميّزُ بالعصبيّة العرقيّةِ والكراهيةِ الثّقافيّة، في حين تحظى المسيحيّةُ واليهوديّةُ باحترام كبير. ويجادلُ على ذلك بالاستشهاد بدور الصّحفيّين المرسلين إلى مناطق النّزاعات، والذين ليس لهم معرفةٌ بهذه المجتمعات، ويرى أنّ الأزمةَ تتعدّى الصّحافةَ؛ لتصلَ إلى المؤسّسات الأكاديميّة. فهو يتعجّبُ من أنّ طالبَ الماجستير أو الدّكتوراة المتخرّج في الجامعات الكبرى الأمريكيّة والأوروبيّة في مجال الشّرق الأوسط، لا يُتقنُ اللغةَ العربيّةَ ولا يجيدُها. بهذه الصّورةِ يرى واقعَ ما يحدثُ في الإعلام الغربيِّ والدّراساتِ الغربيّةِ ضدَّ الإسلام، من إطلاق التّعميمات التي تؤكّد أنّ الإسلامَ هو تهديدٌ للحضارة الغربيّة، ومحاولة إعطاء أمثلة على ذلك التّهديد عن طريق عرض سلوكيّاتٍ وآراءٍ فرديةٍ لا علاقة لها بالإسلام الحقيقيّ.”
شعرتْ مديرةُ المدرسة جاكلين بالنّدم على دعوتها لوليّيْ أمْرِ التّلميذتين لينا وميلسّا، بعدَ أن تأكّدتْ أنّ الطفلتين كانتا على حقّ، فالبلادُ المقدّسةُ أرضٌ فلسطينيّةٌ عربيّةٌ، وهذا ما يقولُهُ ابنُ القدسِ المفكّرُ العالميُّ ادوارد سعيد، الذي يحظى بمصداقيّة عالية، يُقرُّ بها علماءُ العالمِ. فقرّرتْ أن تدعوَ وليّيْ أمرِ لينا وميلسّا بدايةَ الأسبوعِ؛ لتعتذرَ لهما. لكنّها تفاجأتْ بوصولِ مروة والدةِ لينا، وعبير والدة ميلسّا إلى مكتب إدارةِ المدرسةِ، فاستقبلتْهما بابتسامةٍ عريضةٍ وهي تقول:
أهلا بكما، فقد كنتُ على وشكِ الاتّصال بكما، وها أنتما تأتيانِ وحدَكما.
ردّتْ عليها مروةُ بلهجةٍ جافّة:
جئنا إلى المدرسةِ لِنُريحَكم منَ مشقّة الاتّصال بنا إلى الأبد. فنحنُ نريدُ شهادةَ انتقالٍ لأبنائنا من مدرستِكم إلى مدرسةٍ أخرى.
ذُهِلتِ المديرةُ ممّا سمعتْ وقالتْ:
أنا قرّرتُ الاتّصالَ بكم؛ كي أعتذرَ لكم عن الخطأِ الذي وقعنا به بخصوص ابنتيكُما لينا وميلسّا، فليس من حقِّ المعلّمةِ أن تسألَ التّلاميذَ الأمريكيّين بهذا العمرِ عن الأصولِ التي انحدروا منها، كما ثبتَ لنا أنّ الدّيارَ المقدّسةَ أراضٍ فلسطينيّةٌ عربيّةٌ كما قالت لينا وميلسّا، وهذه معلوماتٌ تستحقُّ التّلميذتان الشّكرَ عليه، لأنّنا كنّا نجهلُها.
نظرتْ مروةُ وعبير كلٌّ منهما إلى وجهِ الأخرى، تستغربان ما سمعتاه،
لكنّ عبير قالت:
ونحن جئنا إليكم؛ لنأخذَ شهاداتِ انتقالٍ لأبنائنا من مدرستكم، لتجنيبِ أطفالِنا مشاكلَ لا علاقةَ لهم بها.
استغربتْ مديرةُ المدرسةٍ طلبَ عبير وقالت:
لقد سبقتُكم بالاعتذارِ عن الخطأ الذي وقعنا فيه دون إرادةٍ منّا، فمعلوماتُنا كانت خاطئة، وهذا ما تأكّدنا منه بعد قراءتنا كتابين للمفكّر إدوارد سعيد، ولن أوافقَ على انتقالِ ابنتيكما من مدرستنا بسببِ ما حصل، فهذا أمرٌ يسيءُ إلينا لا لكم، وإذا لم تقبلوا اعتذارنا، فسنأتي إليكم؛ لنعتذرَ لكم في بيتيكما، ولتكن هذه الحادثةُ بداية صداقةٍ شخصيّةٍ بيني وبينكم.
شعرتْ مروةُ وعبير بالرّاحة من كلام المديرةِ فقالت عبير:
نقبلُ اعتذارَكِ، لكنّنا سنتشاورُ مع زوجينا بهذا الخصوص.
عندَ المساء اجتمعت أسرتا داود وقيس في بيت داود، تباحثوا في اعتذار المديرة، وارتأوا أنّ هذا الاعتذارَ بادرةٌ طيّبة. لكنّ داودَ بقي متحمّسًا لنقل الأبناء إلى مدرسة جمعيّة الأقصى؛ كي يتعلّموا اللغةَ العربيّةَ قراءةً وكتابة، وكي تترسّخَ العاداتُ العربيّةُ في أذهانهم. لكنَّ قيس اقترحَ بأن يبقى الأبناءُ في مدرستهم حتّى نهايةِ العامِ الدّراسيّ، وعندَ بدايةِ العامِ الدّراسيِّ القادمِ سينقلونهم إلى مدرسة جمعيّة الأقصى.
وهنا قالت ميرا بنتُ قيسٍ بأنّها ستعودُ إلى مدينةِ القدسِ، وستواصلُ تعليمَها في مدارسها. بينما قال جبرا”Jabra” بن داود بأنّه سيعودُ إلى بيت لحم وسيدرسُ في مدارسها، فانتبه الكبارُ لحديث الصّغار، فسألتهم عبيرُ مازحة:
إذا عدتم إلى القدسِ وبيت لحم فأينَ ستسكنون؟
فأجابتها لينا وميرا بلهجةٍ واثقة:
سنسكنُ مع جدّينا جميل وحليمة في جبل المكبّر.
وأجابت ميلسّا وجبرا:
ونحن سنسكنُ مع جدّينا عيسى وفريدة في شارع الكركفة في بيت لحم.
ضحكَ الآباءُ من إجابة أبنائهم، فأرادت مروةُ أن تمتحنَهم فسألتهم:
وهل سيقبلُ أجدادُكم أن تعيشوا معهم.
فأجابوا بصوتٍ واحدٍ:
أجدادُنا يحبّوننا أكثرَ منكم.
فعادَ الآباءُ يضحكون. وهنا رنّ هاتفُ قيس، كانت مهاتفة من مديرةِ المدرسة قالت فيها، بأنّها والمعلّمةُ سوزان ترغبان بزيارتهم في البيت إن سمحوا لهما بذلك، فأخبرها قيسُ بأنّهم يتواجدون في بيت داود، ورحّبَ بهما، فقالت المديرةُ بأنّهما تريدان زيارةَ أسرةِ داود أيضا.
بعد حوالي نصف ساعة قرعتِ المديرةُ جاكلين والمعلّمةُ سوزان جرسَ باب بيت داود، فرحّبوا بهما، وزّعت المديرةُ هداياها على الأطفال، فقد أحضرت لكلّ واحدٍ منهم كتابا يناسبُ عمرَه.
أثنتِ المديرةُ على طفلتي قيس وعلى طفلي داود، وقالت إنّهم مجتهدون وذوو أخلاق طيّبة. وأضافت أنّها والمعلّمةُ سوزان قد استفادتا من لينا وميلسّا بخصوص الأراضي المقدّسة، فقد كانتا تجهلان الحقيقةَ كاملة، ووجدتا ضالّتهما في كتابيْ “قضيّة فلسطين” و”تغطية الإسلام” للمفكّر إدوارد سعيد. وانتبهتْ للمجسّمات الصّدفيةِ لكنيسةِ القيامةِ وقبّةِ الصّخرةِ في بيت سامي، كما انتبهتْ للمجسّمات الخشبيّةِ التي تجسّدُ “العشاء الأخير” للسّيّد المسيح. وواصلت حديثَها قائلةً بأنّها وزميلتَها سوزان قد قرّرتا زيارةَ الأراضي المقدّسةِ في عيد الفصح المجيد في شهر نيسان -ابريل القادم- عام 2019؛ لتتعرّفا على الدّيار المقدّسة كما هي على أرض الواقع. فاقترحتْ عليهما مروةُ زوجُ قيس بأن تؤجّلا رحلتَهما حتّى عطلة المدارس الصّيفيّة في شهر حزيران -يونيو- حيث سيكونون في استقبالهما. لكنّ المديرةَ قالت بأنّهما ستسافران وحدَهما، وستشاهدان الحقيقةَ كما هي دون تأثيرٍ من أيّ شخص.
فقالوا لها:
نتمنّى لكما رحلةً سعيدة.
تركتْ زيارةُ جاكلين المديرةُ وسوزان المعلّمةُ واعتذارُهما أثرًا طيّبًا في نفوس أسرتي قيسٍ وداود. فقرّروا أن يواظبوا على زيارةِ موطنهِم الأصليِّ كلّ عامٍ، كي يبقى الوطنُ الأمُّ راسخًا في عقولِ أبنائهم.
في نهاية شهر آذار- مارس- من العام 2019، وقبل البدء باحتفالات عيد الفصح المجيد، وصلت جاكلين المديرةُ وسوزانُ المعلّمةُ ضمن مجموعةٍ سياحيّة أمريكيّة مطارَ اللّدِّ، استقلّوا حافلةً سياحيّة؛ لتقلّهم إلى فندق “الكولونيّة الأمريكيّةِ في القدس، حيث حجزتْ لهم الشّركةُ السّياحيّة.
