قصص الخالة مريم والعودة إلى براءة الطفولة

ق

عن دار إلياحور للنّشر والتّوزيع في أبو ديس-القدس، صدرت في الأيّام القليلة الماضية سلسلة قصص”الخالة مريم” للأديب الكبير محمود شقير. وصدر معها سلسلة “حبّ الوطن” أيضا التي كتبنا عنها قبل أيّام قليلة.
إشارة لا بدّ منها
محمود شقير أديب كبير ومتميّز، ونعيد ونكرّر ذلك عندما نتطرّق لكتابات أديبنا الكبير للكبار وللصّغار، ونكرّر أكثر وأكثر عندما نكتب شيئا عن كتاباته للأطفال، كي يترسّخ في أذهانهم هذا الاسم الكبير، الذي يعتبر مدرسة أدبيّة ينهل منها الكبار والصّغار، فهو قدوة تقتدى.
اعتراف
ولتأكيد ما قلته سابقا فإنّي أعترف أنّي أقرأ إصدارات أديبنا محمود شقير، خصوصا تلك الموجّهة للأطفال أكثر من مرّة، واحدة للإطلاع، وواحدة للتّسليّة ومرّات للمتعة والفهم والتّعلّم منها، فأديبنا متجدّد وعميق لدرجة الدّهشة، وقصصه للأطفال بسيطة ولافتة لدرجة تدعو لآداء التّحيّة له على هذا الابداع.
المضمون
قرأت سلسلة قصص “الخالة مريم” أكثر من مرّة، وألحّت على ذاكرتي مقابلتي في منتصف ثمانينات القرن العشرين لكاتب أطفال روسيّ خانتني الذّاكرة، فنسيت اسمه، لكنّي أتذكّر أنّه كان في الرابعة والثّمانين من عمره، وصدرت له أربع وثمانون مجموعة قصصيّة للأطفال، وممّا قاله في تلك المقابلة بأنّه يعود طفلا عندما يكتب قصّة للأطفال، فينسى نفسه ويضع قلمه أحيانا في فمه كما كان يفعل في طفولته! فتتلوّن شفتاه بالحبر دون أن ينتبه لنفسه. ومعروف أنّ الكتابة للأطفال هي أصعب الكتابات، لأنّها تتطلّب من الكاتب أن يعرف نفسيّة الأطفال. وكأنّي بأديبنا محمود شقير يشبه ذلك الكاتب الرّوسيّ، فهو عندما يكتب للأطفال يعود إلى طفولته، أو يتقمصّ شخصيّة الطفل الموجّهة القصّة لجيله، إضافة إلى ثقافة أديبنا الواسعة والشّموليّة، وما يستفيده من طفولة أحفاده، خصوصا حفيده مهدي صاحب الحظوة عند جدّه. ومعروف عن أديبنا أنّه يتحلّى بذكاء ودقّة ملاحظة بائنة، لذا لا عجب أن يكتب قصّة ابداعيّة عن حدث معيّن واقعيّ نشاهده جميعنا.
وفي سلسلة القصص الأربع هذه”الخالة مريم” نرى أنّ الطّفلين مهدي وجمانة هما بطلاها، أو شخصيّتاها الرّئيستان، يضاف إليهما “الخالة مريم”. ففي قصّة”الخالة مريم تشتري التّفّاح” هناك بائع فواكه وخضار متجوّل، ينادي بمكبّر صوت:” معنا تفّاح، معنا خيار، معنا جزر، معنا بندورة، معنا درّاق” ص3. فتشتري الخالة مريم ما تحتاجه من هذه الفواكه والخضار. وهنا يقلّد مهدي وجمانة البائع، فيدوران على درّاجتيهما ذواتي العجلات الثّلاث، ويناديان مقلّدين البائع، فتخرج إليهما الخالة مريم مريم وتشتري منهما! وهكذا، ويكرّران محاولتهما:”ولم يتوقّف مهدي وجمانة عن اللعب مع الخالة مريم إلا حين نادته أمّه، ونادتها أمّها؛ لكي يشربا حليب الصّباح.”ص5.
في قصّة “الخالة مريم لم تغادر البيت”: افتقد رجال الحيّ ونساؤه وأطفاله الخالة مريم، فتبيّن أنّها مصابة بالرّشح، فظّلت تشرب السّوائل طوال النّهار، فزارها أولاد وبنات الحيّ، غنّوا لها بناء على طلبها،” وكانت تشعر بتحسّن في صحّتها وهي تصغي للغناء.”ص8.
وتهدف هذه القصّة إلى تعليم الأطفال على زيارة المرضى، وأنّ على مريض الرّشح أن يكثر من شرب السّوائل، وأنّ سماع الأغاني والموسيقى يريح الإنسان.
قصّة “الخالة مريم والثّلج”: تتحدّث القصّة عن يوم مثلج، ممّا يضفي جمالا على الطّبيعة، وهذه القصّة تعليميّة تربويّة، فعلى من يخرجون للعب بالثّلج أن يرتدوا ملابس دافئة:” كانوا يرتدون المعاطف الثّقيلة، ويضعون على رؤوسهم طواقي الصّوف، وينتعلون الأحذية الجلديّة الدّافئة.”ص10. وعلى الأهل مراقبة الأطفال أثناء لعبهم بالثّلج كي لا يؤذوا أنفسهم:”خرجت-الخالة مريم- تطمئنّ على أطفال الحيّ.”ص9. وتهدف القصّة إلى تعليم الأطفال أن يلقوا التّحيّة على من يختلطون بهم،:” قال لها الأولاد والبنات: صباح الخير يا خالتي. وقالت لهم الخالة مريم: صباح الخير.”ص10. وعلى من يلعبون في الثّلج ويتقاذفونه أن لا يمضوا يومهم في اللعب، وأن لا يؤذوا أنفسهم أو غيرهم، بل يكتفون باللعب قليلا من الوقت:”ظلّت الخالة مريم هي والأطفال يلعبون في السّاحة البيضاء طوال ساعتين.ص10.
قصّة “الخالة مريم والشّمس” تعلّم الأطفال أنّ النّاس يقضون نهارهم الذي تنيره الشّمس بالعمل أو الدّراسة، فالأطفال يذهبون إلى مدارسهم لطلب العلم، ويعودون إلى بيوتهم، وقد يلعبون بعد انتها دوامهم المدرسيّ، وعندما يهبط الليل”: تعود الخالة مريم إلى بيتها، ويعود مهدي وجمانة إلى وكلّ الأطفال إلى بيوتهم مسرورين.ص12.
ملاحظة: نلاحظ في هذه القصص كما هي قصص الأديب شقير للأطفال والفتيات والفتيان كلّها أن شخوصها يتكوّنون من ذكور وإناث، وهذا مقصود لتعليم الأطفال أن الحياة لا تستقيم إلى بوجود الجنسين.
الرّسومات والإخراج: رسم شخصيتيّ جمانة ومهدي جميلة وموفّقة، أمّا رسومات “الخالة مريم” فلا، فوجهها لا يدلّ على وجه امرأة، وهو مستدير كما رغيف خبز الطّابون. أمّا الإخراج فلائق ومقبول.
15-12-2020

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات