وموضوع الدراسة يتمحور حول السواحرة الذين تمتد قريتهم من قمة جبل المكبر جنوب القدس الشريف الى البحر الميت،وهي بالمناسبة مسقط رأس الكاتب ومكان اقامته،وواضح أن الكاتب قد استفاد كثيرا في بحثه هذا من عمله السابق في مؤسسة احياء التراث والبحوث الاسلامية في وزارة الاوقاف الفلسطينية،كما هو واضح المجهود الضخم الذي بذله في سبيل عمل هذه الدراسة غير المسبوقة في تاريخ قريته،حيث اعتمد على اكثر من مائة مصدر ومرجع بثلاث لغات هي:العربية،الانجليزية والعبرية،وان كان العامود الفقري لدراسته هو سجلات المحمة الشرعية في القدس.
وقد تطرق الباحث في كتابه الى اصل السواحرة وسبب تسميتهم وأصولهم ونسبهم ،ومراحل تطورهم الاجتماعي والاقتصادي،وعلاقاتهم مع جيرانهم وملكية اراضيهم وكيفية تقسيمها بينهم،والى أعدادهم في المراحل المختلفة،والى المقامات والخرب والآبار والمعالم الأثرية،
كما بحث الكاتب في الحياة الدينية والعلمية وبدايات تأسيس المدارس،والى المشاهير من السواحرة كالمرحوم الشيخ العالم حسين السرخي الذي كان عالما تقيا له مؤلفات في العلوم الدينية،والى شيوخ العشائر ودورهم القيادي،وتطرق الى التقسيما ت العشائرية في السواحرة،حيث ينقسمون الى عشيرتين رئيسيتين هما الهلسة والجعافرة،وكل عشيرة تنقسم الى عدة حمايل،وكل حامولة تنقسم الى عدة عائلات،وعاد الكاتب الى مشاركة السواحرة في ثورة عام 1939 وحرب عام 1948،وكيف كان قادة الثورة ومقاتلوها يعسكرون في مضارب البلدة آمنين،كماوضع سجلا بأسماء شهداء البلدة،وجدولا بأسماء المعتقلين المحكومين احكاما عالية،ويلاحظ انه اعتمد في ذلك على استبيانات وزعها على بعض الأشخاص ممن لم يعاصروا تلك المراحل، مما جعل المعلوات منقوصة او غير صحيحة التاريخ،أوحتى مجهولة التاريخ مثل الشهيدين جميل حمدان سليم زحايكة،ومحمد محمود عبد ربه خلايلة،حيث لا توجد سنة لاستشهادهم،مع انهم استشهدوا في حرب حزيران 1967.كما أن الاعتماد على بعض المراجع غير الموثوقة كان له أثر في ايراد معلومات غير دقيقة،مثل تاريخ افتتاح المدارس،فمدرسة ذكور السواحرة الغربية افتتحت في العام 1944في حين افتتحت مدرسة اناث السواحرة الغربية في العام 1955.وافتتحت مدرسة ذكور السواحرة الشرقية في العام 1946.
وجهد الباحث واضح في عشرات الوثائق التي صورها وبحث فيها من سجلات المحكمة الشرعية في القدس،والتي تحتوي على اراضي ومواقع في القرية،أو على اسماء اشخاص في قضية ما ،كعقود الزواج أو تقسيم الميراث،أو خلافات على اراضي أو غيرها،وتنبع أهمية هذه الوثائق ان عمرها مئات السنين،وأنها تفيد الأجيال الحالية واللاحقة في التأريخ لأنسابهم ومعرفة اسماء اجدادهم.
والمطلع على الكتاب سيتفاجأ بمعلومات موثقة لم يكن يعلمها لا هو ولا غيره من قبل،وذلك لعدم وجود توثيق سابق لهذا البحث،ومن خلال الوثائق يظهر ان السواحرة تمتد جذورهم في اكناف بيت المقدس الى مئات السنين،وانهم ليسوا وليدي هجرات عربية حديثة.
يبقى ان نقول أن هذه اللمحة السريعة عن الكتاب لا تغني شيئا عن قراءته،فهو يشكل اضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية والعربية في التأريخ للبلدات الفلسطينية.