باسل يتعلّمُ الكتابة

ب

منشورات الزيزفونة-بيتونيا-رام الله 2017.:
قلب باسلُ الورقةَ الأولى من دفترِهِ.
أمسكَ باسلُ قلمَ الرَّصاص بيدِهِ اليُمنى .
حاولَ أنْ يُمسكَ قلمَهُ بأصابعِهِ الثّلاثةِ – الإبهام والسّبّابة والوسطى – كما تفعلُ معلّمتُهُ ديمة.
لم ينجحْ باسلُ في وضعِ القلم بينَ أصابعِهِ كما تفعل معلّمتُه، حاول ….. وحاول.
مرّةً يضمُّ أناملَ أصابع يدِهِ اليُمنى الخمسة، ومرّةً يُفلتُ إصبعَهُ الخنصر .
لكنّه لم يرضَ عن كيفيّةِ امساكِهِ للقلم؛ لأنّهُ لا يشبهُ امساكَ معلّمتِه له.
تتحرّكُ الصفحةُ البيضاءُ كأنّها تصفّقُ لباسل، مثلما تصفّقُ والدةٌ لابنها الرّضيعِ، وهو يخطو خطوتَهُ الأولى متهيّبًا خائفًا من الوقوع .
تخيّلَ باسلُ أنّ الورقةَ تقولُ له:
لا بأس يا صديقي، هيا اكتبْ اسمَكَ على صدري، لا تتردَّد فيدُكَ الصّغيرة الجميلةُ، وأصابعُكَ تلتفُّ على القلمِ كزهرةِ اللوز .
تشجّعَ باسل، حملَ القلمَ بأربعِ أصابع، ضغط على الورقةِ بقوّة، انكسرتْ رصاصةُ القلمِ بعد أنْ كتبَ حَرْفَ الباءِ “بــ”.
صمتت الورقةُ باسمةً كأنّها تقول: لا تخفْ يا عزيزي .
غضبَ باسلُ، ألقى القلمَ على الدّفتر، وعاد إلى سريرِهِ حزينًا، رأتْهُ والدتُهُ التي عادتْ لتوّها من عملها، خفّفتْ مِنْ روعِهِ وقالتْ له:
يحدُثُ هذا دائمًا مع الأطفالِ جميعهم في مثل عُمرِك يا بنيّ، لكن بما أنّكَ الأذكى، فإنّكَ ستتعلّمُ قبلهم، طبعتْ قبلةً على جبينِهِ وهي تـُردّد:
هيّا انهضْ يا بُنيّ، حاوِلْ مرّةً أخرى، فأنا متأكدّةٌ أنّ محاولتَكَ هذه المرّة ستكونُ ناجحةً، نهضَ باسلُ على استحياء، توجّه إلى الطّاولة.
حملَ المِبراةَ، وبرى القلمَ من جديد.
كرّرَ باسلُ المحاولةَ مرّةً أخرى.
لم يضغطْ باسلُ على القلمِ بقوّةٍ مثل المرّةِ السّابقة.
كتب باسلُ من جديدٍ بـ …..ا ….. جاء حرف الألف بين السّطر الأوّل والثّاني، وحرفا السّين واللام جاءا على السّطر الثّاني.
ابتسمت الورقة لباسل مرَّةً أخرى وقالت له:
ممتازٌ أيّها الولدُ الوسيم، لكن يجب أنْ تكتبَ اسمَكَ على سطرٍ واحدٍ، حاوِلْ مرّةً أخرى .
محا باسلُ ما كتبَهُ، ضغط على المِمحاة، صدرَ صريرٌ عن الورقةِ، لكنّها لم تتكلمْ، صارت الورقةُ تئنُّ، ثمّ انبعجت.
غضبَ باسلُ، وعلتْ تكشيرةٌ وجهَهُ.
ابتسمتِ الورقةُ وقالتْ لباسل:
لا عليك يا عزيزي، اكتبْ مرّةً أخرى على صدرِ شقيقتي.
سألَ باسلُ: وهل للورقةِ شقيقاتٌ؟
ردّتْ عليه والدتُهُ:
شقيقاتُ الورقةِ هي الأوراقُ الأخرى التي تليها يا باسل.
