رواية أنا من الدّيار المقدّسة في ندوة اليوم السابع

ر

 القدس: 23-09-2021 من ديمة جمعة السمان: ناقشت ندوة اليوم السابع المقدسية رواية الفتيان “أنا من الدّيار المقدّسة” للرّوائي جميل السّلحوت. صدرت الطّبعة الأولى عن مكتبة كلّ شيء في حيفا عام 2020، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التشكيليّ طالب الدويك، ومنتجها وأخرجها شربل الياس في 62 صفحة من الحجم المتوسّط.

افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

حقائق تظهر أكاذيب الاعلام الإسرائيلي وحلفائه.

السياسة لا دين لها.. والاعلام الكاذب يضلل الأمم ويقلب المعايير.. يستغل ضعف إدراك المتلقي، وبمكر شديد يمرر أكاذيبه التي تخدم مصالحه الاحتلالية هو وحلفاؤه.

هذا هو فحوى الرواية، من خلال طرح متسلسل منطقي مقنع.

“أنا من الديار المقدسة” رواية غنية، تحتوي على معلومات قيمة وعلى حقائق وبينات تثبت حق الفلسطيني على أرضه. خاصة وأنها موجهة لفئة عمرية حرجة تتبلور فيها الشخصية .

كان الكاتب ذكيا عندما ابتدأ روايته في شيكاغو الأميركية، من خلال حوار جاء بين معلمة أميركية داخل الغرفة الصفية- ضللها الاعلام الأميركي والصهيوني- مع طفلتين تأتيان من جذور عائلتين فلسطينيتين وطنيتين: الأولى مقدسية تعتنق الديانة الإسلامية، والثانية أصولها من بيت لحم، تعتنق الديانة المسيحية.

كان الحوار مستفزا.. لم تسمع المعلمة يوما عن فلسطين، وعندما ذكرت لينا اسم القدس، كان ردة فعل المعلمة على الفور بأنها إسرائيل وليست فلسطين، وهنا ابتدأ الصراع، واحتد النقاش، وتم دعوة والديّ الطفلتين من قبل إدارة المدرسة لنقاش الأمر معهما. ومن ثم أدى النقاش إلى خلق فضول عند المعلمة وعند المديرة، فقررتا التوجه إلى الديار المقدسة لتطلعا على حقيقة الأمر عن كثب.

كان مدخلا جيدا لتعريف القارىء على أهم المواقع الدينية والأثرية والسياحية داخل فلسطين. وأثناء الرحلة شهدت السائحتان مع من رافقهم من سيّاح أميركيين   مواقف همجية من قبل جنود الاحتلال، وانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، أدركوا من خلالها كيف يتم صناعة الإعلام الكاذب؛ ليتم تضليل الشعوب وكسب الرأي العام. يتم قلب الحقائق، وتحويل الحمل إلى ذئب، والذئب إلى حمل، ويتم اختلاق القصص التي تخدم أهداف الاحتلال على حساب كرامة الشعب وسلب حريته.

الرواية مفيدة جدا للفتيان الفلسطينيين، فهي تقدم لهم معلومات هامة وأجوبة مقنعة للدفاع عن وجودهم ووطنهم عند خوضهم أي نقاش يدور حول الحق الفلسطيني في أرضه. وعلى صعيد آخر يجب أن تخرج الرواية بكل ما فيها من حقائق إلى من كانوا ضحايا للتضليل الإعلامي الممنهج. لذا أنصح بترجمتها إلى لغات العالم، لتكون لسان الفلسطيني في كل بيت خارج الوطن، تدحض رواية الاحتلال الصهيونية ، وتظهر الحقيقة كما هي دون أي تحريف أو تزوير.

وقال محمود شقير:

في هذه الرواية التي كتبها الأديب جميل  السلحوت للفتيات والفتيان جهد واضح في ترتيب أجزاء النص؛ بحيث يبدو المنحى التعليمي الوطني التربوي فيه مقنعًا ليس فقط لأطفال فلسطين، وإنما كذلك لغيرهم من الأطفال أينما كانوا.

وهو يستحضر في روايته شخصية ابنه قيس وزوجته مروة وابنتيهما لينا وميرا، وكذلك شخصية الناشطة المعروفة مها السقا المعنيّة بالتراث الشعبي الفلسطيني لإضفاء صدقية على السرد، وعلى المعلومات التي يجري إيرادها في النص.

ولا ينسى أثناء ذلك أن يشير في غير موضع إلى التركيبة السكانية للشعب الفلسطيني المكوّن من مسلمين ومسيحيين مترابطين متكاتفين موحدين منتمين لوطنهم فلسطين.

وللتدليل على صدقيّة السرد وعلى  الحق الفلسطيني الذي يجري التطاول عليه جرّاء الهجمة الصهيونية الغازية، يلجأ الكاتب إلى الاستشهاد بنصوص دينية وتراثية وبمقتطفات من كتابيْن للمفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد، ويقوم في الوقت نفسه بالمزج الذكي بين المعلومات التي يستمع إليها فريق السياح الأميركيين القادمين إلى فلسطين، وبين العسف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذي يجري علنًا وأمام أنظار السياح، وكذلك أمام عدسات محطات التلفزة التي تبث موادها الإخبارية المصورة إلى العالم أجمع.

يجري ذلك كلّه للوصول إلى النتيجة التي يهدف إليها النص؛ متمثلًا في إقناع مديرة المدرسة والمعلمة وبقية  السيّاح بالحق الفلسطيني؛ الذي كانت تحجبه عن  عيونهم الدعاية الصهيونية المضلِّلة والإعلام الأميركي المنحاز إلى منطق المحتلين الإسرائيليين.

من الناحية الفنية؛ يمكن النظر إلى هذه الرواية على أنها تستلهم بلغة سهلة وبأسلوب سلس روح الحكاية الشعبية الفلسطينية؛ حيث الرحلة التي تتكشف من خلالها الحقائق، وحيث يجري إشباع الحدث بالوقائع وبالمعلومات للوصول إلى النتيجة التي قصد إليها السارد وأراد إيصالها إلى المتلقّين، وهو ما حدث بالفعل مع المديرة والمعلمة وبقية السياح.

تستلهم الرواية أيضًا من الحكاية الشعبية سرعة التجاوب مع الأحداث، من دون جدال زائد أو عودة إلى ما يقوله الخصم من حجج مضادة، ومن ثمّ إبداء التردد وإظهار الشكوك وإهدار الوقت قبل الاقتناع، وذلك بسبب الثقة التي يعزّزها النص بين الساردين المختلفين وبين المتلقّين الراغبين في المعرفة.

ويُحسب للرواية أنها قدمت تلميذات المدرسة الفلسطينيات على نحو إيجابي لافت للانتباه، وقادر على خلق نموذج يمكن أن يحتذي به الأطفال.

ثمة بعض الملاحظات؛ فقد كانت البطولة في الرواية للنص المسرود وللمعلومات الكثيفة وليس للشخوص، وكان في النص بعض تفاصيل لا لزوم لها؛ مثل تلك المتعلقة بسور القدس وغيرها من التفاصيل. وكان يمكن أن يُشار إلى أن الدليل السياحي أخذ على عاتقه؛ بوحي من ضميره الوطني، تقديم المعلومات الصحيحة التي تُبرز الحقائق الفلسطينية الأكيدة للسياح، وذلك لأن أدلاء السياحة في القدس يخضعون لرقابة مشدّدة حول المعلومات التي عليهم أن يقدموها للسياح، ويطلب المحتلّون منهم؛ تحت طائلة العقوبة، عدم الخروج عما يفرضونه عليهم من معلومات مضلّلة كاذبة.

