التّصريحات الصّادرة عن البيت الأبيض في واشنطن، حول نيّة الإدارة الأمريكيّة الاعتراف بالسّيادة الإسرائيليّة على مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلة، والتي من شبه المؤكّد الإعلان عنها رسميّا أثناء زيارة نتنياهو لواشنطن بعد أيّام قليلة، تعطي دلالات كثيرة، أقلّها أنّ أمريكا قد أعلنت حربا مفتوحة على العالم العربيّ، وتؤكّد من جديد بطلان الدّعاية الصّهيونيّة التي جمعت فيها يهود الشّتات تحت شعار توراتي “العودة إلى أرض الميعاد،” خصاصا وأنّ الجولان ليست جزءا ممّا سمّوه “أرض الميعاد”، وتؤكّد أيضا أنّ أمريكا اتّخذت اليهود في اسرائيل مطيّة لها، لتكون قاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة في الشّرق الأوسط، للسّيطرة التّامّة على منابع البترول، وطرق التّجارة الدّوليّة، ولمواجهة القوى العظمى المنافسة لأمريكا كروسيا والصّين، وتؤكّد أيضا صحّة الأطماع الصّهيونيّة التي كانت طاحونة الإعلام الصّهيونيّ تنفيها دائما، والقائلة “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النّيل”. كما تؤكّد من جديد أنّ اسرائيل معنيّة بالتّوسّع، ولا تحترم هي ووليّ نعمتها في أمريكا القانون الدّوليّ، وأنّ السّلام الذي يحفظ حقوق شعوب ودول المنطقة لا يعني لهما شيئا، وأنّ الحديث عن السّلام مجرّد طحن كلام من باب العلاقات العامّة. واسترضاء الرّأي العامّ العالميّ.
ويأتي هذا الإعلان الأمريكيّ الذي يهدّد السّلم العالمي، كدعم من اليمين المتطرّف في أمريكا بقيادة ترامب، لنتياهو وحزبه اليمينيّ المتطرّف في الإنتخابات الإسرائيليّة القادمة والمزمع عقدها في التاسع من ابريل القادم.
وهنا لا بدّ من التّذكير بأنّ نتنياهو الصّهيونيّ المخلص لمبادئه لم يتزحزح قيد أنمله عمّا ذكره في كتابه “Aplase between nation” الصّادر أوائل تسعينات القرن العشرين، وترجم إلى العربيّة تحت عنوان”مكان بين الأمم” وذكر فيه أنّ السّلام الذي يريده، هو احتفاظ اسرائيل بالأراضي العربيّة المحتلّة، وأنّ هذا السّلام سيكون لصالح العرب! لأنّ اسرائيل ستحلّ مشاكل المياه في سوريّا، وستطوّر الزّراعة فيها!، كما طرح إقامة وطن بديل للفلسطينيّين في الأردنّ، لأنّ “أرض اسرائيل” تطلّ على الصّحراء العربيّة، والمقصود هنا هو الجزيرة العربيّة، وهذا يعني أنّه يعتبر الأردنّ جزءا من “أرض اسرائيل”!
والإعلان الأمريكيّ بخصوص الجولان السّوريّة المحتلة، يعني أنّ دمشق العاصمة السّوريّة وشمال الأردنّ ستبقى في مرمى المدفعيّة الإسرائيليّة.
ويبدو أنّ النّوايا الأمريكيّة والإسرائيليّة بخصوص الجولان ستتبعه خطوات أخرى ضمن ما يسمّى بصفقة القرن الأمريكيّة التي بدأت بالإعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومحاولة تصفية قضيّة اللاجئين من خلال تصفية وكالة غوث اللاجئين الدّوليّة “الأونروا” وإغلاق مكتب منظّمة التّحرير في واشنطن، وقطع المساعدات الماليّة عن السّلطة الفلسطينيّة، ومحاصرة هذه السّلطة، وإطلاق يد اسرائيل في استيطان الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، وسيتبع ذلك ما يسمّى تعديلات حدوديّة ستطال أجزاء من سيناء المصريّة، والأردنّ وحتّى السّعوديّة. وبهذا ستتحقّق مخطّطات نتنياهو التي وردت في كتابه آنف الذّكر” إذا اجتمعت الانتلجينسيا الإسرائيليّة مع الأيدي العاملة العربيّة الرّخيصة، فإنّ الشّرق الأوسط سيزدهر”! وهو بهذا سيحوّل العرب إلى “حطابين وسقّائين” حسب المصطلح التّوراتيّ، أي سيحوّلهم إلى عبيد العصر؛ لتكون السّيادة لإسرائيل بعد تصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ.
فهل يتنبّه كنوز أمريكا وإسرائيل الإستراتيجيّة في المنطقة العربيّة لخطورة ما يجري؟ وهل يدركون أنّ أطماع ترامب ونتنياهو ستدخل المنطقة في صراعات داميّة وطويلة الأمد ستهدّد السّلم العالميّ؟ ولن ينجو من كوارثها أحد، بمن فيهم مشعلو نيرانها والمتواطئون معهم في الجانب العربيّ.
22-3-2019