دُهشَ السّيّاحُ الأمريكيّون من بناية الفندقِ الرّئيسةِ القديمة، جلست جاكلين وسوزان في بَهْوِ الفندقِ المفتوحِ حول نافورةِ الماء، توجّهتا إلى موظّف الإستقبال؛ لتستفسرا عن تاريخ البناء، فأعطاها محمّدٌ موظف الاستقبال منشورًا بالعربيّة ومترجما للإنجليزّية وممّا جاء فيه:
“فندق الأميركان كولوني – يعود تاريخُ الكولونية الأمريكية إلى هوراتيو سبافورد وزوجته آنا سبافورد من مدينة شيكاغو، والذين ألمّت بهم أحداثٌ مأساويةٌ كحريق مدينة شيكاغو الكبير في العام 1871م. وكذلك مقتلُ بناتِهما الأربعةِ بحادث غرقِ سفينة، وأحداثٌ مأساويةٌ أخرى قادتهما مع عددٍ آخر من أصدقائِهما للهجرة إلى مدينة القدس في العام 1881م. حيثُ لحق بهم عددٌ آخر من الأمريكيين من أصلٍ سويديّ في الأعوام التّاليةِ، من منطلق دينيّ، هو العيش في موطن السّيّدِ المسيح، وانتظار قدومِه الثّاني، وكذلك للقيام بأعمال خيريّةٍ للمجتمع المحليّ المقدسيّ، وخصوصا في أثناء الحربِ العالميّة الأولى، إذ قاموا بالمساعدات الطبّيّة، وتوفير مطابخ الحساء وغيرها من المساعدات.
وفي نهاية القرنِ التّاسع عشر قاموا بشراء قصرِ رباح أمين أفندي الحسيني في حيّ الشّيخ جرّاح، والذي بناه عام 1860م، وسكن فيه مع زوجاته الأربعة، حتّى وفاته دون إنجاب أبناء. وفي نهاية أربعينيّات القرن العشرين انتهتْ فكرةُ الكولونيّةِ الأمريكيّة كمجموعة دينيّة، وتمّ تعويضُ أفرادِ المجموعةِ مادّيّا، إذ آلتْ جميعُ الأملاكِ إلى العائلة المؤسّسة، وهم عائلة سبافورد وأنسباؤهم عائلة فستر، حيث افتُتِحَ الفندقُ بشكلٍ رسميٍّ في نهاية خمسينات القرن العشرين.”
تعجّبت جاكلين وسوزان من تاريخ البناية، فقد بناها مقدسيٌّ فلسطينيٌّ عربيٌّ قبلَ قيامِ دولةِ إسرائيل بتسعين عاما، لكنّ سوزان طلبتْ من جاكلين عدمَ الاستعجالِ حتّى تتجوّلا في المدينة.
في اليوم التّالي لوصولهما قادهما دليلٌ سياحيٌّ لزيارة الأماكن الدّينيّةِ في المدينة القديمة. مشى أمامَهما في طريق نابلس باتّجاه باب العمود، عندما اقتربوا من باب العمود قال الدّليلُ السّياحيّ:
يحيطُ هذا السّور بمدينة القدس القديمة، التي بناها اليبوسيّون العربُ قبل ستّة آلاف عام، واتّخذوها عاصمةً لمملكتهم، وبنوا حولها سورٌ تهدّمَ أكثرَ من مرّةٍ بسبب الزّلازلِ والحروب التي استهدفت المدينة، وهذا السّورُ الذي ترونَهُ بناه السّلطانُ العثمانيُّ سليمانُ القانونيّ “واستمرّ البناءُ فيه من عام 1535م وحتّى عام 1538م.” وأضاف:
“طولُ الجدرانِ هو أربعة آلاف وثمانية عشر مترا، ويبلغُ متوسّطُ ارتفاعِها اثني عشر مترا، ويبلغُ متوسّط سُمكِها مترين ونصف، وتحتوي الجدرانُ على أربعة وثلاثين برجَ مراقبةٍ وسبع بوابات. وتبلغُ مساحةُ المدينةِ حوالي كيلو متر مربّع واحد.
أخرجت جاكلينُ دفترَ ملاحظاتٍ من حقيبتها، وسجّلت بعضًا ممّا كانت تسمعه.
همستْ جاكلينُ لسوزان:
هذه المدينةُ قائمةٌ قبل الدّيانةِ اليهوديّةِ بثلاثة آلاف عام!
ابتسمت سوزان ولم تتكلّم. عند باب العمود شاهدوا شرطةَ حرس الحدود الإسرائيليّ يفتّشون الشّبابَ الفلسطينيَّ بفظاظة، غضبت جاكلين وسوزان من هذا المنظر، لكنّهما لم تتدخّلا.
عندما وصلوا مدخلَ سوقِ باب خان الزّيت أشار الدّليلُ إليه وقال:
هذا السّوقُ يوصلُ إلى كنيسة القيامة، ويمكن الاستمرارُ فيه إلى سوق العطّارين، ثمّ يلتفُّ شرقا إلى باب السّلسلة؛ ليُفضي إلى المسجد الأقصى.
ثمّ أشار إلى طريقِ الواد وقال:
هذا السّوقّ أقربُ الطّرقِ من هنا إلى المسجد الأقصى.
السّيّاحُ يأكلون المدينةَ بعيونهم، يلتقطون الصّورَ فرحين برؤيتِهم مدينةً قديمةً للمرّة الأولى. رائحةُ عبقِ التّاريخِ والقهوةٍ العربيّةِ تُنعشُهم.
في منتصفِ سوقِ خان الزّيتِ وقف الوفدُ السّياحيُّ عند تقاطع طريق الآلام مع السّوق، فقال لهم الدّليلُ:
” هذه الطّريق التي سار فيها السّيّدُ المسيحُ عيسى -عليه السّلام- منذ لحظة الحكم عليه، وحتّى صلبه وإعدامه، -حسب الاعتقاد المسيحيّ-.. وتبدأ من باب الأسباط وتنتهي في كنيسة القيامة، وتحوي الطّريقُ أربعَ عشرةَ مرحلةً، تسعًا منها في الطّريق نفسه، وآخرُ خمسِ مراحل داخل كنيسة القيامة، وهو طريقٌ مليءٌ بالكنائس والمزارات. تبدأ مراحلُ دربِ الآلام المعروفة أيضا بدرب الصّليب أو طريق الجلجلة، من حارة بابِ حُطّة حيث تقعُ المدرسةُ العمريّةُ المعروفةُ تاريخيّا باسم المدرسة الجاووليّة، وتنتهي في داخل القبر المقدّس بكنيسة القيامة.”
عند نهايةِ سوقِ باب خان الزّيت، لم يدخلوا سوقَ العطّارين، بل التفّوا غربًا إلى كنيسةِ القيامة. عند الباحةِ الواقعةِ بين مدخلِ الكنيسة العظيمة، ومسجد عمر، توقّفوا قليلا، همست سوزان لجاكلين:
انظري إلى هذا المسجد، فهو لا يبعدُ إلّا عشرات الأمتارِ عن الكنيسة، وهذا دليلٌ على التّعايش بين المسلمين والمسيحيّين في هذه المدينة العظيمة. سمعها الدّليلُ فقال:
عندما فتح المسلمون مدينة القدس في العام 637م، اجتمع الخليفةُ الثّاني عمر ابن الخطّاب مع بطريرك المدينة صفرونيوس في الكنيسة، حيثُ وقّعا العهدةَ العمريّةَ التي حفظت لمسيحيّي المدينةِ بيوتَهم وأملاكَهم وكنائسَهم وأديرتَهم وحرّيّتَهم في العبادة، وحان وقتُ الصّلاة، فرفضَ الخليفةُ الصّلاةَ في الكنيسة، – كي لا يتّخذها المسلمون من بعده مسجدًا-، وخرج منها وصلّى في ذلك المكان، ولاحقًا بنى المسلمون هذا المسجدَ في المكان الذي صلّى فيه عمر.
دخل الوفدُ السّياحيُّ الأمريكيُّ كنيسةَ القيامة، شرح لهم الدّليلُ تاريخَ الكنيسة.
في داخل الكنيسةِ ركع عددٌ من أعضاء الوفد السّياحيّ على رُكَبِهم، وعملوا شارةَ الصّليب المقدّس. تجوّلوا في أرجاء الكنيسة، توقّف البعضُ منهم أمام لوحاتٍ تشكيليّةٍ لفنّانينَ عالميّين لا تٌقدّرُ بثمن. خرجوا من الكنيسة والإيمان يملأُ قلوبَهم. قادهم الدّليلُ إلى كنيسة المُخلِّص وهي: ” مشهورةُ ببرجها العالي المطلِّ على حارات المدينة واتّجاهاتِها.” تجوّلوا قليلا في الكنيسة ثمّ صعدوا برجَها العالي، فبدتِ المدينةُ القديمةُ لوحةً من الفسيفساء يصعبُ وصفُها، لكنّها تسلبُ لبَّ النّاظرِ إليها. نظروا شرقًا فشهقوا إعجابا عندما رأوا قبّةَ الصّخرةِ المشرّفةِ الذّهبيّة. فسألت سوزانُ الدّليلَ:
متى ستقودُنا لزيارة ذلك المسجدَ الجميل؟
فردّ عليها الدّليلُ باسما:
هذا المسجدُ جزءٌ من المسجدِ الأقصى، قبلة المسلمين الأولى، وواحدٌ من أقدس مقدّسات المسلمينَ الثّلاثةِ.
فعادت سوزانُ تسأل:
أين مقدّساتُ اليهودِ في المدينة؟
فأجابها: غدا سنزورُ المسجدَ الأقصى، والحائطَ الغربيَّ Western Wall المكان الذي يقدّسُه اليهود.