وقال محمد موسى عويسات

صدق الإنتماء يبدّد الافتراء

ملخّص الرّواية: طفلتان من فلسطين، من مدينتي القدس وبيت لحم، من أسرتين مسلمة ومسيحيّة تعيشان في أميركا، وتلتحقان بمدرسة أمريكيّة في ولاية إلينوي، يثور بينهما وبين معلمتهما ومعها المديرة، خلاف على تسمية فلسطين بإسرائيل، وأنّ القدس هي مدينة يهوديّة وعاصمة لدولة إسرائيل. اقتضى ذلك أن يتدخّل أولياء أمورهما، نجحت الفتاتان ومعهما أولياء أمورهما في تشكيك المعلمة والمديرة بمعلوماتهما عن القضيّة الفلسطينيّة، وأنّها معلومات خاطئة من صنع الإعلام الصّهيونيّ، فاضطرّت المعلمة والمديرة لزيارة فلسطين في رحلة سياحيّة، لتستكشفا الحقائق بنفسيهما، فقامتا بجولة في القدس وبيت لحم والبحر الميّت، وبعد زيارة الأماكن المقدّسة والاختلاط بالنّاس، ورؤية إجراءات الاحتلال وشهود تعسّفه وجرائمه، اقتنعتا بعدالة القضيّة الفلسطينيّة، وعادتا إلى أميركا نصيرتين لهذه القضيّة ومؤمنتين بعدالتها، وأنّ الإدارة الأمريكيّة تضلّل شعبها وتزوّر الحقائق بتأثير من الحركة الصّهيونيّة وإعلامها.

القارئ للرّواية والمتمعّن فيها يجدها تأخذ أبعادا كثيرة، وتحمل رسائل عديدة لأطراف كثيرة. فالكاتب أبدع في وصف العقليّة الأمريكيّة، وكأنّه يرصد فيها طبائع هذا الشّعب ممثّلا بهاتين المربيتين المعلمة ومديرة المدرسة، ومنها أنّ الشّعب الأمريكيّ لا يهتمّ كثيرا بالشّؤون الخارجيّة، ولا يكلّف نفسه عناء البحث عنها، فهو ليس مثقّفا في هذا الجانب. ومنها أنّه مأسور لإعلامه الرّسميّ وغير الرّسميّ، فحكومتهم تصوغ عقليّاتهم وأفكارهم كما تشاء، فأن يعترف ترامب بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل صكّ ودليل على أنّها مدينة يهوديّة في نظر المعلّمة. ومنها أيضا الأسلوب التّربويّ الرّاقي في معالجة الخلاف الفكريّ بين الطّالب والمعلّم، الذي لا يميل للقمع. ومنها أيضا البحث عن الحقيقة عند الشّعور بجهلها وأنّ ما عنده يخالف الواقع. فالمعلّمة ومديرتها تتكلّفان السّفر إلى فلسطين؛ للتثبّت من حقائق اقتنعتا بهما في أميركا، وأرادتا دليلا على ذلك. وهاتان الأخيرتان تعدّ من القيم التي نحمدها، ويجب أن نلفت انتباه أبنائنا لهما، فنحن أولى بهما.

البعد الثّاني في الرّواية هو الدّور التّربويّ التثقيفي التي تقوم به الأسرة الفلسطينيّة خاصّة والعربيّة عامّة أو يجب أن تقوم به، في تعريف أبنائها بقضيّة فلسطين وعدالتها، ومعرفتها جغرافيّا وتاريخيّا، وتحصينهم من الفهم المشوّه الذي يزرعه الإعلام الأمريكيّ الصّهيونيّ.

البعد الثّالث، استخدم الكاتب أربع مؤثّرات في إقناع المعلمة ومديرتها بعدالة القضيّة، المؤثّر الأول ثقة الطّالبتين من معلوماتهما وصدق انتمائهما للقضيّة، ودعم أسرتيهما لهما، فلم تكونا في موضع ضعف واستخذاء. الجانب الثّاني هو التّراث الفلسطينيّ الماديّ والمعنويّ، ومنه المعالم العمرانيّة الدّينيّة وغير الدّينيّة في المدينتين القدس وبيت لحم والنبذ التّاريخيّة المختارة، أمّا الثّالث فإجراءات الاحتلال الإجراميّة التي رأتها المعلّمتان بأمّ عينيهما، وإجرامه من مثل قمع مظاهرة وجرح المتظاهرين، وترك أحدهم ينزف حتّى الموت، ثمّ الادّعاء بأنّه حاول الطّعن بعد أن ألقوا سكينا بجانب جثته. وهذا يحسب للكاتب في معرفة التّكوين العقليّ والنفسيّ للأمريكيّ، وكيفية التّأثير فيه وإقناعه. وأمّا الرّابع فهو إعطاء صورة للتّعايش بين المسلمين والمسيحيّين في فلسطين، وهذا مؤثّر دينيّ مهمّ في عقليّة الأمريكيّ خاصّة، والذي تصوّر أنّ مسيحيّي فلسطين ليسوا عربا، بل إنّ اختيار مدينتي القدس وبيت لحم يأتي في هذا السّياق.

من النّاحية الفنّيّة نجد الرّواية قد جاءت بنمطين مختلفين باختلاف المكان، فكانت قد اعتمدت الحوار بين الشّخصيات في أميركا، وكان حوارا مناسبا لأفهام الذين وجّهت لهم الرّواية، وامتاز بالبلاغة والإيجاز، أمّا الأحداث في فلسطين خاصّة، وسرد المعلومات فجاء ضمن جولة سياحيّة وتصوير للمكان، ولم يخل من المعلومات التّاريخيّة المركّزة، وبعض اللّفتات المقصودة، التي يراد بها الإقناع دون إثقال. وقد رأيت الكاتب قد نجح في إعطاء الأحداث بعدا مكانيّا، أو إعطاء المكان بعدا سياسيّا متمثّلا في الاحتلال، لم يطغَ على البعد الجماليّ، فعلى سبيل المثال مزج الكاتب بين النّهب الاقتصاديّ لثروات البحر الميّت وبين التّشوية الجماليّ للمكان بطريقة فنّيّة لافتة ودقيقة، فكان أن حمّل الرّواية رسالة بأنّ الاحتلال يقتل الجمال أيضا في فلسطين، وكلّ هذا يقتضية الصّراع على المكان.

المدقّق المتدبّر للرّواية يكتشف أنّ الرّواية ليست موجّهة لفتيان فلسطين وحدهم، بل هي موجّهة للأمريكان أو الفتيان في العالم الغربيّ بشكل عام، فكأنّ الرّواية تلحّ في طلب ترجمتها إلى لغات أخرى، ففيها نكهة الأدب العالميّ، الذي يفوح برائحة الإنسانيّة، والكاتب لم يجعل شخصيّات القصّة في موقف دفاع أو ضعف، فالرّواية تقطر ثقة بعدالة القضيّة، ولم يستغرق الكاتب في حشد أدلّة وبراهين تجلب الإملال للقارئ.

وممّا يحسب للرّواية أنّها ضمّنت الكثير من الصّور للأماكن المقدسّة والتّاريخيّة في فلسطين. وهذا ممّا يقتضية الجانب التّربويّ التأثيريّ.

وكتب الدكتور عزالدين أبو ميزر:

   أجزم أنه لا يختلف أحد معي من قراء كتابات جميل السلحوت بأن من يبدأ بقراءة أول صفحة يتملكه شعور الرغبة، وتأسر نظره الكلمات التي على السطور بجمالها الأخاذ، فتدفعه بجاذب يصعب تفسيره الى إتمام ما بدأ بقراءته حتى النهاية دفعة واحدة، إلا إن كان عدد الصفحات كبيرا فيتعب البعض ولا يمل، ولا يجذب القارىء بديع اللغة ولا بلاغتها ولا الاستعارات ولا التفنن في صياغة الجمل، فاللغة بليغة هي ببساطتها ومباشرتها في إيصال ما يريده الكاتب بيسر وجلاء ووضوح  دون إبهام أو غموض يجعلك في حيرة أو تخمين،  والتشويق ظاهر في الأسلوب السهل الممتنع والذي هو هبة من الله هُذب وصُقل بكثرة القراءة والاطلاع حتى عاد شرابا زلالا مستساغا لكل شارب.

والأجمل من كل ذلك ما يظهره كاتبنا من سعة معرفية، فلا يذكر عالما إلا ويعطينا نبذة عنه، ولا معلما من المعالم التاريخية أو الوقائع الأثرية إلا ويتحفنا بمعلومات صحيحة عنه، تثبت شيئا وتدحض آخر، مستهدفا أن يضع النقاط على الحروف في صدق المعلومة قدر الاستطاعة ويبقى فوق كل ذي علم عليم.

