الأحداث الجارية في مصر هذه الأيام مخيفة، ولا تبشر بالخير، فمنذ الاعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس د.محمد مرسي، ومصر تغلي كالمرجل، ولم يتراجع الرئيس عن إعلانه رغم الملايين التي خرجت للاحتجاج عليه، وكان الأولى بالرئيس الذي وصل الى الرئاسة بطريقة ديموقراطية أن يحترم رغبات شعبه، فيتراجع عن إعلانه بدلا من أن يترك الأمور تصل درجة الصدام وسفك الدماء بين أنصاره ومعارضيه، ولا يعلم سوى الله الى أين ستتدحرج الأحداث؟ والى أين سيكون مصير الأمن الداخلي في مصر.
وأخطر ما في الموضوع هو شعارات التكفير التي يرفعها أنصار الرئيس في وجه معارضيه، وأخطر ما فيها هي دعوات قتل المعارضين الصادرة عن بعض ذوي اللحى المتسترين بالدين، تماما مثلما هي دعوات التخوين التي يطلقها بعض المعارضين، فمصر للمصريين جميعهم، وليست لهذا الحزب الديني أو ذاك.
والرئيس مرسي رئيس منتخب للمصريين جميعهم وليس لجماعة الاخوان المسلمين وحدهم، ويبدو أن الرئيس يعتمد في قراراته وسياساته على تعليمات “مرشد الجماعة” وقيادة الإخوان المسلمين، وأن لا سياسة مستقلة له، وهذا ما يفسر استقالة مستشاريه لعدم رضاهم عن سياساته وقراراته، بل وعدم استشارته لهم، فالرئيس لم يخرج من عباءة الاخوان المسلمين، الى العباءة الأوسع عباءة الشعب والأمة.
والشعب المصري الذي قدم الشهداء من أجل مصر وشعبها وأمتها فقام باسقاط نظام المخلوع حسني مبارك لن يقبل استبدال حكم الطاغية بحكم ديكتاتوري آخر وإن تستر بالدين.
ومصر المستهدفة من قوى أجنبية معادية لمكانتها وعظمتها على الساحتين الاقليمية والدولية لا تقبل أن تكون دولة دينية، ليس من باب العداء للدين، ولكن من منطلقات أن الدولة الدينية غير قادرة على بناء دولة حديثة، وستلحق الظلم بشعبها قبل غيره-خصوصا من اتباع الديانات الأخرى-.
إن ثورة 25 يناير المصرية أدهشت العالم، وقلبت موازين القوى في المنطقة حتى قبل استقرارها، فهل يجوز الالتفاف عليها وتجييرها لحزب ديني بعينه؟ ومصر التي تعاني أزمات اقتصادية خانقة، أورثها إياها النظام البائد بحاجة الى الاستقرار الآن أكثر من أيّ وقت مضى، وما انسحاب الكتل والشخصيات السياسية من لجنة اعداد الدستور الجديد، إلا تعبير منهم عن عدم الرضا على ما يجري، وأنهم لن يكونوا أكثر من ديكور لتجميل عملية الانفراد بالدستور الذي سيجير الدولة الى حكم فئة بعينها، وهذا ما تجاهله الرئيس بتعليمات “مرشد الجماعة”ولا يفهمن أحد من هذا هو نفي حق جماعة الاخوان المسلمين في الوصول الى الحكم، لكنه يعني أن مصر لكل مواطنيها، ولا يستطيع حزب بمفرده أن يحكمها، وليت جماعة الاخوان يتعلمون من تجارب غيرهم، وليتهم يدققون مثلا في عدد المناصب الرفيعة التي يتبوأها أعضاء من الحزب الجمهوري المعارض في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وكيف يكمل الحزبان الديموقراطي الحاكم والجمهوري المعارض في أمريكا بعضهما البعض في الحفاظ على مصالح شعبهم ودولتهم في مختلف السياسات الداخلية والخارجية.
إن مخاوفنا مما يجري على الساحة المصرية تنبع من حرصنا على نجاح الثورة الشعبية، وخوفنا من الالتفاف عليها وإدخال مصر في صراعات داخلية ستكون مصر هي الخاسر الأول فيها، فعزة مصر وسؤددها عزّ لشعبها ولأمتها…فحافظوا على مصر يا أبناء مصر ولا تتصارعوا فتذهب ريحكم.
06-12-2012