بعدها مشوا باتّجاه باب الخليل، واتّجهوا إلى الباب الجديدِ بمحاذاة سورِ المدينةِ العظيم، عند زاويةِ السّور الشّماليّةِ الغربيّة، اقتربوا من مجموعةٍ سياحيّةٍ أخرى يقودها دليلٌ يهوديّ، فسألَ سائحٌ عن البناية القديمةِ عند مدخل شارع يافا. فأجابه الدّليلُ اليهوديّ:
هذا بيتٌ عربيٌّ بُنيَ قبل أكثر من مائة وخمسين عامًا كمقرٍّ لبلديّةِ القدس.
التفتتْ جاكلين إلى سوزان، وهمست:
هل سمعتِ ما قال؟
تنهّدت سوزانُ وأجابت:
نعم سمعتُ.
طلب الوفدُ من الدّليلِ أن يتناولوا طعامَ الغداءِ في مطعمٍ شعبيٍّ؛ كي يكسبوا الوقتَ؛ ليواصلوا جولتهم في القدس القديمةِ، فقادهم الدّليلُ إلى مطعمٍ شعبيٍّ في المصرارةِ، تناولوا الحّمّصَ والفولَ والفلافلَ بشهيّة. وقال لهم الدّليلُ ضاحكا:
هذه واحدةٌ من المأكولات الشّعبيّةِ العربيّة.
فسألت سوزان مستغربة:
أليسَ الحمّصُ والفلافلُ موروثًا عبريًّا؟
فردّ عليها صاحبُ المطعمِ بهدوءٍ تامّ:
من سرقَ وطنًا وشرّدَ شعبًا ليس غريبًا عليه أن يسرقَ أكلةً شعبيّة.
بعد الغداءِ قادهم الدّليلُ إلى بابِ السّاهرة، وعادَ بهم إلى المدينةِ القديمةِ مرورًا بحارةِ السّعديّة. انتبهوا للأبنيةِ القديمةِ، فشرحَ لهم الدّليلُ شيئًا من تاريخِ المدينة، وممّا قاله:
تعرّضتِ المدينةُ للهدمِ والدّمار أكثرَ من مرّة بسبب الزّلازل، وبسبب الغزوات التي تعرّضت لها، وهذه الأبنيةُ في غالبيّتها بُنيتْ في العصر المملوكيّ في القرن الثّالث عشر الميلاديّ.
عندما وصلوا طريقَ الآلامِ اتّجه بهم الدّليلُ إلى طريق الواد؛ ليدخلوا المسجدَ الأقصى من باب المجلسِ الإسلاميّ، حيثُ يُسمحُ للسّيّاح الدّخولُ من ذلك الباب فقط. ذهلوا من زخرفةِ قبّةِ الصخرة، ومن الفنِّ المعماريِّ الإسلاميِّ في المسجدِ القبليّ. لم يدخلوا بنايةَ المسجدِ؛ لأنّهم وصلوه وقتَ صلاةِ العصر. التقطوا صورًا كثيرةً للمسجدِ ولمعالمه الأثريّةِ القديمة.
من باحة قبّةِ الصّخرةِ المرتفعة أشار الدّليلُ إلى حائط البراقِ وقال:
هذا هو الحائطُ الغربيُّ للمسجدِ الأقصى، وقد اتّخذ اليهودُ جانبَهُ الآخرُ مبكى لهم ” the wailing wall“، وسترون ذلك الجانب بعدَ قليل. بعدها خرجَ بهم من المسجدِ إلى باب السّلسلة. وأشار إلى البنايةِ الأولى على يساره وقال:
هذه البنايةُ هي المدرسةُ التّنكيزيّة بُنيت في العصر الأيّوبيّ، وصادرها المحتلّون بعد احتلال المدينة في حزيران العام 1967م. وهي تحيطُ بالحائطِ الغربيِّ من جهته الشّماليّة. بعد حوالي مائتي مترٍ اتّجه بهم الدّليلُ إلى الجنوب حيثُ أطلّوا على حائطِ البراق، فقال لهم:
هذه السّاحةُ التي ترونها كانت مكتظّةً بأبنيةٍ تاريخيّة، جرفها المحتلّون، واتّخذوها مكان عبادةٍ لهم، كما هدموا 1012 بيتًا في حارتي الشّرفِ والمغاربة التي نحن فيها الآن، وشرّدوا مالكيها الفلسطسنيين، وبنوا مكانَها حيًّا استيطانيًّا يهوديّا.
قالت سوزانُ وهي تشير إلى حائط البراق:
واضحٌ أنّ هذا الحائطَ جزءٌ من المسجد الأقصى، فكيف اتّخذهُ اليهودُ مكانَ عبادةٍ لهم؟
فقال الدّليلُ: استولوا على الحائطِ بقوّةِ السّلاحِ عندما احتلوا المدينةَ في حرب حزيران 1967م.
قال أحدُ السّيّاح: اليهودُ يؤمنون بأنّ الهيكلَ الثّالثَ كان قائما مكان قبّة الصّخرة.
فردّ عليه جورجُ الدّليل:
دائرةُ الآثارِ الإسرائيليّةِ حفرتْ باطنَ الأرضِ في القدسِ، وتحت المسجدِ الأقصى، وفي قرية سلوان المجاورة، بحثًا عن آثار يهوديّةٍ منذُ احتلال المدينة في العام 1967م، وقبلها قامت بالحفريّات دائرةُ الآثار البريطانيّة، وكلاهما اعترفتا بأنّهما لم تجدا أيَّ أثرٍ يهوديّ، يُضافُ إلى ذلك أنّ اليهودَ أنفسَهم مختلفون على مكانِ الهيكلِ المزعوم، فمنهم من يقولُ بأنّه موجودٌ في اليمن، وآخرون يقولون في نابلس، وغيرهم يقولون في عسقلان.
انطلق السّيّاحُ الأمريكيّون يتقدّمهم الدّليلُ باتّجاه بابِ المغاربة، عندما خرجوا من الباب، قال لهم جورجُ الدّليلُ:
هذه القريةُ التي أمامكم هي قريةُ سلوان، ويزعمُ المحتلّون أنّها مدينةُ داود، ثمّ دار بهم شرقًا، وبعد أقلّ من مائتي مترٍ، قال لهم:
هذه الآثارُ التي على يسارِكُم هي بقايا القصورِ الأمويّة، والبناءُ الذي يعلو سورَ المدينةِ -كما ترون- هو الحائطُ الجنوبيّ للمسجدِ الأقصى. التقطوا صورًا للمكان وواصلوا طريقَهم شرقًا.
عند زاويةِ سورِ المدينةِ الجنوبيّة الشّرقيّة أشارَ الدّليلُ إلى المقبرةِ وهو يقول:
هذه مقبرةُ بابُ الرّحمةِ الإسلاميّة، وهي مقبرةٌ يزيدُ عمرُها على ألفٍ وأربع مائة سنة. وتمتدُّ على طول الجهةِ الشّرقيّةِ من المدينة. ثمّ أشارَ إلى الجهة المقابلة، وقال لهم:
تلك مقبرةٌ يهوديّةٌ على أرضٍ للأوقافِ الإسلاميّة. وتلك الكنيسةُ التي ترونها اسمُها “الجثمانيّة”، بُنِيَتْ في المكان الذي تآمروا فيه – حسبَ المعتقدِ المسيحيّ- على صلبِ السّيّدِ المسيحِ -عليه السّلام-، وحملوهُ على الصّليب باتّجاه كنيسةِ القيامة حيث دفنوه هناك. وتلك اللوحةُ الجميلةُ التي تتصدّرُ واجهةَ الكنيسةِ هي من عَمَلِ الفنّان العالميّ “دافنشي”.
جلس البعضُ من المجموعةِ السّياسيّةِ على الأرض قبالةَ الكنيسة واجمين حائرين، فما يعرفونه عن البلادِ المقدّسةِ مختلفٌ جدّا عمّا يشاهدونه على أرض الواقع. فالقدسُ مدينةُ التّعدّديّةِ الثّقافيّةِ تشهدُ بنفسها على نفسها أنّها فلسطينيّةٌ عربيّة.
قالت جاكلينُ مديرةُ المدرسة لزميلتها المعلّمة سوزان:
حكوماتُنا تُزيّفُ تاريخَ هذه البلاد.
فردّت عليها سوزانُ المعلّمة:
رؤساؤنا خطرٌ على السّلمِ العالميّ، وهم المسؤولون عن إشعال الحروبِ في هذه المنطقة.
عادوا إلى الفندقِ مشيًا على الأقدامِ وعيونُهم تبتلعُ المكان، فترسمُه في عقولهم، وهم معجبون بعناقِ مآذنِ المساجدِ وأبراجِ الكنائس، مشوا متباطئين فالمكان يسحرُهم، كلّ اثنين منهم يتهامسان، وكأنّهما يبثّان سرّا لا يريدان أن يعرفَهُ أحدٌ غيرُهما، سارت جاكلين المديرةُ وزميلتُها سوزان في مؤخّرة المجموعة، همست سوزان:
يبدو أنّنا في أمريكا مخدّرون بافتراءات إعلامٍ كاذبٍ عن الصّراع في الشّرق الأوسط، حتّى إنّني لم أسمع بفلسطين وشعبها العربيّ إلا من تلميذتيّ لينا ومليسّا.
ردّت عليها جاكلين:
لا أخلاقَ في السّياسة، وحكوماتُنا تعادي العربَ وتتنكّرُ لحقوقهم. وتكذب على دافع الضّرائب الأمريكيّ.