الرواية للفتيان وبدأها بسؤال عادي يُسأل كل يوم آلاف المرّات وعند كل تعارف في أنحاء المعمورة، ولا يسبب  مشكلة ولا حرجا. ولكن شيخنا جعل عقدة الرواية في السؤال وجعل من الجواب معضلة، جعل منهما رواية جميلة رائعة تستحق القراءة والإشادة بها لغة وأسلوبا وسردا يستمتع به القارىء أيّما استمتاع. لأن السؤال بمكان معين ودولة معينة والجواب يخص أقواما آخرين لعبت السياسة والقوة والجبروت والاستهانة والتخاذل والخيانات في تشويه صورة الحقيقة الناصعة، فبدت على غير ما هي حقيقة عليه، وكانت سببا في ظهور هذه الرواية التي نتحدث عنها.

الرواية رواية وطنية سياسية تاريخية فلسطينية بالخصوص، تثقيفية توجيهية تصحيحية لمفاهيم مغلوطة، والغلط فيها متعمد ومقصود في التعمية وقلب الحقائق والادعاء الكاذب، يدعم كل ذاك ماكنة رهيبة من الإعلام المغرض والقوة الغاشمة في إثبات ما يدحضه التاريخ والجغرافيا، وتثبت عكسه الوقائع الثابتة التي لا يمكن العبث بها ولا تزويرها بأي حال من الأحوال بالعموم.

أعتبر من وجهة نظري فوق ذلك أن هذا النوع من الكتابة هو جهاد ونضال وصمود ومقاومة وإثبات ذات، كثيرون يحاولون طمسها وتذويبها وحتى محوها من الوجود لو استطاعوا إلى ذلك سبيلا بشتى الطرق والأساليب المشروعة، وحتى غير المشروعة والمحرمة دوليا وإنسانيا وعرفا وقانونا. ولن يكون لهم ما يريدون، ما دام هناك مخلصون وأحرار مؤمنون بأن الحق حق والباطل باطل مهما دار الزمن وتداولت الأيام.

كعادتي أعطي وجهة نظري في العمل الذي أقرأه كقارىء وليس كناقد متخصص، وبصورة عامة ولا أهتم إلا بالتفاصيل التي تستوجب الالتفات إليها لأجملها في وجهة نظري في العمل. فالتفاصيل أغلبها يراها المشاهدون على شاشات التلفاز وفي الصحف، ولكن المهم هي وجهة نظر المشاهد أو القارىء عما يرى ويقرأ، ولذلك أيضا كانت هذه الرواية.

 شهادتي في كاتبنا ربما تكون مجروحة بعض الشيء؛ لأني من محبيه ومحبي قراءة ما يكتب أدبيا وسياسيا ومعلوماتيا ومقالا، وإن كنت أختلف معه أحيانا والاختلاف لا يفسد في الود قضية.

وختاما فإنني أرى  كاتبنا في هذه الرواية الرائعة والجميلة فارسا مغوارا ومقاتلا شرسا مع صدق في التوجه وأمانة في تسجيل الأهداف دون مراوغة أو تضليل.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

سرد  واقعي يجسد حالة الصّراع حول هويّة المكان ومدينة القدس خاصّة، سرد يعرّي الأكاذيب والزيف والتضليل من قبل الإحتلال والإعلام الأمريكي والإسرائيلي، سرد ينتصر للحقيقة من خلال عين الواقع لا السمع والأقاويل، سرد ينتقد فيه الإعتداء  على الفلسطيني، سواء على الجسد أو الأرضأو التراث.

يصوّر لنا الأديب السّلحوت في هذه الرواية محور النزاع حول هوية القدس، من خلال حوار جرى  في إحدى المدارس في شيكاغو بين المعلمة(سوزان الأمريكية) مع الطالبتين ميلسا ولينا، وهما من أصل فلسطيني، ممّا حفز المعلمة والمديرة جاكلين في البحث عن الحقيقة بأنفسهما.

العنوان”أنا من الدّيار المقدسّة”جاء الضمير المنفصل أنا ليؤكد على الإنتماء للمكان والهوية.

في الشق الأوّل من الرّواية تدور أحداث الرّواية في مدينة شيكاغو الأمريكيّة، ولكن القارئ لا يستشعر أنّ الأحداث تدور هناك، بسبب شحّ وصف بيئة المكان أو الطبيعة. بينما ينهمر الوصف في الشّق الثاني للرواية بوصف الأماكن في فلسطين وخاصة في القدس.

من الممكن اعتبار المكان هو بطل الرّواية، حيث أخذ حيّزا كبيرا، فإيقاع المكان ينتقل من شيكاغو الى القدس وبعض الأسواق وبيت لحم، البحر الميت حيث الخان الأحمر وعلاقة المكان بذاكرة التّاريخ والتحولات التي طرأت عليه  كمسجد بلال الّذي أصبح قبة راحيل على سبيل المثال، بينما الشّخصيات في الرّواية تقف شاهدة على المكان والأحداث.

أمّا الصراع في الرّواية فهو صراع الأجيال في  تمسكهم  بهوية الأرض، وعدم التنازل عن حقوقهم،ومن جهة أُخرى كان الصراع عند المعلمة سوزان والمديرة جاكلين حول هوية الأرض أيضا.

جاءت الشخصيات بلا ملامح أو وصف لملابسهم، حيث سيطر الحوار ووصف المكان على الرّواية، أمّا الّلغة فكانت سهلة بسيطة تخلو من المحسنات البديعية، والسّرد  خال من الخيال، حيث جعل القارئ يقرأ تفاصيل وطنه كما يراه عبر نشرات الأخبار أو من خلال واقعه المعاش،و قد كان السّرد مزدحما بالمعلومات كي يبرز الحقيقة، وبناء عليه يمكن اعتبار الرّواية نصّا ينقل الواقع بإمتياز، وتثقيفيا يحثّ على المعرفة لمواجهة الآخر في الدّفاع عن الوطن.

ومن الملاحظ في الرّوايّة اختيار الأديب السّلحوت بعض الأسماء الحقيقية في الرّواية كالجدّ جميل والجدة حليمة، والإبن قيس وغيرها، والّتي حملت أسماء أسرة الأديب جميل السّلحوت. وكذلك المكان حقيقي حيث يتواجد الأحفاد في أمريكا.

ورد في الرّواية تكرار لذات الحوار تقريبا على لسان لينا في إجابتها لوالديها حول الحوار الّذي جرى بين المعلمة ولينا(في صفحة 5 وتكرر في صفحة 9)فلا حاجة للإسهاب مرة أُخرى بنفس الكلمات.

وقالت صباح بشير:

يمتلك أدب اليافعين خصوصية لا يخطئها قارئ أو ناقد، فهو يقوم على مقومات فنية وموضوعية محددة، كما يرصد يوثّق ويحلّل كل ما يُكتب وَيُوَجَه إلى هذه المرحلة العمرية، التي تحتاج إلى الفكرة المناسبة عند الكتابة إليها، فتعكس بذلك اهتماماتها وتعبر عنها، فالفتيان في هذه المرحلة تدور في أذهانهم الكثير من التساؤلات التي يحاولون الإجابة عليها، لذا فمن المهم أن نكتب لهم بصدق وشفافية، وأن لا نستهين بذكائهم وشغفهم وحبهم للاطلاع والاكتشاف والمعرفة، فهم عادة يتمردون على الكثير من المسلَّمَات ولا يتقبّلون المعلومات دون تحليل أو تمحيص، فالقارئ الصغير ذكي في تحليل ما تلقى وهو أصعب مراسا في الإقناع بما يقرأ من القارئ الكبير، من هنا فالكتابة لهم تساعد على تقويمهم وتجيب على أسئلتهم، وتساهم في توسيع مداركهم ومستوى وعيهم.

من هذه المنطلقات طرح الأديب جميل السلحوت روايته “أنا من الديار المقدسة” التي تقع في اثنتين وستين صفحة،  مُدججة بالمعلومات التاريخية والثقافية العامة، لتوثّق وتشرح وتوضح، وتسرد التاريخ بحكاية، وقد صدرت هذه الرواية عام 2020 عن مكتبة كل شيء في حيفا. ولأن الفهم والتحليل عمليتان تخصان قارئ العمل الإبداعي أو ناقده، وبهدف تفسير الرواية وتوضيح علاقتها بالواقع، لذلك وفور انتهائي من قراءتها، قررت الكتابة عنها.

بعد التمعن في العنوان “أنا من الديار المقدسة” نجد أنه أول عتبة من عتبات النص، فقد امتلك بنية ودلالة متصلة به، وبعد استقرائه يمكن التوقع بماهيّة النص ومحتواه، ويمكننا أيضا فتح الذهن على علاقتهما الوطيدة (العنوان والنص) بالتاريخ والأحداث التي ظهرت من خلالهما، هذا التقاطع بينهما وبين الأحداث برز من الوهلة الأولى، حتى فَرَض العمل نفسه كقيمة فنية أدبية، إنسانية واجتماعية.

في حصة المطالعة في مدرسة مونتس يوري، في حي جرين بروك بمدينة شيكاغو الامريكية، سألت المعلمة تلاميذها من طلاب الصف السادس الابتدائي عن أصولهم التي جاؤوا منها، من هنا انطلقت فكرة الرواية حين أجابت لينا بأنها قادمة من فلسطين، حيث الأرض المقدسة التي تحكي تاريخها، وحيث القدس مدينة التعددية الثقافية، وحيث مآذن المساجد التي تعانق أبراج الكنائس وأجراسها، فراح الكاتب يعمد إلى تعرية الحاضر من خلال الماضي، وبرؤيته الواعية تم تطويع النص لعرض الواقع التاريخي كمجال إبداعي، وذلك عبر حبكة مشوقة وأحداث تثير فضول القارئ الصغير، ليتماهى مع شخوصها، ويشعر بأنها تتحدث معه وتشاركه واقعه ومستقبله.

تمكنت رواية “أنا من الديار المقدسة” من التقاط الأبعاد المغايرة للحدث، فقد شَخّصَت الهمّ الفلسطيني وقدمت شهادة إنسانية على الحدث، عايشت الواقع المُعاش وتأملت المستقبل، كان التاريخ أحد مكوناتها التي أوغلت في حلّ طلاسمه وفك رموزه، وعادت بنا إلى الماضي لاستكشاف الحاضر، من هنا فقد كان استدعاء الكاتب للتاريخ استدعاءً لإحيائه وتوثيقه في ذاكرة اليافعين بشكل خاص، وفي الذاكرة الجمعية بشكل عام.

مَزَجَت هذه الرواية بين رواية وطنية، تاريخية واجتماعية، وأدب الرحلة، ولعلها مهارة خاصة بالكاتب حين يقوم بهذا المزج بسلاسةٍ ويُسر وتداخل نوعي جميل، مدركاً أهمية النشء في المجتمع، الذي لا بد من إعدادهم وإشباعهم المعنوي، وذلك لتحقيق الثراء الفكري، الوجداني والثقافي فيهم، وترسيخ القيم الأخلاقية والوطنية التي يجب أن يُربوا عليها، كالتمسك بالهوية، تقبل الآخر، روح التضامن والتعاون، الثقة بالنفس وغيرها من القيم، فكانت فكرة النص واقعية، لذا كَثُرَت الحجة والدلائل والصور، ونُقلت الوقائع بأسلوب مباشر وتحليل موضوعي عقلاني، أمّا العاطفة فقد رافقت النص بدءًا من الانفعال والحزن، الشوق إلى الوطن، الانتماء الى القضية ووصولا الى الأحاسيس الوجدانية، وأمّا التساؤل فقد جاء دوره في بناء معاني النص، فقد استُدرِجَ القارئُ منذ البداية إلى معرفة متنامية وتُرِكَ ليكتشف الإجابة بنفسه من خلال القراءة، ثم وُجِّه بالشواهد واستعمال المنطق في التعبير .

أخيرا فالكتابة لليافعين عند السلحوت كالكتابة للكبار، وقد سبقَ له الخوض في هذا المضمار ببراعة ونجاح، استوعب في كتاباته للنشء حياة الناس والحقائق التاريخية الإنسانية، تَعايشَ مع التراث والواقع، استشرف المستقبل وسلّط الضوء على ترسيخ الهوية، وعلى أصالة جذور الأرض الفلسطينية.

وكتب عبدالله دعيس:

في هذه الرواية يقدّم الكاتب المقدسي جميل السّلحوت جرعة مركّزة من المعلومات والمشاعر، ويخرج منها قارؤها بكمّ هائل من المعرفة، ونظرة جديدة وفهم أعمق لما يدور حوله، خاصّة سياسة بعض الدول الغربية تجاه القضّية الفلسطينيّة.

أوّل ما لفت نظري في الرّواية هو أساليب التّربية المستفادة منها. تبدأ أحداث الرّواية في مدينة شيكاغو في أمريكا، حيث تختلف الثقافة والأساليب التربويّة عن المجتمعات العربيّة؛ فنرى الحوار الذي يدور بين الطالبتين وبين المعلّمة سوزان، حيث تسمح المعلّمة للطالبتين بالكلام وتستمع إلى رأيهما رغم اختلافها الشّديد معهما في وجهات النّظر، ولا تلزمهما بتبنّي رأيها عن طريق رفع الصوت، أو إشعارهما أنّها معلّمة ومعرفتها بالضّرورة تفوق علمهما، وتتراجع عن رأيها عندما يتبيّن لها خطؤه وتعتذر للطالبتين وأولياء أمورهما.

ونلحظ أيضا التعاون بين المعلّمة ومديرة المدرسة من جهة، وأولياء أمور الطالبتين من جهة أخرى، وذلك من أجل حلّ الخلاف الذي حصل، مؤثرين مصلحة الطالبتين على التعصّب لرأي أو الانتصار لمنهج، ثمّ متابعة الموضوع حتى خارج المدرسة، وزيارة عائلات الطالبتين. ونلاحظ أيضا عدم تعصّب المدرّسة والمديرة لرأييهما والبحث عن الحقيقة من مصادرها، فتبادر المعلمة والمديرة لقراءة كتب إدوارد سعيد، ثمّ إلى زيارة فلسطين والتّعرف على الثقافة العربية عن قرب.

ويعطي الكاتب صورة عن جهل جلّ الأمريكيّين بما يحدث في فلسطين بسبب استقاء معلوماتهم عنها من وسائل الإعلام المتحيّزة فقط، وهذا يدعّم استمرار السياسة الأمريكيّة الراهنة المعادية لحقوق الشعوب العربيّة، ويضع على كاهل العرب استخدام كلّ الوسائل المتاحة لتغيير هذا الوضع الخاطئ، ونقل صورة الواقع إلى الأمريكيّين، والذين يستطيعون بدورهم التأثير على حكومتهم لتغيير سياساتها.

والرواية تحشد كمّا كبيرا من المعلومات التاريخيّة عن فلسطين وخاصّة مدينتي القدس وبيت لحم، وهي مفيدة جدا للقرّاء من النّاشئين.

ويشير الكاتب إلى كثير من الممارسات والسياسات التي يستخدمها الاحتلال ضد الفلسطينيين، أولها استخدام مصطلح (معاداة الساميّة) لمنع الفلسطيني من انتقاد السياسات الإسرائيلية أو الحديث عن تاريخ فلسطين العربيّ الإسلاميّ، وتعمّد تشويه الثقافة العربية الفلسطينيّة ووصمها بالإرهاب من أجل صرف النظر عن الإرهاب الصهيوني وممارسات الاحتلال غير الإنسانيّة.

رحلة المديرة والمعلمة إلى فلسطين كانت مثمرة، حيث رأيتا بأمّ أعينهما الثقافة والتاريخ العربي للبلاد، وأدركتا كذب الدعاية الصهيونية في الغرب. لكن قد لا تكون رحلة سيّاح أخرين لها نفس التأثير، حيث يحرص الاحتلال على تمرير الرواية الصهيونية عن طريق مرشدين صهاينة.

رواية واقعية بامتياز، وضروريّة لكل ناشئ من أجل أن يفهم ما يدور حوله، خاصة وهو يرى السياسات الغربية تجاه العرب والفلسطينيّن، والتحيّز الذي لا يعلم سببه ولا يستطيع تفسيره.

وقالت رفيقة عثمان:

تعتبر قصّة اليافعين، قصّة تجمع ما بين التّاريخ والجغرافيا والسّياسة، في فلسطين، وعلى وجه التّحديد، القدس، وأريحا، بيت لحم.

 اهتم الكاتب في وصف الأماكن الأثريّة، والرّموز الدينيّة المتواجدة في المدن المذكورة أعلاه، مستخدِمًا معلومات وتواريخ دقيقة من مصادر علميَة متنوّعة. يركّز الكاتب في معظم كتاباته على إبراز وتسمية الأماكن وتفصيل مطوّل حولها؛ برأيي هذه المعلومات تخفّف من جودة السّرد الأدبي.

   كل الأماكن المذكورة آنفًا مثّلّت حضورًا أساسيّا في القصّة، وزمن أحداثها ليس ببعيد، حدثت في عام 2019.

 هدفت القصّة إلى تعريف وتوعية الغرباء خاصّة الأمريكان، حول عروبة القدس، وأنّها عاصمة فلسطين، كذلك القيامة والمهد؛ بالإضافة لتعرية العنصريّة والتنكيل بالمواطنين الفلسطينيين، وما يتعرّضون له من مضايقات، وتهجير، وهدم بيوت من قِبل المُحتل؛ بالإضافة الى ترسيخ مفهوم المواطنة وهي لكافّة المواطنين واختلافها عن الديانة، ولكل إنسان عبادته فالدين لله والوطن للجميع. اهتمّت القصّة في غرس القيم العربيّة في نفوس الأطفال (الأبناء)؛ وتثبيت الذّاكرة الفلسطينيّة بأذهانهم وبنفوس والفتيان؛ ودحض الرّواية الإسرائيليّة.

  استوحى الكاتب قصّتة من واقع حياته الخاصّة، نظرًا لاستخدامه أحداث وأسماء حقيقيّة، لأبطال القصة وهم: قيس وزوجته مروة، ولينا وميرا؛ حفيدات الكاتب نفسه. عدد شخصيّات القصّة محدودة، ونجح الكاتب بتحريك الشّخصيات؛ لتطوير الأحداث وسيرها بسلاسة.

 استهلّ كاتبنا أحداث القصّة، بتواجد حفيدتيه في مدرسة مونتيسوري في حي جرين بارك الأمريكيّة في “شيكاغو”، عندما سألت المعلمة عن أصول الطّلاب، أجابتها الحفيدة لينا من الصّف السّادس، بأنّها من فلسطين؛ واستغربت المعلّمة من الإجابة ومحاولتها بتحويل الأمكنة بأنّها تابعة لإسرائيل، والقدس عاصمتها.

  تعتبر القصّة واقعيّة، وتُصنّف تحت عنوان أدب الرّحلات، نظرًا لزيارة المديرة جكلين والمعلّمة سوزان مع مجموعة أمريكان، قدِموا للسّياحة إلى فلسطين؛ خاصّةً بمناسبة عيد الفصح المجيد، وبهذه المناسبة رغبت مديرة المدرسة والمُعلّمة، التأكد من الحقائق التي سمعتها حول فلسطين من الطالبتين لينا وميلسّا.

عند كل زيارة للأماكن المقدّسة والأثريّة، تأكّدت شكوك المعلّمة جاكلين ومرافقتها المعلّمة سوزان، حول عروبة وقدسيّة تلك الأماكن وتبعيّتها للفلسطينيين. 

   تجوّل السيّاح في ثلاثة مدن فلسطينيّة، القدس وبيت لحم وأريحا. هذه الجولات أتاحت الفرصة للسيّاح كي يتعرّفوا على أماكن عديدة، ومعالم أثريّة ودينيّة إسلاميّة ومسيحيّة هامّة ومشهورة؛ بالإضافة للتعرّف عن قرب، حول تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين، من حواجز، ومطاردات، وضرب، واستخدام السلاح، واستخدام قنابل الغاز؛ بحجّة الدّفاع عن النفس. في هذه الجولات اكتسب السّائحون خبرات جديدة جهلوها، وساهمت في تغيير الفكرة النمطيّة، والتّعاطف مع الشّعب الفلسطيني.

  أبرز الكاتب التآخي والمساواة بين المسلمين والمسيحيين، ومدى اعتزازهم بوطنيّتهم وهم تحت مظلّة واحدة، يوحّدهم الوطن، وهنالك احترام بين الديانتين؛ وهذه الفكرة عزّزت من قيمة القصّة، وعكست حقيقة الواقع، والتعريف بالمسيحيين أنهم عرب أيضًا.

  استعمل الكاتب تناصًّا من العالم آينشتاين: ” اثنان لا حدود لهما، الكون وغباء الإنسان، وأشك في صحّة الأولى”. برأيي هذا التّناص غير موفّق، ولا يتناسب مع سياق الأحداث، حيث وضع الراوي هذه المقولة؛ للتوصّل لفكرة غباء الإنسان اللّذي لا حدود له، أرى أنّ الإنسان أثبت قدرته على الذكاء عبر مرّ العصور، والدّليل على ذلك هو ما وصلنا إليه من تطوّرات حديثة ملحوظة في عصرنا هذا، ولا حدود لها.

  لغة الكاتب في القصّة لغة فصحى، وتناسب مستوى الفتيان، تخلّلت القصّة بعض العبارات البسيطة باللّغة الإنجليزيّة مثل:  صفحة 46. (made in Pennsylvania) صفحة 44 (oh my god)

صفحة 34 (the wailing wall).

برأيي هذه الإضافة باللّغة الأجنبيّة، ليست ضروريّة، وممكن الاكتفاء باللّغة الفُصحى فقط.

   للتنويه فقط: كلمة فتاة ليست ممنوعة من الصّرف، كما ورد صفحة 44 ” قدّمت فتاةُ حسناءُ .. لكليهما فنجان قهوة سادة” الأصح هو ( فتاةٌ حسناءُ ) فتاةٌ بتنوين الضم، وحسناءُ بالضمّة وهي ممنوعة من الصّرف.

اعتمد الكاتب على الأسلوب التقريري في السّرد تخلّله الحوار، ممّا قلّل من قيمة النهج في الأسلوب السّردي الأدبي؛ ربّما الأسلوب التقريري مناسب أكثر لأدب الرّحلات. هذا الاقتراح بحاجة لدراسة منهجيّة.

  خلاصة القول: هذه القصّة تناسب جيل الفتيان، وزاخرة بالمعلومات حول تارخ وجغرافيا الأماكن، وطبيعة الحياة تحت الإحتلال في فلسطين. برأيي الشّخصي، هذه القصّة مناسبة لإدخالها للمناهج المدرسيّة في كافّة المدارس؛ وأوصي بتوفيرها لأبناء الجاليات الفلسطينيّة والمغتربين خارج فلسطين؛ لتثبيت الرّواية الفلسطينيّة، ونشر الوعي الوطني والانتماء، كي يساهموا في دحض الرّوايات المزعومة حول ملكيّة الوطن واستلابه.

وقالت رائدة أبو الصوي:

في هذه الرّواية انتماء وولاء وبحث عن الهوية ووضوح وسلاسة وبساطة بالتعبير واستيعاب الأفكار التي أراد الكاتب إيصالها للقاريء، كالمعتاد أسلوب الأديب السلحوت جاذب وجذاب.

الرواية تحث بطريقة غير مباشرةعلى ضرورة التمسك بالوطن مهما طالت الغربة،

وان الحق لا يضيع بالتقادم.

التلاميذ الفلسطينيون المغتربون في أمريكا بالمدرسة كانوا السبب في أن تذهب مديرة المدرسة والمعلمة الى الديار المقدّسة لمعرفة الحقيقة.

في الرّواية معلومات قيّمة جدا خصوصا عن القدس وبيت لحم. ومعلومات

عن البحر الميت الذي يلفظ انفاسه بسبب استنزاف مياهه وحرمانه من المياه التي كانت تصبّ فيه.

السياح يأكلون المدينة بأعينهم إشارة الى أنّهم يرون في فلسطين حضارات لا يرونها في مكان آخر.

وكتب نمر القدومي:

هم مغتربون عن الوطن، لكنهم يحملونه بين ضلوعهم. يقتلهم الأنين ويذوب ثلج قلوبهم على حدود أرض الياسمين، وتبقى تلك الدّمعة الغائبة في حضن العيون. تركَ كلّ مغترب روحه تجول في ربوع الوطن بين الحارات والطّرقات، بين الأزقّة وسفوح الجبال الشّامخات. تركها بين الطّبيعة والأطلال وشوق الأهل والأصدقاء وأجمل العلاقات. لملم المغترب الذّكريات ولم ينسَ العقيدة والتّراث والحكايات.

الكاتب المقدسيّ (جميل السلحوت) يخرج إلينا من جديد بعمل أدبيّ للفتيات والفتيان، ويزرع في قلب كلّ مغترب ذلك التّحفيز العظيم بأن لا يتخلّى عن وطنه الأمّ المتأصّل في أعماقه، مهما بَعُدَ المكان أو طال الزّمان. فكرة هذا العمل الأدبيّ تنصهر من أرض الواقع، وهي قريبة جدًا إلى العين والذّهن والمشاعر.

” أنا من الّديار المُقدّسة” رواية موجّهة للفتيات والفتيان.

ويحتدُّ النّقاش في أجواء الفصل الدّراسي في المدرسة الإبتدائيّة “المنتسيوري” في ولاية إلينوي وفي مدينة شيكاغو الأمريكية، وذلك عندما بدأ بين ( لينا) من مدينة القدس و( ميليسّا) من مدينة بيت لحم، وبين المُدَرسّة ( سوزي) الأمريكيّة الأصل، بأن لا وجود لفلسطين على الخارطة، وأنَّ كلّ شيء هو ملك لليهود؛ لأنّها الأرض التي وعدهم بها الله في دينهم وكتابهم.

وإن كان الأهل العرب يدركون تلك الحقيقة المُرَّة لهذا الاحتلال الذي أصبح مشروعًا لهم حسب الدّستور الأمريكي. وأنَّ الشعب الأمريكي يعيش على الترويج الكاذب للحقائق التّاريخيّة، فما عليهم أولئك الأهل العرب إلاّ الصّمود والنّضال في مكافحة هكذا تضليل وتزييف للتّاريخ.

هذه كانت أحداث مقدّمة الرّواية، حيث وضعنا الكاتب في لحظات حرجة حين قرار الأهل نقل ابنتيهما إلى مدرسة عربيّة إسلاميّة تحكمها جميع العادات الطيّبة واللغة العربيّة الأصيلة. وقد عمد أديبنا وكعادته إلى إظهار التآخي الوطنيّ والقوميّ بين الدّيانة المسيحية لعائلة ( ميليسّا) والدّيانة الإسلاميّة لعائلة ( لينا) أمام أي تحدٍّ يمسّ بالوطن فلسطين.

أمّا الحبكة هنا فبدأت عندما اجتمعت إدارة المدرسة مع الأهل للخروج من هذا المأزق التي حاولت به المُدرسة ( سوزي) تغيير حقائق عاشتها الطّفلتان (لينا وميليسّا) منذ صغرهما، وتربيّتا على حُبّ كل شبر وقطرة ماء ونسمة هواء من أرض فلسطين والقدس وبيت لحم.

نجد أنَّ الإدارة تستفيق من صدمة طويلة عاشتها، ويعيشها شعب بأكمله على الخداع والتّمويه والأخبار المزيّفة. أمّا الأديب السلحوت، فيستخدم هنا كلّ طاقاته المتاحة له ليرسم سيناريو عمليّا ومشاهِد مُحكمة بريشة مهندس، وذلك ليفضي للقارئ صورة كاملة عن أوضاع الشّعب الفلسطينيّ اليوميّة المأساويّة التي يعيشها على أرض وطنه تحت احتلال بغيض أهلك البشر والشّجر والحجر.

قرّرت المعلمة (سوزي) ومديرتها (جاكلين) زيارة الدّيار المقدسة والوقوف عن كثب على أوضاعها. فزارتا القدس وبلدتها القديمة، وزارتا بيت لحم والبحر الميت في جولات سياحيّة، بالنّسبة لهما كانت أغرب من الخيال. وقد قصد كاتبنا أن يوفّر في هذه الزّيارات أكثر المشاهد عُنفًا وظُلمًا، فكانت المظاهرات والقمع بالرّصاص والغاز المسيل للدّموع والذي نالهم منه نصيب. وقد قُتِل شابّ فلسطينيّ أمام أعينهم وأمام عيون والدته الثّكلى. شاهدوا المذلّة على الحواجز العسكريّة والمعاملة الفظّة هناك، وكذلك شاهدوا عمليّات التّنكيل بالشّعب البسيط الأعزل على نقاط التّفتيش، وأمّا شكل جدار التّوسّع الإسرائيلي، فحدِّث ولا حرج. وما زاد الطّين بِلّة أنّهما سمعتا في الأخبار الأمريكيّة عكس ما شهدتاه على أرض الواقع، ومن هنا نضجت الفكرة وعَلَت على السّطح الحقيقة، وتأكّد جزء بسيط من الشّعب الأمريكيّ من تلك الكذبة الكبيرة التي يعيشونها. فتعودان وترفعان العلم الفلسطينيّ فوق بيتيهما وتُعَرِّفان عليه بأنّه علم ( الهنود الحمر ) في الشّرق الأوسط.

لم يبخل الكاتب السلحوت في إثراء القارئ بالمعلومات التّاريخية والدّينية عن فلسطين بهدف زرع الحقائق لدى كلّ باحث عن ديارنا. فكان هذا الإنجاز الأدبيّ بمثابة مرجع للكبار وللصّغار إضافة إلى إقحامه إسم المفكّر الفلسطيني (إدوارد سعيد) في الرّواية وعن كتبه التي تشرح القضية الفلسطينية.

إستخدم أديبنا اللغة البسيطة والمعاني المباشرة دون تكلّف أو تعقيد، وعمد إلى سلاسة تطوّر الأحداث في الرّواية بعيدًا عن الخيال، فالكلمات كانت لها ذلك الأثر النّفسي المؤلم الذي يؤثّر على نفسيّة المتلقّي. وأسلوب السّرد لا ينقصه عنصر التّشويق.

يبعث الأديب المقدسيّ جميل السلحوت بإحساسه السّاخن وقلبه الدّافئ وقلمه الدّافق برسالته الواضحة لكلّ مظلوم على أرض فلسطين، ولكلّ مغترب أوشك على نسيان وطنه، أنَّ النّضال واجب، وأقلّها بالعِلم والثّقافة، لمواجهة التّحديّات. وأيضا الإستمرار في التّشبثّ بالمواقف الوطنيّة والدّفاع عن كلّ ما يمسّ بقدسية الوطن التي لا تقدَر بثمن، فلا شيء يشبه الموت كالبعد عن الوطن، فالوطن الحياة بكلّ معانيها.

