“جُبينة والشاطر حسن” قصّة للفتيان والفتيات للكاتب الأديب جميل السلحوت، كتبها بلغة سرديّة منمّقة، واستطاع من خلال هذه القصة إرساء عدة مفاهيم وقيّم بهدف إيصالها للقارىء؛ فإلى الجانب الفنّي في هذه القصّة يمكن اعتبارها أيضا قصّة تثقيفيّة لما تضمنه من معلومات، أراد الكاتب تذكيرنا بها، وأيضا تزويد هذا الجيل من الفتيان والفتيات بما قد يجهلونه.يأخذنا الكاتب في قصته هذه إلى بعض الجغرافيا الفلسطينية، حيث أسهب في ذكر الأماكن والمواقع بدءًا من باب حُطّة مقر سكن عائلة كنعان، وهو بالقرب من برج اللقلق في القدس، إلى غيرها من الأماكن التي ورد ذكرها خلال رحلات البراري التي قامت بها عائلة جبينة وأيضا الشاطر حسن.ونحن نقف برفقة كنعان على قمة جبل المنطار نشاهد معه جبل الزيتون، بلدة العيزرية، أبو ديس، بيت ساحور وأيضا مدينة بيت لحم. وتعرفنا مع الشاطر حسن في رحلته إلى البقيعة وأن الوصول إليها سيكون عبر طريق تمتد من مقام النبي موسى بين القدس وأريحا، لنصل إلى جنوب شرق مدينة الخليل.لم يكتفِ الكاتب بذكر تلك الأماكن، بل أمدّنا بنبذة تاريخية ولو موجزة عن بعضها، كتوصيفه الدقيق لدير مار سابا في برية العبيدية، وهو يقع شرق مدينة بيت لحم، بناه الراهب سابا بين عامي 478 و484 م لذا سميّ الدير باسمه، ثم إستوطنه القديس يوحنا الدمشقى بين عامي 676 و 749 ميلادية.إلى ذلك كانت الأعشاب والنباتات حاضرة في هذه القصة ومنها الذبيح، الخبيزة، الحميّض،الحويرة،الّلفتية والعكوب وغيرها. جُملة من الدروس أو القيّم أراد الكاتب تسليط الضوء عليها ومنها:• التعاون ومساعدة الغير: تجلى ذلك في قيام جبينة ورفاقها في مساعدة الرجلين في تنظيف ساحات المسجد، وفي هذا إشارة إلى التربية الجيدة التي تلقتها جبينة من عائلتها، والتي أثمرت تعاونا وتحسسا بالمسؤولية المشتركة في المحافظة على نظافة المسجد والنظافة بشكل عام. وأيضا برزت الدعوة إلى مساعدة المحتاج في المعاملة الحسنة والمعونة التي قدمتها عائلة كنعان لخيزرانة والدة زينب.• أظهرت الرواية ميزة التعايش الإسلامي المسيحي القائم من عهود طويلة بين الفلسطينيين، فالشاطر حسن يقترح على إمام المسجد التنسيق مع بطريرك كنيسة المدينة بشأن الرحلة المزمع القيام بها للفتية في البراري.• صفة التواضع وعدم التكبر كانت واضحة في تصرفات جبينة التي ارتضت زينب أختًا لها دون أي تمييز في الملبس والمأكل، أضف إلى ذلك تظاهرها بالإعجاب بثوبها المُرقع، وطلبها أن تهديها إيّاه؛ حتّى لا تشعرها بالحرج.• كذلك فإنّ صفة الأمانة كانت حاضرة في تصرف زينب عندما إختبرتها بثينة بوضعها خمسة قروش تحت فراشها، ونجحت زينب بالإختبار مظهرة أمانتها وحسن خُلقها.• كرم البدو وحسن الضيافة كان واضحا في بعض مشاهد القصة، وهذه ميزة متأصلة في حياة البدو، وشهدنا كيف تعاملت أمّ وضحا مع عائلة كنعان وأحسنت ضيافتهم وقدمت لهم طعام عبارة عن طنجرة بحتيّة وطنجرة خبيزة.ما ذكرته سابقا يُسجل لصالح الرواية أو القصّة، ولكن يوجد لديّ بعض الملاحظات التي إستوقفتني وهي :1- قدّم لنا الكاتب زينب تلك الفتاة المهذبة والخلوقة، المطيعة لكفيلها كنعان، ولكن مع دخول عنصر المال والثروة بعد العثور على الكنز تغير سلوكها وساورها الشك تجاه كنعان وإهتزت ثقتها به، لدرجة سألته بلهجة لم نعهدها بها قائلة: من سيضمن لي أنك ستفي بوعدك وتعطيني نصيبي من الكنز؟وفي موضوع عنصر المال أيضا نسجل إستغرابنا لتصرف كنعان وعائلته بعد العثور على الكنز، عندما تركوا كل أغراضهم في البرية وعادوا خفيةً إلى بلدتهم دون إخطار وضحا وأمها بالرغم من حسن المعاملة التي لاقوها منهما.2- التناقض في موقف الراهب العربي الذي عندما رأى كنعان يبيع الصائغ اليوناني إحدى القطع الأثرية لامه على تصرفه قائلاً:” هؤلاء يأتون إلى بلادنا؛ لينهبوا ويسلبوا ثروات وتاريخ وثقافة هذه البلاد”. إلاّ أنّ الراهب نفسه نراه ينصح كنعان بالتوجه إلى إحدى الدول الأوروبية لبيع مقتنياته من هذه القطع الأثرية، تناقض واضح وغير مفهوم فما الفرق بين الصائغ اليوناني أو المشتري الأوروبي؟ 3- النهاية التي انتهت إليها القصة دخل فيها عنصر الخيال بشكل لافت ومفاجىء في آن، تخطف جبينة وزينب من قبل اللصوص بقصد سرقة مجوهراتهما؛ لتتركا في البريّة مع الأغنام قبل أن يأتي الشاطر حسن لإنقاذهما.ختاما لم أجد أي رابط بين جبينة والشاطر حسن في هذه القصة، بمعنى أن أحداثها لم تجمع بينهما في أي مشهد من مشاهدها، ولم يحدث أي لقاء بينهما يؤثر على مجريات احداثها حتى يصبح العنوان ملائما لأن يكون جبينة والشاطر حسن.
كل التفاعلات:٢١أ.علي عطية شقيرات، وDawood Ishkirat و١٩ شخصًا آخر