قالت سوزانُ بصوتٍ يرتجفُ خوفًا:
بعد رؤيتي للقدس القديمة، ولشرطة إسرائيل وهي تقهرُ وتذلُّ مواطني المدينة العرب، تذكّرت ما فعله أجدادُنا بالأمريكيّين الأصليّين” الهنود الحمر”، فقد أبادوا الملايين منهم، واستولوا على أراضيهم.
في حديقةِ الفندقِ الصّغيرةِ جلس السّيّاحُ الأمريكيّون مبهورين بجمال المكان، أمطرتهم السّماءُ بهالةِ قُدسيّةِ المدينة، عاش كلٌّ منهم صراعًا مع نفسِهِ، فما يراهُ في المدينةِ يختلفُ عمّا كان يعرفُهُ، بعضُهم التزمَ الصّمتَ حائرًا، والبعضُ الآخرُ يتهامسون، وكأنّهم يخافون الحقيقة. كسرَ الدّليلُ حاجزَ الصّمتِ عندما قال لهم:
غدًا في التّاسعة صباحًا سنتوجّهُ إلى مدينةِ بيت لحم- حسبَ البرنامجِ الذي أعدّته لكم الشّركةُ السّياحيّة، سنزورُ كنيسةَ المهدِ حيثُ وُلِدَ السّيّدُ المسيحُ.
ردّت عليه جاكلينُ موجّهةً حديثَها لزملائها:
لمْ نشبعْ من القدسِ حتّى الآن، فما رأيكم أن نتجوّلَ فيها يومًا آخر؟
ابتسم الدّليلُ وهو يقولُ:
القدسُ مدينةٌ صغيرةُ المساحةِ عظيمةُ الشّأنِ، ولكلِّ مترٍ فيها تاريخ، ورحلتُكم قصيرة، ومن يريدُ معرفةَ المدينةِ وتاريخِها يحتاجُ إلى سنوات.
لم يستمرّ النّقاشُ، فقد ذهبوا لتناول وجبةَ العشاء.
انصرفَ الدّليلُ من المكان على أملِ العودةِ صباح اليوم التّالي.
بعدَ العشاءِ اتّصلَ أحدُ أفرادِ المجموعةِ السّياحيّةِ بمكتبِ الشّركةِ السّياحيّةِ التي رتّبت الرّحلةَ في شيكاغو وسأل:
ماذا فعلتم بنا؟ في فندق الكولونيّةِ الأمريكيّةِ رافقنا دليلٌ عربيّ، تجوّلنا في القدسِ القديمة، ولم نشاهدْ إلّا معالمَ عربيّة، فأينَ الآثارُ اليهوديّة؟
ردّ عليه مديرُ المكتب:
مهما شاهدتم، وبغضِّ النّظر عن واقع المدينة، إلا أنّها ستبقى مدينةً يهوديّةً، وعاصمةً لدولة إسرائيل، فالواقعُ يفرضُهُ القويُّ المنتصر، وإسرائيلُ وأمريكا قويّتان.
انتهت المكالمةُ والرّجلُ في حيرةٍ من أمره.
صباح اليوم الثّالث للرّحلة أقلّتْ حافلةٌ سياحيّةٌ المجموعةَ الأمريكيّةَ إلى بيت لحم، أخبرهم جورجُ الدّليلُ أنّ مبيتَهم سيكونُ في فندق”انتر كونتننتال” دار جاسر”، عندما وصلوا مسجدَ بلال بن رباح، أشار الدّليلُ إلى جدار التّوسّع الإسرائيليّ وقال، هناك مسجدٌ حوّلّه الإسرائيليّون إلى كنيس، وأطلقوا عليه اسم “قبّةَ راحيل”.
وأضافَ الدّليلُ: هذا الجدارُ يحيطُ بمدينة القدس، ويعزلُها عن محيطها الفلسطينيّ. وقفَت الحافلةُ عند نقطة التّفتيش، صعد جنديٌّ إلى الحافلة وسأل عن جنسيّة السّيّاح، ثمّ تمنّى لهم يومًا سعيدًا.
أصيبَ السّيّاحُ بوجومٍ من رؤية الجدار الإسرائيليّ الذي يبلغُ ارتفاعُه تسعةَ أمتارٍ ونصفَ المتر، لم يستوعبوا ما يجري، لكنّهم شعروا بوحشيّةِ بعضِ البشر. عندما عبروا البوّابة تنفّسوا الصّعداء وكأنّهم تحرّروا من سجن، نظروا إلى صفّ السّيّارات المتّجهةِ إلى القدس، وتخضعُ لتفتيشٍ دقيق، وعلى الجانب الآخر من الجدار شاهدوا رسوماتٍ لفنّانين عالميّين مثل الفنّان البريطانيّ العالميّ بانسكي، الذي رسم ملاكين يقومان بهدم جدارِ التّوسّعِ الاحتلاليّ، والفنّان الأسترالي “لاش ساكس” الذي رسم نتنياهو وترامب يتبادلان القُبَل.
عندما توقّفتِ الحافلةُ أمامَ فندقِ الإنتركونتيننتال بُهت السّيّاحُ من جمال البنايةِ وزخرفتِها وطريقةِ بنائِها، أعلمهم جورجُ الدّليلُ أنّ هذا البناء قصرٌ أقامه التّاجرُ الفلسطينيُّ سليمان جاسر عام 1910م. ولهذا البناء تاريخٌ حافل.
وضعوا حقائبَهم في الغرف المحجوزةِ لهم من قبل. سحرهم البناءُ بهندسته التي تسلبُ العقول، عندما شاهدوا من نوافذ غرفهم أبنيةً قديمةً ومزخرفة، تحيطُ بها حدائقُ الورودِ وأشجارُ الزّينةِ والأشجارُ المثمرة، تأكّد لهم أنّ سِحْرَ الشّرقِ واقعٌ لا خيال، شعروا أنّ الأرضَ المباركةَ تحكي تاريخَها، تشهدُ على كذب المزيّفين، انتظرهم الدّليلُ أكثرَ من ساعتين حتّى اكتمل عددُهم في باحة الفندق، اقترحَ عليهم أن يستقلّوا الحافلةَ إلى ساحة كنيسةِ المهد التي تبعدُ عنهم ميلًا واحدًا، لكنّ أحدَهم قال:
أقترحُ أن نمشيَ هذه المسافةَ على أقدامنا كي تشبعَ عيونُنا من هذه البلاد المباركة.
فردّوا بصوت واحد:
أوووه هذا اقتراحٌ رائع.
ساروا خلفَ الدّليلِ وهم يلتقطون الصّورَ للأبنيةِ القديمةِ التي سلبتْ ألبابَهم.
مشوا ساعةً من الزّمن دون أن يشعروا بالوقت، عندما وصلوا ساحةَ المهد أشارَ الدّليلُ إلى الكنيسة، فرسم غالبيّتُهم شارةَ الثّالوث المقدّس، دخلوا الكنيسةَ خاشعين، تجوّلوا في أرجائها أكثرَ من ساعة وراهبٌ يشرحُ لهم عن قدسيّة المكانِ وتاريخِه، وقال لهم:
“وُلِدَ السّيّد المسيح في مذودٍ في مغارةٍ حقيرةٍ إذ لم يكن له موضعٌ في المنزل (متّى 2:7)، ويذكر البشيرُ متّى في إنجيله منزلًا حضر إليه المجوسُ القادمون من الشّرق لإكرام الطّفل يسوع، حيث كانت مريمُ العذراءُ ويوسفُ والطفل، أمّا يوستينوس الشّهيدُ فأشار إلى أنّ ذلك المذودَ وُجِدَ في مغارة.
هذا المكانُ وُلِدَ فيه السّيّد المسيح، وهذه الكنيسةُ بناها الإمبراطورُ قسطنطين عام 335م.”
خرجوا إلى مطعم قريبٍ بجوار كنيسةِ المهدِ من الجهة الجنوبيّة، بعدها قادهم الدّليلُ إلى محلٍّ يبيعُ التّحفَ والصّدفَ وتماثيلَ دينيّة من خشب الزّيتون، أمضوا ما تبقّى من يومهم في زقاق المدينةِ التّاريخيّة، وعادوا إلى الفندق تغمرُهم سعادةٌ لم يتوقّعوها.
عند المساء جرى حفلُ زفافٍ في قاعة الفندق، ملأ المدعوّون صالةَ الفندقِ وبهوَه، رجالٌ ونساءٌ يرتدون ملابسَ أنيقة، وصوتُ الفنّان يعقوب شاهين يصدح، شابّات وشباب يرتدون ملابسَ شعبيّة ويدبكون دبكاتٍ شعبيّةً لافتة، يجلس العروسان على منصّة، على الطّاولة الأولى يجلس رجلا دين مسلم ومسيحيّ، عددٌ من النّساء منقّبات، وعددٌ آخرُ يرتدين الملابسَ المطرّزةَ الشّعبيّة، وأخرياتٌ يرتدين فساتينَ سهرةٍ تشي بالثّراء. َ
اصطفّت مجموعةُ السّيّاحِ الأمريكيّين على جنبات الصالةِ مستمتعين بالمشهد، أخبرهم الدّليلُ أنّ بإمكانهم الجلوسَ والمشاركةَ في حفل الزّفاف، عندما علموا أنّ العروسَ مسيحيّةٌ وأنّ العريسَ مسلم، ازدادوا إعجابا بهذا المشهد الذي يعبّرُ عن ثقافة شعبٍ عريق.
توقّفتِ الدّبكةُ الشّعبيّة؛ لِتُفسِحَ المجالَ أمامَ الرّقصِ العاديّ، الذي شارك فيه رجالٌ ونساءٌ من مختلف الأعمار. شارك عددٌ من السّيّاحِ الأمريكيّين ومن ضمنهم سوزان بالرّقص بعد أن مدّ لها أحد الشّباب يده؛ لترقصَ معه، في السّاعة العاشرة ليلا جرتْ زفّةُ العروسين، حيث طافوا بهما باحةَ الفندقِ الدّاخليّة غير المسقوفة، وتبعوهم حتّى دخلا غرفتَهما، وأغلقا بابَها من الدّاخل في الطّابق الثّاني من الفندق.
