الكشف عن المخطط الإستيطاني الإسرائيلي تحت شعار “المتنزّه الوطني”، والذي سيقوم على مليون دونم من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1967، ويمتدّ من ستوطنة “كوخاف هشاحر” شرق رام الله؛ لتصل منطقة الهيروديون شرق بيت لحم. وهذا يعني مصادرة أراضي براري حزما، عناتا، العيسويّة، الطّور، العيزرية، أبوديس، عرب السّواحرة، العبيديّة والتّعامرة. ويعني أيضا مصادرة 20% من مساحة الضّفّة الغربيّة، ويعني أيضا فصل شمال الضّفّة الغربيّة عن جنوبها بشكل نهائيّ، لكنّه يهدف قبل كلّ هذا وذاك استيطان هذه المنطقة بشكل تدريجيّ، وما “المتنزّه الوطنيّ” هذا إلا للإستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة، ليتمّ استيطانها حسب مخطّطات مرسومة ومدروسة بعناية، لكنّها تنسف إمكانيّة مجرّد الحديث عن إقامة دولة فلسطينيّة. ومعروف أنّ المستوطنات القائمة والتي تضخّمت بشكل واسع منذ توقيع خطيئة أوسلو في سبتمبر 1993، حاصرت المدن والبلدات الفلسطينيّة في الضّفة الغربيّة، وجعلت منها جزرا متباعدة. وفي حال تنفيذ هذا المشروع، فإنّ مجرّد الحديث عن أيّ حلول سلميّة وسطيّة سيكون غباء فاضحا.
ومن اللافت أنّ الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة كانت تصادر بضع مئات أو آلاف من الدّونمات لإقامة مستوطنات عليها، وتعطي مبرّرات كاذبة كثيرة لهذا الإستيطان، لكن بعد انخراط كنوزها الإستراتيجيّة في العالم العربيّ سرّا وعلانيّة في عمليّات التّطبيع المجّانيّ، تحت شعار “سلام الشّجعان” و”القرارات السّياديّة” و”التّحالفات الأمنيّة والعسكريّة”، وبعد أن نقلت أمريكا سفارتها من تل أبيب إلى القدس، واعترافها بضمّ اسرائيل لمرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّة، فإنّ اسرائيل لم تعد بحاجة إلى مناورات سياسيّة خادعة كما السّابق؛ كي تنفّذ مشروعها الإستيطانيّ التّوسّعيّ، ولم يعد لديها وقت حتّى للجلوس في مفاوضات عبثيّة لن تسفر عن أيّ شيء! وهي تعمل على فرض سياسة الأمر الواقع، التي تحصر الحقوق الفلسطينيّة في إدارة مدنيّة على السّكان وليس على الأرض، وتنفيذ ما يسمّى “بالحلّ الإقتصاديّ”، أي استغلال الأيدي العاملة الفلسطينيّة، لتجعل من الشّعب الفلسطينيّ مجرّد “حطّابين وسقّائين” -حسب التعبير التّوراتيّ، ولن يضيرها أن تكون دولة فصل عنصريّ ما دام حكّام العرب والعجم يعتبرونها “واحة الدّيموقراطيّة في الشّرق الأوسط”! وبما أنّ اسرائيل سنّت قوانين تفرض فيها أنّها “دولة اليهود”، فلن يكون ذلك اليوم بعيدا الذي تفتعل فيه حربا إقليميّة تقتل فيها من تقتل من الفلسطينيّين وتشرّد الباقين إلى الشّتات.
وإذا ما أراد الفلسطينيّون تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلّة كبقيّة شعوب الأرض، فإنّه لا يبقى أمامهم إلّا تنفيذ المشروع الإسرائيلي القديم الجديد، بإقامة دولة فلسطينيّة في قطاع غزّة، تمتدّ بمساحة اثني عشر ألف كيلومتر في صحراء سيناء المصريّة، وهذا يندرج تحت المشروع الأمريكيّ “الشّرق الأوسط الجديد” الذي يرمي إلى إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ الذي تتعدّى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة. فهل يعي ذلك طرفا الإنشقاق الفلسطينيّ مع أنّ قادتهم يعلمونه؟ والحديث يطول.
19-6-2022