جاء في تقرير الاحصاء الفلسطيني بأن عدد المراكز الثقافية العاملة في فلسطين 658 مركزا في عام 2013؛ 575 مركزا في الضفة الغربية، و83 مركزا في قطاع غزة، وهو عدد كبير قياسا بمساحة الأراضي الفلسطينيوعدد سكانها، ومع ذلك فان النشاطات الثقافية لا تتناسب وهذا العدد، مما يعني أن هناك مؤسسات ثقافية مرخصة، ولها مقرات وميزانيات، لكنها لا تمارس أي نشاط يذكر، ومما جاء في تقرير جهاز الاحصاء الفلسطيني:” قدمت المراكز الثقافية خلال عام 2013 حوالي 9.4 ألف نشاط ثقافي؛ 8.9% من هذه الأنشطة ندوات، و10.2% محاضرات، 63.0% دورات، و15.9% عروض فنية، و2.0% معارض.
ويلاحظ من خلال التقرير أن غالبية النشاطات تتركز على الدورات 63.0% دورات، فما المقصود بالدورات؟ والمتابع للشأن الثقافي سيجد أنها في غالبيتها العظمى دورات تقوية لطلبة المدارس، تجبي من خلالها المؤسسات رسوما مالية من الطلبة، وهي بذلك تبقى دورات تعليمية لا ثقافية، واذا ما أضفنا اليها 10.2% محاضرات، وهي في غالبيتها محاضرات سياسية لا علاقة لها بالثقافة، سنجد أن ثلاثة أرباع هذه النشاطات بعيدة عن الشأن الثقافي. ويلاحظ أن تقرير جهاز الاحصاء الفلسطيني لم يشمل القدس العربية المحتلة، مع أنها جوهرة الأراضي الفلسطينية والعاصمة السياسية والدينية والثقافية والاقتصادية للشعب الفلسطيني ودولته العتيدة، وهذه بحد ذاتها قضيّة ثقافية أخرى.
كما يلاحظ أنه لا يحسب أي حساب لأيّ مؤسسة ثقافية غير مرخصة، مهما كانت فاعلة، فعلى سبيل المثال ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، والمستمرة منذ آذار – مارس- 1991 وحتى يومنا هذا، وصدر عنها حتى الآن ثلاثة عشر كتابا توثيقيا لجلساتها، وتعتبر الأكثر استمرارية ونشاطا مواظبا ليس في فلسطين فحسب، بل في البلاد العربية جميعها، إن لم نقل في العالم جميعه حسب رأي رئيس اتحاد كتاب أدب الأطفال في السويد -الذي زار القدس قبل عدة سنوات- والتقى رواد الندوة، ومع ذلك فان الندوة غير معترف بها على المستوى الرسمي، لأنها غير مرخصة، وكأن الثقافة بحاجة الى ترخيص، أواذا لم يكن المبدع مرخصا فانه لن يبدع، أو لا يسمح له بأن يبدع.
وعودة الى المؤسسات الثقافية المرخصة، والتي لا تمارس أيّ نشاط يذكر، اللهم إلا اذا اعتبرنا جمع التبرعات وتخصيص الميزانيات نشاطا، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر دار اسعاف النشاشيبي في القدس، التي اشترتها مؤسسة دار الطفل العربي قبل سنوات بملايين الدنانير، لاستعمالها كمركز ثقافي يحمل اسم أديب العربية اسعاف النشاشيبي 1985-1948 والذي أبّنه أحمد حسن الزيات غداة وفاته قائلا: “إن النشاشيبي كان خاتم طبقة من الأدباء واللغويين المحققين، لا يستطيع الزمن الحاضر بطبيعته وثقافته أن يجود بمثله، فمن حق المحافظين على التراث الكريم، والمعتزين بالماضي العظيم، أن يطيلوا البكاء على فقده وأن يرثوا لحال العروبة والعربية من بعده”. فهل واصل المركز الثقافي مسيرة النشاشيبي في بيته في هذا الزمن الأغبر؟ وماذا كان سيقول محمد حسن الزيات لو طال به العمر ورأى حال المركز الثقافي الذي يحمل اسم صديقه أديب العربية؟ والمركز الذي افتتح رسميا في أواخر العام 2012 فيه مكتبة متواضعة، وغير مرتبة ومصنفة كما يجب، تمّ رفدها في الأشهر القليلة الماضية بتسعة آلاف كتاب جمعها وأرسلها لها ابن القدس البار المبعد الى الأردن الدكتور صبحي غوشة، وقد تكلم مدير المركز المهندس خالد الخطيب أكثر من مرّة على ضرورة وضع برامج ونشاطات ثقافية يومية للمركز، لكن يبدو أن صلاحياته مقيدة من قبل إدارة مؤسسة دار الطفل العربي، ليبقى النشاط الأبرز للمركز هو الكافتيريا التي تشغل طابقه الأول منذ عدة شهور…وهذا يضعنا أمام تساؤلات كبيرة منها:
– – هل مركز دار اسعاف النشاشيبي مركز ثقافي عام أم مؤسسة تجارية ربحية خاصة؟
– – من المسموح له القيام بنشاطات ثقافية في المركز؟ وبالتالي من المسموح له حضور نشاطات المركز ان كان فيه نشاطات؟ وما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر فيه؟
– – حسب علمنا هناك مكتبة عامة في المركز، فهل هي مكتبة عامة فعلا أم مكتبة خاصة؟ ومن يجوز له ارتيادها والاستفادة من مقتنياتها؟ وماذا يترتب عليه اذا ارتادها؟
– هل مؤسسة دار الطفل معنية بتفعيل دار اسعاف النشاشيبي كمركز ثقافي؟ أم هو مجرد مركز عليه لافتة باسمه؟ أو بالأحرى ما هي الأهداف المتوخاة من المركز؟ أم هو فقط يعتمد على الكافتيريا الموجودة فيه؟ وهل هناك شروط ومواصفات لمن يريد ارتياد الكافتيريا”المقهى”؟ وهل مسموح لمن يرتاد الكافتيريا أن يتكلم في الثقافة مع زملائه، أم هناك محاذير ومحظورات؟
وبالتأكيد هناك مؤسسات أخرى مثل مركز اسعاف النشاشيبي، مع التأكيد مرّات ومرّات بأن المؤسسات الثقافية لا تنتج ثقافة، وغير مطلوب منها ذلك، لكن عليها رعاية واحتضان النشاطات الثقافية بل ودعمها، وكان الله في عون شعبنا.
23-4-2014