أمضت مجموعةُ السّيّاحِ الأمريكيّين أكثرَ من ساعتين وهم يتحدّثون عن حفل الزّفاف الذي شاهدوه وشاركوا به، سألتْ جاكلينُ الدّليلَ عن مكانٍ يبيعُ ثيابًا مطرّزةً كتلك التي كانت ترتديها بعضُ النّساء في الحفل.
أجابها الدّليلُ: على بعد مئات الأمتار من هنا، يوجدُ محلٌّ لبيع الثّياب المطرّزة.
سألتْ جاكلين فرحة:
هل يمكننا زيارته لأبتاع منه ثوبًا مطرّزا؟
الدّليل: بكلّ سرور، غدًا صباحًا سأصطحبُكم إلى ذلك المحلّ.
وهنا وقفت جاكلين وأخبرتْ مجموعتَها بصوتٍ مرتفعٍ عن المحلّ الذي يبيعُ ثيابًا نسائيّة مطرّزة.
فردّوا عليها بصوتٍ واحد:
Oh my god هذا أمر رائع.
في اليوم التّالي وفي تمام السّاعة التّاسعةِ استقلّتِ المجموعةُ السّياحيّةُ الحافلةَ في طريق عودتهم إلى القدس، توقّفتِ الحافلةُ أمام مركز التّراثِ الفلسطينيّ في بيت لحم. رحّبتْ بهم السّيّدةُ مها السّقا صاحبةُ المركز، عندما دخلوا المكان دُهشوا من محتوياته، قدّمتْ فتاةُ حسناءُ ترتدي ثوبًا مطرّزا لكلّ منهم فنجان قهوةٍ “سادة” مرّة، انتبهوا لطريقة صبّها للقهوة من “الدّلّة” النّحاسيّة المزخرفة بالنّقوش التّراثيّة، فهي تمسكُ الدّلّةَ بيدها اليسرى، والفنجان بيدها اليمنى، ترفع الدّلّة عاليًا وتصبّ القهوة التي تصدر خريرا عذبا وهي تلتطم بقاع الفنجان. جلس بعضُهم على الأرائك المفروشةِ بمنسوجاتٍ من النّول الشّعبيّ، شرحتْ لهم السّيّدةُ مها السّقا عن موجودات المركز التي تشملُ موروثاتٍ شعبيّةً عريقة، وقفتْ سائحةٌ أمام ثوبين متشابهين، أحدهما سعرُه مكتوبٌ عليه “300 دولار”، والثّاني مكتوبٌ عليه ” 3000 آلاف دولار. فسألت السّائحةُ السّيدةَ السّقا عن الفرق بينهما مع أنّهما متشابهان.
ردّت السّيّدةُ السّقا بابتسامة عريضةٍ وهي تشيرُ إلى الثّوب غالي الثّمن:
هذا قماشُهُ من الحرير وهو تطريزٌ يدويّ، ويحتاجُ إلى أكثر من شهرين لتطريزه، أمّا الثّاني فهو من قماش عاديّ ويخاطُ على الماكينة، ولا يحتاج إلى أكثر من يوم عملٍ واحد.
اشترت سوزان ثوبًا بثلاثة آلاف دولار، بينما اشترتْ جاكلين قميصًا على ردنيه تطريزٌ، وله قَبَّةٌ مطرّزةٌ بمائتي دولار. في حين اشترى الآخرون مطرّزاتٍ تُعلَّقُ على حيطان صالونات البيوت كتحفٍ فنّيّة، بينما اشترى أحدُ الرّجال عِدَّةَ قهوةٍ كاملةٍ مكوّنة من “جرن، هاون، إبريقًا نحاسيّا مزخرفًا بالنّقوش التّراثيّةِ المحفورة عليه، صينيّة نحاسيّة دائريّة، ودزّينة فناجين لها قواعدُ نحاسيّة.
تشاورت جاكلين مديرةُ المدرسةِ مع المعلّمة سوزان، وقرّرتا شراء فساتين مطرّزة هديّة منهما لكلّ من تلميذتيهما لينا وميليسا.
خرج السّيّاحُ من مركز التّراث سعيدين بمشترياتهم، وعندما همّوا بدخول الحافلة بدأ إطلاقُ رصاصٍ كثيف، وانهالت عليهم قنابل الغاز الخانق، سمعوا هديرَ أصوات آليّات، رأوا سيّاراتٍ عسكريّةً محمّلةً بالجنود تدخلُ من بوّابة الجدار الإسرائيليّ الذي يعزلُ بيت لحم عن القدس، أصيبوا بالهلع، أخذوا يصرخون، بعضهم عاد إلى مركز التّراثِ وهو يشعرُ بالاختناق؛ ليحميَ نفسَه، صاروا يعطسون ويتقيّأون تحت تأثيرِ الغازِ الخانق، ازدادت مخاوفُهم عندما سمعوا عويلَ سيّاراتِ الإسعاف، حاول الدّليلُ أن يُهدّئَ من روعهم فقال بصوت مرتفع:
يبدو أنّ هناك مظاهرةً سلميّةً انطلقت من مخيّم “عايدة” القريب، وجنودُ الاحتلال يهاجمون المتظاهرين.
قالت لهم السّيّدةُ مها السّقا:
هذا الغازُ الخانقُ الذي تستنشقونه صناعةٌ أمريكيّة، وجنود الاحتلال يطلقونه على بيوتنا ومدارسنا وأسواقنا، وقدّمت لهم بقايا قنبلة غاز زرعت فيها وردة؛ لينظروا إليها، قرأوا عليها:
Made in Pennsylvania.
U.S.A.
طأطأوا رؤوسهم خجلا وسألوها مستغربين:
لكن لماذا تزرعين ورودًا في بقايا هذه القنابل؟
ردّت عليهم باسمة:
لأنّنا نعشقُ الحياةَ ما استطعنا إليها سبيلا!
كبارُ السّنِّ منهم لم يعودوا قادرين على احتمال رائحة الغازِ الخانقة، كان من بينهم طبيبٌ مُسنٌّ حاول التّخفيفَ عنهم، لكنّ السّيّدةَ السّقا قامت بتقطيع رؤوس من فحل البصل، وقدّمتْ لكلّ منهم قطعة؛ ليضعوها على أنوفهم؛ لتخفيف رائحة الغاز الخانقة.
عرضَ عليهم الدّليلُ السّياحيُّ أن يستقلّوا الحافلةَ؛ ليدورَ بهم إلى معبر الأنفاق شمال مدينة بيت جالا؛ كي يعودوا إلى القدس.
وافقوا دون نقاش. عندما عادت بهم الحافلةُ إلى الشّارع الرّئيسيّ، رأوا عددًا من الأطفال يسقطون في الشّارع مضرّجين بدمائهم، وشاهدوا جموعًا من الشّابّات والشّبّان يلقون الحجارةَ على جنود الاحتلال؛ لتوفير الحماية لسيّاراتِ الإسعاف؛ كي تلتقطَ المصابين. توقّفت الحافلةُ لأنّ سيّارات الجنود تغلقُ الشّارع، أغلقوا نوافذَ الحافلةِ؛ ليحدّوا من دخول الغازات الخانقة إليها. على الرّصيف شاهدوا صبيًّا ممدّدًا والدّماءُ تنزفُ من رأسه، يُحيطُ به جنودُ الاحتلال، ويستعملون القوّة ضدّ المسعفين الذين يحاولون نقلَهُ في سيّارة الإسعاف، نزلَ الطّبيبُ الأمريكيُّ من الحافلة، حاول إسعافَ الصّبيّ، لكنّ الجنود صدّوه بقسوة، فسألهم:
هل تتكلّمون الإنجليزيّة؟ نحن سيّاحٌ أمريكيّون، وأنا طبيب، مهنتي تُلزمني بإسعاف هذا الصّبيّ المصاب.
ردّ عليه جنديّ بلهجة عنيفة وهو يصوّب بندقيّته تجاهه:
انصرف من هنا وإلّا………………
في هذه اللحظة شاهدوا امرأةً تركضُ باتّجاه الصّبيّ الجريح، وتصرخُ بأعلى صوتها:
محمّد شو صار فيك يمّه.
قبل أن تصلَ ابنَها تصدّى لها جنديّان، أحدهما رشّ في وجهها غازَ الفلفل، والثّاني انهال بعصاه على رأسها ومختلف أنحاء جسدها، وهي تحاول النّهوضَ لإنقاذ طفلها، صراخُها يوقظُ الموتى من قبورهم، لم تستطع الوصول لابنها، فما عادت قادرةً على فتح عينيها من غاز الفلفل، دماؤها تسيل على وجهها وصدرها، بُحَّ صوتها، ولم يسمحوا لسيّارة الإسعاف أن تصل إليها.
صرخ السّياحُ مرعوبين من هول ما يشاهدونه.
طلب الضّابطُ من جنوده أن يفتحوا الشّارعَ أمام الحافلة وهو يقول:
ما داموا أمريكيّين دعوهم ينصرفون.
ضرب الضّابطُ بعصاه على نافذة الحافلةِ السّياحيّةِ وهو يصرخُ على السّائق:
انصرف من هنا.
واصلت الحافلةُ طريقَها ومجموعةُ السّيّاح يعطسون ويسعلون، ودموعُهم مدرارة. يلتفتون إلى بعضهم البعض بين العطسة والعطسة ويقولون:
يا إلهي…هذا غير معقول.
عندما وصلوا معبرَ النّفقِ المقامِ على أراضي بيت جالا وقرية الخضر، أوقف الجنودُ الحافلة. دخلت إلى الحافلة جنديّةٌ شابّة، فيها ملامح أنثويّة شوّهتها ملابسُها العسكريّةُ وبندقية “العوزي”، التي تتدلّى من كتفها، وخلفها جنديٌّ يضع إصبعَه على زناد بندقيّته”m16” الأمريكيّة الصّنع.
السّيّاحُ في الحافلة في حالة رعب، خصوصًا عندما شاهدوا عشرات الأشخاص العرب يصطفّون على الرّصيف، في انتظار التّفتيشِ الجسديّ؛ كي يُسمحَ لهم بالمرور، والجنودُ المدجّجون بالسّلاح يحيطون بهم من كلّ جانب.
وقفت الجنديّةُ عند مقدّمة الباص بعد أن قال لها الدّليلُ بالعبريّة:
هؤلاء سيّاحٌ أمريكيّون في طريقهم من بيت لحم إلى القدس.
نظرت الجنديّةُ إلى السّيّاح الذين يسعلون، ويمسحون دموعَهم، وعيونهم حمراء اللون وسألت:
ماذا جرى لكم؟ هل اعتدى عليكم العرب؟
لم يتفوّه أيٌّ منهم بكلمةٍ سوى الدّليل السّياحيّ الذي قال:
لقد استنشقوا غازًا خانقًا أطلقه الجنود.
تصنّعت المجنّدةُ ابتسامةً وقالت، وهي تنزل وزميلها من الحافلة:
نتمنّى لكم رحلةً سعيدةً في أرض إسرائيل.
تساءل السّيّاحُ حول الورطة التي وقعوا فيها، ارتفع صوتُ جاكلين وهي تبكي وتقول:
قلبي على ذلك الطفل الذي رأيناه ينزف، وعلى والدته التي جاءت لإنقاذه، لكنّ الجنودَ منعوا سيّاراتِ الإسعافِ من الوصول، واعتدوا بوحشيّة على الأمّ البائسة.
عندما وصلتِ المجموعةُ السّياحيّةُ إلى فندق الكولونيّة الأمريكيّة في القدس، كانوا منهكين بائسين حائرين، انصرف كلٌّ منهم إلى غرفته، فتحت سوزان التّلفازَ على محطة أمريكيّة، بينما كانت جاكلينُ تجلسُ منهكة، وتستعدُّ للاستحمام، واستبدال ملابسها، وإذا بالمحطّة تبثُّ في نشرة الأخبار:
” هاجمَ مخرّبٌ فلسطينيٌّ مجموعةً من الإسرائيليّين بسكّينٍ قرب قبر راحيل في بيت لحم، فأطلق الجنودُ النّار على قدميه، وتوفّي وهو في طريقه إلى المستشفى، كما جرى تحييدُ والدتِه التي هاجمت الجنود هي الأخرى.” صاحبَ الخبرَ شريطٌ مصوّرٌ ظهرت فيه الحافلةُ التي تقلُّ مجموعتَهم السّياحيّة، وظهرت صورةٌ لطفلٍ فلسطينيّ ينزفُ دمًا وبالقرب منه سكّينٌ نصلُهُ أخضر اللون، صرخت سوزي وهي تقول:
يا إلهي! ما رأيناه بعيوننا يختلفُ عمّا نسمعُهُ ونشاهدُه على شاشة التّلفاز؟ ولولا أنّنا شاهدنا صورةَ الحافلةِ وصورتنا لظننتُ أنّهم يتحدّثون عن حدث ومكانٍ آخر! فكيف يصفون هذا الطّفلَ بالإرهاب والتّخريب؟ وكيف وضعوا السّكينَ بجانبه؟ وكيف يزعمون أنّ والدةَ الطّفل هاجمتهم؟ هذا كذبٌ مقصودٌ ويقلب الحقائق.
نزلت دموعُ جاكلين ولم تعد قادرةً على الكلام. تذكّرتْ تلميذتيها لينا وميليسّا، وهمست:
من يحمي الطّفولةَ في هذه البلاد المقدّسة؟
أمّا سوزانُ فقد قالت بصوتٍ متهدّجٍ حزين:
ما يجري في البلاد المقدّسة يُغضبُ الرّبّ، فأرضُ السّلام لا سلام فيها.
بعد عصر ذلك اليوم التقى أعضاءُ المجموعةِ السّياحيّةِ في بهو الفندق، الحزن ظاهرٌ على وجوههم، فهم مصدومون ممّا مرّوا به في بيت لحم، تشاوروا فيما بينهم، فغدًا بحسب برنامجهم سيزورون كنيسةَ العذراءِ الشّهيرةِ في مدينة النّاصرة.
قالت جاكلينُ والحزنُ يُخيّمُ على وجهها:
بعد ما جرى معنا في بيت لحم، لن أخرجَ من هذا الفندق، حتّى يحين موعدُ سفرِنا وعودتِنا إلى بلادنا. فأنا مصدومةٌ ممّا يجري في البلاد المقدّسة.
عقّبت سوزانُ قائلة:
وأنا سأبقى معكِ أيضًا، فمن غير المعقول أن نضعَ حايتَنا في خطرٍ.
بعدَ لحظةِ صمتٍ قال الطّبيب:
عندما سمعتُ ورأيتُ نشرةَ الأخبارِ من محطّات التّلفزةِ الإسرائيليّةِ والأمريكيّةِ، تأكّدتُ أنّنا نعيشُ أكذوبةً كبرى حولَ ما يجري في هذه المنطقةِ من العالم، فالحقائقُ معكوسةٌ، وحقوقُ الإنسانِ لا مكان لها في هذه المنطقة، لذا فأنا أوافقُ جاكلين وسوزان في قرارهما بعدم الخروج من الفندق حتّى يحين موعدُ سفرِنا.
قالت سوزانُ بلهجةٍ حزينة:
من غير المعقول أن يُموِّلَ دافعو الضّرائب الأمريكيّة حروبًا ظالمة، فالسّكوتُ على الظّلمِ، ومساعدةُ المعتدين خطيئة.
الطبيب: عندما نعودُ إلى بلادنا، سأكتبُ عمّا شاهدناه وسمعناه، لعلّ شعبَنا يصحو من سباته.
في النّهاية قرّرت المجموعةُ أن تلغيَ ما تبقّى من برنامجهم، وأن لا يخرجوا من فندق الكولونيّة الأمريكيّة إلى حين موعدِ سفرهِم بعد ثلاثة أيّام.
قال لهم الدّليل:
لا داعي للخوف، فالجنودُ الإسرائيليّون لا يتصرّفون في النّاصرة مثلما يتصرّفون في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967م.
سأله الطّبيب:
أليس سكّانُ النّاصرة عربًا؟
أجابه الدّليل: نعم إنّهم عرب.
نعم إنّهم عرب، وبنت الدّولةُ بجانبهم مدينةً سمّوها “النّاصرة العليا”، ثمّ غيّروا اسمها إلى “منظر الناصرة”، أسكنوا فيها مستوطنين يهودا.
الطبيب: إذن كيف تختلفُ معاملتهم للنّاصرة عن القدس وبيت لحم؟
الدّليل: احتلّوا النّاصرة عام النّكبة الأولى 1948م، وضمنوا أن تبقى جزءًا من دولتهم، مع أنّهم يتعاملون مع الفلسطيّنيين الذين بقوا في ديارهم، على أنّهم مواطنون من الدّرجة الثّانية، فهم يعانون من تمييزٍ عنصريٍّ في مختلف مجالات حياتهم.
قال الطبيب: أنا لست مستعدّا للتجّول في مناطق يعاني مواطنوها الأصليّون من تمييزٍ عنصريّ.
قالت جاكلين: إذا كانت ناصرةُ السّيّدِ المسيحِ ومهدُه تعانيان من التّمييز فهذا يعني أنّنا في دولة عنصريّة، وما نسمعُه عن الدّيموقراطيّة وحقوقِ الإنسانِ فيها مجرّد أكاذيب.
قال الدّليل: بما أنّكم ترفضون زيارةَ النّاصرة، فإنّني أقترحُ عليكم أن تزوروا البحرَ الميّت، فهو بحيرةٌ لا شبيهَ لها، وتقعُ في أخفضِ نقطةٍ في الكرةِ الأرضيّة. والطّريقُ إليه شبه خالية.
سأل الطبيب: كم يبعدُ البحرُ الميّتُ من هنا؟
الدّليل: حوالي أربعين دقيقة سياقة.
التفت الطّبيبُ إلى زملائه وسأل:
ما رأيكم؟
قالت سوزان: من ناحيتي أنا موافقة.
بقي الآخرون صامتين، فسأل الدّليل:
هل هناك من يعترضُ على زيارة البحر الميّت؟
لم يعترضْ أحدٌ، فقال الدّليل:
إذن سننطلق من هنا في التّاسعة صباحًا في طريقنا إلى البحر الميّت.
في الطّريق إلى البحر الميّتِ لفت انتباهَهم تلك المستوطنات التي تحتلُّ رؤوسَ التّلال والجبال، كما انتبهوا إلى مضارب البدو القائمةِ قرب الخان الأحمر، سألت سوزان:
ما هذه الخيامُ؟
ردّ عليها الدّليل:
هؤلاء مجموعةٌ من بدو عرب الجهالين.
سأل الطبيبُ بلهجة حزينة:
لماذا مساكنُهم بائسة هكذا؟
ردّ الدّليل عابسا:
هؤلاء طردهم الإسرائيليّون بقوّة السّلاحِ من ديارهم وأراضيهم الشّاسعة عام 1951م دون حرب. وتشرّدوا في مناطقَ مختلفةٍ من الضّفّة الغربيّة، وبعد احتلال عام 1967م يطاردهم المحتلّون من مكان إلى آخر؛ ليمدّدوا مستوطناتهم مكانهم.
التقطتِ المجموعةُ السّياحيّةُ الصّورَ لمضارب البدو، وواصلوا طريقَهم إلى البحر الميّت.
عند مستوى سطح البحر في الطّريق بين القدس وأريحا، وقبل مقام النّبيّ موسى بحوالي كيلومتر طلب الدّليلُ من سائق الحافلةِ أن يتوقّفَ وقال:
نحن الآن عند مستوى سطح البحر، ومن هنا سنواصلُ طريقنَا تحت مستوى سطح البحر.
التقط السّيّاحُ صورًا للصّخرة الورديّةِ المكتوب عليها “مستوى سطح البحر” بالعبريّة والإنجليزيّة، كما التقطوا صورا للجبال الجيريّة شبه الجرداء شديدة الانحدار على جانبي الوادي.
عندما دخلوا منطقة الغور، قال الدّليل:
نحن الآن في منطقة الغور الذي يقسمه نهر الأردنّ بين فلسطين والأردنّ، على يساركم مدينةُ أريحا الفلسطينيّة أقدم مدينة في العالم، أقيمت قبل عشرة آلاف عام، وقبالتكم شرقا مرتفعات السّلط الأردنيّة.
واصلوا طريقَهم، والتفّوا جنوبا باتّجاه البحر الميّت، أوقفهم حاجزٌ عسكريّ، دخل جنديٌّ إسرائيليٌّ الحافلة، لمّا تأكّد من أنّهم أمريكيّون سأل:
إلى أين؟
ردّ عليه الدّليل:
إلى فنادق البحر الميّت.
قال الدّليل: هذا الحاجزُ العسكريّ مقامٌ هنا؛ ليمنعَ مواطني الضّفّةِ الغربيّةِ من الوصول إلى البحر الميت.
واصلوا طريقَهم في شارعٍ شبه مستقيم إلى أن وصلوا شارعًا يتفرّع يمينا ويسارا، طلب الدّليلُ من السّائق أن يتوقّفَ وقال وهو يشيرُ إلى بنايةٍ مهجورةٍ إلى يسارهم وقال:
تلك البنايةُ كانت حتّى حرب حزيران 1967 فندقًا سياحيًّا باسم “الليدو”، مياه البحر الميّت كانت تلامسُ درجاته. وكانت تصلُ إلى رصيف هذا الشّارع.
سأل الطبيب مستغربا:
إذا كانت مياهُ البحرِ تصلُ هنا حقيقةً فكيف انحسرتْ وابتعدتْ كما نرى؟
تنهّد الدّليلُ عميقًا وقال:
سحب الإسرائيليّون مياهَ نهرِ الأردنّ الذي يغذّي البحرَ الميّتَ بالمياه، وحوّلوها إلى منطقة النّقب منذ العام 1967م. وبالتّالي جفّت قناةُ الغور الشّرقيّة التي كانت تروي أراضي الجانب الأردنيّ من الغور، ولم تعد المياهُ تصل إلى البحر الميّت، الذي يشهد نسبةَ تبخّرٍ عالية جدّا كونه أخفض منطقة في العالم، حيث ينخفضُ عن مستوى سطح البحر 417 مترًا.
علّق الطّبيب بلهجة غاضبة:
كيف يحصلُ هذا الجنون؟ هذا انتهاكٌ لحرمة الطّبيعةِ ومكوّناتها.
الدّليل: لم يتوقّف القضاءُ على البحر الميّت عند سحب مياهِ نهرِ الأردنّ، والحيلولة دون وصولها إلى البحر الميّت فحسب، بل تعدّاها إلى إقامة مصانع في منطقة اسدوم، لتكرير مياه البحر المالحةِ واستخراجِ كنوزِ الكيماويّات والمعادنِ منها، ممّا ساعدَ على انحسار مياهِ البحرِ بطريقة متسارعة.
قبل أن يواصلوا طريقَهم أشار الدّليلُ إلى الجهة المقابلةِ من البحر وقال:
هذه السّلسلةُ الجبليّةُ هي سلسلةُ جبال مؤاب الأردنيّة، وهي تمتدُّ على طول الشّاطئ، وفي زاوية البحر الجنوبيّةِ الشّرقيّةِ التي ترونها، تلك الأبنيةُ منتجعٌ سياحيٌّ أردنيٌّ مقامة عليه عدّة فنادق سياحيّة.
واصلوا طريقَهم مرورًا بنبع الفشخة، توقّفوا قليلا بناءً على طلب الدّليلِ الذي قال لهم:
هذا نبع ماء عذب، وأمامه بقايا منتجع سياحيّ، أُغلق بعد أن انحسرت مياه البحر، التي كانت تبعدُ عنه أقلّ من مائة متر.
انتبهوا إلى سلسلة الجبالِ الصّخريّةِ حادّة الإنحدار عن يمينهم، انبهروا بها والتقطوا الصّور التّذكاريّة، قالت سوزان مستغربة:
يا إلهي ما أجملَ تنوّعَ البيئةِ في هذه البلاد، ليت لنا في شيكاغو جبالًا مثل هذه الجبال!
بعد أن ساروا حوالي عشرين كيلومترا، وعند منعطفٍ يتّسع رصيفُهُ، وعليه عدّة مكعّبات خرسانيّة طلب الدّليلُ من السّائق أن يتوقّفَ وقال:
هذه هي نقطةُ الحدودِ التي كانت قائمةً قبل احتلال عام 1967م. وكانت مياهُ البحر تلتطمُ بأسفل هذه التّلّة.
عندما وصلوا منطقةَ الفنادقِ قال الدّليل:
هذه فنادق سياحيّةٌ أقامها الإسرائيليّون على بعد بضعة أمتار من مياه البحر، كان السّيّاح يرتادونها من مختلف أرجاء العالم، يستمتعون بجمال المنطقة، يسبحون في البحر، وبعضهم كان يأتي للاستشفاء من الأمراض الجلديّة، خصوصًا “الصّدفيّة”. من يريد الاستحمام هنا بمياه البحر فهناك بركة فيها ماء من مياه البحر.
قال الطّبيبُ ساخرًا:
لا داعي للسّباحة في بركة اصطناعيّة مادام البحرُ بعيدا عمّن يرتادونه!
قال الدّليل: مصانع الكيماويّات التي تشفطُ مياهَ البحرِ قريبةٌ من هنا إن أردتم رؤيتها.
ردّ الطّبيب بلهجة حزينة:
لا داعي لذلك، دعونا نعودُ طريقَنا إلى الفندق.
عادوا طريقهم إلى فندق الكولونيّة الأمريكيّة في القدس، يلتقطون صورًا للمناظر الطّبيعيّة الخلّابة من نوافذ الحافلة، وكلٌّ منهم صامتٌ يفكّر بما يرى بعينيه، وبما كان يسمعُهُ ويراهُ في الفضائيّات الأمريكيّة.
عندما ابتعدوا عن البحر الميّت وصاروا بمحاذاة مدينة أريحا، قال الطّبيب فجأةً ودون مقدّمات:
مرّت بخاطري الآن مقولةٌ لعالم الرّياضيّات أينشتاين!
سألته سوزان حائرةً:
ماهي المقولة؟
ردّ الطّبيبُ بلهجةً حزينة:
يقول آينشتاين:”اثنان لا حدود لهما، الكون وغباء الإنسان، وأشكّ في صحّة الأولى”!
عادت سوزان تسأل:
ماذا تقصد بهذه المقولة؟
ردّ الطّبيبُ ساخرا مع ابتسامة مصطنعة:
أقصد أنّني إنسانٌ غبيّ!
ضحك من سمعوه دون أن يقولوا شيئًا باستثناء جاكلين التي قالت:
وأنا غبيّةٌ مثلك، فقد أفنيتُ عمري مخدوعة، فكنت أرى أنّني أعرف الكثيرَ عن هذه المنطقة، لكنّني وجدت نفسي أجهل كلّ شيء.
حزم السّيّاحُ الأمريكيّون أمتعتَهم، استقلّوا الحافلة إلى مطار اللدّ في طريق العودة إلى بلادهم، عندما اصطفّوا عند الجناح المخصّص لطائرتهم، لفت انتباهُهم كيف يقوم موظّفو الأمن الإسرائيليّ بتفتيش حقائب أسرة عربيّة ستسافر على الطّائرة نفسها، فيفتحونها ويفتّشون ما بداخلها تفتيشا إلكترونيّا ويدويّا دقيقا. ثمّ اصطحب رجلٌ وامرأةٌ الأسرةَ إلى مكان لا يمرّ منه المسافرون، انتبهت جاكلين وسوزان لذلك، أشفقتا على الطّفل العربيّ الرَّضيع الذي كان في عربته، وعلى شقيقته التي لم يتجاوز عمرها خمس سنوات وتمسكُ بذيل فستان والدتها، وعلى الطّفلة الثّالثة ابنة السّنوات الثّلاثة التي يحملها والدها على صدره، قبل إقلاع الطّائرة بحوالي ربع ساعة، وصلت الأسرةُ العربيّةُ قاعةَ الانتظار أمام بوّابة الطّائرة، الوالدان يتصبّبان عرَقًا، والأطفالُ يصرخون رعبا.
اقتربت سوزانُ من الأسرة العربيّةِ وسألت بلطف:
عفوًا، لماذا تأخّرتم؟
الأمّ بلهجة متعبة:
أخذونا للتّفتيش الشّخصيّ.
- شيء عاديّ كلّنا مررنا عبر البوّابة الإلكترونيّة.
- نعم مررنا عبر البوّابة الإلكترونيّة، وخضعنا لتفتيشٍ يدويّ.
- كيف؟
- أجبرونا على خلع ملابسنا قطعةً قطعة، باستثناء السّروال الدّاخليّ، ثمّ يرفع الواحد منّا يديه إلى الأعلى، ويباعد ما بين الفخذين ليمرّروا أداة إلكترونيّة على كامل جسد الواحد منّا.
ضمّت سوزان تقاطيع وجهها غضبا وسألت:
من قام بتفتيشكم رجال أم نساء؟
الأمّ: رجلٌ فتّش زوجي في غرفة منفصلة، وامرأةٌ فتّشتني وأطفالي في غرفة أخرى.
سوزان: وهل خلعوا ملابسَ الأطفال؟
تنهّدت الأمّ وقالت:
لا…لم يخلعوها، فقد اكتفوا بالتّفتيش اليدويّ، وبخلع معاطفهم وأحذيتهم، وأخْذِها للتّفتيش الإلكترونيّ.
ثمّ تحسّستِ المرأة جسد كلّ طفلٍ بيديها، ممّا أصاب الأطفال بالذّعر.
سوزان غاضبة:
يا إلهي! ما هذا القبح؟ شكرًا لكم وكان الله في عونكم.
بعد أن وصلت جاكلين وسوزي شيكاغو، قرّرتا رفع العلم الفلسطينيّ على سارية بيت كلّ منهما، وعندما يسأل جار أو صديق عن هذا العلم، اتّفقتا أن تجيبا:
هذا علم الهنود الحمر في الشّرق الأوسط. ثمّ تسهبان في الشّرح عمّا شاهدتاه في فلسطين عندما زارتاها.
كما قرّرتا المشاركة في نشاطات مؤسّسة جماهيريّة للمغتربين الفلسطينيّين في مدينة شيكاغو.
بعد ثلاثة أيّام من عودتهما إلى شيكاغو هاتفت جاكلين وسوزي قيس وداود؛ لتحديد يوم لزيارتهما.
في نهاية الأسبوع وفي ساعات العصر وصلتا بيت قيس، وما إن رأتا أطفال المضيفين حتّى احتضنتاهما باكيتين، لم تتمالك سوزان نفسها وهي تقول للينا بنت قيس ومروة:
أشكرك يا صغيرتي، فقد تعلّمتُ منك الكثير، تعلّمت منك شيئًا عن البلاد المقدّسة، أنت من دفعتِني لزيارة القدس وبيت لحم وغيرها، زرتُ كنيستي القيامة والمهد، والمسجد الأقصى. رأيت بأمّ عينيّ عذابات شعب، وكيف يتمّ تزييف تاريخه وواقعه، واقتلاعه من وطنه ووطن آبائه وأجداده، وقرّرت ومديرتي جاكلين أن لا نسكت بعد اليوم، فالسّكوت عن الحقّ جريمة.
انتهت
صيف عام الكورونا 2020
– جميل حسين ابراهيم السلحوت
– مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
– حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
– عمل مدرّسا للغة العربيّة في المدرسة الرّشيدية الثّانويّة في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990.
– اعتقل من 19-3-1969 وحتى 20-4-1970وخضع بعدها للأقامة الجبريّة لمدّة ستة أشهر.
– عمل محرّرا في الصّحافة من عام 1974-1998في صحف ومجلات الفجر، الكاتب، الشّراع، العودة، مع النّاس، ورئيس تحرير لصحيفة الصّدى الأسبوعيّة. ورئيس تحرير لمجلة”مع النّاس”
– عضو مؤسس لاتّحاد الكتّاب الفلسطينيين، وعضو هيئته الإدارية المنتخب لأكثر من دورة.
– عضو مؤسّس لاتّحاد الصّحفيين الفلسطينيين، وعضو هيئته الإداريّة المنتخب لأكثر من دورة.
– عمل مديرا للعلاقات العامّة في محافظة القدس في السّلطة الفلسطينيّة من شباط 1998 وحتى بداية حزيران 2009.
– عضو مجلس أمناء لأكثر من مؤسسة ثقافية منها: المسرح الوطني الفلسطيني.
– فاز عام 2018 بجائزة القدس للثقافة والأبداع.
– منحته وزارة الثّقافة الفلسطينيّة لقب”شخصيّة القدس الثّقافيّة للعام 2012″.
– جرى تكريمه من عشرات المؤسّسات منها: وزارة الثّقافة، محافظة القدس، جامعة القدس، بلديّة طولكرم ومكتبتها، المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ، ندوة اليوم السّابع، جمعيّة الصّداقة والأخوّة الفلسطينيّة الجزائريّة، نادي جبل المكبر، دار الجندي للنّشر والتّوزيع، مبادرة الشباب في جبل المكبر، ملتقى المثقفين المقدسي، جمعية يوم القدس-عمّان، جامعة عبد القادر الجزائريّ، في مدينة قسنطينة الجزائريّة، المجلس الملّي الأرثوذكسي في حيفا.
شارك في عدّة مؤتمرات ولقاءات منها:
– مؤتمر “مخاطر هجرة اليهود السوفييت إلى فلسطين”- حزيران 1990 – عمّان.
– أسبوع فلسطين الثّقافي في احتفاليّة “الرياض عاصمة الثقافة العربية للعام 2009.”
– أسبوع الثّقافة الفلسطينيّ في احتفاليّة الجزائر “قسنطينة عاصمة الثّقافة العربيّة للعام 2015”.
– ملتقى الرّواية العربيّة، رام الله-فلسطين، أيّار-مايو-2017؟
اصدارات جميل السلحوت
– ظلام النّهار-رواية، دار الجندي للطباعة والنشر- القدس –ايلول 2010.
– جنّة الجحيم-رواية – دار الجندي للطباعة والنشر- القدس-حزيران 2011.
-هوان النّعيم. رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-كانون ثاني-يناير-2012.
– برد الصّيف-رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس- آذار-مارس- 2013.
– العسف-رواية-دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2014
– أميرة- رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس 2014.
– زمن وضحة- رواية- مكتبة كل شيء- حيفا 2015.
– رولا-رواية- دار الجندي للنّشر والتّوزيع- القدس 2016.
– عذارى في وجه العاصفة-رواية- مكتبة كل شيء-حيفا 2017
– نسيم الشّوق-رواية-مكتبة كل شيء، حيفا 2018.
– عند بوابة السماء- مكتبة كل شيء-حيفا 2019.
– الخاصرة الرّخوة-مكتبة كل شيء-حيفا 2020.
روايات اليافعين
– عشّ الدّبابير-رواية للفتيات والفتيان-منشورات دار الهدى-كفر قرع، تمّوز-يوليو- ٢٠٠٧.
– الحصاد-رواية لليافعين، منشورات الزيزفونة لثقافة الطفل، ٢٠١٤، ببيتونيا-فلسطين.
– البلاد العجيبة- رواية لليافعين- مكتبة كل شيء- حيفا 2014.
– لنّوش”-رواية لليافعين. دار الجندي للنّشر والتوزيع،القدس،2016.
قصص للأطفال
– المخاض، مجموعة قصصيّة للأطفال، منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيّين- القدس،1989.
– الغول، قصّة للأطفال، منشورات ثقافة الطفل الفلسطيني-رام الله 2007.
– كلب البراري، مجموعة قصصيّة للأطفال، منشورات غدير،القدس2009.
– الأحفاد الطّيّبون، قصّة للأطفال، منشورات الزّيزفونة لثقافة الطفل، بيتونيا-فلسطين 2016.
– باسل يتعلم الكتابة، قصّة للأطفال، منشورات الزّيزفونة لتنمية ثقافة الطفل، بيتونيا، فلسطين، 2017.
– ميرا تحبّ الطيور-منشورات دار الياحور-القدس 2019.
– النّمل والبقرة- منشورات دار إلياحور-القدس 2019.
أدب السّيرة:
أبحاث في التّراث.
– شيء من الصّراع الطبقي في الحكاية الفلسطينيّة .منشورات صلاح الدّين – القدس 1978.
– صور من الأدب الشّعبي الفلسطينيّ – مشترك مع د. محمد شحادة .منشورات الرّواد- القدس 1982.
– مضامين اجتماعيّة في الحكاية الفلسطينيّة .منشورات دار الكاتب – القدس-1983.
– القضاء العشائري. منشورات دار الاسوار – عكا 1988.
بحث:
– معاناة الأطفال المقدسيّيين تحت الاحتلال، مشترك مع ايمان مصاروة. منشورات مركز القدس للحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة، القدس 2002.
أدب ساخر:
– حمار الشيخ.منشورات اتّحاد الشّباب الفلسطيني -رام الله2000.
– أنا وحماري .منشورات دار التّنوير للنّشر والتّرجمة والتّوزيع – القدس2003.
أدب الرّحلات
– كنت هناك، من أدب الرّحلات، منشورات وزارة الثّقافة، رام الله-فلسطين، تشرين أوّل-اكتوبر-2012.
– في بلاد العمّ سام، من أدب الرّحلات، منشورات مكتبة كل شيء-حيفا2016.
يوميّات
– يوميّات الحزن الدّامي، يوميات،منشورات مكتبة كل شيء الحيفاويّة-حيفا-2016.
أعدّ وحرّر الكتب التّسجيليّة لندوة اليوم السّابع في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ – الحكواتي سابقا – في القدس وهي :
– يبوس. منشورات المسرح الوطني الفلشسطيني – القدس 1997.
– ايلياء. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 1998.
– قراءات لنماذج من أدب الأطفال. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس كانون اول 2004.
– في أدب الأطفال .منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 2006.
– الحصاد الماتع لندوة اليوم السابع. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس كانون ثاني-يناير- 2012.
– أدب السجون. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-شباط-فبراير-2012.
– نصف الحاضر وكلّ المستقبل.دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-آذار-مارس-2012.
– أبو الفنون. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس نيسان 2012.
– حارسة نارنا المقدسة- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس. أيار 2012
– بيارق الكلام لمدينة السلام- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس- ايار 2012.
-نور الغسق- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2013.
– من نوافذ الابداع- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس 2013.
– مدينة الوديان-دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2014.