معروف أن مجتمعاتنا مجتمعات ذكوريّة، فالذّكور مميزون في كلّ شيء، وتبدأ التربية الذّكورية حتى والطفل جنين في رحم أمّه، فهي تفاخر بانّها حامل بجنين ذكر، وتحمد الله ليل نهار على ذلك، بل وتؤكّد المرأة الحامل بأن حملها خفيف لا يؤثر عليها شيئا لأن جنينها ذكر، وعندما يولد يستقبل استقبال الفاتحين، وتهدهده والدته بأغان شعبية فيها تنمية للثقافة الذكورية، وتقليل من شأن الأنثى، بل وتغني له مفاخرة بعضوه الذكري.
والأمّ تعتني عناية فائقة بمولودها الذكر” الاولاد بدهم دلال”، بينما البنات الإناث لا يحظين بهذه الرعاية، يقول المثل:” البنات مثل خُبّيزة المزبلة” أي يكبرن بسرعة وبدون عناية، وهناك تحذير من تدليل البنت”دلّل ابنك بغنيك، ودلّل بنتك بتخزيك” وليت ثقافتنا الشعبية تترك البنت لتعيش بدون دلال، بل تدعو الله ليميتها رحمة بذويها” اللي بتموت وليته من حسن نيته”! بينما تدعو الأمهات بطول العمر لأبنائهن الذكور، فتقول لابنها الذكر” ان شاء الله بتدفنّي بيديك” وتردّد نفس القول للابن الذكر عندما يتشاجر مع شقيقته” ان شاء الله بتدفنها بيديك”. وثقافتنا الشعبية لا تعتبر البنات خَلَفًا، وليس من الصعوبة أن تسمع أناسا يخاطبون امرأة أنجبت عددا من البنات بدعاء” الله يعوّض عليك” والمقصود بالعوض هنا الأبناء الذكور. وقد يتزوج الرجل من امرأة أخرى لأن الأولى لم تنجب أبناء ذكورا، مع أنّه ثبت علميا أنّ انجاب الذكور والاناث هي مسؤولية الرجل وليس المرأة، وقد أدرك العرب الجاهليون ذلك، فإحدى الزوجات ردّت على زوجها عندما لامها لأنها أنجبت بنتا:” مثلما تزرع تحصد” فلماذا لا نعلم أبناءنا في المدارس العلم الصحيح حول الذكر والأنثى.
ويربّى الطفل الذكرعلى التعالي في التعامل مع الإناث، بمن فيهم والدته التي أنجبته، وهي تكون سعيدة وراضية بذلك. وأمّه هي أول من يغرس في ذهنه هذا السّلوك.
وفي فلسطين تحرص مدارس الاناث على تعليم الاناث “التدبير المنزلي” وهذا أمر جيّد، بل هناك أقسام للتدبير المنزلي في بعض المدارس الثانوية، وغالبا ما يتم الحاق الطالبات ذوات التحصيل العلمي المتدني في هذه الأقسام، ويبقى السّؤال لماذا لا يتم تعليم الطالبات في أقسام التدبير المنزلي المواد العلمية الأخرى؟ أم أنّنا حكمنا عليهن أن يكن محاصرات ومحصورات في مطبخ البيت سواء كنّ عازبات أو متزوجات؟ ولماذا نكرّس تعليميّا أن العمل المنزلي تخصص أنثوي؟ ولماذا لا يكون حصة تدبير منزلي للطلاب الذكور أيضا؟ وماذا يضيرنا لو علمنا الطالب وعودناه بأن يعمل لنفسه أو له ولأسرته كوب شاي أو فنجان قهوة؟ أو أن يساعد والدته في شؤون البيت، تمهيدا لمساعدته لزوجته مسقبلا، في الدول المتقدمة هناك معاهد جامعية لتعليم فنون الطبخ والطبيخ، وروّادها ذكور وإناث، يفنون أعمارهم بعد تخرجهم يعملون في مطابخ المطاعم والفنادق وغيرها. ومن الأمور المألوفة أن تشاهد رجلا يساعد زوجته في اعداد الطعام وتقديمه للضيوف، ومن المألوف عندنا أن المرء اذا ما زار صديقا له، ولم تكن ربّة البيت أو إحدى البنات موجودة أن يعتذر صاحب البيت عن عدم قدرته على تقديم فنجان قهوة لضيفه لعدم وجود أحد يعمله! فهل صاحب البيت أحد أم لا؟
ومن المألوف في بلادنا أيضا أن تجد ذكورا يعملون طباخين أو غسّالي صحون، أو عمّال نظافة في مطعم أو فندق أو غيرها، وعندما يعودون الى بيوتهم يمارسون سيادتهم على الإناث في بيوتهم سواء كن أمّا أو زوجة أو أختا..الخ. وعليهن أن يقدّمن له كلّ ما يريد، مع أن هذه الأنثى قد تكون عاملة في مهنة أخرى كطبيبة أو مهندسة أو ممرضة أو معلمة..الخ. ولا خيار أمامهن سوى تلبية طلبات”السيد المطاع” فهكذا تربّى وتعلّم، وهنّ أيضا تربين على الدّونية وعلى السمع والطاعة.
واذا كانت العادات والتقاليد والثقافة السائدة تنمّي فوقيّة الذكور منذ ولادتهم، تماما مثلما تربّي الأنثى على الدّونية وطاعة الذكر في الأحوال كلّها، فلماذا لا تقوم المدرسة بتهذيب وتقويم العلاقة بين الجنسين من خلال التعليم؟”فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر”.
29-9-2013