اعتدل باسلُ في جلسته، أمسك القلمَ، كتب اسمَه على صدرِ الورقةِ الجديدة، كتبه على السّطرِ الأوّلِ بحروفٍ كبيرةٍ .
نسمةٌ خفيفةٌ مرّت على وجهِ الدَّفترِ، تحرّكتِ الأوراقُ كأنّها تُصفّقُ لباسل.
اعتدلَ باسلُ عندما سمعَ الورقةَ تقول له:
ممتازٌ أنت أيّها الطّفلُ الرّائعُ.
فرحَ باسلُ كثيرًا، شكرَ الورقةَ التي فتحتْ ذراعيها له، كرّرَ كتابةَ اسمِهِ “باسل بن لمى ومعتصم” خمس مرّات في كلّ سطرٍ.
كتبَ باسلُ على سطرٍ، وترَك السّطرَ الذي يليه فارغًا إلى أنِ امتلأتِ الورقةُ.
في السّطرِ الأخيرِ كان اسمُ باسل جوهرةً تتلألأُ على صدرِ الورقةِ، فصفّقتْ له والدتُه التي فرحتْ لابنها، الذي يتعلّمُ أصولَ الكتابةِ والقراءةِ.
حملَ باسلُ دفترَهُ، ذهب فرحا لوالدتِه، وقالَ لها:
انظري يا أمّي لقد عرفتُ كيف أكتبُ على السّطرِ.
ردّتْ عليه والدتُه: كنتُ متأكّدةً من قدراتِكَ يا باسلُ، لذلك تركتُكَ وحدَكَ؛ لتتعلّمَ الاعتمادَ على نفسِك.
باسل: شكرًا لكِ يا أمّي.
عاد باسلُ إلى الطّاولةِ حاملا دفترَهُ، قرّرَ أنْ يكتبَ اسمَهُ بالانجليزيّةِ كما علّمتْهُ أمُّهُ، فتحَ دفترَهُ على صفحةٍ جديدةٍ وكتبَ ” Basil “، كتبها ثلاثَ مرّاتٍ في كلّ سطرٍ، حتّى نهايةِ الصّفحةِ.
عندما عاد معتصمُ من عملِه، ركضَ إليهِ ابنُه باسل حاملا دفترَهُ، قال لوالدِه فرِحًا:
انظرْ يا أبي، لقد كتبتُ اسمي على الدّفترِ كما طلبتْ معلّمتي ديمة.
احتضنَ معتصمُ ابنَهُ باسلَ، قبّلَهُ على جبينِهِ وهو يقول:
أنا فخورٌ بك يا باسلُ، هلْ تعلّمتَ كتابةَ اسمِكَ في المدرسةِ؟
قالَ باسلُ وهو يشيرُ بيدِهِ:
أمّي هي التي علّمتْني، وقد علّمتْني الحروفَ العربيّةَ والانجليزيّة، وعلّمتْني الأعدادَ باللغتين، وبعضَ الكلماتِ الانجليزيّة.
أبو باسل: أنتَ ابنٌ رائعٌ يا باسلُ، خُذْ دفترَكَ يا بنيّ.
باسل: لكنّكَ لم تقرأْ كلَّ ما كتبتُ يا أبي.
معتصم: أنا متأسّفٌ يا بنيّ، وهلْ كتبتَ شيئًا آخر؟ أرِني إيّاه.
فتحَ باسلُ دفترَهُ على الصّفحةِ التي كتبَ اسمَهُ عليها بالانجليزيّةِ، أشار إليها وهو يسألُ:
هل رأيتَ هذا يا أبي؟
ابتسمَ معتصمٌ وهو يقول:
سامحني يا باسلُ، فأنا لمْ أرَها من قبل؛ لأنّني تَعِبٌ، فقدْ عدتُ من العملِ الآن.
احتجّ باسلُ وقال: أمّي عادتْ من عملِها تعِبَةً أيضًا، لكنّها رأتْ ما كتبتُ، وهي تعدّ لنا الطّعامَ في المطبخِ.
معتصم: يبدو أنّ أمَّكَ أكثرُ نشاطًا منّي.
باسل: نعم، أمّي تتعبُ كثيرًا، ولا تشكو أبدًا.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات