في صيف العام 2010التقيت الشاعرة الأردنية نور تركماني في عمان، قابلتها أكثر من مرة، وتحاورنا في الشأن الثقافي في فلسطين والأردن، وكنت عرفتها قبل ذلك على صفحات “المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية” لصاحبه الشيخ عبد الرحمن جاسم آل ثاني، الناصري العروبي المقيم في القاهرة، عرفتها شاعرة رقيقة ومحررة لواحة الأدب في المعهد، فلفتت انتباهي برقة كلماتها وشعرها الغنائي، وبحصافتها وحصانتها، وعفويتها وصدقها….وقد شرفتني بأن أكتب تقديما لديوانها الشعري الأول”بوح ناي” الصادر هذا العام، والذي لقي ردود فعل أدبية واسعة، وحظي بأكثر من ندوة أدبية تكلم فيها عدد من فرسان الأدب والشعر. ونور التركماني التي تعمل جاهدة على تثقيف نفسها، ومتابعة كل جديد ثقافي يصل يديها، عرفت منها عندما التقيتها وجها لوجه أنها بدأت تكتب وتنشر بعد سنّ الأربعين، فهل انتظرت بلوغ سنّ الأربعين وهو “سنّ الرشد” لتعلن عن شاعريتها التي احتفظت بها لنفسها هذه السنوات كلها؟ أم أن انشغالها بحياتها الزوجية وتربية أبنائها وتنقلها مع زوجها في دول الخليج حالت دون ذلك؟ ربما هي أسبابها مجتمعة….لكنها في الواقع تريثت كثيرا في النشر لتقديسها الشعر ولحرصها على النجاح….فهي تخاف الفشل….ولا تسعى الى الشهرة كونها امرأة محافظة تعيش في مجتمع محافظ، وتقدس حياتها الزوجية وتحترم أمومتها. وعندما التقيتها عرفت فيها المرأة الرقيقة المتواضعة، لا ترى نفسها جميلة مع جمالها اللافت، ولا ترى نفسها شاعرة مع شاعريتها الظاهرة للعيان، تزهد في الحياة مع أنها تعرف كيف تعيشها، قلقة على مستقبل أبنائها…وحرصها على تعليمهم الجامعي تحت كل الظروف….تفتخر بأصولها التركية، وبأنها عربية أردنية وفلسطينية، فجدها كان مع الشريف الحسين بن علي في خروجه على العثمانيين ووالدها عمل في سلاح الفرسان الأردني….تحترم عادات وتقاليد الأسرة والمجتمع، وتتأقلم مع البيئة التي تكون فيها، فهي بدوية تلبس العباءة النسوية في مناسبات البادية، ومتحضرة ترتدي أفخر الموديلات في الأماكن الحضرية… تطمح بلقاء ومعرفة الأدباء والشعراء في الأردن وفلسطين، لإدراكها أن الشعبين الأردني والفلسطيني شعب واحد يربطهما أكثر من رابط، وتعيش هموم فلسطين الوطن والشعب….فتتعذب لعذاباتهم وتسعد بأفراحهم….حلمها أن تزور القدس محررة…تتجول في حاراتها وأزفتها وأسواقها …وتصلي في محراب مسجدها العظيم…المسجد الأقصى المبارك…أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين…وأحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال. حدثتني عن حلمها بعمل صالون أدبي في عمان…تلتقي فيه الشعراء والنقاد والأدباء…تتبادل واياهم ضروب المعرفة والثقافة….حدثتها عن ندوة اليوم السابع الأسبوعية الدورية التي تعقد جلساتها في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الشريف منذ آذار 1991والتي أتشرف بادارتها….فطرحت عليّ أسئلة كثيرة عن الندوة وروادها وأهدافها؟ وماذا يدور فيها؟ وكيف نوثقها وننشر ما يدور فيها؟فتمنت لو أنها تستطيع المشاركة…وتمنت أن تكون ندوة مشابهة في كل عاصمة ومدينة عربية…فلم آخذ كلامها محمل الجدّ….الى أن فوجئت بدعوتها لي قبل بضعة شهور لحضور الجلسة الأولى لصالونها الأدبي في بيتها في تلاع العلي في العاصمة الأردنية، والذي دعت اليه عددا من الشعراء والنقاد والمثقفين وفي مقدمتهم الشاعر المعروف حيدر محمود….فاعتذرت عن الحضور لصعوبة الوصول…فأنا أقيم في القدس واللقاء في عمان…آهٍ كم أصبحت بعيدة يا عني يا عمان، مع أنك في القلب..ومع قرب المسافة التي لا تتجاوز 84 كيلومتر، أي ساعة في السيارة…لكنه الاحتلال البغيض الذي فرق بين الناس، وأهلك البشر والشجر والحجر…فاعذريني يا نور واعذريني يا عمان….واعذروني يا أدباء وشعراء وشواعر عمان…فبودي أن ألقاكم وأن أعرفكم وأن أحتضنكم فردا فردا أنا الأسير في وطني الأسير…وواصلت نور عقد لقاءات صالونها الأدبي بشكل شهري ودوري…فهنيئا لك يا نور على هذا النشاط المميز وهنيئا لعمان بك وبريادتك…وأتمنى أن نرى ما يدور في الصالون على صفحات الجرائد وفي وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة كي يستفيد المهتمون وتعم التجربة الرائدة… نور اني أغبطك على هذا النجاح وأعدك بأن أحضر الى الصالون”صالون نور الثقافي” عندما تتاح لي الفرصة لزيارة عمان. 19-11-2011