وكتب صلاح عويسات

كشجرة زيتون متجذّرة في أرض فلسطين، يروي الشّيخ جميل السلحوت قصّة شعب مظلوم، هضمت حقوقه كلّها حتّى على مستوى اﻹعلام الذي يقلب الحقائق ويزور التّاريخ، قصّة جميلة رائعة قصّة “أنا من الدّيار المقدّسة ” حيث تبدأ القصّة في أمريكا حين تسأل معلمة إحدى الصّفوف طالبتين فلسطينيّتين عن بلدهما، فيتبيّن أنّ المعلمة ومديرة المدرسة لا تعرفان عن فلسطين إلا أنّها اسرائيل، ومن هنا تبدأ القصّة بالتّعرف على فلسطين أوّلا من خلال كتابين ﻹدوارد سعيد (قضيّة فلسطين) والثّاني (تغطية اﻹسلام)، وبعد التّعرف النّظري من الكتابين تعتذران ﻷهل الطفلتين عن الخطأ، ثمّ تقرّران ( المعلمة والمديرة) زيارة الدّيار المقدّسة للتّعرف عن كثب على فلسطين وأهلها، وهنا يتجلى الكاتب في الشّرح والتفصيل على لسان الدليل السياحي،فيورد تواريخ الأمكنة ووصفها بشكل دقيق يلفت النّظر، مع مراعاة الواقع المعاش في نفس الوقت، فحين يتحدّث عن سور القدس وبانيه سليمان القانوني وعن طول الجدار وارتفاعه وسمكه وبواباته، يذكر حرس الحدود وهم يفتّشون الشّباب الفلسطينين بفظاظة، ويذكر ردّة فعل السّائحتين اﻷمريكيّتين الغاضب تجاه الحدث، وبيننا هو يشرح لهم عن أسواق القدس وحواريها، ومسجدها اﻷقصى وكنيسة القيامة ومسجد عمر بن الخطاب، لا ينسى المطعم الشّعبيّ في المصرارة، ويبيّن أنّ الحمّص والفول والفلافل أكلات شعبيّة فلسطينيّة، وليس موروثا عبريّا، ويظهر حرص الكاتب على طرح كلّ المسائل كالحفريّات تحت المسجد اﻷقصى وفي قرية سلوان، وينوّه إلى اﻵثار اﻷمويّة، ثم يعرّفهم على المقابر المحيطة بالمسجد اﻷقصى، كمقبرة باب الرّحمة، وحتّى اللوحة التي تزيّن واجهة كنيسة الجثمانية يشير إلى من رسمها وهو دافنشي.

من القدس إلى بيت لحم

أمّا في بيت لحم فكانت البداية سعيدة – وإن نغّص على المشهد منظر الجدار-إﻻ أنّهم حين زاروا مهد المسيح واستمعوا للشّرح وأدّوا الصّلوات ثم حلّوا بفندق دار جاسر، وحضروا عرسا فلسطينيا يزينه اللباس التّراثيّ الفلسطينيّ، وجوّ المحبّة والفرح، غمرتهم السّعادة، وفي اليوم التّالي طافوا أسواق بيت لحم الجميلة وابتاعوا اﻷثواب التّراثيّة وقطع التّراث اﻷثريّة والدّينية وهم في سعادة غامرة، إلا أنّ الجوّ انقلب بسرعة إلى أجواء حرب حيث قنابل الغاز والصّوت وعجّت السّاحة بالجرحى،هناك شعر الوفد بالغضب والخزي والعار خاصّة عندما تبيّن له أن اﻷسلحة المستعملة لقمع الشّعب الفلسطينيّ هي أسلحة أمريكيّة الصّنع، فقرّروا العودة إلى القدس سريعا والمكوث في الفندق حتى انتهاء اﻹجازة، إلا أنّ الدّليل أقنعهم بزيارة أريحا، وهنا يعرض الكاتب على لسان الدّليل المشاكل، عرض صاحب قضيّة يعرف ماذا يريد وتفاصيل اﻷمور منها مشكلة اﻹستيطان الذي يعتلي رؤوس الجبال، وتشريد أصحاب اﻷراضي اﻷصليّين كالجهالين، ثمّ يعرض مشكلة البحر الميّت ونقص الماء فيه نتيجة لحجب مياه نهر اﻷردنّ وتحويلها عنه لصالح مشروعات اسرائيليّة، ولا يترك مجالا إلا وعرض مشاكله، حتّى السّفر في طريق العودة كان هناك تباين في المعاملة في المطار بين الفلسطينيين وغيرهم من المسافرين اﻵخرين.

وفي الختام إن الأديب جميل السلحوت يستحق وعن جدارة لقب شخصيّة القدس الثّقافيّة التي منحته إيّاها وزارة الثقافة الفلسطينيّة، كونه ابن القدس ويعرفها ككفّ يده، يعرف أماكنها وتاريخها وشوارعها وحواريها وكل ما فيها، وكل ذلك تجلى واضحا في سرده الرّائع في هذه الرّواية الرّائعة.

وكتبت دولت الجنيدي:

رائعة أخرى من روائع الأديب جميل السلحوت، إضافة لإصداراته السابقة، التي يتميز فيها بكتابته للكبار والصغار عن فلسطين الحبيبة وعاصمتها القدس الشريف ومدنها وقراها وسهولها وجبالها وأهلها، وعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم وما يحيط بها من مؤامرات، وما يحاك حولها من دسائس، وما يعانيه أهلها من ظلم واستبداد من المحتل، وحتى من أبناء جلدتنا بأسلوب سردي سهل يشجع الجميع على القراءة.

بدأت هذه الرواية بنقاش دار في مدرسة في شيكاغو في أمريكا بين طالبتين فلسطينيتين إحداهما مسلمة من القدس وهي لينا ابنة قيس ومروة وحفيدة الأديب السلحوت، وأخرى مسيحية من بيت لحم وهي ميسا ابنة داوود وعبير من جهة، وبين معلمتهما من جهة أخرى حينما اعترضتا على قول المعلمة بأن القدس عاصمة اسرائيل، وأخبرتاها أن القدس عربية، وأنها عاصمة فلسطين الأبدية.وتدخل الأهل ومديرة المدرسة التي أخبرتهم أنّ هذا في منهاج المدرسة، وحكومتهم تؤيّد ذلك. فأقنعوها هي والمعلمة بقراءة كتب ادوارد سعيد عن القضية، وذلك دفعهما للسفر إلى فلسطين وزيارة القدس وبيت لحم، وزيارة جميع الأماكن المقدسة، ورأتا بأمّ أعينهما كيف يتعامل جنود الاحتلال مع أطفال فلسطين وتلفيق التهم لهم. ورأتا التعايش وحسن الجوار بين المسلميين والمسيحيين، فأصبحتا مناصرتين للفلسطينيين، وأيقنتا أن حكومتهما تضلل الشعب ببث الأكاذيب لمناصرة الصهيونية.

نستنتج من كل ذلك:

١_ أهمية دور الاعلام الهادف الصادق في كل قضية.

٢_ أهمية دور الأهل في تثقيف أولادهم وتعريفهم على قضاياهم العادلة وزرع حب الوطن في نفوسم.

٣- دور المغتربين في الدفاع عن قضاياهم العادلة. وضرورة زيارتهم لوطنهم مع أفراد عائلاتهم من حين لآخر، ليتعرفوا على ربوعه، وكي يبقوا على اتصال روحي وعاطفي معه.

وكتت اسراء عبوشي:

هذه الرواية الموجهة للأطفال واليافعين تبين مدى قدرة الأطفال على تغير الأفكار والرؤى وتصويب الخطأ، وأدراك الحقيقة، ممكن للطفل أن يكون على صواب ومعلمه مخطئ، إذا كان واثقا من نفسه ولا يخاف، فيعلّم معلمه ويثير في نفسه الدافعية للمعرفة، بناء تلك الشخصية تجبر معلمه على الاعتذار عندما يستدعي الأمر، تربية واعية ورسالة سامية، تقدم الرواية ومضات تكسر منظومة التعليم التقليدية، فالتطور الذي طرأ على شخصية الطالب توجب التغيير.

لم تتمسك مديرة المدرسة بعنادها حول المعلومات التي بحوزتها عن الديار المقدسة، ولم تتقيد بالمنهاج الدراسي الأمريكي، بل بحثت، هنا يبرز دور العلم والثقافة في تغيير المعتقدات الزائفة، استطاع المفكر العالمي إدوارد سعيد من خلال كتابين قرأتهم المديرة تغيير ما ورد في المنهاج المدرسي من تزييف، الكاتب الفلسطيني والعالم والطبيب وكلّ في مجاله له دور نضالي لا يقل عن السلاح، العلم سلاح آخر يشهر في وجه الجهل، ويحارب المفاهيم التي يسوقها العدو، ويكشف زيفها.

الطفلة لينا وزميلتها ميلسّا طفلتان في الصف السادس الابتدائي، استطاعتا تغيير نظرة المعلمة سوزان ومديرة المدرسة جاكلين عن الديار المقدسة، إلى درجة أنهما قامتا بزيارة الديار المقدسة لمعرفة الحقيقة على أرض لواقع.

من خلال تلك الزيارة يقدم الكاتب جميل السلحوت معنى الديار المقدسة، ويعّرف القارئ بمدينة القدس وبيت لحم والناصرة والبحر الميت، يذكر الكثير من الأماكن الهامة، ويذكر تاريخها مثل الأقصى وكنيسة القيامة وكنيسة العذراء وكنيسة الجثمانية وأسواق القدس، ويبين جرائم الاحتلال واثرها التي ساعدت جاكلين وسوزان في رؤية الصورة على حقيقتها، ويُظهر تعاطفهما مع القضية الفلسطينية في حين أنهما أنكرتا وجود فلسطين في بداية الرواية، كان الانطباع عن جنود الاحتلال في فكرها أنهم يحملون أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم، وبعدما رأت الحقيقة على أرض الواقع، أغلقت باب غرفتها في الفندق على نفسها حزنا على الطفل الذي استشهد أمامها، وعلى الأمّ الفلسطينية الثكلى، وقد عرفت التناقض والتزييف في الأخبار المعلنة.

بيّنت الرواية كيف أن المناهج الدراسية الأمريكية تخدم سياسة الدولة المنحازة للرواية الإسرائيلية، وهنا يأتي دور الطالب والمعلم لعدم قبول تلك المناهج والتمسك بالحقائق والدفاع عنها.

في النهاية اعترفت جاكلين” نحن مخّدرون بافتراءات إعلام كاذب عن الصّراع في الشرق الأوسط”، وتساءلت من يحمي الطفولة في هذا البلاد المقدسة؟ الجواب على تساؤلها لا داعي للقلق على أطفالنا ولينا وميلسّا خير دليل على هذا الجيل الذي يحمل سمات قيادية لا يخشى عليه.

الرواية قيمة ويجب ترجمتها؛ لتحارب التزييف في الحقائق، ولتشحذ همم الأطفال؛ ليكونوا بناة غد مشرق حقيقي جميل.

وكتبت سامية ياسين شاهين:

العنوان “أنا من الديار المقدسة” هو بوابة الرواية يسلط الضوء على الديار المقدسة، وهذا يبعث الشوق لمعرفة الدّيار المقدسة بكل مكنوناتها، وقد افتتح الكاتب روايته بأسلوب حوار دار بين المعلمة سوزان التي تمثل المجتمع الغربي وخصوصا الأمريكي، والطفلتان لينا وميلسا تمثلان الشعب الفلسطيني، ومن خلال الحوار والنقاش الذي أدارته المعلمة سوزان بين الطلاب للتعارف على قومية وجنسية كل تلميذ. وقد تفاجأت من جواب لينا أنها فلسطينية، فاستفز المعلمة هذا الجواب، وهذا الأسلوب يحسب لصالح الكاتب بحيث يعطي للقارئ عنصر تشويق لمعرفة ما سيحدث، وكيف سترد لينا بعد ذلك.

دعوة الاهل للمدرسة بخصوص موضوع  أصول لينا من فلسطين وعدم اعتراف المعلمه بهذا الأمر، هنا أراد الكاتب أن يقول هناك عنصرية وتحيز سياسي لصالح اسرائيل، وكان الدخول للحديث عن الديار المقدسة عن طريق النقاش والحوار، وقد كثرت التعابير العاطفية الحزينة، مثل حزن لينا بعد عودتها للبيت بسبب جواب معلمتها سوزان.

بعد ذالك أخذت الرواية طابع السرد التقريري اللبق من حيث استعمال اللغة وأسلوب السرد، مما جعلني أشعر وكأني في رحلة تاريخية كأدب الرحلات لابن بطوطه، فيضفي على الرواية أدبا وطنيا تاريخيا أدخلني الى كل زاوية في مدينة القدس  وضواحيها، ووصف كنائسها ومساجدها وأناسها الطيبين بأسلوب سردي تقريري مشوّق، وهذا شدني لمعرفة تاريخنا العريق منذ الفتوحات الإسلامية من خلال زيارة المديرة جاكلين والمعلمة سوزان اللتين تمثلان المجتمع الأمريكي، وبعد اطلاعهما على حضارة القدس ومحيطها تغيرت أفكارهما وعلمتا ان أمريكا حليفة مع اسرائيل وكل ما ينقله الإعلام الأمريكي كاذب وملفق.

الرواية مليئة بالعاطفة الحزينة، فالزمانكيه تدور بين القدس وبيت لحم واريحا والبحر الميت، وهي من أقدم المدن العربية في فلسطين، التاريخ فيها يتحدث عن جبروتها .

تغيّر تفكير المديرة والمعلمة حول فلسطين. وشراء فساتين مطرزة لها طابع فلسطيني يبعث الأمل في نفس الفلسطيني بأن هناك شعبا ومن حقه العيش بكرامة،  وأن هناك أملا باالاعتراف واسترجاع حقوق الفلسطيني مهما طالتها أيدي الطغيان المحتل الاسرائيلي.

نعم لقد أخذت الرواية طابعا وطنيا تاريخيا، هذا نمط في الكتابه جذاب وخصوصا أن اللغة سلسة واضحة.

وورد في الرواية قضية الزواج المختلط بين المسيحية والمسلم، وهذه دلالة على الأخوّة بين أبناء الشعب المسلمين والمسيحيين، وأنّهم بعيدون عن الطّائفية.

وفي الرواية تجذير للتاريخ كي يبقى في الذاكرة، وأن نتمسك بوطننا فلسطين الذي لا وطن لنا غيرها. 

وقالتميسون التميمي:

ها هو الكاتب يضع بين أيدينا روايته الجديدة ذات الأُسلوب الشيق، واللغة السهلة التي تجعل القارئ لا يملّ من قرائتها ويطلب الإستزادة منها .

هذه الرواية التي بدأت بسؤال أحفاد الكاتب الذين يقطنون في أميركا من أي بلدٍ أنتم؟

ففتح هذا السؤال أبوابا مغلقة، وكشف حقائق مخفية، وشّخص أوجاعا  لم يستطع الزمن مداواتها، استطاع الكاتب بإسلوب سهل أن يكشف حقيقة الإستعمار والمستعمرين، وأن القدس أرض عربية من قبل أن يدنسها المحتلون بآلاف السنين، وأن الاحتلال مهما حاول تهويد هذه الديار إلا أنّها ستبقى ديارا إسلامية عربية، تحدث الشيخ عن الهيكل المزعوم ومحاولات الحفر تحت المسجد الأقصى، حتى وصلت سلوان، ومحاولة المحتلين العثور عليه من أجل إثبات حقهم في بيت المقدس، لكن الله جعل كيدهم في نحرهم ويأبى الله أن ترفع للاحتلال في هذه البلاد راية. تحدثت الرواية عن مدى المعاناة وقسوة الحياة والحواجز التي تعيق الحركة بين القدس وبيت لحم، ومدى وجع الأمّ الفلسطينية عندما يستشهد إبنها أو يمسه أذى.

ومن الملفت للإنتباه في الرواية أنها تحدثت عن معالم دينية ومسيحية بشكل دقيق، وعن مدى التعايش والتلاحم بين أبناء الشعب الفلسطيني مسيحيين ومسلمين، وأنهم يدٌ واحدة يتقاسمون الحياة بحلوها ومرها.

ورد في الرواية لفت انتباه المتلقي لمؤلفات المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد.

أما نهاية القصة فكانت نهاية سعيدة توحي بالأمل، وأن العلم لا يتوقف مهما كبر الإنسان/ وأن الإنسان مهما علا شأنه، فإنه يجهل بعض الأمور أحيانا، وأن الأطفال أيضاً يمكن ان نلتقط منهم وميضا يضيء لنا طريقا، ويكشف حقيقة، وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس .

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات